الفصل الثامن

46 3 0
                                    

تعودت بعد وفاة والدي ان اكون رجل العائلة بالرغم من انني عانيت فراغه قبل رحيله بسنوات ،لكنّ أمير تركني اعلق وسط الطريق بسبب ظهوره المفاجئ في حياتنا .
كان ابي قد خطط لكل سيء مثلما خطط لرحيله النهائي ، لكنه ترك الامور تغرق اكثر وهو يرمي بامير في واقعنا الذي كان قد تطمّس بالكثير من اخطائه التي لا تُغتفر .
ابي... مالذي فعلناه لنتلقى هذه الصفعة منك بجانب هذه الحياة؟
منذ ان عرفت بوجود أخٍ آخر لي تعكّر صفوي ، وما كنت اعلم قبلها انني سأحاسب أبي ايضا لانه اختار غيرنا ! ماكنت احسب نفسي في خانة الغيورين ، لكنني للاسف كنت في خانة المنبوذين منذ ساعتها !
اتذكر انني تركت كل شيء ورائي وأسقَطتُ لقب الرجولة التي أُطلقت عليّ ، وتلك الشهامة تركتها عند امي المجروحة . ما كان عليّ ان اتصرف بهذه الانانية ، لكنّها كانت تُرغمنا على التعايش مع خقيقة التقبل ، كانت تأمرنا بأن نُمرر هذه الخطيئة التي ارتكبها  ، وتناست ان ابي بدلنا جميعا ولم يعد هناك شيء يُدعى نحن بعد الآن !
لكنني ما ظننت ان يكون أمير منافسي في كل شيء وان يُزاحمني على ما أحب وما لا أطيق ، أنا الذي كنت اتمتّع بحياتي دون حساب  ، في ليلة وضحاها اتى هذا الفتى وسحب مني كل شيء!
-----------------------------
عودنا ابي ان يرتكب اخطائه بحجم سلطته ومسؤوليته علينا وكبره في السن ! عوّدنا ان يكون هو المخطئ دون ان نحاسبه لانه اب العائلة ، عودنا على كل الامور الجيدة وحتى السيئة ، حتى لم نتفاجئ من طريقة موته هكذا، ولم نعد نملك المقدرة على الاستغراب ، فهو قام بحَبْكِ احزاننا بإتقان .
لكنه تركنا متآخين بيننا واعداء بعضنا !
هكذا كنت انا وامير وامه واني وكل العائلة بسبب آل مسعودي كبيرنا !
اليوم اتذكر كل الامور التي كنت اتهرب منها ، جلست على مقربة من قبره ثم رحت اراقبه بتمعن ، عل حقا هذا الجبروت رحل؟ هل كل هذه الصرامة تركتنا بكل هذه البساطة ؟!
انهمرت من عيني بعض العبرات دون درايتي فمسحتها بعجالة وانا احمي كبريائي ، كيف لي ان اتأثر لرحيله ؟
حبّذا لو لم يصنعوا له ذكرى فهو تركنا دونها !
حبّذ لو فعلوا كما افعل ، آتي الى هنا وافرغ افكاري لاعود اكثر قوة من ذي قبل . شكرا لك ابي !
—————————————
ذكرياتي خزنتها داخل اغراضي القيمة وما كنت يوما ما احسب لها العودة ، تركتها تتلحّف بمزيج من الهموم التي صنعتني ،. واليوم لا أدري هل تدتريها أم أكشفها من جديد ، لا أعلم إن كانت ستتقبل مني هذه المبادرة وتُضاف لذكرياتي المخملية ، أم أنها رغم كل الأمور ستتلحف بدورها داخل همومي !
أخرجني من أفكاري وتطلعاتي دخول أمير المُفاجئ على غرفتي ، لترتسم على وجهه ملامح الصدمة فتظهر من خلالها فضيحة كان يُخفيها علي ، لكنّه ما إن أدرك فهمي له حتى بادر متسائلا بوقاحة :"أين حاسوبك ؟" أطرقت في صمت متجاهلا اياه علّه يُغادر بكرامة ، لكنه تواقح باصرار وهو بعيد صياغة السؤال بطريقة أوقح :أين تُخبّئ سيرتها الذاتية ؟! كنت أعلم مغزى وجهه الذي عكّرت صفوه ، دائما يباغت سكينتي بتدخلاته المستفزة ، فيعكرها باسلوبه الفضّ،أضيع أنا بسببه فلا أدري كيف لي أن أصفح عنه ، بينما كل ما يُتقنه هو شبهه لأبي ، هنا فقط أصيح بوجهه وكأنني أُفرّغ غضبي بأبي من خلاله:هذا هو انت ، اسم على مسمى ! تحب الامور الجاهزة وتعشقها!
طالعني بغضب متّقد ناره داخل مُقلتيه قبل ان يصدمني برده الجارح :انت الذي عودة ابي على الأمور الجاهزة طيلة غيابي !انت الذي اريد أن تستحوذ على كل شيء بسبب انانيتك !كلما انت عليه من حب التملك الذي سوّد قلبك ناحيتي !!!!
هذه الجمل التي رتبها ورماني بها كان صداها اقوى من فقدان ابي ليلتها ، حتى صوته العميق وهو يصرخ به كان يُذكرني به . خارت قواي بسببه ثم انسحبت من امامه خِشية ضربه ، كنت على وشك خرق ميثاقي رغم انني لم أُقصّر بدوري في أن أقوم بالتجريح في شخصه فنتعادل بعد كل هذه المشاحنات ، إستعد لأن يقول لي أمرا ما ، لكنّ دخول أمي جمّد هذه اللحظة ، ولولاها لكنت صوّبت لكمة له وإن لم يكن سيقول أمرا ذي أهمية ،كنت مملوءا من ناحيته ولم أُطق حتى النظر فيه . 
-ما الأمر ؟ ما الذي جعلكما تتشاجران من جديد ؟
كانت تلعث بقوة نتيجة صعودها محو غرفتي مهلوعة ، طالعتنا بغضب وقلق ثم التفتت نحوي وكأنها توبخني ، لم اتفاجئ قطّ من ردة فعلها ، بل كنت أنتظر منها ان تُبادر بأن تصفعني على وجهي بقوة ، لكنّ كل ما فعلته هو عتابي بنظراتها التي لم تزدني إلا غضبا ! أشحت بوجهي الى الناحية الاخرى، عيناها الخضراء المخْتَلطة بالرمادي كانت تحكي الاف الكلمات التي عجزت شفتاهاعن نطقها ، كانت تريد السكينة ، فرضت بالذل والهوان !
ردّ أمير مُحتجّا "لكنّه من بدأ خالتي ...."
قاطعته وهي تلوح بيدها في السماء باستياء::تبدوان للناس كالأضحوكة بسبب تعاملكما المشين !بينما أنا أدفع ثمن سخافتكما كل يوم ولا أشتنفع منكما غير الهموم والأعصاب!
هكذا ذكرتني أمي بطفولتي الغابرة ،وهكذا ربح أمير المعركة بإدخالها من قبلها كأخ شرعي !
تلوّت معدتي وشحب وجهي وأنا أسمعها تعترف به من كلماتها ، لم تكن بصفي وهي توبخنا وتجمعنا في نفس القفة ، لكنّ عينينها كانتا تخبئان الكثير من الأسى ، غير أنها بأت بأن تظهر ذرة حنان لي بجانب أمير .
—————————
بعد تلك الليلة التي أمضيتها بالقرب من نافذة غرفتي ، وحيدا بعالمي المكتظ بالصخب والسخط ، إرتئيت إلى أن أتناسى بأن أنشغل بأعمالي المعتادة . كنت في أمس الحاجة الى الخروج من هذا الجو الكئيب الذي عدت اليه ، كنت في حاجة ماسة الى الدخول الى عالمي الآخر الذي صنعته بملئ ارادتي .
وضعت مذكراتي الخاصة بالشركة وعدّلت مجلسي بالقرب من مكتبي ، كنت رسميا داخل غرفتي ، كنت مصطنعا بمفردي ! حتى طبيعتي الطبيعية كانت تقتضي بأن اتكئ على الاريكة القرمزية الموضوعة بجانب سريري ، لكنني تيقنت أنها ستذكرني كم أبدو أنا ،بينما لا أريد سوى الانسلاخ عن نفسي.
عبير .أنت الوحيدة التي تخرجني من قوقعتي ، وانت الوحيدة التي اعادتني الى ماضيي!
تذكرت كم كنت ساذجا بوم رأيتك ، وكم بتّ حقيرا يوم قبِلت بك بين ثنايا حصني ، فأضحيت أنت مستعمرتي وبقيت  خاسرا للحرب لا محالة !
يومها كنت جد يافعة بابتسامتك الملائكية ، يومها كنت أراك غنيمة تليق بنصري وبهزيمته ، ويومها خسرت الكل ولم يبقى سواك ،فتذكّرتوتطبّعت هذه الذكرى لتعلق بي لمدى الحياة . خلتك تليقين بنا لكنه أخذك فكيف أبقيت على مشاعري نحوك ؟!
هذه هي حكايتنا التي لم أنجح في أن أبقيها لكلينا ، هذه هيالحكا التي أضعتها بفعل طمعي فيك ،وجحدي وظلمي له. كنتُ الضحية بوجوده ،لكنني أضحيت مجرما بوجودك !
وضعت المذكرات المتعلقة بالعمل جانبا ثم استسلمت للتفكير المطوّل اللذيذ ، الذي انساني الزمان والمكان  ، وضعت كفّي  تحت فكي ورحت اهيم بكل الاطياف التي رسمتِها قبل أن اعلم الحقيقة   ، فكّرت وفكرت كثيرا حتى وصلت الى شبحه الذي نجح في ان يخرب كل جميل في عقلي مثلما يفعل حضوره . كنت انا الذي يبحث عن كلجديد يخصني فاضحيت امتلك ملكه !
انقذني يمن من افكاري وهو يظهر لي من وراء الباب هامسا :  العشاء جاهز سيد أحمد .
:كم مرة أخبرتك أن تبطل منادتي بسيد !
تلونت سحنته بالاحمر قبل ان يجيبني بارتباك :  اسف سيد احمد ....لكنّ السيدة الكبيرة رفضت الا اناديك سوى باحترام .
أكمل جمله مطئطئا راسه نحو الارض قبل أن يفهم مُقتي من تصرفات جدتي المتعالية ! لم أستطع تمالك صمتي في وجه هذا المسكين وما صبرت على صمت يجرك كرامتنا نحن الاثنين ، لملمت نفسيمن على المكتب ثم اخبرته وانا اخلع قميصي :من هي لترغمنا على قواعدها المتعجرفة ؟...يمكنك الانصراف احمد، شكرا!  .هذه هي كبيرة العائلة،صاحبة القلب الحجري ، ذات المشاعر الحديدة !
ارتديت مريولا رياضيا مع سروال ازرق لايليقان ابدا بعشاء فخم وفاخر من السيدة الاولى ، وكأنني أنتقم ليمن ،وأنا لست إلا بمتمرّد لم يرث من هذا المكان سوى الرغبة في الحرية!

أنت تشبهني .Where stories live. Discover now