الفَصلُ السَّادِس والثَّلاثُون.

498 47 8
                                    

تَذكِيرٌ قَبلَ القِرَاءَة..
لا إلَه إلَّا أَنت سُبحَانَك إنِّى كُنتُ مِن الظَّالِمِين.

* * * * * * * * * *

دَقَّت السَّاعَة الثَّانِيَة بَعدَ مُنتَصَفِ اللَّيلِ ومَازَالَ لوى عَلى حَالهِ لَم يَذُق للنَّومِ طَعمًا، هُو يُحَاوِلُ التَّمثيلَ أنَّهُ بِخَيرٍ حَتَّى لا يُقلِقَ مَن حَولَه لكِنَّهُ أبعَدُ مَا يَكون عَن الخَيرِ؛ صِحيًّا وعَاطِفيًّا.

زَفرَ بضِيقٍ وهُوَ يَمسَحُ وَجهَهُ ثُمَّ نَهضَ يَخلَعُ المُغَذِّى مِن مِعصَمهِ ليَخطُو خَارِج الغُرفَة، ظَلَّ يَمشِى فى الرُّوَاقِ إلى أن وَصلَ لسُورٍ يُطِلُّ عَلى الحَديقَةِ الخَلفيَّةِ واستَنَدَ عَليهِ فـ سحَبَ شَهيقًا قَويًا مَلأ بهِ رِئتَيهِ، كانَ الهَوَاءُ بَارِدًا وشَعرَ بهِ فى صَدرِه ليُغمِضَ عَينَيهِ بهُدوُءٍ.

لَم يَعلَم لِكَم مِن الوَقتِ ظَلَّ وَاقِفًا لكِنه كانَ يَحتَاجُ هَذَا وبشِدَّةٍ، فمُكُوثهِ بالغُرفَةِ طَويلًا وَحدَه وَسطَ رَائِحَة المُعَقِّمَاتِ والأدوِيَة قَد جعَلته يَختَنِق.

فَجأةً قفَزت ليليان لعَقلهِ؛ فهىَ لا زَالَت تَشغَلُ كُلَّ جُزءٍ مِن زَوَايَاه، ويَحتَلُّ الذَّنبُ والنَّدمُ جُزءًا أكبَرَ دَاخِلَهُ، تَمَنَّى لَو عَادَ الزَّمَنُ بهِ ليُصلِحَ الأمرَ برُمَّتهِ ويَترَاجَع عَمَّا قَالَه.. لكِن قَد فَاتَ الآوانُ بالفِعلِ.

لقَد إشتَاقَ لهَا، لصَوتِهَا وابتِسَامَتِهَا، كانَ يُعيدُ ذِكرياتِهمَا برَأسهِ ويتَخَيَّلُهَا أمَامَهُ فقَط لتَهدِأة قَلبهِ، مَشاعِر حُبِّه قَد ظَهرَت جَليًا أكثَرَ عَن ذى قَبلٍ عِندَما ابتَعَدَ عَنهَا، فمُكُوثهِ حَوالَى أسبُوعٍ بنَفسِ المَشفَى الذى تَعمَل بهِ ولَم يَرهَا ولو لمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ جَعَله يُدرِك أنَّهَا تَتَجَنَّبه.

"يَالغبَائك."
وَبَّخَ نَفسَه وهُو يَشُدُّ عَلى شَعرِه بقَهرٍ وزَفرَ بقُوَّةٍ للمَرَّةِ المِائَة فى سَاعَتَين، هُو يُريدُ شَيئًا يَنَفِّث عَن غَضَبَه لكِن رِئتَيهِ أصبَحتَا ضَعيفَتَين لدَرجَةِ عَدَم تَحمُّل الهَوَاءِ حَتَّى، لذَا لَن يُخَاطِرَ ويَشربُ سَجَائِرًا الآن.

ظَلَّ وَاقفًا يَنظُر للفرَاغِ مُدَّة ليسَت قَليلَة ثُمَّ بَعدَهَا قَرَّرَ الذَّهَابَ والنَّومَ أخيرًا، أثنَاء سَيرَه لمَحَ خَيالًا لشَخصٍ مَا أمَامَه بمَسافَةٍ ومُتَّجِهًا لغُرفَتِهِ.. تَعجَّبَ وهُو يَتبَعهُ وأدرَك أنَّهَا فَتَاة حَتَّى دَخَلت الغُرفَة وبِسُرعَةٍ كَبيرَة خَرجَت خَائِفَة وكَادَت تَجرِى إلى أن وَقعَت عَينُهَا عَليهِ.

لا يَعلَم أيُهَيَّأ لهُ أم أنَّ صَلوَاتِه قَد أُستَجيبَت وهو يَرى ليليان أمَامَهُ الآن، اهتَزَّت مُقلتَيهِ ورَمشَ بغَيرِ استيعَابٍ، وفقَط كُلَّ مَا فَعَله أنَّه إتَّجَه نَاحِيتِهَا وسَحبَهَا بَين ذِرَاعَيهِ بقُوَّةٍ يَنعَمُ بعِنَاقِهَا بَعدَ مَا يَقرُب مِن ألفِ سَنَةٍ مِن وِجهَةِ نَظَرِه.. حَتَّى لَو كانَت مُجَرَّد وَهمٍ فهُو سَعيدٌ بتِلك اللَّحظَةِ الخَيَاليَّةِ إذًا.

Evanglin | H.SWhere stories live. Discover now