المسافة القصيرة بيننا

7K 205 20
                                    


وجدت فرنسيس ولحسن حظها وظيفة في شركة أعلانات تلفزيونية مما سهل بقاءها في لندن في الوقت الحاضر , كانت تزور فيلكس كل يوم لتقرأ له الجرائد اليومية وتجلس اتتحدث معه في أدوار مختلفة , ما تقوم به كان خطيرا بالنسبة الى عواطفها المتأججة وحبها الأكيد له , كانت لا تفكر بعواقب عملها بل تعيش حياتها يوما بيوم , وتغتنم من المسرّات ما يقدمه لها القدر شاكرة سعيدة بلحظات هنيئة قربه.
لاحت لها في الأفق فرصة ذهبين للعمل في تمثيلية من تأليف الكاتب توم ستوبارد , ولو حصلت على هذا الدور قبل عودتها الى حياة فيلكس لوجدت نفسها تطير من الفرح وتعيش حلمل يرضي طموحها ومستقبلها في هذه المهتة , ذهبت لآداء تجربة التمثيل متكاسلة ودون حماس , لأنها كانت واثقة بأن فيلكس لا يزال يحتاجها قربه حتى يتماثل تماما للشفاء.
وبعد عودتها من التجربة وصلت الى الغرفة الزجاجية لتجدها خاوية , رتبت الكتب والجرائد المبعثرة ونظرت الى الحديقة لتجد فيلكس منفردا يجلس وظهره اليها , مشت نحوه وشعرت بقلبها يقفز من مكانه , عندما رأت أنه أنتزع الضمادات عن عينيه أيقنت أن حاجته اليها قد أنتفت , ولكنها أبتسمت أبتسامة مصطنعة وقالت:
" أهلا يا فيلكس , الحمد لله أنك نزعت الضمادات ".
حدقت به فرعة وهي ترى آثار الجرح على جبهته بوضوح , أحست بحشرجة في حنجرتها , لقد نبهها غاريت الى هذا الأمر ولكنها لم تتخيل الحقيقة على هذا النحو , تنفست عميقا في محاولة يائسة لأخفاء صدمتها:
" ما هو شعورك الآن وأنت ترى بعينيك من جديد؟ هل هناك ما يضايقك؟".
" أهلا يا فرنسيس , بعد أن أزحت الضمادات وجب علي أن أجلس تحت أشعة الشمس وقتا طويلا ".
قدّم لها كرسيا لتجلس قربه:
" هذه هي أوامر الطبيب ".
نظر الى وجهها المضطرب وأكمل:
" مسكينة يا فتاتي ! ألم يخبرك غاريت بشكلي الجديد؟".
أبتسم هازئا:
"لا ألومك أن أشحت بوجهك عني....".
"لا تكن سخيفا , لن تحظى بشفقتي أبدا".
نظرت الى وجهه متفحصة , كان يرتدي نظارات سوداء ولكنها لا تخفي أثر الجراح في جبهته:
" أوافقك أن منظرك غير مألوف , ولكن الندبة ستختفي مع الأيام , والحقيقة أنها تعزز وسامتك وتضفي عليك جاذبية بدلا من أن تفسد شكلك".
" صحيح؟".
" نعم , هناك نظرة أستهتار ماكرة مما يساعد في أجتذاب الجنس اللطيف اليك".
ضحك ضحكة عابثة:
" يا ألهي , أنت فتاة ذكية ودبلوماسية يا فرنسيس......".
" وماذا تقصد؟".
" أنت تكذبين".
عبس قليلا ثم سألها:
" أين كنت البارحة؟".
شعرت بفرح يغمرها وهي تسمعه يفتقدها .
" ذهبت أفتش عن رزقي في وظيفة جديدة...... علي أن أكسب قوتي بعرق جبيني".
أشارت الى النظارات وأكملت:
" هل يعني ذلك أن بأستطاعتك أن تقرأ لنفسك من الآن فصاعدا؟".
"لا , لا يمكنك التهرب من واجباتك اليومية يهذه السهولة".
" هل أحضر الجريدة؟".
أمسك بيدها قبل أن تغادر الحديقة.
" بل أبقي لنتكلم".
شدّها بلطف وضغط بيده على ذراعها , حاولت أن تفلت من قبضته , أحمرت قليلا وقالت متسائلة:
" عم نتكلّم؟".
" أنني أفضل رؤيتك بعيني على تخيّلك بالقرب مني......".
حبست نفسها , لقد عاد فيلكس الى سابق عهده , عاد ساخرا ماكرا وأكثر خطرا.
" هل أنتهيت من العلاج؟".
" لا , لسوء الحظ , علي القيام ببعض التحاليل قبل أن أطير الى الشمس".
" ستسافر ؟ ستطير بعيدا؟".
هز رأسه موافقا وأبتسم أبتسامة ساخرة.
" هل ستشتاقين الى وجودي يا فرنسيس؟".
" نعم , بالتأكيد".
كان يداعب باطن يدها بأصابعه مما جعلها تتململ تحت لمساته المثيرة.
" وأنا أيضا سأشتاق اليك". لم تجب :" علي أن أستريح بعيدا وفي مكان مشمس بعض الوقت بناء على نصيحة صديقي الطبيب".
تنهد آسفا:
" كأنني لم أسترح بما فيه الكفاية خلال فترة المعالجة الطويلة".
" وألى أين ستذهب؟".
" لم أفكر بالمكان الذي سأقصده , هل لديك أقتراح؟".
نظرت فرنسيس بعيدا وهي تفكر ... ثم أجابته وهي ساهمة:
" قبل لي أن جزيرة كورفو مكان مناسب".
" كورفو؟".
نظر فيلكس يحدق بها مستغربا :
" نعم أنها جزيرة الأحلام وجنة حقيقية...... أن قبلت مرافقتي سأذهب اليها".
" نذهب الى كورفو......".
حدقت فيه وتمنت لو ترى نظراته الحقيقية من خلف النظارات السوداء لتعرف ما يدور في خلده....... زاد عبوسه قليللا.
" لقد أقنعتني بالفكرة وحق السماء".
أبتعد عنها ومشى الى سور الحديقة وقال وهو يحدق بالأرض:
" هل تعرفين أنك تقومين بصفقة خاسرة؟".
" أعرف , أفهم قواعد هذه اللعبة الخطيرة يا فيلكس".
" ولكنني لست واثقا مما تقولين, لماذا غيرت رأيك بهذا الموضوع يا فرنسيس؟".
" هذا أمتياز تتمتع به المرأة في كل العصور , هذا الحق مقصور عليها".
" ولكنك كنت متحمسة جدا لتفاصيل الأسباب التي رفضا من أجلها مرافقتي الى الجزيرة سابقا". 

 لقاء واحد يكفي - جاكلين غيلبرت - روايات عبيرالقديمة  Where stories live. Discover now