٥- مؤامرة من أجل من؟

4.3K 115 2
                                    


أحست جنيفر وهي تراقب الثلج المتساقط بهدوء وسكينة , بشعور غريب , تمنت لو أن الزمان يعود قليلا الى الوراء , لم تكن بحاجة لأغماض عينيها , كي تتصور هذا المكان الرائع قبل مئة سنة مثلا , سألته بصوت هامس ,وكأنها تخاف من تكدر الصفاء والطمأنينة.
" هل يمكنك أن تتخيّل هذه المنطقة قبل عشرات السنين ؟ قبل أن تهجم عليها المدنية والحضارة ... والسيارات؟".
" أمنا الأرض ! روعة وجمال لم يلمسها أحد, كصبية عذراء , هل تودين لو أنك من الرواد الأوائل؟".
عبست ممازحة , وقالت:
" لو كنت صبيا , نعم!".
تراقصت نظراته العابثة على وجهها بخبث ودهاء , وقال:
" أنك تفضلين أذن أن تكوني أمرأة متحررة".
أبتسمت بعنفوان وتحد, وسألته بمرح ظاهر:
" من المؤكد أنك لن تعترض على هذا الأمر , أليس كذلك؟ أم أنك من أولئك الرجال المتغطرسين الذين لا يريدون أعطاء المرأة حقوقها؟".
تظاهر بالأنزعاج , وقال:
" أنتبهي , أيتها الفتاة! فهذه تعتبر هنا شعارات حرب , هل تناسيت دروسك الأجتماعية ؟ ألا تعرفين أن وايومينغ هي ولاية المساواة , وكانت أول ولاية في الأتحاد تمنح المساواة للمرأة في كافة المجالات السياسية والمدنية والأقتصادية ... حتى قبل أن تسمى بلادنا الولايات المتحدة؟ستجدين أن رجال وايومينغ يعرفون قيمة المرأة الجيدة , لا كربة بيت أو أم أطفال فحسب... بل وأيضا كشخص يقف الى جانب الرجل ويساعده في الضراء والسراء".
ذهلت جنيفر لدى سماعها تلك الكلمات الرقيقة , الصادرة عن شخص لم تتوقع منه أبدا أن يكنّ أي أحترام أو تقدير لجنس النساء .
" ما بك, يا جيني غلين؟ ألم تنتظري سماع مثل هذه التصريحات من زير نساء ؟".
أحمر وجهها بسبب صراحته , فمضى الى القول :
" على الرغم من كل أدعائنا المتغطرس بعكس ذلك , فنحن معشر الرجال نريد من المرأة أن تلبي حاجة القلب والروح , بقدر ما نطالبها بالعواطف الحسية".
أرتعش جسمها كله, ولكن ليس بسبب الثلج والبرد ... بل نتيجة تلك الكلمات , هل من الممكن أن تكون هذه حقيقة مشاعره إتجاه المرأة ؟ نظر اليها بأغراء تصعب مقاومته , فأزدادت سرعة ضربات قلبها بشكل مذهل ومخيف , أبعدت وجهها عنه بسرعة فائقة , كيلا تكشف له المزيد من شعورها أتجاهه , تظاهرت باللامبالاة , قائلة له بمرح مصطنع:
" تبدو كلماتك كوصف شاعري رائع للحب , هل تعرف المعنى الحقيقي لهذه الأحاسيس , يا لوغان؟"
انفجر ضاحكا, ثم هدأ قليلا وقال:
"هل يسر قلبك الرومنطيقي الشاعري , لو قلت أنني أنتظر أختفاء شبح حب قديم بصورة تامة , قبل أن أكشف عن مشاعري أتجاه الشخص الذي أحبه الآن حتى الجنون؟ لا!أرى في نظرات الذهول والصدمة , التي تضج بها ملامحك وعيناك , أستعدادا جليا لرفض أي قصة من هذا القبيل , هذا لا يعني أبدا أنك لا ترغبين في رؤيتي راكعا أمام أمرأة".
أوقف لوغان الحصان فجأة , ثم وضع ذراعه حول خصرها , ومضى الى القول:
" تقول أمي أنني أتذوق جميع أنواع الثمار , قبل أن أختار الفاكهة المناسبة... عندما يحين موعد قطفها".
" هذه هي ذروة الكبرياء والغرور!".
ماذا يعني عندما يتحدث عن شبح حب قديم؟ هل يعقل أنه يشير الى أريك , زوج شيلا الراحل؟
" لا تنظري ألي هكذا , فالأمر ليس سيئا الى هذه الدرجة , أليست هذه الكلمات جزءا من الأحاديث اللاذعة التي يتبادلها الرجل والمرأة لمعرفة ما أذا كان الذي يجمع بينهما هو أكثر من مجرد أنجذاب حسّي؟ لنأخذ وضعنا نحن على سبيل المثال , ثمة أشياء تجمع بيننا ! هل هي عواطف دنيئة , كما وصفتها أنت في وقت سابق؟".
تجمدت في مكانها , وهي تسمع أشارته الى المعركة الكلامية التي جرت بينهما بعد عناقهما على الثلج... قرب كوخ السيد كارمايكل , شعرت بغضب شديد وأرادت أن ترد له الصاع صاعين , ولكنه سبقها الى الكلام قائلا:
" ربما كان علي أن أسألك أولا عما أذا كنت أحببت قبلا , هل كان ذلك الرجل في مينابوليس حقل أختبار للحب؟ هل كنت تنوين فقط معرفة عمق مشاعرك نحوه؟".
" هذا ليس من شأنك أبدا".
أبتسم مرة أخرى عندما لاحظ أمتعاضها وتوتر أعصابها , وقال:
" لا يمكن أن يكون ذلك الشعور حبا حقيقيا , لأنني أرى الغضب في عينيك كلما فكرت به, يبدو أنه لا يوجد شيء أسمه ... جرح دائم".
صرخت بحدة بالغة:
" كيف سمحت شيلا لنفسها بأطلاعك على هذه الأمور؟".
" صدقيني أنني لم أطلع ألا على تفاصيل عامة جدا , وسبب ذلك أنني كنت موجودا عندما أتصلت بأختك هاتفيا".
نظرت اليه بتشكك , وعلى الرغم من البراءة المتزايدة في لهجته , فقد صدقته... ذلك لأن أختها لا يمكن أن تكون مهملة الى حد كبير بالنسبة لشؤونها الخاصة , بحيث تخبر شخصا غريبا تماما القصة الكاملة , سألته بخبث واضح:
" ماذا كنت تفعل مع شيلا في تلك الساعة ... تتذوق الثمار؟".
" جيني الحبيبة , جملة كهذه تضر بسمعة أختك أكثر مما تضر بسمعتي".
" تصورت أنك قلت قبل قليل أن الرجال في وايومينغ لا ينظرون الى النساء بمنظارين مختلفين".
" أننا نعترف بالمساواة , ولكننا نحترم الخصوصيات , أعتقد أنها فضيلة ورثناها أيضا عن الرواد الأوائل , عندما كانت الفروسية تصرفا يحظى بالأعجاب والتقدير ... وعندما كان الرجال يحترمون الجنس الضعيف".
" أنني أعتذر منك... كنت قاسية في كلامي , ولكنني أريدك أن تعلم أنني ممتنة لكل ما قمت به أتجاه شيلا ... والأولاد".
" وأنا أعتذر منك بدوري , لأنني ضايقتك وقسوت عليك".
وجه اليها نظرة ساحرة جذابة , فيما وضع يده بحنان على رأسها وداعب شعرها قليلا , أنزل يده بعد لحظات الى كتفها , فأحست برعشة قوية تهز جسمها وتملأه حرارة , ثم أوقف العربة , وقال:
" ها قد وصلنا الى المكان الذي نقصده , يا جيني , أنظري الى وعولك".
كانت غارقة تماما في أحاديثها وأحاسيسها , لدرجة أنها لم تشعر ألا بوجود الرجل الجالس قربها , نظرت حولها بسرعة , فشاهدت عربتين ومجموعة من الخيول قرب مبنى صغير وأسطبل كبير بجانبه , قال لها موضحا:
" تهتم عائلة جايسون منذ زمن بعيد بتأمين رحلات بعربات الثلج نحو تلك المنطقة التي تتجمع فيها الأيائل".
خرج رجل في تلك اللحظة من المبنى الصغير , ورحب بهما بحرارة , أبتسم لوغان ,وقال له:
" مرحبا , يا فرانك, أريد أن آخذ الآنسة غلين لألقاء نظرة عن كثب على القطيع".
" حسنا, حسنا , ولكن لا تقتربا كثيرا , لأن الوعول قد تتضايق من وجود عربة جديدة".
" شكرا , سوف نتوخى الحذر , الى اللقاء".
أقتربا من مكان التجمع , فتمكنت جنيفر من مشاهدة الحيوانات بصورة واضحة , كان البعض مستلقيا على الأرض , والبعض الآخر يراقبهما ... فيما كان قسم كبير ينظر الى نواح أخرى , غير مهتم بما يجري في الجوار , أخذت تتأمل هذه المجموعة الكبيرة من الحيوانات الضخمة بأعجاب ودهشة.
" تختلف التسمية بيننا وبين الأوروبيين بالنسبة الى هذه الوعول , ألا أن الأشكال والأحجام هي أياها تقريبا , يصل أرتفاع الذكور من هذه الحيوانات حتى مئة وستين سنتم الى الكتفين فقط , وقد يصل الوزن الى خمسمئة كيلو , أما الأناث فهن أقل حجما ووزنا , أنظري الى هذه القرون الصغيرة والمسننة ... أنها لذكر في عامه الأول أو الثاني , أما القرون الكبيرة التي تضم خمسة أو ستة فروع متشعبة , فهي للذكور الأكبر سنا".
لماذا لا يمكنها أن تركز أهتمامها فقط على هذه الوعول؟ لماذا تشعر بوجوده الى هذه الدرجة ,كيف يمكنها أن تزيل هذه الأحاسيس من أفكارها وقلبها؟
"من أين تأتي جميع هذه الأيائل؟".
" يأتي معظمها من بلوستون في الشمال , وتبدأ الهجرة الى هذا الملجأ ألآمن والأقل برودة , مع بداية فصل الشتاء".
" هل كانت دائما الى هنا؟".
" لا, كانت تختار أمكنة أبعد جنوبا ... الى السهول المحيطة بمنطقة روك سبرينغ , عندما بدأت عملية أنشاء المزارع في الثمانينات من القرن الماضي , وجدت هذه الحيوانات البرية صعوبة في أيجاد ما تأكله ... وكادت تموت كلها جوعا , ويقال أنه كان بأمكان الأنسان , في أحد فصول الربيع , أن يسير كيلومترات عديدة على جثث الوعول التي نفقت , وكان على هذه الحيوانات أيضا أن تواجه بعض الصيادين الذين كانوا يصطادونها لأجل أضراسها فقط, لأنها كانت ذات قيمة مرتفعة جدا , وأخيرا, حرّم هذا النوع من الصيد,..... وأصدرت الحكومة قانونا عام 1913 أقامت بموجبه هذه الملاجيء الآمنة للأيائل".
سمعت جنيفر فجأة أصواتا قوية مزعجة تأتي من ناحية التلال القريبة , ثم سمعت بعد لحظات أصوات تألم وعذاب , نظرت اليه مستفسرة , فقال لها:
" أنها الذئاب ! تنظف البرية من جثث الحيوانات التي نفقت!".
" ألا تهاجم القطعان ؟".
"ليست بحاجة لذلك, فهناك أعداد كبيرة من الوعول الجريحة أو المريضة التي تحاول الوصول الى هنا بعد موسم الصيد, يتمكن بعضها من الوصول ,ولكن البعض الآخر يكون ضعيفا جدا ولا يتمكن من ذلك , وهناك أيضا الحيوانات التي تنفق على الطريق, بسبب تقدمها في السن, أنها أفضل منطقة بالنسبة الى الوحوش الضارية والطيور الكاسرة".
أرتعش جسمها , وقالت بأنزعاج واضح :
" أنه أمر مرعب ومثير للأشمئزاز!".
" أنها سنة الطبيعة , وسبب التوازن الحاصل فيها".
ثم أبتسم لها متعاطفا , ووضع ذراعه حولها قائلا:
" أنظري الى تلك التلة, والى غابة الصنوبر , هناك تتجمع الذئاب".
أرتجفت ... ولكن ليس بسبب الذئاب ,نظرت في الأتجاه الذي أشار اليه, وهي تعلم أنه سيلاحظ أرتعاش جسمها....
" هل تشعرين بالبرد , يا جيني؟".
