فتاة

13 5 0
                                    

انطلقت كارين بعد لقائها الأخير مع آريا نحو الغابة جنوباً، لم يكن هناك ما يهم في كوخها الجبليّ لذا لم ترغب بالعودة إليه وتضييع المزيد من الوقت. عبرت الغابة المحاذية لمدينة الساحرات جنوباً حتى وصلت لخطّ الجبال الأول، في أي رحلة أخرى كانت ستشق طريقها عبر الجبل مباشرة، ولكن استخدام الأنفاق في هذه الرحلة كان خطراً وربما يعرقل خطّتها.

ربما اتخذ منزلاً جديداً في السفح الجنوبيّ لهذا الجبل، الغابة لا تبدو بهذا السوء، أفضّل التعامل على الحشرات بدلاً من التعامل مع الثلج. وربما لا، هذا المكان قريب جداً إلى المدينة، ربما أقطع المسافة كاملة حتى منتصف العالم، ومن ثم أبني منزلاً في أقصى الشرق أو الغرب، وربما اعبر للنصف الجنوبيّ حتى... كلما ابتعدت عن هذا الجحيم كلما كان أفضل... بأي حال، ربما عليّ أولاً التحقق من ذاك الشاب الذي أخبرتني عنه آريا...

حدثت كارين نفسها كثيراً أثناء مشيها، كانت قادرة على التحكم بمصيرها لأول مرة في حياتها، بدأت تستذكر رغباتها القديمة في ارتداء ملابس مشابهة لإناث الذئاب وزيارة مدنهم المنتشرة حول هذا العالم، لا كآلهة حرب بل كزائرة مسالمة، تشتري من بضائعهم وتأكل من طعامهم وتجرب اللعب مع الصغار في الشوارع... لم يكن من المعتاد لساحرة أن تمتلك رغبات مشابهة، لذا لم يكن لكارين أي "صديقة" ترغب بذات الأشياء.

رافقها القلق طويلاً قبل أن تعتاد حياتها الجديدة، فأحلامها قد تتحطم بلمح البصر، ولكن بكل خطوة خطتها بعيداً عن ذاك المكان ازدادت ثقتها بنفسها أكثر فأكثر. مشت لأيام قبل الاطمئنان للجلوس والاسترخاء تحت ظلال الأشجار، ومضت أيام قبل أن تصبح قادرة على النوم ملتحفة السماء... لأول مرة في حياتها توقفت عن إحصاء الأشهر والأسابيع والأيام والساعات والثواني المتبقية حتى مهمتها القادمة، وبدأت تعيش كل لحظة وكأنها تمتدّ للأبد، لم تعد "ترى" كل ما يحيط بها بل أصبحت "تشاهد" كل ما حولها باهتمام شديد. تغيرت حياة كارين بكل خطوة خطتها نحو الجنوب.

لم يكن من الصعب على كارين -إحدى أقوى ساحرات الشمال- أن تعيش وحيدة في عالم يهاب الساحرات، فكلّ كائن حيّ في هذا العالم لديه طريقته في استشعار وجودهن وتجنب مواجهتهنّ، مرّت أسابيع قبل أن تصادف حيواناً مفترساً... وحتى حينها لم يكن للحيوان خيار سوى الهرب بعد استشعاره الخطر الهالة المرعبة المحيطة بها.

وبعد ابتعادها بما يكفي عن مدينة الساحرات، توجهت كارين غرباً نحو الغابة المظلمة؛ وفي غطاء الوحدة الذي تقدمه تلك الغابة كانت تتمنى العثور على الراحة الأبدية والهدوء السرمديّ بعيداً عن أعين كل المخلوقات... تلك الغابة من الأماكن القليلة لم تطأها أقدام الساحرات سوى مرّات معدودة؛ إذ لا أمكانية للعيش فيها على الإطلاق ولا أحد يخطط للنزاع على أرضها. الظلام الدامس الذي يلف تلك الغابة على مدار أيام العام بسبب كثافة الأشجار فيها، والحيوانات المفترسة التي تتخذ من ذاك الظلام منزلاً كانا سببين كافيين ليتجنبها الذئاب، وبهذا تتجنبها الساحرات أيضاً.

حافة العالم: أخضر قاتمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن