سُبات

23 4 0
                                    

بينما كانت حياة الثلاثة في سكون كامل، الكون خارج جدران الغابة المظلمة بدأ بالتغيّر... مع أول ذئب يخطوا من الجنوب نحو الشمال، وأول معركة لا تنشب بسبب أبيدان، ولا تتدخل فيها الساحرات.

هل هذه الفوضى هي الحرية التي حاول مالك تقديمها لهذا العالم، الحرية لاختيار طريقة العيش التي يرغبون فيها، دون تهديد بالموت، دون الخوف من السؤال، دون الأدوار الافتراضيّة والأجوبة المعلّبة التي فُرِضَت على الجميع؟ ربما كانت الفوضى جزءاً من الحريّة.

لم يستطع مجلس الساحرات التفكير بخطوة جديدة بعد موت أبيدان، وبدأ سحره بالزوال شيئاً فشيئاً عن عقولهنّ. بعضهنّ لم يتحمّل العبء الذي وقع على كاهلهنّ بعد موته ليكون موتهنّ -بطريقة أو بأخرى- حلّاً للضياع الذي عانين منه، بينما رغب بعضهنّ بالمتابعة على نفس الطريق، وقررّ بعضهنّ اعتناق الحياة المسالمة بعيداً عن كل شيء، في محاولة للتكفير عن خطايا لم يدركوا من قبل أنهم اقترفوها.

لم يكن واضحاً تماماً إن كان تأثير أبيدان على الساحرات حقيقياً أم مجرد وهم أقنعهنّ به، ولم يكن هناك طريقة لمعرفة هذا بعد الآن، ولكنّ موته أزال ذاك التأثير عن الساحرات ووضعهن في مكان لم يزرنه من قبل.

ربما كان الجزء الذي بقي من الذئاب في أرواح الساحرات يحاول الظهور من جديد، حاملاً معه الفطرة الأخلاقية التي تمنع الذئب من قتل أخيه، وتثقله بالعار إن قام بذلك.

تغيّر العالم كثيراً في فترة قصيرة جداً، وكأنه قفير نحل طنّانٍ يرى النور لأول مرة بعد شتاء طويل.

لم يطل هذا النشاط كثيراً قبل أن تظهر الأسئلة، وقبل أن يحاول كلّ من مخلوقات هذا العالم الإجابة عنها بطريقته الخاصّة. ما هو السبب من وجودهم هنا؟ بدت الإجابة مستحيلة للبعض، وبدت للبعض بسيطة جداً، واختار الكثير رفض البحث عنها.

أما القبعات... فلم يتحولوا لأشجار هذه المرة عندما قرروا ترك رحلتهم. ولم يحرقهم أحد عندما بدأوا التفاعل مع الذئاب، ولم يخرسهم أحد عندما حاولوا الحديث.

بينما رقد مالك في ظلمات روحه المثقلة، لمع النور في العالم من جديد، تحوّل الأخضر القاتم إلى أخضر يشعّ بالحياة ونبض الكون كلّه ليعود للحركة محطّماً جدار الكآبة الذي أحاط بروح مالك في تلك اللحظة، بدأ النور يتسرب لوجدانه، شعر بيدٍ خشنة تشدّه من أعماق ذاك البئر، وفتح عينيه ليرى العالم من السماء.

عليك أن تفهم أن لكل شخص حقيقته الخاصة، بنظر أبيدان، كل ما قام به كان نابعاً من الحقيقة المطلقة، ولم يكن أياً مما فعله خطيئة، لأنه قام بذلك مؤمناً بحقيقته. أما أنت فلم تكن تؤمن بحقيقتك، لم تؤمن أن سعيك لمعرفة الهدف من حياتك، والحريّة التي امتلكتها لتكون قادراً على البحث عن هذا السبب، هي الحقيقة المطلقة لك، لم تؤمن بأن ما قمت به في تلك اللحظة، وتلك الدماء التي تطايرت، كانت الدفعة الاولى لغرس هذه الحقيقة في قلوب كلّ من في هذا العالم.

ولكن يمكنك رؤية هذا الآن، يمكنك رؤية حقيقتك هذه في قلوب هؤلاء وأرواحهم. أجل، بعضهم لم يكن قادراً على حملها، وبعضهم فهمها بطريقة خاطئة، وبعضهم لا يزال يبحث عن إجابة كما كنت تفعل... ولكن عليك الإيمان بأنّ هذا هو أفضل ما يمكنك فعله.

إن كنت تبحث عن الإجابة، هدف وجودك في هذا الكون؟ ربما تعلم سلفاً أن الإجابة غير موجودة بالمطلق، ولكن ربما لم يخطر لك أبداً أنك تطرح السؤال في الوقت الخاطئ، فهذه الإجابة تعتمد كلّيّاً على المكان والزمان؛ قتل أبيدان؟ تحرير مخلوقات هذا العالم من السحر الذي سلب أرواحهم؟ معرفة المزيد عن الكون؟ مرافقة الأشجار في رحلتهم؟ دراسة الرياضيات؟ العثور على الحب؟ كلها إجابات صحيحة إن طٌرحت في الوقت المناسب.

ربما كنت تعلم هذا من البداية، وربما كنت جاهلاً فعلاً بها، وربما عثرت عليها سلفاً في نقطة ما خلال رحلتك هذه... ولكن عليك الآن الإيمان بها وحملها دون تردد.

الآن عليّ الرحيل... وعليك العودة لأصدقائك فقد تعبوا من تنظيف جسدك وغسل شعرك الأشعث...

بدأ الصوت يتلاشى بينما عاد لمالك وعيه بعد سبات طويل، شعر بنسمة هواء لطيفة لامست وجهه قبل أن تداعب أشعة الشمس قدميه... جلس في الكوخ الخشبي قليلاً قبل أن يخرج من الباب ليجد كارين تداعب بعض الحيوانات مرتدية ثياباً مشابهة لتلك التي ترتديها الفتيات من تلك المدينة... لم تسنح له الفرصة لندائها قبل أن تنتبه لوجوده وتركض نحوه لتحتضنه.

قال ساخراً محاولاً التخلص من غرابة ما حدث، ماذا حصل في غيابي؟ لتبدأ كارين في سرد الحكاية التي غيرت حياة الجميع.

حافة العالم: أخضر قاتمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن