بعد ليل ممطر كان متوقع أن يكون تاليه محمولا برطوبة ولكن على غير المتوقع هبت ريح شديد أزاحت السحب الممطرة إلا اليسير منها التي ظلت في تصارع مع الريح يحاكي مصارعة غير متكافئة تنتهي بفوز مفاجئ للمهزوم في بداية النزال .
لم ينم معظم سكان مدينة المرمر خاصة ساكني حي البلاط المجاور للصحراء ومقابر تلال القمر ،
في منتصف الليل ومع اشتداد الريح تطايرت الخيام والسقيفة القابعة على بعد أمتار من كوبري الشارع المهجور متجاوزة مقهى الحي وتفتت كطحينة مخلفة دوي كانفجارات متتالية لقنابل صوتية .
تنبه السكان مذعورين من الصوت لم يجرؤ أحد أن يطل برأسه خوفا من أن يطاله مكروها مما يجري في الخارج ، في الخارج الأمر بدا كساحة حرب ريح وبروق شبه متصله ودوي الرعد والعديد من الصواعق التي سقطت في مساحة لا تتجاوز الكيلومتر المربع الواحد ، ظل الناس سهارى بين ذعر وتسابيح علها تكون تسبيحتهم الأخيرة والبعض ودع زوجته وأولاده لعله يكون آخر يوم له معهم ، ظل الجميع منتظرين بزوغ الفجر لينهي عذاباتهم هذه .
في الخارج كان كل شئ يجري في تسارع ، استغل بعض الأشقياء الأمر إذ كان لا يتكرر إلا كل سبعين سنة على أقل تقدير ، حشد السبعين سنة ينتهي في ساعات معدودة مالم يكن في الحسبان أن الأشقياء من العفاريت نصبوا أميرا عليهم يدعى البربيرة ، عفريتا شابا اكتشف لتوه قدراته يدعونها هبات مات في سبيل اكتمالها له خلق كثر من ساحرات وجن مسالمين ، حدثت أمور جسيمة انتهت بدحر الساحرات وطردهن من متفسحهن في المقابر إلى مملكة الطين في الصحراء، كان الجن المسالمين في أرض التاء اعتزلوا القتال منذ الوصاية عليهم من قبل مملكة الحجارة لثلاثين قرن لصغر سن أميرهم ويدعى هيدباء ولكن بعض الجن تمردوا لأنهم يرون أنهم أقوى من الحجارة فانسحبوا وتبعهم الغيلان من الجن الذين أصبحوا عفاريت أشقياء وحان لهم أن ينصبوا أميرا عليهم بعد أن ظلوا قرونا كثيرة دون أمير ،
ولكن الحجارة الصغيرة سمعت من بعض القطط السوداء تحديدا نبأ التنصيب حين البروق قبل جذب أول صاعقة في ليل منتصف يناير 2020،
ولأن الحجارة بطيئة الحركة والكلام فقد استغرق تناقل النبأ قرنين ونصف القرن واستغرق التشاور بين الحجارة الكبيرة في الجبال نصف قرن لكبر أذانها وحناجرها الواسعة .
كانت مملكة الحجارة قد بدأت تحركاتها الواسعة وتحالفت مع مملكة الطين و مملكة الساحرات ، لم يعلموا أن العفاريت لديهم هبات لضعف استخباراتهم ، فرجال الطين لم تغادر الصحراء لتسترق السمع وإذا ما غادرت تم طردها من قبل الناس ، ورجال الحجارة لم يتسن لهم نقل الخبر ،
والساحرات لم تكن مهمتهن التخطيط للمعارك إذ أن معظمهن يفضلن الصيد لم يأبهن بتودود العفاريت من حولهن ، والجن المسالمين لم يخوضوا شجارا منذ قرون .
انتهت المعركة بتنصيب البربيرة أميرا على كامل أرض التاء و طرد المهزومين إلى أرض مملكة الطين بعد تناقصهم بشكل ملحوظ ،
قالت الساحرة الصيادة .. خسرنا المعركة .. نعلن أننا نحن الساحرات قد خسرنا اليوم ونطلب الأمان لمن تبقى منا للخروج إلى أرض الطين ..
كانت العفاريت تموج في المكان وتجذب بأجسامها وأجسام الجن المسالمين الصواعق إلى أرض التاء وتفني أرواحها وأرواح أشقاءها من الجن في سبيل البربيرة وهباته ،
كانت الحجارة قد همت من قبل برمي نفسها من الجبال على المكان المخطط له أن يكون مكان تجمع للعفاريت وكان كل شئ حسب الخطة إلا أنهم لم يكونوا على علم بهبات البربيرة إذ أنه بنفخة منه استطاع تفتييت الحجارة قبل سقوطها من الجبال و فتح فمه كامل فمه على امتداد أسفل وجهه واتسعت أنفه وجذب سحب منخفضة لتعصر نفسها في أرض الطين حتى ينام الطين أقلها في هذه الساعات القليلة ليمنع التصاق الطين بالحجارة لإنجاب الساحرات اللواتي يكن شابات وقت انجابهن بصورة دورية طبيعية وبعد مرور سويعات يبدأ تشكل الأجنحة للطيران وكلا حسب مهارتها في تطويره فزعيمة الساحرات الساحرة الصيادة أصبح لديها جناح لماع كالمعدن يحميها من قذف الناس لها بالحجارة إذ يحسبونهن جنيات سارقات بسبب انتحال العفاريت لشخصياتهن وسرقة الناس باسمهن .
قاتلنا بشرف لننعم بالراحة التي حرمنا منها العفاريت ولكننا هزمنا سنبني انفسنا ونتجدد لنقابل أميركم .
دوت ضحكات من العفاريت وكلمات نارية من البربيرة.. إنه عهدنا وعهد النار التي نحن منها .. نحن من يبني ويعمر ونحن من بنينا دون أن يكون لنا فضل يذكر وسندحر البشرية وقتما نتمكن منهم ..
أنتم أشد قوة من بني البشر كان مقدر لنا أن ننهيكم المرة الماضية ولكن ..هذا الملعون ..
رفع يده وكان يمسك بصورة جني ضخم مقارنة به وكان معه في الصورة..هذا الملعون أراد استعبادي ارادني أن أكون عبدا له ثم علمت أنه مرسول من قبل الحجارة ..مزقت لحمه ورميت به في قعر البركان ..هذا وقتنا وحاضرنا اخرجوا من أرض التاء سأطاردكم إلى الأبد ..
انسحب من تبقى من الساحرات والجن إلى أرض الطين وكانت كلها نائمة من طرفها إلى أقصاها واندسوا تحت رمالها الرطبة علها تعافيهم وتعيد لهم بعض مافقدوه في النزال .
قبل الفجر كان إنتهى تقريبا كل شئ البربيرة تم تنصيبه أميرا والمهزومين أصبحوا في أرض الطين مندسين بدموعهم تحت ترابها يزيدونه بللا فوق بلله ..
ساد صمت رهيب بالرغم من الهبوب الكثيف للرياح ..صمت للجن في الأرض الخواء تلال القمر وماحولها ناحية الصحراء آذنة بميلاد فجر جديد وسيد هزم المعلوم بمجهول .
طلع الفجر فتوقفت الرياح وكفت السماء عن مطرها ساد الصمت فهلل الناس شكرا ماهي إلا ساعة حتى عكست الشمس من بعيد اشعتها على بقايا السحب التي ظلت تصارع الريح للبقاء وعصرت كل ما فيها على رمال الصحراء ، فبان حجم الدمار التي خلفته أمطار ليلة أمس ..
أشجار بالكامل تم اجتثاثها و أسقف متطايرة لبعض البيوت القديمة وحيوانات من أغنام وبقرتين وبعض القطط والكلاب والأدهى من هذا فقد تسبب الماء النازل من أحد الجبال في نحته بشكل ملحوظ كمن تم قضمه بفم عملاق ..
كان متوقع أن يكون الجو رطبا جراء أمطار الليلة الماضية و أن ينتهي جفاف الريح الجاف في أيام خلت .. ولكنها لم تكن أمطار خير ..
أفسدوها الملاعين بعهدهم الغابر .. كما علقت الساحرة الصيادة الصغيرة .. كانت آخر الساحرات اللواتي تم انجابهن قبل بدء المطر والنزال.. كانت ضعيفة بالرغم من مضي ساعات من انجابها ظلت دون جناحين تمشي على الأرض وتركل الرمال الناعمة بقدمها الحافية ..
بانت أشعة الشمس للعيان وبددت السحب وكأنه لم تكن هنالك سحابة من قبل على امتداد الأفق ..
دبت الحياة في حي البلاط وخرج الناس يتفقدون ماخلفته الأمطار ويحصون خسائرهم ..
خرج سعد إلى الشارع بعد مضي ثلاثة أيام في فراشه جراء الحمى والجرح الذي بذراعه يتبعه شهاب برأسه الكبير وحركته الغير متناسقة بسبب كبر رأسه وسمنته.. تمشيا قليلا لكن البرد كان قارسا و جافا مع هبات للريح حاملا رائحة الطين البارد ،
تلكك شهاب في المسير فحمله سعد تحت ذراعه وأسرع في المسير ناحية الشارع المهجور والمقبرة المستحدثة التي محيت لافتتها وكسرت بفعل الريح وانغرزت في الأرض .. كان الأهالي ينقلون جثث الحيوانات النافقة من الحي ويلقونها في مكب القمامة استعدادا لحرقها.. والبعض الآخر ينظف الشارع من الأحجار .. انضم سعد إلى شلة العجائز وجلس معهم وكان يغطي ذراعه المخاطة بشال أحمر ..
مضى نهار هذا اليوم سريعا والناس نهكها التعب ..خلت الطرقات من الصغار اللذين كانوا يملأونها صخبا وحياة إلا من بعض القطط التي ظلت تتجول تلتقط بعض بقايا الطعام المرمي ..
في الجانب الآخر جلس البربيرة متربعا على عرشه وأعوانه من العفاريت يجولون ويرقصون طربا ابتهاجا واحتفالا بالنصر ..وعلى أرض الصحراء مملكة الطين جلست الساحرات مع الجن يطببون جراح لم يتوقف نزيفها ..
