86.( ألفرسان الثلاثة )

71 9 0
                                    

"حتى يقولوا إذا مرّوا على جَدثي ... أرشده اللَّه من غازٍ وقد رشدا! "

" أخذ الراية زيدٌ فأصيب، ثم أخذها جعفرٌ فأصيب، ثم أخذها ابنُ رواحة فأصيب"
(رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-)


في عام 1844 م ألّف كاتب فرنسي اسمه (أليكساندر دوما) رواية من محض خياله أسماها رواية "الفرسان الثلاثة" "  Les Mousquetaires"،  هذه الرواية الخيالية تسرد قصة ثلاثة حراسٍ ملكيين - (آثيوس) و (بوثوس) و (أراميس) - هؤلاء الثلاثة كانوا مدمني خمور يعملون خدمًا للملك الفرنسي (لويس الثالث عشر)، المهم أن الفرنسيين نشروا هذه القصة الخيالية في أرجاء الدنيا فجعلوا من ثلاثة فرنسيين مدمنين للكحول فرسانًا أسطوريين، تضرب بهم الأمثلة في البطولة والشرف، على الرغم من كونهم ثلاث شخصياتٍ خيالية لم تقدم شيئا فيه بطولة حتى في أحداث الرواية نفسها!
قبل ذلك بنحوه 1200 عام، خرج من صحراء العرب ثلاثة فرسانٍ حقيقيين، اتجهوا شمالًا نحو بلاد الشام على رأس سرية صغيرة مكونة من 3 آلاف مجاهد إسلامي، لتقابلهم جحافل الإمبراطورية الرومانية العظمى بكامل جيشها الإمبراطوري الضخم المكون من 200 ألف مقاتل! هدفهم إفناء تلك السرية! لتنتصر هذه السرية الصغيرة على قوات إمبراطورية بيزنطة انتصارًا لم تشهد الأرض مثله من قبل، ولكن ذلك الانتصار الأسطوري جاء بعد أن ضحى الفرسان الثلاثة بأرواحهم في ميدان المعركة، لا في سبيل ملك من ملوك الأرض، بل في سبيل ملك ملوك الأرض والسماء، هؤلاء الفرسان الثلاثة هم على الترتيب: (زيد بن حارثة) - (جعفر بن أبي طالب) - (عبد اللَّه ابن أبي رواحة)!
لا ألوم الفرنسيين على اختلاقهم لأبطالٍ وهميين لينشروا قصصَهم في مشارق الأرض ومغاربها، ولكنني ألوم المسلمين الذين ضيَّعوا قصص أبطالهم الحقيقيين! ففي الوقت الذي نرى فيه فرنسا تدرِّس قصة الفرسان الثلاثة في مدارسها، وتصنع لأطفالها رسومًا متحركة تروي مغامراتهم الوهمية، نجد أن أطفال المسلمين -بل وشيوخهم- لا يعرفون شيئًا عن قصة الفرسان الثلاثة الحقيقيين! هذه المأساة جعلت أطفالنا يحلمون أن يصبحوا مثل "سبايدر مان" و"سوبر مان"، أما القعقاع الذي فقأ عين الفيل الأبيض في القادسية فلا يعرفه أحدٌ منهم! فهل آن الأوان لهذه المناهج العفنة أن تتغير؟! أما آن الأوان لكي نقف وقفة صدق مع أنفسنا لنعيد أسلوب كتابة التاريخ الإسلامي بشكل شيقٍ وممتعٍ يتقبله أطفالنا؟
(الفارس الأول) زيد بن حارثة: كان يُدعى بزيد بن محمد! فهو ابن رسول اللَّه بالتبني قبل أن يَلغي الإسلام نظام التبني، وهو حِبُّ رسول اللَّه، وهو الذي اختار محمدًا على أبيه، وهو من أول البشر الذين آمنوا بدعوة الإسلام، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو القائد العسكري الأول للسرايا النبوية المجاهدة، وهو الصحابي الوحيد الذي ذكر اسمه في القرآن: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا}!
(الفارس الثاني) جعفر بن أبي طالب: عُرف بـ "جعفر الطيار"، ابن عم الرسول، وأخو علي بن أبي طالب، وأمير المسلمين بالحبشة، وهو الرجل الذي وقف أمام النجاشي يتحدث عن الإسلام!
(الفارس الثالث) عبد اللَّه بن أبي رواحة: شاعر الرسول، وأحد نقباء الأنصار الاثني عشر، قال عنه الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رحم اللَّه عبد اللَّه بن رواحة، إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة"!
وقصة مؤتة تبدأ برسالة سلام ودية بعثها رسول السلام إلى ملك "بُصرى" بيد أسدٍ من أسود قبيلة "الأزد" هو الصحابي البطل (الحارث بن عمير الأزدي)، فقام ملك الغساسنة النصراني (شرحبيل بن عمرو) بقتل رسول رسول اللَّه، فاشتدّ ذلك على رسول الئْه، فأمر بتجهيز جيش من ثلاثة آلاف مجاهد لتأديب من غدروا بصاحبه، ووضع على رأس الجيش زيد بن حارثة، وقال: "إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد اللَّه بن رواحة"، وعقد لهم لواء أبيض، ودفعه إلى زيد بن حارثة، وأوصاهم رسول الرحمة بقوله:
"اغزوا بسم اللَّه، في سبيل اللَّه، مَنْ كفر باللَّه، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليدًا ولا امرأة، ولا كبيرًا فانيًا، ولا منعزلًا بصومعة، ولا تقطعوا نخلًا ولا شجرة، ولا تهدموا بناء".
فخرجت نساء المسلمين لتوديع أزواجهن قائلات لهم: "ردَّكم اللَّه إلينا صابرين" فرد أحد المسلمين على زوجته قائلًا: "أما أنا فلا ردني اللَّه"! لقد كان هذا قول أحد الفرسان الثلاثة، عبد اللَّه بن رواحة!
وعند مدينة "معان" الأردنية وفي سهلٍ يقال له "مؤتة" غدر الروم بالمسلمين، فقاد الإمبراطور هرقل بنفسه جيشًا يقترب من ربع مليون مقاتل لقتال ثلاثة آلاف مجاهد فقط لم يأتوا أساسًا لقتال الروم! فتشاور المسلمون في القتال أو الرجوع، فأصر الشاعر البطل عبد اللَّه بن أبي رواحة على القتال، وفعلًا قاتل المسلمون جحافل النصارى، فكان القائد زيد أول شهداء المعركة، فتناول جعفر الراية قبل أن تسقط وأخذ يقاتل كالأسد المفترس، فقطعوا يده اليمنى، فتناول الراية باليسرى، فقطعوها له، فحملها بعضديه، فغرسوا رماحَهم في قلبه ليستشهد، ليتناولها ابن رواحة من صدر جعفر منشدًا:
يا نفس إن لم تُقتلي تموتي ... هذا حياض الموت قد صليتِ
وما تمنيت قد لقيتِ ... إن تفعلي فعلهما هديتِ
وإن تأخرت فقد شقيتِ!
فاستشهد الفرسان الثلاثة، واستشهد معهم تسعة آخرون، ليكون مجموع الشهداء في هذه الملحمة الأسطورية اثني عشر شهيدًا فقط! من بينهم القادة "الفرسان الثلاثة"، بينما قتل المسلمون 3350 فارسٍ من الأعداء (حسب مصدر أجنبي!)، لينتصر خالد بن الوليد بتنفيذ الخطة الخالدية!
الجدير بالذكر أنه كان من ضمن أولئك المجاهدين شابٌ دون العشرين من عمره اسمه عبد اللَّه، هذا الشاب كون فيما بعد مع ثلاثة رجالٍ يحملون نفس الاسم "عبد اللَّه" رباعيًا لم تعرف البشرية مثله أبدًا، فقد كان لهذا الرباعي العظيم الدور الأكبر في حفظ سنة رسول اللَّه إلى الأبد!
يتبع. . . . .

100 من عظماء أمة الإسلامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن