الفصل الاول

627 11 2
                                    

اجلس منهارة بعد سماعي لكلماته ! كنت اظن انني اعيش في عالم خيالي بعد فراقي عنها , ظننت أن نهاية طريقنا ستؤثر سلبا على سيرورة حياتي ،
لكنني تصرفت بلا مبالاة وهذا مايءنب ضميري.
اجلس وقد تيقنت أن الزمان لابد ان يعيد نفسه بعد طول مدته ، لابد له أن يعيد نفسه بطريقة مختلفة , ولزاما عليه أن يعيدني لأشخاص يذكرونني بالماضي ويرسمون لي صورا ومٱسي من الماضي !
هل يعقل أن تعود الأيام لترمينا أمام اشخاص ظنناهم مجرد عابري سبيل ؟ هل يعقل أن نلتقي بعد أن اعتدنا على نسيانهم ولم تعد ذكراهم تطرق قلوبنا؟
الساعة تشير إلى الحادية عشر ليلا وانا لازلت وحيدةبجانب اغراضي المرمية باهمال فوق طاولة المطبخ . كنت دائما في جدال معها حول هذا المكان ولا أزال تتذكر كيف قالت لي بسخرية يومها:" يجب أن تقومي في المطبخ بدل غرفتك !" اجبتها ممازحة : " حينها ستجدينني اكثر الجلوس في غرفتي ! الا ترين انني احب التغيير وامل من مكان واحد ؟!".
والان اعلم انها كانت غاضبة مني يومها , كانت يومها تريد مني أن أكف عن تغيير الاماكن بسهولة خوفا من أن أقدم على تغييرها هي كذلك ،لكنها ورغم عيشها معي لسنوات ، فهي ابانت على جهلها بي .
بعض الاشياء تكون ذات قيمة كبيرة رغم بساطتها .كوب القهوة الذي اهدتني إياه وطبق مستطيل للزينة يقبع ها هنا امامي ليذكرني كم كنت شخصا ساذجا وانا اقبل منها كل شيء . لكنني رغم ما أكنه لها من غضب وشيء من الحقد فانا لا استطيع التفريط فيهدية من هداياها ولا ذكرى من ذكراها. لا اجد هذا الاستغناء شيئا أخلاقيا ،ولا أجدني مثلها ابدا !
كنت اود ان أوقفها يومها واسمع منها اخر اعتذار ، ربما كنت ساسامحها ،وربما كنت سانسى ، او كنت سأتناسا واكمل طريقي بالقرب منها ،لكنني اليوم اجلس وانا أهنئ نفسي على ما فعلته ، فلا طاقة لي في أن اتغاضى عن هذه التعاسة التي سبّبٙتها لكبتنا !
اتعلمون كيف تعكرون صفو شخص ما ؟ بأن تهاتفوه في هذه الساعة وتذكروه بما يكره ! ان تحاولوا إيقاظ أحاسيسه الكمينة لتدميره أو تفتينه نحو الطريق الصحيح ! وهذا ما وجدتني اشعر به . مشاعر حزن أيقظت دمعاتي الدفينة لتساقط كالمياه الغزيرة وسط نهر كان قد قطع عهدا على أن يكون جافا لا تزوره الحياة مهما طال الزمن !
كنت جالسة افكر وافكر وأكاد أفقد صوابي من التفكير ،لكنه ظهر من حيث لا أدري وراء شاشة الهاتف ، كانت صورته ماتزال محفوظة في الشاشة واسمه كذلك . لا اعلم لماذا لا ازال انظره هكذا ؟ هذا الظهور المباغت كان من شخص يكرهىني أراد تحطيمي ، لا من شخص يعزني ليوقظني من غبائي !
عادة لا ارد عليه في مكان مبعثر كالمطبخ ، لا أرى مقامه يليق بهكذا مكان، ولا أحبذ فكرة حديثي معه هنا ، لكنني اليوم لا أرى هدفا من اتصالاتاه المتكررة بعد ما فعله ، لذا فان جلوسي وردي عليه من مطبخ مبعثر كهذا أمرا مهينا لسيادته !
وددت لو كنت ارد عليه وانا بداخل دورة المياه فهذا أكثر إهانة له !
_____________________________________________
-"عبير !.
أفضل أن أكون تحت الارض في هذه اللحظة بالذات . شعور الخذلان كان لا يبارحني منذ تلك الليلة ، وكلما هممت بنسيان طيفه يعود ليفكرني بمدى غبائي واستحقاقي لما يحصل لي!
-"عبير ....يجب أن نتحدث ."
-" ليس هناك ماسنتحدث به امير !
يا الهي من ابن مدّيتي بكل هذا الصبر ؟ كيف لا اصرخ بكل ما أملك لاريح نفسي ؟ كيف لا استطيع نُطق جملي بشكل مرتب ؟!
-"همممم... سنتحدث وبعدها لن تريني ابدا ."
-"امير ...."
اغلق الخط في وجهي! اغلق وانهى المحادثة كما يفعل دائما ! أنهاها بانتصاره وبهزيمتي.
________________________________________
اعود الى غرفتي مهدودة القوى ، أمر من أمام غرفتها، اجر حزني والخذلان يحرّف كل ملامح الفرح والامل بي . أركان هذا المنزل البسيط تذكرني بها ،لأتذكره هو بدوره.
احيانا كل ماعليك لتنسى هو عدم المبالاة والاكتفاء بالمشاهدة من بعيد دون إبداء ردود أفعال معاكسة .
كنت ساخلد للنوم استعدادا ليوم جديد رتيب. لكن الذكريات كانت ومازالت تشوش أفكاري ، اعتقد بأنني سأقوم بتغيير مكان سكني ، وسارمي كل اغراضي واستبدلها باخرى جديدة !
هذه الأريكة كانت مكانها المفضل ، تجلس عليها القرفصاء وتقوم بتقليم اظافرها الأنيقة بكل انوثة وما أن تنهي أعمالها تناديني لتعتني بي ايضا . وهذه السجادة القرمزية الموضوعة بشكل مائل وسط البيت كانت من اختيارها، اتذكر اننا تجادلنا بخصوص لونها يوم قمنا بشرائها ، كنت اريدها رصاصية اللون لكنها اصرت على هذا اللون، والان انا انظر اليها ولا أريد سوى اعادة الزمن واستبدالها بلون أصفر لا يذكرني باي شيء !
ذلك الكرسي الخشبي كان صديقنا ، اتذكر اننا كنا نلقبه بعمي العساس اي الحارس ، كان هذا اللقب ناتج عن قرار اتخذناه يوم كانت وحيدة بالمنزل ، يومها اتفقنا ان نوقفه بمحاذاة النافذة المطلة على الحي ليعتقد كل من سولت له نفسه بأن يخيفنا بأن شخصا ما بالمنزل ، لم تكن هذه فكرتي بالأساس ، فانا لا اخاف البقاء وحيدة بمنزل صغير .
فكرة غبية ! لكنني تركتها تطبقها لانها كانت كالاخت بالنسبة لي ، وما مهمة الاخوات سوى مواسات الشقيقات والسير في خط واحد رغم تفاهة بعض المواقف .
هل كنت أنا المضحية الوحيدة باشياء كثيرة لأجلها ؟ كلما هممت بالتذكر ومحاولة تحليل المواقف اجدها لم تضحي الا بالقليل القليل من اجل الحفاظ على صداقتنا , وهذا ما يحزنني ويحز فيّ مواصلة احتقارها بعد كل ما حصل !
هذه المرٱة المقابلة للسرير لا اريدها هنا ! لا أريد أن ادنس غرفتي بخيانتها بعد الان !
_____________________________________
اقف وحيدة لليوم الثامن بدورة المياه لاطالع هاتفي بعينين نصفهما مقفل من كثرة النوم ، سروالي الرياضي الذي أنام به كل ليلة أصبح صديقي الثاني وانا على وشك أن اكرهه ، فانا خائفة من أن تخونني اغراضي ايضا!
اراقب ملامحي بتعابير ملؤها السخرية ! هل هذه هي عبير ؟
كنت اظنني اقوى من هكذا ! لكنني الان اراقب ولا أفلح سوى بالمراقبة . حتى انني اصبحت اتهرب من مشاهدة وجهي على المرأة , وأصبحت أكره كل انعكاس لوجهي في هذه الحياة !
اليوم ساتقدم للتدريب بإحدى الشركات الكبرى بالدار البيضاء . هذه المدينة الوحش تلتهم كل طرف من حزني ، وكلما احببت الترفيه عن نفسي اقصد حديقة من حدائقها وان كلفني المئات من الدراهم للتنقل بين شوارعها الضخمة .
اجلس ها هنا للمرة الألف بهذه الحديقة البعيدة عن مركز سكني باميال ثم اترك همومي ترتد على أرضية نفسي بعنف لايسمعه غيري .
انتظر مرور الدقائق والساعات قبل اتخاذ قراري : هل ابقى حبيسة الذكريات ام امزجها بجديد اخر ؟ وفي كلتا الحالتين سيبقى جزء من الماضي يختبئ في كياني .
الان دقت الساعةلتشير الى السابعة ، وموعد مقابلتي على تمام الساعة التاسعة .
نفضت غبار احزاني ونهضت متوجهة إلى قدري . الطرق ممتلئة عن آخرها ووصولي الى الشركة سيستغرق مني كل يوم ساعة ونصف في الحالات العادية .
كل ما على الشخص ليطمس ذكرياته هو البحث عن ذكرى اخرى !
وصلت إلى عين المكان بسلام ، ارتسمت علي ثقة متذبذبة ، اليوم اما أن اكون او لا اكون !
في قرارة نفسي كنت متيقنة من أن هذه الشركة وحش اخر داخل هذه المدينة ، لكنني رميت على عاتقي كل التوقعات، فلا انا خاسرة في بعض الحالات العكسية ، ولا انا رابحة في حالات أخرى . ولكنّ من شدة اعتيادي على كل انواع الرفض فقد أصبح هذا العمل كورقة يناصيب ، وانا حظي سيء للاسف! حتى تجمدت كل أرصدة طموحاتي ولم تعد تغريني بالمحاولة ، وما افعله اليوم لم يكن سوى تضييع وملأ لفراغي.

أنت تشبهني .Where stories live. Discover now