قصة لوحة

103 11 4
                                    

بفرشاة غمست في اللون الاسود بقساوة، وعيون دامعة بعد تهشم قلب صاحبها، اختفى جمال بياض الورقة الرقيقة بعنف واضح...لم تتلون بالاسود وانما شربت واستنشقت سواد اللون الداكن...

دموع تساقطت بغزارة رثاء للورقة الفقيدة...ام تنقية للروح الكئيبة؟ ماذنب الورقة المسكينة ان كان العالم واقرب الناس اليك هم من اذوك؟ هم من اختاروا كلماتهم القاسية بعناية بعدما تأكدوا انها لن ترحمك بعدما يطلقوها عليك دفعة واحدة كرصاص الرشاش...

لاذنب للورقة...

هم من راقبوك تسقط...هي من اشفقت عليك ولم تردعك عندما كنت تنقش حروفك المؤلمة على بياض جلدها...عندما كنت تسلب منها براءتها بعنف وقلمك الاسود يبتسم فرحا بانتصاره...

بيضاء...كانت...وسط عالم اسود...لكنك شئت ان تجعلها مثل البقية...ظلمتها...جعلتها جزءًا منه...رغم انها رفضت...بريئة كانت...

-لا! ما الذي فعلته بك؟! اعتذر...

*و هل ينفع الاعتذار؟! انصحك بأن تبحث عن طريقة تكفر بها عن خطيئتك الشنيعة!*

ما ذنبه؟ فقط اراد ان يشعر احدهم بعتمة قلبه المكسور...

يداه ترتجفان وهو يحمل فرشاة اخرى ستكون وسيلة لتنفيذ جريمة اخرى ربما...او للتكفير عما سبقها...

فرشاة غريقة في زرقة البحر...اخرجها بعنف...فتنفست الصعداء واستنشقت ما امكنها من الهواء المحيط بها...ولون بها جزءًا من الورقة الملطخة بسواد قاع المحيط المعتم...رسم خطوطا عشوائية...معبرا عن هدوئه وحساسيته الممزوجين بالخوف من المجهول...

وبجنونه المعتاد ونحيبه المستمر...حمل فرشاة بريئة اخرى و أغرقها في بئر الدماء الحمراء...اخرجها وقد حملها بكل ما اوتي من غضب وعدوانية وعشق للحياة وقوة لتحديها...و حركها بعنف فوق ما اِسودّ وازرقّ من بياض الضحية...فتحولت بعض الاجزاء الى القرمزي الداكن مؤكدة قوته وساديته...واخرى الى ما تلون به البنفسج الدمِث...معبرة عن شساعة عالمه الخيالي الذي جعله يدرك تفاهة العالم الحقيقي وقساوته...و عمق افكاره...


بقزحتين مغلفتين بالسائل المالح الرحيم...ادار نظره نحو انبوب اللون الاصفر الباهت...ما كان يناسب حماسه في تلك اللحظة...اين لم يشعر يوما كما احس حينها بضرورة انطلاقه نحو الحياة بكل ما يملك من ذكاء وفكر وتفكر...بخشونة يديه افرغ كل ما احتواه على لوحته الرشيقة...


و

راح يبعثر لونه على لوحته غير المفهومة...فاتخذ البرتقالي مكانه غصبا عمن سكنوا الورقة قبله...و جعل الشمس تشرق وتسطع على سكان ارضه...وبجانبه اتخذ الاخضر مساحة شاسعة...بمختلف تدرجاته برهن حكمة من اضافه للوحة وتفاؤله في أشد درجات اكتئابه...وعقد رسامنا مع عالمه هدنة هدأت من أعصابه...

رأى انه قد بقيت مساحة كبيرة سوداء قاتمة...تتوسطها تدريجات لمختلف الالوان...لوهلة شعر انه يناظر نفسه في المرآة...لم تعبر عنه لوحة كما فعلت تينك التي رسمها بكل عشوائية...

وهاهو يجد سلامه مرة اخرى...فأدرك أنه رغم ايامه القاسية قد مر بكثير من اللحظات المفرحة...القصيرة جدا...فحمل فرشاته بهدوء واختار اللون الابيض وراح يرش بعض القطرات منه على عتمة الورقة...

حمل انبوب اللون الاسود وهو موقن ان رغم تلون تلك المساحة الا انها ستشعره بالضيق والقلق احيانا...فرش عليها بعضا من سواد ما يحمله...

تأمل لوحته قليلا
-نعم...انها الحياة...

غسل يديه...واستلقى...ولاول مرة منذ زمن طويل...غفا دون تفكير...

بِريشةٍ رماديةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن