٦- وبدأت الحكاية

ابدأ من البداية
                                    

تأكد انها ابتلعتها فأعاد رأسها على الوسادة من جديد وبدأ يبتعد وهو يسحب كفه من اسفل عنقها فتشابكت أصابعه بجدائله و كأنه يتمسك به متوسلا الا يرحل تاركا اياه .. نظر لتلك الخصلات في تيه و اخيرا نفضها عنه وتحرك مبتعدا امرا الخالة وسيلة:- اشتغلي ع الكمادات يا خالة و انا چارك ف المكتب لو عوزتي حاچة...

اندفع كالممسوس خارج الغرفة فما عاد قادرًا على البقاء لحظة و ما عاد لديه الشجاعة ليتطلع اليها ..فقد شعرانه فقد شيئا ما غاليا لا يدرك كنهه لكنه يستشعر ايضا انه لا يجد ضالته المفقودة تلك الا بقربها .. أي جنون هذا !؟.. ما عاد يدرك ..

*****************

فتحت الخالة وسيلة باب غرفتها ببطئ شَديد حتى لا توقظها ظنا منها ان لازالت تغط في نوم عميق من جراء تلك العقاقير الطبية التي تتناولها لكنها كانت مستيقظة بالفعل تطالع احدى الروايات التي وجدتها على جانب فراشها موضوعة على تلك المنضدة التي تحوى تلك الاباجورة النحاسية .. و التي تشع نورا يجعل الغرفة أشبه بقصص الحكايا القديمة فينقلها بشكل كلى الى جو الرواية التي تطالعها ..

لابد و انه هو من بعث بها الخالة وسيلة حتى اذا ما استيقظت تجد ما يشغل وقتها و هي لاتزل طريحة الفراش .. ابتسمت في ود مجرد ان مر ذاك الخاطر على مخيلتها .. انه يهتم .. بالفعل يهتم بها .. أسعدها ذلك سعادة مبهمة لا تعرف مصدرها لكنها سعيدة و هذا ما يهم .. هتفت ما ان طالعها رأس الخالة وسيلة المطل من فرجة الباب الضيقة تتأكد انها بخير :- تعالى يا خالة .. انا صاحية ..

دخلت الخالة و سيلة مستبشرة و هي تهتف في سرور :- الف بركة جومتك بالسلامة .. خلعتينا عليكِ يا بتي .. حتى عفيف بيه اللى ما كان يتهز ولا الجبل .. كان ناجص يطول السما بيده اول ما جريت اجوله ألحجها .. ده ساج ف الفجر و طريج الچبل واعر عشان يجيب لك داكتور مخصوص..

تضرجت وجنتيها بحمرة محببة ما ان سمعت تفاصيل الثلاث ليالى الماضية و ما فعله لأجلها ..

هتفت بتعجب :- عجيب عفيف بيه .. يعمل ليه كل ده عشان واحدة اخوها مسبب له مصيبة .. !؟.. ده انا قلت ممكن يسبنى اموت و اهو ينتقم من اللى حصل معاه بسبب اخويا .. !؟..

هتفت الخالة وسيلة :- يسيبك تموتى كيف !؟.. دِه من اول ما وصلتى و اللى على لسانه .. دي أمانة عندينا يا خالة .. هي ملهاش ذنب يا خالة .. خلى بالك عليها .. شوفي كل طلباتها ..

ثم تنهدت الخالة وسيلة مستطردة بعد صمت طال لثوان :- بالك يا بتي .. ما في حد يعرف عفيف بيه كدب .. المثل بيجول اللى ربى خير م اللي اشتري .. و هو رباية يدي .. حفظاه كيف ما واعية لكفي دي.. عفيف بيه لو شفتيه مع ناهد اخته و چلعه فيها مش هتصدجي انه عفيف اللى صوته بيهز الچبل اللي جصادنا على مدد شوفك دِه .. سبحان الله عفيف مخدش من النعمانى الكَبير غير شكله .. لكن طبعه كله طبع ابوه .. سيدى راغب الله يرحمه ..

