Ten.

826 141 36
                                    

لابد أن الحياة بين جدرانِ المنزِل العظيمِ الوحيد قد كانت عبءً طال وجوده على زوجي الكهول الطيبين الذين احتضنوهم في أمانِهم.

أغرقوهم بكُل ما هو فعلٌ قد يدُل على الحُب, في الأيامِ التي لبِثوها, طهوا لهُم كُل ما لذ وطاب, سمحوا لهُم بفعلِ ما يريدون, واستمروا بالاستماعِ إلى كُل قصصهِم عن لُندن, بينما امتلأت أعينهُم بالمحبة والاهتمام.

حكوا لهم عن أولادهِم الذين كانوا يومًا يعيشون قبال أعينهِم تحت السقف ذاتِه, قبل ان تركُض الأعوام ويكبروا جميعًا ويسيروا كلٌ في حياتِه الخاصة تاركين المنزِل مهجورًا باتساعِه لهُما فقط.

باؤا أيضًا يساعدونَهم في أعمالِ المزرعة والمنزِل المُختلفة, يراقبونَ المحاصيلِ, يهتمون بالدواجِن, وينظِفون الغرُف, وكان ذلِك عن طيبِ خاطرٍ تام, لقد كان شعوراً مُرضيًا أن يقوموا على خِدمة الزوجيِن, ثُم إِن ذلِك أقل ما يُمكنُهم تقديمُه كشُكرٍ على طيبَتِهم غيرِ المعهودة.

أوريانا كما توقُع كان فضولُها البحت هو المُستفيدُ الأول مِن رِحلتِهِم تِلك, كانت هي من لا تتوقفُ لحظةً عن التجوالِ على كُل شبرٍ مِن المكانِ مُحدقةً بكُل معالِمه, تستمِرُ بجرِه مُلحمة أنامِلهُما إلى كُل مخبأ جديد تضعُ عينيها عليهِ, ولم يبدو أنها في حُزنٍ شديد لفراقِ والديها, بدا ذلِك كراحة عظيمة بالنسبة له, قد قاموا مسبقًا بمحاولةِ شرحِ سببِ ابتعادِهم عن لندن وترك الحياة مع أبويها, وقد أظهرت بعضً مِن معالِم الفهِم, لا بُد أن المُتعة والأمان التي تُحِس بِهُما هنا تمثلا كلهوٍ ظريفٍ لها.

ماتيلدا كما العادة كان الصمتُ هو خطوتَها الأولى للتعامُلٍ مع كُل جديد, ولكن لحُسنِ الحظ ما استمرت تِلك الحالُ طويلًا, بدا وكأن حياة بيرمينغهام بدت لها خيرًا, سريعًا ما أصبحت تستمتِعُ بأعمالِهِم اليومية وتبتسم في كُل ساعة أكثر مما فعلت في كُل الوقت الذي قضياهُ سويًا في لندن, وباءت معاملتُها لهُ ألطف بشدة.

هو على الجهة الأخرى لم يعهد يومًا مُهمة أمتع من هذهِ, رغُم العديد من الأشياء التي حدثًت إلا أنه وصدقًا كان مُستمتعًا بالأمرٍ برُمتِه, خصوصًا هنا في بيرمينغهام حيثُ اتسمَ كُل شيءٍ بهالةٍ مُسالٍمة أكثر ويبدو أن مُهمته تسير بهدوءٍ تام, يحُب كثيرًا كُل ما تفعُله أوريانا ويستمتٍع جدًا بكونِه بوابة لاطلاعِها على عديدٍ مِن اكتشافاتِ هذه الحياة.

ثُم هناك ماتيلدا.

لا بُد أن يكونَ قد فعلًا دقَت أجراسُ حظِه وأزهر دربُه, إذ يبدو أنه كسِب ثِقتها وأخيرًا, ثم أتكون هذهِ نوعًا مِن النعيم؟ قد اختلف كُل شيءٍ بينهما بعد أن رمت بحبلِ ثقتِها له, ليس فقط نِبرتُها وتصرُفاتُها, بل كُل ما بين ذلِك, حتى الطاقة التي أحاطت بِها, كان قبلًا يشعُر برهبة ضئيلة في كُل مرة كان في حضرتِها, قد كان خوفًا مِن أن يُخطئ بقول شيءٍ ويفقِد أي فُرصة معها, أو ربما مجرًد ذُعرٍ اعتيادي, ولكِنه الأن يشعُر بأنه بسلامٍ تام, وكأنه لا يخشى من أن يقول أي شيءٍ لها, بل وحتى يشعُر أنه مُحببٌ إليها؟

التغيرُ في هالتِها جعلُه يتقرب منها بصورة أكبر حتى, وهو يعلمُ أن ذاك التقرُب لم يكُن محاولة يائسة مِن طرفٍ يتيم, بل محاولة صادِقة مِن كلا طرفيهِما, صارا يقضيانِ ما لا يُعدُ مِن الوقتِ سويًا, يتساعدانِ في أعمالِ المنزِل العديدةِ ويحاولُ مليًا تلطيف جوِ العمَلِ بنُكاته المُبتذلة التي تجعلُها تضحكُ على أيةِ حال, يتحدثانِ وأخيرًا عن سوى ما هو مُتعلقٌ بأغراضِ المنزِل ويستمرانِ بذلِك لأكثر من دقيقتين, كان ذلِك أكثر مِن أنجازٍ عظيم في نظرِه, وقاما أيضًا لبضعةِ مراتٍ بأخذِ مسيرة طويلة ليلًا بين أعشابِ المرجِ عندما كان الباقون ضيوف أرضِ الأحلام, ألتقيا سويًا في المطبخِ ليلًا عِندما لم يستطِع كلاهُما النوم واتخذا قرارًا بفعلِ ذلِك, كانت تجرُبة كتِلك التي يقرأ عنها في الكُتب, خيالية أكثر مِن أن تُصدق وواقعية حتى النخاع, وجميلة كما لم يعهد شيءً يومًا.

تلك الأمور مع ماتيلدا مع الوقتِ جعلتهً يصِلُ إلى مكانٍ عجيبٍ في عُمقٍ سحيق داخِل قلبِه, مشاعِر مُتضارِبة كانت تعصِفُ في مهدِ عقلِه, لقد كانت دون شكٍ تجعلُه سعيدًا, أو ربما ما هو أكثر, شيءً وجدَ مِن المُستحيلِ إطلاقُ اسمٍ عليه, شعورًا مُذهلًا ولكِن مُرعبًا في ذاتِ الوقت, كان يُحِبُه بشِدة ولكِن يشُك بأنه مِن الصواب لنفسهِ الشعورُ بِه, وكأنه كان خطأ أحب الإحساس بِه.

ابتسامتُها, طريقة حديثها, والأفكارِ الكثيرة المدفونة داخِل عقلِها والتي أطلعتهُ عليها, هوى التفكير بتِلك الأشياء, شعرُها القصير المبعثر, أعينها المشابهة باللون لأوريانا, و النمش المطبوع على كُل شبرٍ مِن المساحة المنتشرة على خديها و أنفِها, كان جميعُ ذلِك يجعلُ أعضاءه الداخلية تعتصِر وتنتفض على غير هوادة, مرة أخرى, غريبٌ جدًا.

"كان يومًا طويلًا."
تمتم لذاتِه في ظلِ سُكونِ المنزِل, كان الجميعُ قد سبقوه إلى أسرتِهِم الدافِئة, استغرق هو في بعضِ المهامِ وكان أخِر من يلحَق, قرر بأن يتفقدَ قُفل المنزِل قبل أن يبيت.

قطع الطريق إلى غُرفتِه هونًا, ابتسم لبابِ غُرفةِ الفتاتينِ مرمري اللون حينما تسللت إلى وعيهِ ذكرى الابتسامة التي أرسلتها ماتيلدا عندما تمنت لهُ ليلة سعيدة قبل أن تخلُد إلى النوم, اجتاحهُ دفءٌ شديد حول معدتِه ووجهِه, أسرع بخطاه إلى غُرفتِه الخاصة.

أغلق الباب واتجَه إلى سريره, بدأ بأبعادِ الأغراضِ المُبعثرة عليه والتي يرميها هُناك بدلًا من أن يضعها في أماكِنها المُخصصة, كان محياهُ ما يزالُ بشوشًا, أمسك بمُفكرتِه العتيقة والتي كانت تنبثِقُ منها حرارة عالية, فتحها ليرى ما هو الشيءُ الذي قد يطلبُه مِنهُ والدُه في هذه الساعة من الليل, اختفت الابتسامة عن وجهِه في لمحٍ مِن بصر وشعر بقلبِه يسقُط حتى اصطدم بمعدتِه.

أخرِج ماتيلدا وأوريانا مِن هُناك, الأن وحالًا!

__________________

مريت بأسوء writer's block في الحياة😭💔

خايفة أخرب أحداث القصة جميعًا بسردي 🌚💔


شكراً على القراءة، لا تنسوا التعليق والتصويت 💕

العائد || The Returnerحيث تعيش القصص. اكتشف الآن