الجزء الثاني

34 2 0
                                    

وعند الغروب، بعد ان غادرت الشمس، ارض الخوصة وخيم الظلام... فتح الحراس باب القرية الوحيد والمنيع ، ما ان اصبح الرجل الشجاع خارج السور وحيداً.. اغلقوا الباب فابتعد. لانه اذا بقى في مجال مرمى السهام، فانهم يرمون النبال السامة عليه... كما لايجوز المكوث في مدار القرية... او قريباً منها.

وتقدم (شاصوم) غير خائف، ولم يأبه لشيء، لقد قرر منذ البداية ان يظل مستيقظاً، وان يقاوم جبروت النوم... حتى انبثاق الضياء الاول، وسيكون في هذه الحالة على استعداد لمواجهة أي خطر قد يحدق به، وعندها غرق في لجج التساؤلات:

هل يتخذ من الشجر ملاذاً له؟

اجاب بنفسه:

- هذا مستحيل.

- اذاً... لا سبيل امامه الا مواجهة الموت!

ولكن هذا ليس حلاً!..

فعليه ان يجد السبيل الى الخلاص، ولابد، ولابد، بل هذا امر اكيد.. من وجود طريق النجاة... ادار رأسه بأتجاه الجبل، وسرعان ما جاء الجواب:

- لقد وجدت مفتاح الخلاص.. انها القمة... أي اليقظة والصبر... حتى بزوغ الفجر...

وهكذا بدأ بكل قوة وخفة ورشاقة.. يتجاوز المسافات الصعبة والشاقة، فهو ابن الجبل ويعرف كل المسالك والخفايا فيه، ويجيد تجنب كل الاخطار... بل ويحفظ صورة مشهد كل شبر... من الارض الوعرة التي امامه.. وبعد وقت، وبعد ان تعفر بالعرق والتعب... وجد نفسه فوق القمة....

في تلك اللحظة المضيئة بنشوة داخلية عارمة شعر بالسماء باتت اقرب اليه من أي وقت.

"أه ه..........ط

وهو مطمئن الى ان مصيره سيكون النجاة.. بدون أي شك.. وبالتالي سيبقى ساهراً... حيث سيطرد النوم عنه، وسيظل منتصباً كالطود الشامخ، خاصة وان الهواء العليل الذي يهب عليه في القمة... سيمنحه قدرة لا توصف على مواجهة خطر النوم.

وهو في دوامة لا تنتهي من التصورات والرغبات، اذ وجد احد الذئاب منتصباً امامه، وهو في حالة هيجان وغضب واستعداد تام للانقضاض عليه.. لم يحسب للذئب أي حساب.. وقال في نفسه:

- ماذا يريد هذا الجبان... هل يريد انهاء حياته على يدي.. انا شاصوم الجبار.

اجابه الذئب بمكر وخبث:

- اعرف من انت ...؟

وفوجئ البطل بالذئب، وهو يتحدث معه بلغته!!

واكمل الذئب:

- انت الان في حالة عظيمة من الاغتباط، لانك قد انتصرت.. او هكذا تتصور.!!

- ولكن من انت ...؟

- لا مهم من اكون... لان هذا لا يعني أي شيء ولكن الاهم ان تعرف ما يدور الان في القرية والأهم ان تكون على دراية بما يحدث.

طوق الذئبWhere stories live. Discover now