آلام لا تُطاق

Start from the beginning
                                    

طريقُ عودةِ الصغيرِ كانت خاليةً، سِوى من قططٍ مشردةٍ، وربما من مختلين مختبئِينَ في الظل! لكنهُ اِعتادَ تلكَ الطرقَ وما فيها، منذُ مغادرةِ والديهِ قبلَ أشهرٍ، وبقائهِ في كنفِ خالهِ الذي يجبرهُ على العمل حتى ساعاتٍ متأخرةٍ من الليل، فقدْ صمدَ في أملِ أن يعودَ والداهُ ويأخذاهُ حيث يعيشون ثلاثتهم، لا منزل خالهِ، الذي -من حُسن حظهِ- لم يبعدْ عن المتجر بكثير.
لم يحتمل البرودةَ التي تغلفُ جلدهِ المزرّق إثر الضربِ، وقدماهُ ما عادتا تحملانهِ، فهوى نحو الأرض الصردة يحتضنها بجسدهِ المرتجف، ذلك الخالُ لم يشفقْ على حالهِ، ولم يكلف نفسهُ عناءَ شراء حذاءٍ لهُ بدل الممزقِ الذي ينتعله حتى! سمحَ للدمعِ أنْ ينهمر على وجنتيهِ الجافتين، وحوّط الكيسَ بكلتي يديهِ؛ فهو السبيلُ الوحيدُ للخلاصِ من العقابِ الذي ينتظرهُ من خاله.
رغبةٌ في البقاءِ مستلقياً وعدم الرجوعُ اِجتاحتهُ بغتةً، لكن ما من خيارٍ أمامهُ غير ذاك! استقامَ بالكادِ، ومسحَ دمعهُ بعنف، لما على حياتهِ أن تكون هكذا؟ حال وصوله المنزلِ احتضن كفهُ مقبض البابِ، واخترق صوت خالهِ الأجش مسمعه قائلاً : ذلكَ الوغدُ الصغيرُ لم يعدْ بعد! أتمنى لو أنه ميّتٌ بالفعل! لم تفاجئه تلك الكلمات إطلاقاً، فهو يتفوه بها طوال الوقت، لكن ما كان يحيره دائماً هو السبب! السبب الذي جعلَ من خالهِ يكرهه بشدةٍ ولا يطيقه.

إنتظر قليلاً قبيل فتحهِ الباب؛ يستمع لتتمة حديثه، حيثُ خمّن أنَّهُ يكلِّمُ أحدهم على الهاتف : شقيقتي ماتت هي و زوجها الحقيرُ، ولم يتركا لي سوى هذا الطفل عديمِ النفع! صدقاً، لو لم يجلب لي المال كل يومٍ لَكنتُ دفنتهُ قربَ والديه!
حسناً، هو مُتفاجئٌ الآن، وبشدة! تجمد الدم في عروقهِ واسودت الدنيا في عينه ولم يعد يُحس بما حَوله، لا يمكن، لا بُد من أنه يكذب! لم يتقبل عقله أياً مما التقطته أذناه؛ فاندفعَ نحو الداخل بغتةً يصيح بصوتٍ كسير : أنتَ لستَ صادقاً! والدايَ حيّان وسيعودان لأجلي بعد رحلتهما كما وعدني أبي! حدَّق به خاله لوهلةٍ، قبل أن يطلقَ ضِحكةً ساخرة مغلقاً الخط : وما الذي تعرفهُ أنت؟ هُما أخلفا بوعْدهما ورحلا حِين غَرق يختُهما الحَبيب! ثُّم أردفَ عندما أخرستْ كلماتهُ تلكَ الطفل الأشقر : أرى أنكَّ قد فقدتَ السيطرة على لسانكَ وصِرتَ تتعدى حدودكَ معي أيها الثعلب!

ليـلة الميـلادWhere stories live. Discover now