الفصل 5

272 36 14
                                    

الجميع منشغل بوضع اللمسات الأخيرة قبل بدأ احتفال اكتمال القمر الأزرق ، لطالما كنت الأكثر سعادة بين سكان القرية بانتظار هذا اليوم ،كنت أنتظر حلوله بفارغ الصبر . والآن أرى السعادة والابتسامة على وجه الجميع ما عداي .
لا أستطيع نسيانه !حقا لا أستطيع !

لم يلاحظ أحد غياب الضحكة عن شفتاي، ولا حتى عزلتي البغيضة وعدم مشاركتي في تحضيرات الحفل، أمي منشغلة بوضع الطعام على المأدبة الكبيرة مع باقي نساء القرية وأبي ككل الرجال، اجتمعوا قرب النهر للثرثرة وتدخين الغليون.

أجلس وحيدة قرب الكنيسة أراقب الجميع بصمت. القمر المتوهج في قلب السماء هو مؤنسي الوحيد، لم تكن أشعته قد استقرت على ازرقاقها بعد ولكن بدا ككرة من نار.

لم أرى الويفرن منذ اليوم الذي زرنا فيه موطنه، مرت خمسة أيام كاملة، لم أركب على ظهره ،لم أربت على مقدمة رأسه كما اعتدت، ولم أحلق معه بعيدا. اشتقت لرؤية لون عينيه المتوهج، اشتقت لتأمل تفاصيل ملامحه.

زرت الكهف الأيام الثلاثة الأولى، كنت أكتفي فقط بوضع اللحم والعودة للمنزل، وحيدة، كئيبة ومرهقة من التفكير.

لم أكن أرغب في بقائه وحيدا في قمة الجبل، ولم أرجو أن يغيب عني. أنانية غريبة هذه لكنها تتملكني بطريقة بشعة!!

كان لا بد لي من زيارته على اﻷقل للمرة اﻷخيرة كي لا يبتلعني الشجن الغريب بعدها حين أدرك أنه غاب عني دون وداع.

تسللت من القرية بحذر شديد، على الرغم من أن اﻷمر لم يكن صعبا فلا أحد أعار وجودي اهتماما،حتى إيلا.

كان كوخ سيمون وجهتي اﻷولى، ﻷهنئها بحلول الليلة بعيدا عن المشاكل واﻹفتراءات التي كانت تدعي.
استقامت واقفة أمام كوخها تنظر إلى السماء المظلمة بذهن شارد. علا القلق ملامحها الشرسة وبدت خاضعة وذليلة كقط.

منذ التقيت الويفرن وهي على حال الحزن والوحدة هذه، كأنها النهاية. كما أن ذكرى اكتمال القمر الأزرق تنال من تفكيرها مؤرقة عقلها بالأساطير، هذه اﻷساطير التي باتت بعيدا عني بالأميال.

علت ابتسامة متوترة ثغرها وهي تسألني: "هل ستزورين الويفرن؟ يا روزي العزيزة!! إن حدسي يؤنبني بشأن هذا الكائن، لو أننا فقط تركناه يرحل إلى عالمه. قلبي لا يطمئنني"

وبدأت تغمغم بكلمات لم أفهمها، ثم طالبتني بالإسراع للجبل قبل أن يغيب القمر خلف الغيوم وتعجز أشعته الزرقاء على أن تدلني للطريق.

تجاهلت صوتا عميقا يأمرني بالتراجع وأنا أتخذ خطواتي بجبن في عمق الغابة.
هذه الغابة التي بدت مخيفة، مظلمة وموحشة. اﻷغصان المتشابكة والثلوج المتجمعة فوقها تحجز عن طريقي الضوء.

استجمعت شجاعتي ونبذت صرخة قوية من دواخلي تأمرني باﻹنسحاب، فأكملت الطريق الطويل بذهن شارد وعينين متقظتين. بين الحين واﻵخر تنبعث منهما دموع ضعيفة تملؤني حزنا.

جبل أبولوWhere stories live. Discover now