فلنكتب

20 4 0
                                    

الساحرات يتحكمن بكل شيء... لا نحب الحديث عن الأمر... هذا كل ما قاله غارج عن تلك الحادثة التي سيطر الصمت بعدها على المجموعة التي انتقلت من المنطقة للأخرى وكأنها مبرمجة على هذا منذ الأزل.

ضجّ رأس مالك بالأسئلة دون أن يستطيع تحويل أيّ منها إلى كلمات... كيف استطاع العيش لأسبوع كامل دون طعام أو شراب، ومن أين جاءت هذه الملابس الرياضية الجميلة، ولماذا قد تبحث الساحرات عنه دون أن يفعل شيء يذكر... ما الذي حصل تحديداً في الأيام السبعة تلك التي غاب فيها عن الوعي... بدأت أصوات تلك الاسئلة تعلو في مؤخرة رأسه بينما شعر أن الأيام تحترق أمامه دون جدوى... مرت أسابيع، وربما أشهر على تلك الحالة... صمت صارخ كاد أن ينسي مالك الكلام.

القبعات يسيرون ببطء حقاً، يمكنه أن ينام طوال اليوم ويمشي ساعة قبل حلول الليل للحاق بهم، ولكنه فضل المشي والتوقف أثناء مشيهم وتوقفهم، فالوحدة مخلوطة بالصمت قد تفجّر شيئاً في داخله.

في كل يوم يمشي القبعات مسافة محددة ثم يتوقفون. لا يبدو أنهم يقومون بشيء مهم أثناء التوقف، حاول مالك فهم سبب التوقف دون جدوى وكل ما أضافه تفكيره بهذا هو المزيد من الأسئلة... تردد كثيراً قبل أن يسأل غارج عن هذا، كان خائفاً من التجاهل أو الصمت، والحيرة التي ستزداد أكثر من قبل لو حصل ذلك.

تلك الأسابيع لم تجلب تقدماً ملحوظاً لحركة القبعات، لم يفارقوا منطقة الغابات بعد، وخط الجبال البعيد لا يزال يبدو بعيداً جداً... كلما ازداد الصمت كلما شعر مالك بالخوف من الأشجار المحيطة بهم وكلما فكّر أن هذه الأشجار حيّة طمأن نفسه قائلاً: أعلم أنها حيّة منذ أن كنت في الابتدائية، ما الذي اختلف لتصبح مرعبة الآن؟ ولكن الأمر لم يكن بهذه السهولة.

كلما اقترب مالك من الشمال كلّما بدت المياه في النهر أكثر غزارة... وكلّما ازدادت غزارة ازدادت رهبة مالك منها ومن الغابة المجاورة لها. السهول الخضراء الممتدة في الجانب المقابل دون نهاية تجعل العالم يبدو أكثر خواءً وخالياً من الحياة، ولكنّ شعوراً غريباً بدأ يراود مالك بعد أن اعتاده... هذا العالم خالٍ من الحياة ولكنّه أيضاً خالٍ من الظلم والخوف والموت.

استجمع مالك قواه بعد صمت طويل، والسؤال الأول الذي خطر لباله كان سبب توقف القبعات لكل يوم بجانب النهر، استعد نفسياً لرفض غارج الرد على سؤاله ولكنه تأمل الحصول على إجابة فهذا يعني قدرته على طرح المزيد من الأسئلة لاحقاً... وأنه لا يزال قادراً على الحديث أيضاً.

إجابة غارج كانت هزلية، أو بدت هزلية لمالك في تلك اللحظات؛ نشرب الماء. بكل بساطة. لعن مالك غبائه عشرين مرة ضاحكاً بعد سؤاله الجدّيّ جداً. كيف نسيت أمر شرب الماء... ولكنّه سرعان ما تذكّر أمراً آخر... كيف استطاع العيش ذاك الأسبوع دون ماء... وكيف عاش كلّ هذه الأيام دون أي طعام معتمداً على الماء فقط.

حافة العالم: أخضر قاتمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن