66

444 41 2
                                    

في الحديقة، تستطيع أية شجرةٍ –أيًا كانت كميّة الدّموع داخلها- أن تعيش دون شجرةٍ أخرى، بكلّ بساطة، نهارًا كاملًا، فصل شتاءٍ طويل، إلى الأبد، ودون زوّار. لن تسقط مع الرِّيح، لن تشعر بالخوف في اللّيالي الحالكة، ولن تضطّر إلى السّهر مطوّلًا تراقب تحركات قلبها حتّى لا يعطب.   على الطّريق، بإمكان عمود الإضاءة أن يضحك في المكان المخصّص له مثلما يفعل دائمًا، حتّى وإن كانت الأعمدة الأخرى قد قررت العمل في طريقٍ آخر. لن تجده في الصّباح معلقًا من رقبته على أسلاك الكهرباء، كاتبًا عبارته الأخيرة ما قبل مغادرة الحياة، لن يفعل. ولن يتحوّل إلى مصباح صغير من قلة الضّحك مع الآخرين.  هذا الأمر لا يتماشى معي على الإطلاق، إذ أنّه ليس بإمكاني ولو نهارًا واحدًا أن أظلّ دونك. دون صوتك أو تقاسيم وجهك يكون الوقت متلعثمًا، تصبح الغرفة كومة كبيرة من اللامعنى، حتّى أنّني في المرآة أبدو أثقل منّي. في الحقيقة، أستطيع أن أمضي اليوم كلّه دونك، لكني لا أتذكر وقتًا يمر هكذا دون أن تنقري على نافذة البال، رغمًا عن الوعي الّذي أقف فيه. إنّك تسيرين في جسدي مثلما يسير النّهر في مجراه، ويعود مرّة أخرى يكرر المشهد كلّ يوم، مرّة وراء مرّة، إلى أبد الآبدين. يا للأسى! أجلس في زاوية الغرفة، أمام مرآة أبدو فيها أثقل منّي، وأشعر بالغبطة من شجرةٍ وعمود إضاءة.

حمزة حسين

شُمُوسْحيث تعيش القصص. اكتشف الآن