84.( زهَيْر بن أبي سُلمى )

60 7 0
                                    

" أعظم شاعرٍ في تاريخ الإنسانية" (زهَيْر بن أبي سُلمى)

فَلَا تَكْتُمُنَّ اللَّهَ مَا فِي نُفُوسِكُمْ ... لِيَخْفَى وَمَهْمَا يُكْتَمِ اللَّهُ يَعْلَم
يُؤَخَّرْ فَيُوضَعْ في كِتَابٍ فَيُدَّخَرْ ... لِيَوْمِ الحِسَابِ أَوْ يُعَجَّلْ فَيُنْقَمِ
(زهير بن أبي سلمى)


العربية. . . . . .
لغة تمتلك من سحر البيان وجزالة الألفاظ وروعة العبارات ما يسرق الألباب من رؤوس ذويها، وما يخطف القلوب من أولي النُّهى! لغة تمتلك من مقومات العظمة ما يجعلها سيدة لغات الأرض من دون أي منازع، ليس هذا تعصبًا أو تحيزًا، بل هو كلامٌ نابع من إيمان كاتبٍ غاص في بحار هذه اللغة، ليكتشف أعماقها، ويستخرج كنوزها، فيلتقط محارها الدفين، ويرفع عنه الغشاوة، ليجد بداخله اللؤلؤ المكنون يبرق كأنه الشمس في ضياها، فهذه اللغة اختارها اللَّه من بين 6500 لغة حية موجودة على سطح الأرض لتكون لغة أهل الجنّة، ولغة القرآن، الكتاب الوحيد الباقي من وحي السماء المنزل على البشر.
وفي الوقت الذي تفتخر فيه كل أمة بلغتها بالرغم من ضحالتها، نجد أن شباب العرب لا يكادون يفقهون قولا بالعربية، فضلًا عن أن يحسنوا الكتابة بها، فكيف نرجوا النصر وفينا من لا يفرقون بين "الذال" و"الزاي"، والكاف و"القاف"؟ وكيف نرجوا من اللَّه أن ينصرنا وفينا من يكتبون لفظ الجلالة بهذا الشكل: "اللة"؟! وكيف يفلح قومٌ لا يعرفون الفرق بين "الألف المقصورة" و"الياء"؟ وبين "همزة الوصل" و"همزة القطع"؟ وبين "الضاد" و"الظاء"؟ ناهيك عن أولئك الذين يرفعون المنصوب ويجرون المرفوع بشكلٍ يدعو للشفقة والحزن عليهم في كثيرٍ من الأحيان! فواللَّه لن تقوم لهذه الأمة قائمة ونحن ساقطون في الإملاء، فقبل أن يفكر شباب هذه الأمة في الجهاد والتدرب على حمل السلاح، عليهم أن يجاهدوا أنفسهم قليلًا ليتدربوا على الكتابة الصحيحة الخالية من الأخطاء الإملائية! فلن يُنشر هذا الدين بين شعوب الأرض بشباب ساقطين في لغتهم الأم من الأساس! ولن تعلو للإسلام راية وأبناء العرب يتربون في أحضان الخادمات الأجنبيات، فتصبح لغة "الأردو" و"الهندي" اللغة الرسمية من منازل العرب! فرسول اللَّه لم يتربى كذلك، فقد بعثه جده (عبد المطلب) إلى بادية "بني ساعدة" ليتربى تربية بدوية أصيلة، فيرضع من (حليمة السعدية) لبنها، ويرضع منها كذلك اللغة الجزلة القوية، فخرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من عندهم وهو أفصح العرب. فعلموا أولادكم لغة العرب، فهذه اللغة هي جدار الدفاع الأول للإسلام، فإذا ضيَّعناها، ضيَّعنا الإسلام، وإذا أراد أحدكم أن يجاهد في سبيل اللَّه، فليجاهد أولًا نفسه بتعلم قواعد العربية لكي يحسن قراءة القرآن، فتعلم العربية فرض وليس اختيار، أما للذين ملأوا الدنيا صراخًا حبًا في رسول اللَّه، فليسألوا أنفسهم سؤالًا: هل تتقنون لغة رسول اللَّه الذي تدّعون محبته؟ هل إذا قابلتموه ستسلمون عليه بقولكم "هاي" كما تفعلون مع أصحابكم أو "الشلة" كما تسمونهم؟!! هل ستشكرون أبا بكر لما قدّمه للإسلام بقولكم "مرسي"؟ أم هل سيجرأ أحدكم أن يقول للمارد الإسلامي عمر عند وداعه: "باي باي"؟ واللَّه وكأني بابن الخطاب يرفع سيفه ويلحق بأحدنا بعد سماعه تلك الكلمات الأعجمية التي تنم عن هزيمة نفسية مغروسة في أنفسنا! وصدق (الإمام الثعالبي) رحمه اللَّه عندما قال في كتابه "فقه اللغة وأسرار العربية": "من أحب اللَّه تعالى أحب رسوله ومن أحب رسوله العربي أحب العرب ومن أحب العرب أحب العربية ومن أحب العربية عني بها، وثابر عليها، وصرف همته إليها! ". وصدق أيضا الكاتب الأديب الشاعر (مصطفى صادق الرافعي) حينما قال: "ما ذلت لغة شعب إلا ذل! ". وهذه الحقيقة عرفها الغزاة منذ بداية الاستخراب "الاستعمار" في الدول الإسلامية، فمن يراجع الوثائق التي بدأت بها عملية الاحتلال البريطاني لمصر يكتشف أن أول أعمال الاحتلال هو وضع خطة لتحطيم اللغة العربية، يبدو ذلك واضخا في تقرير (لورد دوفرين) عام 1882 م حين قال: "إن أمل التقدم الاستعماري ضعيف في مصر، ما دامت العامة تتعلم اللغة العربية الفصيحة! ".
وهناك الكثير الكثير من مثل هذه الاقوال التي تضع محاربة اللغة العربية أولى أولويات الاحتلال. فقد صرّح الحاكم الفرنسي في الجزائر في ذكرى مرور مائة عام على استعمار الجزائر "إننا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا يقرؤون القرآن، ويتكلمون العربية، فيجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم، ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم" وهنا أحذر الإخوة الأمازيغ. . . فأنتم لديكم كل الحق في تعلم اللغة الأمازيغية، ولكن اللَّه اللَّه في لغة القرآن، لا تهملوها، فهي سلاحكم، وهي اللغة التي فسر بها (ابن كثير) كتاب اللَّه، وهي اللغة التي رسم بها جدكم (عباس بن فرناس) خرائط طائرته الشهيرة، أما إلى شباب العرب فأقول، إن تحدَّثكم بالمفردات الأجنبية في لغة خطابكم اليومي تنم على ثلاثة أشياء: (أولًا) أنكم مهزومومن نفسيًا! (ثانيًا) أنكم تعانون من عقدة نفسية، فأنتم لا تحسنون تلك أي لغة أجنبية، لذلك تحاولون أن تخفوا ذلك بترديد بعض المفردات الأجنبية! (ثالثًا) أنكم أقرب إلى النفاق منه إلى الإيمان! وقد قال الإمام (ابن تيميَّة) "إذا رأيت الرجل يتحدث بغير العربية من دون حاجة، فاعلم أن ذلك علامة من علامات النفاق! " وواللَّه لقد صدق شيخ الإسلام. . . . فما رأيت أحدًا يترك العربية إلا وكانت فيه بقية خصال المنافقين! فيا شباب الإسلام، أعيدوا مجد العربية، فقد كانت العربية هي لغة العلم الأولى في العالم، وستعود إن شاء اللَّه كذلك بفضلكم، وكانت اللغة العربية هي الحروف التي يكتب بها الأتراك والروس والأوروبيون والهنود والأفارقة إلى وقت قريب، فعودة اللغة العربية إلى سابق مجدها يعني بالضرورة عودة المسلمين إلى سابق عهدهم!
