حبوبة الحنونة ومحبوب اللطيف

163 7 7
                                    

كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة ليلا عندما سمع طقطقة على باب شقته ..
- من هناك ..
كررها مرارا حتى سمع صوتها .
فتح لها الباب دون أن ينتظر منها إجابة ، وبدورها لم تنطق ببنت شفة كعادتها إذا ما تأخرت في الرجوع . كانت تدرك ذلك ، ولكنها اعتادت أن تفعل هذا بين حين وآخر .
- تعال للعشاء قد جهزته لك .. كليه كله ; فقد سبقتك وتعشيت وقتما كنتي في الخارج ..
هبت رياح شديدة ففتحت نافذة في غرفة تطل على الشارع.
أسرع سعد لإغلاق النافذة ، وفي لحظة خاطفة أحس بأنه ذراعه خاوي حاول أن يستعيد توازن ذراعه ،وإذا بجسم خفيف يقفز على رأسه برشاقة تاركا خياله على حافة النافذة مهرولا إلى طرف القمر كما بدى له للحظة .
تأوه بألم واستسلم للسقوط وسط الغرفة ممسكا بذراعه وكان ينزف دما قدر سخونته بمقدار غضبه هذه اللحظة وتذكر محبوبة التي أتت قبل قليل .
صرخ صرخة مكتومة وغص في بكاء لا يعلم سببه أمن حبوبة التي تأكد خيانتها له أم من ألم ذراعه ؟!..
مضت دقائق وهو على حاله هذا بدت له وكأنها دهر لم يعد يبالي بذراعه الجريحة جل تفكيره انصب في حبوبة وتذكر كلام صديقه أن لا جدوى ترتجى من الإناث !
- ابتسم مهمهما .. اكتفيت من كل هذا .
نهض ناحية غرفته يربط ذراعه بخرقة وجدها على الطاولة بجانب حبوبة التي اكتفت بتتبعه بعينيها العسليتين .
رن جواله في جيب سترته التي تركها معلقة على الباب ..تررررررررن ترررررررىننن ..
أسرع سعد مجيبا على الاتصال ..
- ألو .. نعم لا .. لا أستطيع حقا ذراعي تنزف من جرح ..
على الجانب الآخر انطلق صراخ كهزيم الرعد ..
آآخخخخخخخخخآآآخخ
- ألو ألو.. ألو هل مازلت معي ..
- لست معك أنا مع شلال ..
وانطلق الاثنان في حالة ضحك..
- ميسون ؟
- نعم!
- سأتخلى عن حبوبة .. أريد استبدالها بمحبوب ..
وكان هذا دأبه في تسمية الإناث كل الإناث اللواتي عرفهن بحبوبة ، والذكور كل الذكور بمحبوب !
أغلق سماعة هاتفه ، واهتم لأول مرة بجرحه الذي وجده عميق وكأن كل جلده انسلخ من لحمه .
في المستشفى نظر الدكتور المقيم إلى وجهه مرة و إلى جرحه مطولا ثم قضم قضمة كبيرة من شطيرته التي كانت قد بردت وهي موضوعة أمامه لفترة طويلة ..
أخذ الدكتور يمضغ ويقضم بنهم كبير كمن يمضغ دون أن يبلع ونظره لا يفارق ذراع سعد المسلوخة الجلد..
مضت فترة ليست بالطويلة قبل بدء خياطة الجرح المسلوخ ..طوى سعد جلده فوق بعض بعد تعقيمه وبدأ الدكتور في خياطة الجرح وسعد يتأوه بين غرزة وغرزة من الإبرة ، وبعد كل سنتيمتر واحد خاط خرزة تجميلية حتى بلغ عددهن ثلاث خرزات !
واصل سعد سيره ناحية شقته- التي تكمن في الدور الخامس من عمارة بها عشرة أدوار ليس بها مصعد ولا سلالم نجاة تطل على شارع مهجور من الأمام و ورشة لتصنيع الألومنيوم من الخلف - وصعد السلالم ببطئ و وجد حبوبة عند باب الشقة في انتظاره .
وارب الباب خلفه تاركا حبوبة تدخل وراءه ، ولكنها تباطأت في حركتها ففطن أنها خانته، ولم تتردد في خيانته متى ماسنحت لها الفرصة ، ولكنها في النهاية دخلت وراءه وجلست على حافة السرير كما تفعل كل مرة حتى يدعوها أن تنام بجانبه .
لم يفعل هذه المرة ; إذ قرر أن يأتي بمحبوب -كما عادته أن يدعو الإناث بحبوبة والذكور بمحبوب - فطن إلى تخيلاته ونظر إلى حبوبة وكانت مازالت تجلس على حافة السرير فدعاها إلى الاقتراب لتنام بجانبه ،وللمرة الأولى لم يدعها تنام على ذراعه ، بل أدار لها ظهره ولكنها تجاوزته ونظرت إلى عينيه و أدارت له ظهرها و تموضعت للنوم .
ابتسم أخيرا وربت على ظهرها يتلمسه ببطئ ..
في الصباح أخذ جواله بعد أن أعد لنفسه كوبا من القهوة ونادى حبوبة لتتناول افطارها..
دار وقتها حديث بينه وبين ميسون -على الهاتف الأرضي- التي كانت متحمسة لطلبه في تبديل حبوبة بمحبوب
- أفضل أن يكون صغيرا فقد سبب لي الكبير الكثير من الفوضى في المرة السابقة; فما عادت لي رغبة بهم ..أريده صغيرا اربيه على يدي ..
- هههههه الإناث مزعجات بحملهن ومسؤولية الأبناء الصغار ، ولكنهن حنونات 😍
- اممم أوافقك الرأي
- إذن سأدبر لك أحدهم ..بشرط تكون حبوبة لي
- يسعدني ذلك ..
- ههههه لك هذا !
انقضى نهار هذا اليوم سريعا بعد ليلة عصيبة مر بها سعد انتهت بثلاث خرزات في يده مع ذراع متورم شاحب .
في المساء لم يخرج إلى المقهى حيث يقص على الحضور قصص مثيرة يملؤها بالنكات والجن والمقبرة المستحدثة في الشارع المهجور . حيث توقفت فيه حركة السير بعدما أعلنت الأوقاف إعادة افتتاحها عندما وجدوا قبورا تحت الكوبري بعضها لم يتحلل رفاتها بعد .
ماكان لهم أن يجدوا هذه القبور ويعلنوا أن منطقة الشارع كلها وما حولها من جهة الصحراء ناحية تلال القمر مقابر بعضها حديث لم يعرف أصحابها وبعضها غائر في القدم منذ ألف عام أو يزيد .
يقسم أكبر سكان الحي أنه لا يعرف هذا المكان إلا شارع منذ ثمانين عام على أقل تقدير .
ظل سعد تلك الليلة في سريره يعاني من الحمى إثر الجرح في حين مكثت حبوبة إلى جانبه لم تغادر . وفي لحظة نسي ألمه عندما لاحظ كبر بطن حبوبة ..
للمرة الأولى منذ أن أتت إلى منزله دمعت عيناه حزنا عليها . تخيل انها رحلت وهي التي لا تنام إلا على ذراعه تاركة ظهرها له ورأسها بين ذراعيه .
حقا كان لن يتحمل أن يكون لها صغير تربيه في شقته ..
قال في نفسه : ميسون تحبها وصرحت أنها ستأخذها عندها وقتها أستطيع أن أراها متى ماسنحت لي الفرصة عند ميسون .
غفا لبعض الوقت و فتح عينيه على يد حبوبة تتلمس وجهه كانت حرارته مرتفعة ويئن ما دفع حبوبة أن تنهض فزعة عليه .
مسح على رأسها وبابتسامة قال لها .. ستذهبين غدا مع ميسون ..بدا له أن صوته لم يغادر حنجرته الملتهبة جراء الحمى عندها استغرق في نوم عميق لم يصح إلا وقد ارتفعت الشمس في كبد السماء كانت الحمى التي رافقته ليلا تلاشت مع شروق الشمس وما أن ارتقت في كبد السماء حتى أخذت ما بقي من تعب ليلتين .
استلقى على سريره يستعيد أحداث اليومين الماضيين والجرح الذي سلخ جلده عن ذراعه وإذا بصوت يقطع حبل ذكرياته
سعد سعد ..كيف تشعر الآن. أتيتك منذ ساعتين وكنت نائما والحمى بادية عليك فلم أزعجك حتى إني أعدت الأولاد إلى البيت وأخذت حبوبة معهم فرحوا بها كثيرا أنهم ينادونها ببالونة القمر اعتقد أن لديها سبعة صغار في بطنها سيربيها يزيد ويعتني بها إلى أن تلد .
شهاب بسبس بسبس .. فتقدم قط سمين ذو رأس كبير أشهب اللون
إنه جميل وصغير مثلما طلبته سيسليك فإنه يحب اللعب ..
ضحك سعد ههههههه إنه هو مثلما طلبت شكرا لكي ميسونة
- لا تشكرني بل قدم الشكر ليزيد لأنه كان يحبه كثيرا مثل حبك لحبوبة بالونة القمر .. تعال يا يزيد وسلم على خالك .
دخل يزيد الغرفة وكان قد أتى حاملا بالونة القمر وهو يضحك بفرح ..
- شكرا لك يا يزيد اعتني بحبوبة فأنت تعرف أن مقدار حبي لحبوبة يعادل حبي لك. عند ولادتها سأشتري لك دراجة جديدة وربطة لكل قط من صغارها ..
ولكن لماذا تخليت عن شهاب وأنت تحبه ؟!
- ياخالو سعد لقد كان يأكل حلواي دون إذني .. كان يستأذن مني قبل أن يأكل أما الآن قال أنا كبرت وأنت لم تزل صغيرا يأخذ كل الكيس ويبقي لي واحدة فقط ويقول لي الحلوى ليست للصغار .
- لدينا قط متكلم إذن !
- أجل وهو من أخبرني أنه يحسد بالونة القمر لأنها بصحبتك !

.

محادثات سيئة السمعةWhere stories live. Discover now