قفز قلبها من مكانه , بسبب سؤاله هذا وزيادة ألتصاقه بها , توترت أعصابها كثيرا , عندما ضمها اليه وراح يفرك كفيها بسرعة ... ولكن برقة ونعومة , قال لها بهدوء:
" يجب أن نعود الآن الى البيت ,ونضعك أمام نار تعيد الدفء الى جسمك".
تحركت العربة بأتجاه منزل شقيقتها , وعاد لوغان الى الأحاديث العادية عن الظباء والوعول , ثم حدثها عن الحيوانات الأخرى والطيور المائية والأسماك , مضيفا أنه سيأتي بها مرة ثانية لمشاهدة أجزاء أخرى من هذه المنطقة , هزت رأسها موافقة. مع أنها كانت متأكدة الى حد كبير من أنها لن تعرّض نفسها مرة أخرى لمثل هذه الرحلات الخاصة....معه هو بالذات, أنه جذاب الى درجة مذهلة , ولا يمكنها أن تشعر بالسكينة والراحة عندما يكون قربها.
كانا صامتين تماما عندما مرت العربة أمام المبنى الصغير , وأكتفى لوغان برفع يده ملوحا ومودعا للرجل الذي يدعى فرانك, لم تكن جنيفر تسمع شيئا في تلك الفترة الهادئة من أيام الشتاء , سوى أصوات الأجراس المعلقة في عنق الحصان , تصورت نفسها مستندة الى جانب لوغان وهو يضمها الى صدره وقلبه , تخيلت أن ذلك عائد للجو الرومنطيقي , وليس لأي رغبة عاطفية أو روحية من جانبها .... رفع يده فجأة ووضعها على عنقها, ثم راح يداعبها بحنان قائلا:
"يمكنك أن تضعي رأسك على كتفي , أذا كنت راغبة في ذلك".
نظرت اليه بعينين تقدحان شررا وأزدراء , هل علم اللعين بما كانت تفكر به قبل لحظات؟
أبتعدت عنه قدر الأمكان , وقالت له بلهجة حازمة:
" لست بحاجة لذلك أبدا , شكرا!".
" أين المشكلة؟ هل أنت خائفة من أنني سأجرح الطهارة والفضيلة في نفسك؟".
" أبدا! كنت أؤكد لك فقط أنني مرتاحة تماما وأشعر بالدفء بما فيه الكفاية , بدون الحاجة الى......الى......".
حرمتها أبتسامة الدهاء في وجهه من الأحتفاظ ببرودتها , فأكمل لها جملتها:
" الكلمة المطلوبة هي الكتف".
" أعرف".
قالتها بعنفوان وتحد, مع أنها شعرت بأنه يدرك تماما مدى تأثيره على أحاسيسها ومشاعرها , ظلت صامتة طوال بقية الطريق, أوقف العربة أمام بيت شيلا ,وقال:
" ها قد عدت, يا جيني غلين , سالمة وآمنة".
نزل من العربة ووضع يديه بقوة حول خصرها , ثم رفعها من مكانها بهدوء وأنزلها الى الأرض, نظرت اليه بغضب شديد , عندما شاهدت أبتسامته المرحة والساخرة , وظل يركز نظراته على فمها , حبست أنفاسها بتوتر مرعب ,وهي مذعورة من أحتمال أقترابه منها... تذكرت مدى ضعفها وتجاوبها في المرة السابقة , وكيف أحست بمشاعر عميقة ,حاولت أخفاء أرتباكها , فقالت له بسرعة:
" أمضيت وقتا ممتعا للغاية , يا لوغان , شكرا".
ضحك لوغان ورفع نظراته عن فمها لتشمل كافة أنحاء وجهها ,وقال:
"بقدر ما تسمحين لنفسك, يمكنك أن تتمتعي بوقتك".
أبتعدت عنه بمجرد أن رفع يديه عنها , مخافة أن يغير رأيه , ثم قالت:
" لا يضر المرء أبدا أن يكون حريصا ويتوخى الحذر".
" اخبري شيلا بأنني سأكون خارج جاكسون لمدة يوم أو يومين, كما أنني سأمضي بعد ذلك يومين أو ثلاثة في المزرعة , أن لم تكن بحاجة الي! خلال هذه الفترة القصيرة , فسوف أحضر وأمي ليلة الميلاد حوالي السابعة".
سألته بأستغراب واضح حمله على العبوس:
" ليلة الميلاد ؟ لماذا تريد الحضور ليلة الميلاد؟".
" أننا نحضر دائما لمدة ساعة تقريبا, أنه تقليد قديم العهد في عائلتنا , منذ كنت وأريك في المدرسة الأعدادية".
أذهلتها نظرات الأشمئزاز والأزدراء في عينيه , أعتادت رؤيته جذابا ساحرا , لدرجة أنها كادت تنسى مدى قساوته وتسلطه عندما يكون غاضبا , أجابته بصوت خافت يوحي بالأعتذار:
" لم أكن أعرف ذلك".
ثم أضافت بهدوء ,ولكن بكبرياء:
" أننا نتطلع قدما لرؤيتكما ليلة الميلاد".
أبتسم لها بتأدب وقال:
" الى اللقاء أذن".
أبلغت جنيفر أختها رسالة لوغان , فأكدت لها شيلا أن تلك الزيارة القصيرة هي فعلا تقليد تتعبه عائلة تايلور منذ زمن بعيد , ثم قالت:
"نقدم لهما , أنا والأولاد , كل عام هدية متواضعة , يمكننا أن نضيف أسمك الى البطاقة هذا العام , أذا كنت راغبة في ذلك".
ترددت جنيفر قليلا , فيما كانت تجول في خاطرها أفكار شيطانية تدل على التمرد والأستقلالية , قالت لأختها بهدوء:
" لا... أعتقد أنني سأختار بنفسي هدية لوغان".
" أضمن هدية لأمه ماندي هي أحدث القصص الناجحة".
شكرتها جنيفر على أطلاعها مسبقا عما تحبه والدته , فيما كانت تخطط بصمت ودهاء لهدية لوغان , ذهبت بعد ثلاث أيام الى أحدى مكتبات البلدة , فلم تجد أي صعوبة في أختيار هدية الأم , كان الموظفون ينزلون لتوهم أحدث مجموعة من روائع القصص , فأختارت أفضلها... بالأضافة الى علبة جلدية صغيرة تتسع لأربعة كتب مماثلة , أنتهت من مهمتها السهلة هذه , وراحت تبحث عن هدية لوغان , وجدتها أخيرا , فأبتاعتها وهي تكاد تنفجر ضحكا.... فيما كان الموظف ينظر اليها بدهشة وأستغراب , تطلعت الى ساعتها , فلاحظت أن أختها لن تمر لأخذها الى البيت قبل ساعة أو أكثر , قررت أن تشرب فنجان من القهوة , وأختارت المقهى الذي أخذها اليه لوغان , أقنعت نفسها بأن سبب أختيارها لهذا المكان بالذات, هو مجرد قربه منها.
" هل تسمحين لي بأن أشاركك هذه الطاولة , يا جيني؟".
لم يكن في ذلك المقهى أي مكان شاغر , الا الذي قربها , وبما أن الشخص الذي وجه اليها هذا السؤال بتهذيب ورصانة لم يكن ألا ديرك هاملتون , فقد أبتسمت له وقالت:
" تفضل , أهلا وسهلا".
أبتسم بتأدب وأمتنان قبل أن يجلس قبالتها ,لم تتضايق عندما أستخدم اسم جيني معها , أما لوغان... أوه لوغان! تشعر في كل مرة يناديها على هذا النحو , بأنه يستحدم كلمة حبيبتي عوضا عن جيني.
" أرجو ألا أكون قد أزعجتك بمخاطبتك بأسم مصغر , جيني أسم جميل ورقيق , في حين أن جنيفر أسم يدل على عنجهية وتصنّع بعيدين كل البعد عن نفسيتك وشخصيتك المحببتين".
" سأعتبر كلامك هذا أطراء لي , شكرا , أنه أمر مستغرب جدا أن أحدا لم يكن يناديني هكذا قبل وصولي الى جاكسون , كنت أشعر في البداية بأشمئزاز كبير لدى سماعي هذه التسمية".
"لاحظت أن لوغان يطلق عليك أسم جيني , هل كنت تشمئزين من الأسم نفسه أم من الشخص الذي يستخدمه؟".
" أعتقد أنني سأتجاهل سؤالك كليا , لأن الرجل يقوم بدور ناشط وحيوي في حياة أختي".
