٨- العذاب والألم ...!

3.7K 114 0
                                    

أدرك برادلي بعد سهرة أخرى مع سكرتيرته القديمة , أنها لم تعد أبدا مهتمة به.... فأستقل طائرة الى مينابوليس , عائدا بخفى حنين.
لم تخبر جنيفر أحدا بالطبع عما حدث , مع أن أختها كانت مصممة على معرفة كافة التفاصيل والنتائج , أكتفت بأبلاغ شيلا أنها تدرس العرض الذي قدمه لها برادلي , وأكتشفت أن الأمر سهل للغاية , فحضور برادلي من ذلك المكان البعيد لرؤيتها يدل على محبته لها وتعلقه بها , ليتصور الجميع أنه حضر خصيصا لمقابلتها وحاولة أقناعها بالعودة معه , فذلك يناسب أهدافها وخططها , كرامتها التي جرحت وتألمت كثيرا بسبب حبها الشديد والذي لا رجوع عنه للوغان تايلور , تتطلب التظاهر بوجود حبيب في بلدة بعيدة.
حاولت يائسة أن تستعيض عن هذا الحب الجارف بالكراهية والأشمئزاز , ولكنها لم تنجح ألا في أغضاب نفسها بين الحين والآخر , ذهبت موجات الحنق المتكررة هباء , لعدم وجود لوغان قربها , لم تتمكن من صب جام غضبها عليه , ليرد لها الكيل كيلين ... وتصبح لديها بالتالي حجة قوية لمحاولة كرهه وأحتقاره , بدا وكأنه يتجنبها بقدر ما كانت هي تتفاداه , لا , ليس هذا الكلام صحيحا , فهو مضطر للأبتعاد عن الفندق وتخصيص معظم وقته وأهتمامه للمزرعة .

أنتهى موسم التزلج , ولم يعد الفندق يشهد أي أزدحام يذكر الا يومي السبت والأحد , أصبحت كارول قادرة على الأهتمام وحدها بالمكالمات الهاتفية وتنظيم الرحلات القليلة , بالأضافة الى مهام الأستقبال , بدأت شيلا تمارس مهامها بصورة طبيعية , وتمكنت جنيفر بالتالي من تمضية معظم أيام الأسبوع في البيت ... لم تعد تحضر للمساعدة في الفندق ألا في نهاية الأسبوع , عندما يتكاثر عدد النزلاء وترتفع نسبة الحجز.
أما ديرك , الذي عقد العزم على الفوز بقلب شيلا مهما كلفه ذلك من عذاب وتضحية , فكان كمن ينطح ضحرة صماء , لم يحرز أي تقدم على الأطلاق , ولكنه لم يشعر باليأس , بالأستسلام والتراجع, زاده الرفض تعلقا بها , وأصرارا على الوصول الى قلبها ومشاعرها , وأدركت جنيفر أن ديرك هاملتون هو سبب بقائها في جاكسون , فرص نجاحه في محاولاته ضعيفة للغااية , أن لم تكن مفقودة تماما , أما أذا حدثت تلك المعجزة , فسوف يصبح لوغان متحررا من ألتزاماته مع شيلا , تمنت من صميم قلبها لو أنها قادرة بطريقة أو بأخرى , على مساعدة ديرك , تريد أن تضرب عصفورين بحجر واحد , ولكن أختها كانت مصممة على عدم السماح لديرك بالأقتراب منها أو الأتصال بها.
فقدت الأمل , فقررت الذهاب الى السوق للترويح عن نفسها , زارت عددا كبيرا من المحال التجارية , ولكن ذلك لم يساعدها على تحويل أفكارها عن هذا الموضوع المزعج , توجهت الى الفندق لتناول طعام الغداء مع أختها , فلعلها عندئذ تضطر للتحدث عن أمور أخرى , تنهدت بأنزعاج وهي تفتح الباب , ثم تظاهرت بالمرح والأنشراح قبل أن تحيي كارول وتسألها:
" هل تعتقدين أن شيلا منشغلة كثيرا في مثل هذا الوقت؟".