وزهير بن أبي سلمى هو أفضل من قال الشعر باللغة العربية، وبما أن اللغة العربية هي أفضل لغة في العالم، نستنتج من ذلك أنه أفضل شاعر في تاريخ الإنسانية! يشهد على ذلك (عمر بن الخطاب) بنفسه، بدليل رواية (ابن عباس) التي قال فيها "خرجت مع عمر بن الخطاب في أول غزاة غزاها فقال لي: أنشدني لشاعر الشعراء، قلت: ومن هو يا أمير المؤمنين؟ قال: ابن أبي سلمى، قلت: وبم صار كذلك؟ قال: لا يتبع حوشي الكلام ولا يعاظل في المنطق، ولا يقول إلا ما يعرف ولا يمتدح أحدًا إلا بما فيه". وأيّد هذا الرأي العمري كثرة من بينهم عثمان بن عفان، وعبد الملك بن مروان، وآخرون، واتفقوا على أنّ زهيرًا صاحب "أمدح بيت. . . وأصدق بيت. . . وأبين بيت".
أما عن سر اختياري لهذا الشاعر العظيم بالتحديد ليكون ضمن قائمة المائة رغم أنه لم يلحق بزمان البعثة المحمدية فيعود إلى سببين:
(أولًا) أنه فعلًا مسلم على الدين الحنيفي الإبراهيمي، وأن شعره المليئ بمعاني التوحيد وجماليات المنطق يعطيه الأحقية بذلك، إضافة لأنه كلامٍ عظيمٌ في التوحيد الذي كان على وشك الاندثار.
(ثانيًا) أنه في ذكر زهيرٍ فائدةٌ كبيرة في رد شبهات النصارى والمستشرقين، فلقد ارتفعت في السنوات الأخيرة أصوات الصليبيين وإخوانهم من المنافقين يزعمون أن رسول اللَّه قام بسرقة القرآن من الشعراء من قبله، مدللين على ذلك بأن كثيرًا من معاني القرآن ومفرداته قد وردت بالفعل في شعر الجاهلية!
والحقيقة أن في أقوال أولئك الكذابين حق يُراد به باطل، فأما قولهم بأن بعض معاني القرآن وألفاظه قد تكررت من قبل. . . فهذا صحيح! وأما قولهم أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد سرق قرآنه من الشعراء فهو إفكٌ واضح وشرٌ فاضح! والحقيقة أن أولئك السفلة ما كانوا ليجترأوا على ذلك القول لولا تشويه بعض الدعاة المسلمين -بقصدٍ أو بغير - قصد- لتاريخ لعرب في أيام جاهليتهم، فالعرب عرفت الإسلام وعرفت التوحيد قبل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فالإسلام كدين وكمفهوم ليس اختراعًا جديدًا أتى به محمد بن عبد اللَّه، بل هو دين اللَّه على الأرض الذي دان به الأنبياء جميعهم للَّه، فليس غريبًا أن تتطابق بعض آيات القرآن بما كان يقوله أدباء العرب من المسلمين الحنيفيين من أمثال (زهير ابن أبي سلمى) و (قس بن ساعدة الأيادي). أما للنصارى الذين يزعمون أن النبي العربي جاء بقرآنٍ تتطابق بعض آياته مع بعض ما ورد لديهم في "الكتاب المقدس" فأقول: هذا شيءٌ لا نستحي منه، فربنا هو ربكم، وكلامه في كتابكم هو نفسه كلامه في كتابنا، ولكن المشكلة في كتابكم أنكم أضفتم إليه وحذفتم منه، أما نحن فلم نبدل ولم نغير، فإن وجدتم في كتباكم ما يتطابق بما في كتابنا، فاعلموا أن ذلك هو ما تبقى من وحي موسى وعيسى! ولا تنسوا أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يكن يعرف الكتابة والقراءة لكي يسرق من كتابكم الذي لم ينقل أصلًا للعربية إلا في بداية القرن الحادي عشر! (الشيء العجيب الذي يدعو للتساؤل هو أن الشيعة بدأوا ينشرون مؤخرًا أن رسول اللَّه لم يكن أميًا!
فلمصلحة من يحاول الشيعة نشر هذه الأكاذيب التي تدعم الموقف الصليبي؟!).
وزهير بن أبي سلمى كان واحدًا من أصحاب "المعلقات السبع"، وهي أعظم ما قالت العرب، والناظر لمعلقة زهير يجد فيها من التوحيد ما يثبت إسلامه وحسن أخلاقه، فمعلقته هي أجمل المعلقات، تناول فيها الحكمة الإنسانية النابعة من إيمانه الحنيفي الإبراهيمي، ولكنني سأترك معلقته لأذكر قصيدة له هي للأسف غير مشهورة، لأترك المجال للقارئ الكريم ليستشعر فيها عبق التوحيد الذي لا يخفى على عاقل يفقه شيئًا من لغة الضاد:
ألا ليت شعري هل يرى الناس ما أرى ... من الأمر أو يبدو لهم ما بدا ليا
بدا لي أن اللَّه حق فزادني ... إلى الحق تقوى اللَّه ما كان باديا
بدا لي أن الناس تفنى نفوسهم ... وأموالهم ولا أرى الدهر فانيا
وإني متى أهبط من الأرض تلعة ... أجد أثرا قبلي جديدا وعافيا
أراني إذا ما بت بت على هوى ... وأني إذا أصبحت أصبحت غاديا
إلى حفرة أهدى إليها مقيمة ... يحث إليها سائق من ورائيا
كأني وقد خلفت تسعين حجة ... خلعت بها عن منكبي ردائيا
بدا لي أني لست مدرك ما مضى ... ولا سابقا شيئا إذا كان جائيا
أراني إذا ما شئت لاقيت آية ... تذكرني بعض الذي كنت ناسيا
وما إن أرى نفسي تقيها كريهتي ... وما إن تقي نفسي كرائم ماليا
ألا لا أرى على الحوادث باقيا ... ولا خالدًا إلا الجبال الرواسيا
وإلا السماء والبلاد وربنا ... وأيامنا معدودة واللياليا
ألم تر أن اللَّه أهلك تبعًا ... وأهلك لقمان بن عادٍ وعاديًا
وأهلك ذا القرنين من قبل ما ترى ... وفرعونَ أردى جندَه والنجاشيا
ألا لا أرى ذا إمةٍ أصبحت به ... فتتركه الأيام وهي كما هيا
ألم تر للنعمانِ كان بنجوةٍ ... من الشرِ لو أن امرأ كات ناجيًا
فغير عنه ملك عشرين حجةٍ ... من الدهر يوم واحد كان غاويا
فلم أر مسلوبًا له مثل ملكِه ... أقل صديقا باذلا أو مواسيا
فأين الذين كان يعطي جياده ... بأرسانهن والحسان الغواليا
وأين الذين كان يعطيهم القرى ... بغلاتهن والمئين الغواديا
وأين الذين يحضرون جفانه ... إذا قدمت ألقوا عليها المراسيا
رأيتهم لم يشركوا بنفوسهم ... منيته لما رأوا أنها هيا
فقال لهم خيرا وأثنى عليهم ... وودعهم وداع أن لا تلاقيا
وأجمع أمرا كان ما بعده له ... وكان إذا ما اخلولج الأمر ماضيا
وفي ليلة من الليالي الهادئة في جزيرة العرب، رأى زهير بن أبي سلمى رؤيا عجيبة في منامه، فجمع أولاده، وقال لهم "إني لا اشكّ أنه كائن من خبر السماء بعدي شيء! فإن كان فتمسكوا به، وسارعوا إليه! " وفي نفس السنة التي مات فيها هذا الشاعر العظيم في نجد، بُعث رجل اسمه محمد ابن عبد اللَّه في الحجاز، ليكون ابن زهير شاعرًا من شعراء الرسول! فمن هو ذلك الشاعر بن الشاعر الذي كان صاحب قصيدة "البردة"؟ ومن يكون رفاقه الذين شكلوا وإياه وزارة خطيرة في حكومة محمد؟
يتبع. . . . . .

100 من عظماء أمة الإسلامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن