الفصل الثالث

4 0 0
                                    

قلت في حيرة :
-نعم انا بالفعل محظوظة 
و نعم انا محظوظة خسرت عائلتي لكنّي  على الفور حظيت بعائلة أخرى علّها تنسيني  يتمي و تملأ العظيم من فقدي و فراغي
حسين كان افضل صديق يمكن أن  يحظى به المرء
وجوده بجانبي فقط ينسيني الغربة التي أنا فيها و بدونه أنا وحيدة  و لو وضعت وسط الزحام .
▪︎▪︎▪︎▪︎
كبرنا و كبرت احلامنا متكاتفة يستند كل منها على الاخر
وجد كل منا في الاخر الانيس و الرفيق و الخليل .
كان كل شيء احسن مما يرام
وكان اليوم الذي عاد الخريف فيه الى أيامي و عاودت أوراقي السقوط 

دلف حسين الى غرفتي بعد ان اذنت له بالدخول 

-وطني ...اريد اخبارك بشيء مهم
اعتدلت في جلستي و قد ملأ ملامحي التوجس
-خيرا عساه حسين !
- خير هو خير ... عليّ ان اسافر الى السعودية فأنت تعلمين أن ابي يعمل هناك و طلب مني القدوم و العيش معه
سألته و قد اغرورقت عيناي
-و لماذا تغادر الاردن؟ أليست وطنك و ألا تحبها كما ان هذا عامك ما قبل الاخير الا يمكنك ان تنتظر حتى تتخرج من الثانوية و تفكر بعدها في الذهاب الى السعودية
- وطني صدقيني لو لم اكن مجبرا لم اكن لاتركك ابدا كما ان امي معك و انت معها
- لاتذهب يا حسين
- مجبر يا صغيرتي
ثم تعانقنا عناقا طويلا قطعته الخالة امنية
- كيف تجرؤان و تتعانقان من دوني يا خونة
و غرق كل منا في عناق عميق اختلطت فيه مشاعر ضعف و حاجة و حب نقي صافٍ .
لكن تلاه صمت سُمع به دقات كل منا حتى وقت العشاء لم يمزح حسين كالعادة و لم يلق نكاته السمجة بغية مضايقتي و لم تضحك الخالة امنية على مشاكساتنا :
-الحمدلله
- ماذا انت لم تنهي صحنك بعد يا وطن .
- لا يا خالة امنية هذا حدي ساخلد الى النوم... تصبحون على خير .
ما إن  دلفت الى غرفتي حتى سالت عبراتي فارتميت على فراشي ابكي بنشيج احاول كتمه
دخل حسين الغرفة دون استئذان و عانقني على الفور
-كنت اعلم انك غادرتي الطاولة حتى تبكي كما اعلم انك بحاجة الى حضني اكثر من اي شخص الان
أجبته بصوت متقطع :
- لا تذهب يا حسين لا اريد الغرق بالوحدة مجددا ،اولا مطر ثم امي و ابي ثم انت لا استطيع التحمل يا حسين
- وطني هل نسيتي مطر ؟ طبعا لا ، ووالداك ايضا .
انا كذلك يا مطر لا تنسيني ابقيني دائما بقلبك هذا و ابقي دائما قوية كلك عِزّة لا تهزك هزة . سنعاود الالتقاء يا  وطن لا تقلقي
- ساشتاق اليك يا حسين و كثيرا فانت صديقي الوحيد .
غادرنا حسين يوم غد لم أشأ ان ارافقه الى المطار خفت ان اضعف اكثر و اكثر .
▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎
تحصلت على شهادتي و انا بالكلية ،كان عالما اخر بحق اشعر و كاني اقرأ حكاية مختلفة في عين كل أراه . اشتقت ان يكون معي حسين كان يبعث بالهدايا و الرسائل باستمرار لكنه سرعان ما انقطعت اخباره حتى عن امه الخالة امنية