" لا أظن ذلك , أدخلي الى المكتب , فهي هناك".
هزت جنيفر رأسها ثم توجهت الى الجانب الذي يضم المكاتب الخاصة , دقت على الباب بهدوء ثم فتحته , وهي تتوقع رؤية أختها وراء طاولتها , لم تجد أحدا في ذلك المكتب , فأغلقت الباب وأستدارت نحو القاعة لتعود أدراجها ,وفجأة , سمعت شيلا تقول في غرفة مجاورة:
" لماذا تصر على أدخال أسمه في كافة أحاديثنا؟".
" لأنك تبذلين جهودا مضنية لتجاهله وتجنبه ".
أوه , أنه لوغان , لم تعلم بعودته الى البلدة , ماذا يفعل هنا يا ترى , ولماذا يتحدثان عن ديرك؟وسمعت أختها تقول بلهجة حازمة:
" قلت لك أن ديرك هاملتون لا يعني لي أي شيء أطلاقا!".
" لماذا لا يمكنك أذن التحدث عنه بشكل منطقي . ودون أن تصابي بذعر وهلع ؟ أشعر أحيانا أنك تبالغين كثيرا في أنتقاده ومهاجمته".
" لا تكن سخيفا!".
" أنت السخيفة , يا عزيزتي , أريدك أن تتأكدي من مشاعرك تماما , يا شيلا , لا تحوليه الى شبح يلاحقك طوال حياتك ويجعلك تندمين لاحقا على تسرعك".
أجابته شيلا بصوت أحست جنيفر بأنه يحمل غصة وألما:
" ألا يمكنك تصديق كلامي بأنني غير مهتمة به أطلاقا؟".
" لا , لا يمكنني ذلك , عليك أثبات كلامك هذا بالدليل القاطع".
" وهل من شيء آخر يمكنني أضافته ... أو القيام به؟".
" يمكنك أولا التوقف عن محاولات تجنبه وتفاديه , لن تتأكدي من زوال عاطفتك نحوه بصورة نهائية وتامى , ما لم تفعلي ذلك".
" لا, لا يمكن , هذا مستحيل , مستحيل!".
" أفعلي ذلك لأجلي , يا شيلا".
" لوغان ,أنا... أنا...".
لم تعد جنيفر تسمع شيئا , فتأكد لها أن لوغان ضم أختها الى صدره , تسللت بهدوء وخفة , والألم الشديد يحز بنفسها ويعصر قلبها , كادت تبكي , ولكنها تمكنت أخيرا من أبلاغ كارول بأن شيلا غارقة في عملها ... وسوف تراها في وقت لاحق , خرجت من الفندق , فأنهمرت الدموع من عينيها ليس بسبب حظها السيء فقط , بل لأن لوغان يحاول أرغام المرأة التي يحبها على مقابلة حبيبها السابق ليتأكد من زوال الأشباح وذكريات الماضي... عندما تعود شيلا اليه.
" جيني ! جنيفر!".
شعرت بيد قوية تمسك بذراعها , فرفعت يدها بسرعة وجففت دموعها , سألها ديرك بأهتمام وحنان:
" ما بك؟ ماذ دهاك؟".
هزت كتفيها وأبعدت وجهها عنه , كيلا يكتشف المزيد من أحزانها , تنفست بقوة ثم رفعت رأسها باسمة ,وقالت:
" هذا هو ضعف الأنثى وسخافتها , تبكي أحيانا بدون أي سبب على الأطلاق".
" شاهدت مسحة الألم هذه أكثر من مرة في هاتين العينين الجميلتين , عندما كنت تظنين أن ما من أحد يراقبك أو يتأملك".
طوق كتفيها بذراعه وجذبها نحوه بحنان ظاهر , ثم مضى الى القول:
"هيا , يا صغيرتي , أخبري العم ديرك عن أسباب حزنك وتأثرك".
" ليس لدي أي شيء لأخبرك عنه".
