الفصل الثامن

21.5K 596 17
                                    

أعرف الوجع الذي تتركه الكلمات التي تقال.. و أعرف الوجع الأشد وجعا الذي تتركه الكلمات التي لا تقال.
نزار قباني

اقترب منه سيف الملاحظ شرود حسن من الصباح و صمته الغريب، جلس قبالته وقال بعدما ربت علي قدمه :
مالك ياحسن شكلك متضايق
تهرب حسن من اجابته واشعل سيجارته بملامح باهته وقال:
-سلمت الشغل
-سلمته ياحسن، مش عايز تجاوب علي سؤالي ليه
نفخ حسن انفاسه في الهواء وقال بخفوت:
-قابلت هيام
اتسعت اعين سيف وهتف باستغراب:
-قابلتها ! قابلتها ازاي وفين
اجابه حسن وهو يدعس سيجارته بعد ان القاها ارضا، وكأن بفعلته تلك يطمس الماضي الذي يلوح له من بعيد :
-قابلتها صدفه
تسائل سيف بحذر :
-و عملت ايه
ببسمه تهكميه اجابه حسن :
-عملت نفسي ماعرفهاش و سبتها و مشيت
هتف سيف مؤيدا بعد ان تسرب القلق اليه :
-والله كويس انك عملت كده دي تستاهل الحرق
نظر حسن للجه الاخري، لم يكن هروب، لكنه لايريد نبش جرح لم يندمل بعد
اخرجه سيف من شروده قائلا:
-هانروح لبيت سعد الحكيم امتي ناخد رأيهم في العريس
التوي فمه ببسمه ساخره وقال:
-روح انت ياسيف انا مش رايح
اعتدل سيف بلهفه و قال برجاء:
-ليه كده ياحسن الراجل قصدنا نكلم اهلها ها نوصلها كلمتين الراجل و نمشي علي طول عشان خاطري
لوي حسن شفتيه مدركآ تفكير ابن عمه في الزياره لرؤية تلك التي طارت بعقله و كأنه كان ينقصه شئ يفقده تركيزه اكثر ماهو ،
اومأ له حسن موافقا و قال:
-خلاص جاي
................
نهضت دره من علي فراشها بأندهاش لوالدتها قائله :
-قولتي مين اللي بره
اجابتها كريمه باستعجال:
-قولك الريس حسن برهيالا البسي بسرعه
هتفت محاوله اظهارالثبات، رغم الفوضي التي بداخلها  نشبت بداخلها وقالت بهدوء مفتعل:
-واطلع انا ليه
اجابتها والدتها وهي تلقي بملابسها علي الفراش لترتديها :
-معرفش قال الكلام لازم يكون قدامك، خلصي بسرعه يا دره
استجابت دره و جذبت ماطالته يديها، و عقلها لا يتوقف عن التخمين في سبب تلك الزياره المفاجئة و طلب رؤيتها علي وجه الخصوص!!
...................
قال حسن بصوت منخفضا :
-قولهم بسرعه عشان نمشي
اجابه سيف و عيناه تدور علي مبتغاه:
-يا بني هو احنا لسه قولنا حاجه دي حتي العروسه لسه ماجتش
نفح حسن مطالبآ الصبر لنفسه من افعال ابن عمه الصبيانيه، وقبل ان يعنفه
دخلت شهد بالضيافه، و وضعتها امامهم و قالت:
-شويه وماما جايه بدره
قال سيف بابتسامه :
-علي اقل من مهلها إحنا ماورناش اي حاجه
اخفضت عينيها حرجا مع ابتسامه شقيه ارتسمت علي ثغرها ، ثم مالت براسها للجه الاخري فأنسدل شعرها  فجاءه علي وجهها بينما ، نظر لها سيف ببلاهه قائلا:
-للهم صل علي النبي
اغمض  حسن عينيه بضيق من تصرفات ابن ، ولكزه بيده بخصره وعينيه تحذره من التمادي.
ثم آتت،رأها تدخل  بهدوء وخطوات ناعمه، اخفض عينيه ارضا، بعد ان لمح بهائها، فستانها الذهبي وشعرها المفرود بحريه علي ظهرها ، ثم استمع لحفيفها وهي تجلس قبالته مصادفة لم تكن بالحسبان..
رفعت دره عينيها عليه ودق قلبها كالطبول من هيبته وحضوره الطاغي ، شعور لم يمر عليها من قبل، ان يدق قلبها وينتفض فور رؤيتها لشخص ما، لكنه ليس اي شخص، بل من المفترض انه اكثر شخص مختلفه معه.
جلست و الدتها قائله بعد الترحيب بفضول:
-خير يابني
رفع عينيه لوالدتها ثم تنحنح و قال محاولا ترتيب الحديث :
-خير ياحجه خير إحنا كنا جاين اا
ونظر لسيف ليستكمل حديثه  فأكمل
سيف بابتسامه:
-و الله ياحجه في عريس جاي للدكتور دره
فجاءه رفعت عينيها لعينيه متسائله ، اهو جاد ام مزحه منه! اهو بالفعل قادم بعريس اليها!؟
قابل حسن نظراتها بصبر،ونظر اليها نظره حاولت دره فهمها و لكنها فشلت .
رددت كريمه من خلفه باستغراب :
-عريس مين ده
استرسل سيف و قال موضحا:
-ده دكتور برضو و شافها هنا في زياره لقرايبه، بس هو كان متربي هنا و سأل يعني عشان يتقدم فاجلنا نتوسط له عندكم
انخفضت ضربات قلبها فجأة ، لا تعرف لما شعرت بالضيق والحنق من زيارتهم لهذا السبب ،نظرت اليه مجددا ،لا يعرف هو كيف عيناها كالمرآه هكذا، شعر لوهله من نظراتها بالاتهام و الضيق فا رجحه لضيقها من تدخله هو، او منه هو شخصيا ربما لحضوره الغير مرحب به عندها
قالت كريمه بعد صمت وحيره:
-معلش يابني سيبنا شويه نفكر و ناخد رأي دره الاول
اكد سيف وقال :
-طبعا طبعا ياحجه خدي وقتك و كلمينا في اي وقت
وجهت كريمه حديثها الي حسن بابتسامه قائله:
-امال ياريس حسن مش بتتكلم ليه
ابتسم حسن مجاملآ وقال:
-حسن بس من حاجه
ردت ابتسامته و دوده:
-خلاص حسن بس انت تعرف اني كنت اعرف والدك الله يرحمه زمان
تسائل حسن مستفهمآ:
-بس انتي ماكنتيش عايشه هنا
قالت كريمه بتوضيح:
-لا جيت عشت هنا سنتين تلاته اول جوازي من سعد الله يرحمه ، وبعد كده مشينا وعدت سنين كتير اوي بس انت كنت لسه صغير اوي وقتها،
وفاكره والدتك كمان
تغير وجه من الابتسامه للجمود فجأة،وهب واقفآ وقال :الله يرحمهم  ، نستأذن إحنا ياحجه.
............
بعد مرور عده ايام لا تخلوا من مشاكسات سيف لشهد عند ذهابها وعودتها ،
وايضا من حيره دره و تفكيرها الدائم بحسن، باتت عينيها تتلصص عليه في كل وقت، ونبته بدءت بالظهور داخل اعماق قلبها ، رغم نكرانها وتجاهلها لما تشعر به، الا انه يظهر ان وقت المعافره في النكران اصبح ليس له معني ،والقلب سلطان وأمره آمر.
اما هو  لا يعرف ماذا اصابه من راحه لرفضها للعريس بحجه انها لا تفكر بالزواج الان، واستقبل الخبر كالبشري اليه، رغم رغبة العريس في التدخل ومحاولة اقناعها برؤيته وعقد جلسه اسريه لتعارف العائلتين، الا ان حسن اتخذ رفضهم حُجة قويه لمنعه من الاقتراب، ولو اراد لم يكن ليحتاج لحجة، لكن الطبيبه الجديده لا تتقبل افعاله العنيفة مع احد وبغرابة عليه لم يحبذ ان يتجابه معها الان.
لكنه واقع بمطحنه  ماضيه وحاضره ، وكأنه في دوامه وخوف من ماضي يعيق حاضره وبين قلب يخشي عليه من الالم مجددا، وهو الاخر اتخذ التجاهل والنكران وسيلة، يعتقد ان بنكرانه راحته، لكنه علي العكس فا كلما يقترب من الطبييه سيجد آثار نكرانه..... شقاء.
يتبع

دُرة القاضي / سارة حسن حيث تعيش القصص. اكتشف الآن