عندما استيقظ ليلا اسمع نحيبها الخفي هي ايضا تشتاق لوحيدها و فلذة كبدها فكنت اعانقها فقط لتشهج بالبكاء و ادخل معها في نشيج اخر انا الاخرى .
عوضني الله بها لم اشعر بالغربة و انا معها و كانت قوية كل القوة رغم صراعها مع مرضها العضال كانت صامدة كطَودٍ متشبث بالحياة و زاد على المها فراق ابنها الحبيب كانت تعلم ان زوجها قد سلبها ابنها و لم تستطع فعل اي شيء ،لقد هددها اللعين لا اعلم بما لكني اوقن انه هددها لهذا آثر حسين الرحيل عنها ليحميها .
▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎
- صباح الخير يا جميلة الجميلات يا امنية الحياة
- صباح الخير صغيرتي .
- رائحة خبزك المحمص اثارت مشاعري
- أنا ايضا صنعته خصيصا لك
- لماذا تتعبين نفسك يا خالة
همت بالجواب لكن السعال اشتد عليها حتى افزعتني
- انا بخير لا تقلقي ، نسيت دوائي فقط
- لا لست بخير لاحظت انك تهملين نفسك منذ رحيل حسين... يا خالتي لم يكن ليسعد ابدا بحالتك هذه . تتخلفين عن مواعيدك مع الطبيب و دوائك ، يا خالتي انت اخر من بقي لي في هذه الدنيا فلم اجد سندا غير الله و انتِ
- وطني عديني انك ستعيدين حسين الى الوطن عديني و انك ستبقين سعيدة مهما حصل و مهما اشتد عليك معترك الحياة
- بل انت من ستعيدين حسين الى الوطن و لست انا حبه لك من سيعيده الان خذي دوائك و لا تتعبي نفسك في اعمال المنزل سافعلها فور عودتي من الجامعة
- وفقك الله يا بنيتي و اسعدك اينما حللتي و اينما تحلّين .
قبلتها من جبينها و غادرت المنزل .
كان يوما عاصفا رغم اننا في وضح النهار الى ان السماء سوداء و كأن الشمس لن تشرق اليوم ، شعرت بوخزات بقلبي حاولت تجاهلها و تناسيها .
▪︎▪︎▪︎▪︎
تتالت المحاضرات علي ولم استطع التركيز في اي منها فجل تفكيري و قلقي على الخالة امنية و حالتها التي تمزق نياط القلب  .
- آنسة الخضري !
افزعني هذا النداء المفاجئ و لم اجده غير الاستاذ ووجه مكفهر مشابه لطقس اليوم
- هل سيكون ماتفكرين به اهم من محاضرتكِ؟
- صدقني أستاذ هو كذلك
انفجر كل المدرج ضحكا  تلتها بعض الهمهات و انا لم اعرف ما المضحك في كلامي.
- اذن تفضلي و سيسعك حينها التفكير بأريحية اكثر
- لكن استاذ ...
- من فضلك آنسة ... خارجاً..وحالاً .
جررت اذيال الخيبة خارجا معي متوجهة الى الكافيتيريا لانتظار المحاضرة القادمة و عاودا الغرق في دوامتي مرة اخرى و كسابقتها قطع علي احد افكار لكنه لم يكن الاستاذ
- هل يمكنني الجلوس ؟
رفعت بصري فاذا به شاب متوسط القامة حاد الانف و عيناه تشبه الفنجان في اتساعها تكسو  شفتيه ابتسامة وديعة .
- طبعاً تفضل بالجلوس
- دعيني احزر استاذ القانون من وضعك هنا
- هو كذلك كيف عرفت !
- بكل بساطة لانني طردت قبلك من المحاضرة "وباشر في قهقهة مدوية ارغمتني على الابتسام " ولو لم تكوني شاردة لانتبهت .
- اعلم فانا امر ببعض الضغوطات هذه الايام
- كان الله معك آنسة ...
- وطن ... وطن الخضري .
- و انا أصلان جاهد
- اسمك غير مألوف أبدا
- و كذلك اسمك يا آنسة وطن " قالها كاسية ملامحه ابتسامة " لكنه جميل جدا كصاحبته و عينيها
- كان هذا لطفا منك شكرا . لكن ما معنى اسمك ؟
- معناه الاسد باللغة التركية
- عجيب ! أمن قلة جمالية أسماء لغة الضاد حتى اختار والداك اسما تركيًّا
- كانت جدّتي رحمها الله من اختارت لي اسمي
- اووه ! أنا آسفة يا أصلان
- لا عليك ...
قاطعت حديثنا فتاة دلفت الى الكافيتيريا تنادي باسم أصلان  ،  فقام بالتلويح لها .
- أصالة انا هنا .
كانت شديدة الشبه به لا فرق بينهما غير سمارها الذهبي المميز و عينيها الخضراوتين و شعرها  بلون القهوة ينسدل على كتفيها و ينتصف ظهرها .
أشارت له تستفسر عن هويتي فقال أصلان مقدما :
- وطن هذه أصالة ابنة عمي و صديقتي المقربة و أصالة هذه وطن الخضري "صمت لبرهة قم أردف "صديقة !
اطلقت ضحكات خفيفة ثم تعجبت قائلة :
- صديقة! لقد تعارفنا للتو يا أصلان
- تشرفنا وطن "و مدت يدها مصافحة "
- الشرف لي آنسة أصالة .... يبدو ان اسمائكم متناغمة
- نعم فأنا و أصالة ولدنا في يوم واحد فآثر جدّانا تسميتنا كتوأم ربما لكننا لانشبه بعضنا البتة عدا تقارب بسيط في الملامح
- بالتأكيد فأنا أجمل .
أحببت كثيرا علاقة أصلان و أصالة تذكرني بعلاقتي و حسين .
- أستميحكم عذرًا علي المغادرة .

خريف وطنWaar verhalen tot leven komen. Ontdek het nu