" أوه! لا تحاولي أخفاء الحقيقة عني , فمن الواضح أنك تشعرين بالأنقباض الشديد منذ مغادرة صديقك الوسيم بلدة جاكسون , أليس كذلك؟".
" أتصور أنك على حق".
" كنت في طريقي الى مطعم الفندق , لأتناول وجبة خفيفة من الطعام , سأشعر بسعادة كبيرة لو قبلت دعوتي , وتناولت مغي طعام الغداء".
نظرت جنيفر بتردد نحو الفندق , لوغان هناك ,وسوف يراها مع ديرك , رفعت رأسها بتحد, قائلة لنفسها أنها لن تسمح له بالتحكم في حياتها وتصرفاتها , ردت على ديرك بالموافقة , فأدخلها الفندق على عجل قبل أن تسنح لها الفرصة بتغيير رأيها , أستدعى النادلة وطلب أثنين من وجبات الطعام الجاهزة , ثم بدأ يحدثها عن أمور عادية لا علاقة لها أبدا بالأمور الحساسة أو المواضيع العاطفية , ضحكت بأرتياح ظاهر عندما أخبرها طرفة عن أحد المعارض الفنية , ولكن الضحك لم يدم طويلا , شاهدت لوغان ونظراته القاسية , فأرتبكت بعض الشيء , ولكنها عادت الى الحديث مع ديرك , أقترب منهما وتبادل معهما التحيات التقليدية المعهودة , رفض بتهذيب دعوة المجاملة التي وجهها اليه ديرك للأنضمام اليهما
ثم أبتسم وقال:
" أنها صدفة جميلة حقا أن أجدكما هنا في وقت واحد , كنت وشيلا نتحدث لتونا عن عدم تمكن جيني حتى الآن من مشاهدة جبال التيتون , أقترحت عليها أن نخصص يوما في الأسبوع المقبل , نذهب فيه أربعتنا الى تلك المنطقة الخلابة ".
لم يتردد ديرك في الموافقة على هذا الأقتراح , الذي سيمنحه فرصة ذهبية للأقتراب من شيلا والتحدث معها ,ولكن جنيفر ظلت تحدق صامتة في الطاولة أمامها ,وهي تفكر بسهولة أنصياع أختها لتوصيات لوغان وتعليماته.
" ما رأيك , يا جيني؟".
تمنت من صميم قلبها لو أنها قادرة على الأعتراض , أو حتى على الأحتجاج , فآخر شيء تريده في تلك الفترة العصيبة من حياتها ,هو أن تكون معه أو قربه , ولكنها شعرت بعدم قدرتها على الرفض , هزت رأسها دليل الموافقة , وكأنها خروف ينقاد الى الذبح
أبتسم لها بسخريته المعتادة ثم تظاهر بالجدية قائلا:
" سأتصل بمكتب مراقبة الأحوال الجوية لمعرفة اليوم الذي سيكون فيه الجو صافيا والشمس مشرقة , سأخبركم عن الموعد المحدد في وقت لاحق".
تأملها ديرك وهي تلاحق لوغان بنظراتها الزائغة , قال لها:
" لست مسرورة كثيرا بهذه الدعوة , على ما يبدو".
ماذا يمكنها أن تقول له؟ يستغلها لوغان بطريقة خبيثة مدروسة للفوز بأختها ! كيف تقدر على أطلاع ديرك هاملتون على السبب الحقيقي لدعوة لوغان؟ قارنت بين فرحته وتعاستها ... بين سروره وحزنها , وقررت ألا تخبره الحقيقة
قالت:
" أعتقد أن سبب ذلك يعود الى غطرسته وعنجهيته ,والى تأكده مسبقا من قبولنا وموافقتنا".
" وهذا فعلا ما قمنا به , أنا وأنت , هل فعلنا ذلك للأسباب ذاتها , يا ترى؟".
لم تجبه على هذا السؤال , لأنه سيكتشف كذبها , تنهدت بطريقة تحمل الكثير من المرارة والشفقة الذاتية , ثم قالت:
"أنا متأكدة من أننا سنمضي وقتا رائعا".

حبيبتي جيني ...Where stories live. Discover now