انتفضت دلال بعد ان كانت مأخوذة كالعادة بحديث الخالة وسيلة كلما تحدثت عن ماضي النعمانية و أسرارهم .. لكن تلك النقطة بالذات جذبت انتباهها لتهتف في استفسار:- قصدك ايه ان عفيف بيه شبه جده النعماني في الشكل ..!؟.. يعنى نفس طوله و عرضه وكده !؟..

اومأت الخالة وسيلة مؤكدة :- ايوه يا بتي ..هو بالمظبوط .. محدش من عيلة النعمانية كلها يشبه النعمانى الكَبير كيف عفيف بيه .. كنهم فولة واتجسمت نصين .. نفس الطول و العرض و الهيبة و الصوت اللى يهز الچبل هز .. نفس الطلّة اللى توجف چريان الدم ف العروج .. لكن الحنية والطبع اللين .. كني واعية لسيدى راغب ابوه بالمظبوط .. صدج من جال .. اللي خلف مامتش ..

وأخيرا ادركت دلال من ذَا الذى يزورها في أحلامها العجيبة عن تلك المرأة الحبلى التي تستنجد بها .. انه ليس عفيف بل جده .. لكم اراحها هذا الخاطر .. لا تعرف ما سبب تلك الراحة الداخلية التي غمرت روحها لذلك الاكتشاف .. لكن سمة سكينة عجيبة شملتها جعلتها تتنهد و كأن حمل ما كان يجثم على صدرها و أخيرا تخلصت منه ..

و لكن عليها استغلال رغبة الخالة وسيلة في البوح و الحديث عن ماضى النعمانية لتسألها في فضول لازال مشتعلا منذ المرة السابقة التي قصت لها بعض من الحكاية و أغفلت بعض تفاصيلها لذا هتفت في لهفة :- لكن مقلتليش يا خالة ..

تنبهت الخالة وسيلة بكامل وعيها لدلال و تطلعت اليها بعيونها الدائرية الصغيرة التي تشبه عيون العرائس البلاستيكية لولا انها تنبض بالحياة الخالصة و يشع منها بريق وثاب ..

استطردت دلال بنفس النبرة الملهوفة :- ايه اللى خلى مرات النعماني الكبير .. اللى هي جدة عفيف بيه متسامحش جوزها طول مدة جوازهم و تموت حتى قبل ما تسامحه على الرغم انك قلتيلي انه كان بيعشقها ..!؟..

توترت الخالة وسيلة و همت بالنهوض محاولة تغيير الموضوع الا ان دلال كان فضولها أقوى من ان تترك المرأة تذهب لحال سبيلها دون ان تذكر كافة التفاصيل التي تريحها .. لذا هتفت بالخالة وسيلة مستعطفة :- قوليلى يا خالة .. متخافيش الكلام ده مش هيطلع لحد .. هو انا بكلم مين يعنى هنا غيرك..!!..

تنهدت المرأة العجوز و عادت لتجلس على طرف الفراش من جديد هامسة بتردد :- ليه هتخلينى انبش ف الجديم يا بتى .. ما راح لحاله مع صحابه .. الله يرحم المراحيم كلها ..

هللت دلال بطفولية و هي تشعر ان الخالة وسيلة نفسها عندها رغبة كبيرة بالافضاء بتلك الأسرار التي تختزنها في جوف صدرها منذ سنوات بعيدة :- قولى بقى يا خالة عشان خاطرى ..

اومأت العجوز برأسها و بدأت في سرد قصة الماضى البعيد هامسة بصوت يأتي من أعماق بعيدة .. بُعد ذاك الزمن الذى تحكى عنه حتى انه جعل دلال ترتعش رغما عنها برهبة :- صلي ع النبى يا بتي..

أطاعت دلال في خشوع و تدثرت وهى تستشعر انها ستسمع حكاية من حكايا الماضي في تلك البلاد البعيدة التي يحكمها العرف و تقيدها العادة و يسوسها السادة و يخضع لملكهم صغيرها و كبيرها .. وبدأت الخالة في سرد حكايتها ..او بالأدق حكاية النعمانية منذ ان كانت قطعة ارض جرداء بحضن الجبل الغربي...

*******************

يتبع

جلاب الهوى .. مكتملة.. اتحولت ورقي👌 واضاف عليها مشاهد وتنقيح🥰🌹حيث تعيش القصص. اكتشف الآن