" ألاحظ من كلامك هذا أنك لا توافقين كثيرا على تصرفات السد تايلور , ألا تؤثر فيك جاذبيته الساحرة؟".
"لنقل أنها لا تهمني , أما شيلا , فهي موضوع آخر".
تنهد ديرك بمزيج من الأستغراب والحنق ,وقال:
" شيلا! تعميها الضمانة التي يوفرها لها...الضمانة المادية ".
" يضطر الأنسان عادة, عندما يكون مسؤولا عن ثلاثة أولاد بمفرده, الى أخذ الجانب المالي في حياته بعين الأعتبار".
" ومن النادر طبعا أن يتمكن الفنان من تأمين أي مساعدة تذكر في هذا المجال!عندما بدأت حياتي الفنية , أضطررت لبيع لوحاتي الى أي كان.... لأعيش , أنا الآن في الخامسة والثلاثين من عمري , يا جيني , وقد أنتهيت حاليا من فترة الكفاح والعذاب , أصبح دخلي جيدا بسبب المعارض والعمولات التي أتقضاها , وها أنا الآن أعيش مرتاحا مطمئن البال".
بدت عليه العصبية وأحمر وجهه غضبا , وكأنه يحتج على أمر هام , لم تعلق جنيفر على كلامه , فقال بشيء من الحزن والأسى:
"المؤسف أن أختك حطّت كثيرا من قدري وعاملتني ككلب صغير يركض وراء ذيله في حلقات مفرغة , أنا لا أريد رسم أي لوحات هنا... أنه مجرد عذر لأراها , أتصور أنها لا تحدثك عني!".
هزت رأسها سلبا , فمضى الى القول:
" أحببتها في الصيف الماضي , وخيل ألي أنها أحبتني... أعني ذلك النوع من الحب الذي لا يطالب الأنسان بأكثر مما هو , ولكنها بدأت فجأة تقترح عليّ أيجاد وظيفة تؤمن لي دخلا متواصلا ... وأن أرسم في أوقات فراغي ,كانت خائفة من المستقبل المالي للفنان في بداية الطريق, أرادت أن تتأكد من وجود مبلغ معين يأتي كل أسبوع دون الأضطرار لأنتظار شخص يبتاع هذه اللوحة أو تلك , تجادلنا كثيرا , لم يهمها أبدا أن الفن هو حياتي وحاضري ومستقبلي , تركتها وأنا أقول لنفسي أنني محظوظ لأنني تخلصت منها ومن عالمها المادي , حاولت أقناع قلبي وعاطفتي بأن وجودها مع لوغان أفضل لها بكثير , وبأنني سأنساها ... ولو بصورة تدريجية!".
" ولكنك لم تقتنع على ما يبدو ".
" لا, لم أقتنع , شعرت بأن من واجبي القيام بمحاولة أخيرة , لم أتمكن حتى الآن من مقابلتها أو رؤيتها , رباه! لماذا أزعجك بمثل هذه المصائب والآلام !".
" أذني متعاطفة جدا , ولا ترفض الأستماع الى أحزان الآخرين , ثم....من أفضل من أخت الضحية كشريك في المؤامرة!".
لمعت عيناه ببريق الأمل , ولكنه تنهد وقال:
" لا, لا يمكنني أن أطلب منك أي مساعدة في هذا المجال , لا أريد أن أضعك في موقف عدم الأخلاص بالنسبة الى أفراد عائلتك".
" كيف سأفعل ذلك؟ تأكد جيدا , يا ديرك , أن فكرة زواج شيلا من لوغان تخيفني وتعذبني , أذا قمت بأي محاولة للجمع بينكما , فأنني أعتبر ذلك خدمة كبيرة لها ولأولادها".
" بدون أنك قررت القيام بمهمة مستحيلة , لأن شيلا سترفض مقابلتي لأي سبب".
"لا يمكنها بالتأكيد أن تمنعني من أحضار أصدقائي , ألا أذا طردتني من بيتها... وهذا أمر أشك فيه كثيرا , وأذا صدف أنها كانت في البيت لدى حضورك , فعندئذ......".
لم تنه جملتها ,ولكن أبتسامتها الشيطانية كانت كافية لأعطاء المعنى الكامل.
" أنت ساحرة صغيرة تعرف كيف تقنع الناس".
سمعت فجأة صوت فتاة صغيرة:
" وجدتها يا أمي , أنها هنا".
" سيندي! لم أتوقع أن أراك هنا!".
رحبت جنيفر بالشاب الصغير , الذي كان يمسك كعادته بيد أخيه ريتشارد :
" مرحبا , يا سيندي".
ألتفتت الصغيرة الى الرجل بذهول , ثم غمرت وجهها أبتسامة سرور عريضة وألقت بنفسها عليه , قالت له بصوت مرتعش:
" أوه, ديرك , لم نرك منذ سنة , أفتقدتك كثيرا , وخصوصا لأن أمي قالت لنا أنك لن تعود أبدا".
" تصورت أنني علمتك أن تقولي حرف السين بشكل صحيح , هيا لنسمع جميعا حرف السين".
" سين... سين... س... سا! لم يعد يهمني كثيرا كيف ألفظ هذا الحرف أو ذاك , بعد ذهابك".
لم يعلق ديرك بشيء على كلماتها الرقيقة المؤثرة ,لأنه شاهد شيلا , لم تتغير ملامح وجهه أو نبرات صوته , عندما قال لها بهدوء تام:
" مرحبا , يا شيلا ,كيف حالك؟".
نظرت الى أختها بأرتباك واضح , قبل أن تتمتم قائلة أنها بخير , تطلع ديرك نحو أريك وسأله بحنان:
" وكيف حال رجلي الصغير؟".
" أنا لست رجلك الصغير ؟".
أستغربت سيندي تصرف أريك, ولكنها تجاهلت هذا الأمر وسألت أمها:
" ألست مسرورة يا أمي , بعودة ديرك؟".
لم تجبها شيلا على الفور, فأستدارت ثانية نحوه وقالت بلثغتها التي تخلت عنها لمدة دقيقتين:
" يجب أن ترى داين وتسمعه, أنه كبير جدا وقوي , أشترينا له هدية جميلة سيفرح بها كثيرا!".
" هذا يكفي, يا سيندي , أنا متأكدة من أن السيد هاملتون ليس مهتما كثيرا بهذا الموضوع".
"بلى , يا أمي , ألست مهتما, يا ديرك؟".
" طبعا يا عزيزتي".
" ألم أقل لك يا أمي؟ أوه , يجب أن ترى هديتي لأريك , سوف نفتح هدايانا ليلة العيد , أوه , كم أتمنى أن تكون معنا!".
تدخلت جنيفر على الفور, لأن الفرصة سنحت لها,وقالت:
"يا للصدفة , يا سيندي! كنت أسأل ديرك قبل قليل عما سيفعله في سهرة الميلاد, فأجابني بأنه لا يعرف ماذا سيفعل, كان سيقضي السهرة وحده".
أحست بأنه من غير الأنصاف أستغلال طفلة لتحقيق أهدافها ,ولكنها شعرت بأنها مستعدة للقيام بأي شيء لتخليص أختها من قبضة لوغان , نظرت اليها شيلا بعصبية وخوف , فيما طالبته الطفلة بأن يسهر معهم , تطلع بجنيفر وقال لها أنه سيحضر ... أذا كانت متأكدة من أن حضوره ممكن.
" طبعا , أحضر في السابعة تماما , وأنت في أفضل ثيابك وأجملها".
أبتسم ووعدها بالحضور , ألتفتت نحو أختها وقالت:
" أتصور أننا مستعدون للعودة , أليس كذلك؟ ديرك! سأراك غدا أن شاء الله".
وقفت شيلا مع أبنيها صامتين , فيما كانت سيندي وجنيفر تتبادلان كلمات الوداع والتمنيات مع ديرك ,وعندما أصبحوا خارج المقهى , ألتفتت شيلا نحو أختها وكأنها تصرخ بها قائلة:
" كيف يمكنك أن تفعلي بي هكذا؟".
هزت جنيفر كتفيها غير مكترثة أو مبالية برد فعل شقيقتها , كانت مقتنعة بأنها تقوم بعمل جيد, وبأنها لم تدع ديرك ألا لصالح أختها , هذه هي الحقيقة وهي متأكدة من أن خطوتها هذه لم تكن بهدف أيجاد درع يحميها من أغراء لوغان وجاذبيته.
هل هي حقا متأكدة من ذلك؟ نعم... لا... أو ربما!

حبيبتي جيني ...حيث تعيش القصص. اكتشف الآن