1/ حلم تائه

290 19 12
                                    


في منتصف الشتاء بدأت الرياح الباردة تداعب النوافذ لتتسلل خلسة إلى المنازل لتحمل معها رائحة الكمائن التي يحرق فيها الحطب حتى يتحول إلى فحم يستخدم لتدفئة البيوت من البرد القارس.

في هذة القرية الصغيرة يواجه السكان العديد من المشاكل، فهي بعيدة جدًا عن باقي المدن ولا تصل إليها أخبار وتطورات العالم الخارجي وكأنهم معزولون عن البقية! السيدة "لمار" تجلس بالقرب من النافذة وتنظر إلى أطفالها الأربعة وهم يلعبون بحبل صغير قاموا بربطه حول الشجرة ويهبوا لها إبتسامتهم بين الحين والآخر.

لم يستمر ذلك الهدوء كثيرًا فقد ظهر رجل من بعيد يمشي بخطوات مترددة ويكاد أن يقع على الأرض، يلبس قميص رمادي ويلتحف بشال يقيه من البرد وعمامة فوق رأسه، عيناه جاحظتان وشديدة الحمرة كجمرة في نار.

  نظر الأطفال اليه وهرعوا إلى الداخل خوفًا منه، همست لمار بصوت أقرب للهمس قائلة: "لقد عاد للشرب مرة أخرى." وضعت يدها على صدرها علها تستعد للعاصفة التي ستهب عليها بعض لحظات، فتحت لمار الباب وقامت بتحية زوجها لكنه أبعدها بقسوة وبدأت عيناه تبحث في أرجاء المنزل، دخل إلى غرفته وبدأ يفرغ محتويات الدرج ويبعثر الأشياء وزوجته واقفة أمام باب الغرفة تأمره بتوقف، لكنه سرعان ما التفت إليها وأمسكها من عنقها حتى كادت أن تختنق.

بدأ يسألها عن مكان النقود التي أعطاها لها بملء إرادته لتجيبه بنفي وتذكره بأنها مصاريف المنزل ولن تعطيها له حتى يشرب بها الخمر.

زاد ضغطه على عنقها حتى كادت روحها أن تخرج وبدأت تستنجد بالأطفال، دخل الأبن الأكبر للغرفة وعندما رأى والدته بتلك الحال صرخ بأعلى صوته وخرج لينادي جدته فهي الوحيدة التي تسيطر على أبيه.

نظر زوجها إلى يدها ورأى خاتم من ذهب فتركها وأقتلعه منها بعنف شديد حتى سال الدم من بين أصابعها، نظرت إليه بترجي لتخبره بأن هذا الخاتم هو رمز حبهما القديم، ذلك الحب الذي عصفت به الأيام وأقتلعته من جذوره كزهرة وقفت في مهب الريح، خرج زوجها من المنزل وأسرع في الذهاب عندما
لمح والدته قادمة نحوه.

وقفت تلك السيدة العجوز ذات الظهر المنحني الذي أثقلته هموم الحياة وبشعرها الأبيض كبياض القمر عند إكتماله، صرخت بأعلى صوتها يوسف...يوسف لكنه هرب منها هذة المرة.

أمسك فراس يد جدته وأدخلها للمنزل وهناك وجد والدته تجلس على الأرض وتكاد تغرق الغرفة من شدة بكائها، جلس بالقرب منها ومسح آثار الدموع المتساقطة وإبتسم لها بعفوية، جذبته إليها وقالت بصوت أقرب للهمس "لا تكن مثل أبيك يا فراس أياك ونزع الرحمة من قلبك!"، أومأ لها برأسه وساعدها على الجلوس في الفراش، دخلت جدته إلى الغرفة وطلبت منه الخروج ثم وقفت بعيدة من لمار تتأملها بالكامل، إنتبهت إلى يدها التي تضعها على بطنها، فقالت لها: يالا القرف هل أنتِ حامل؟!

 أحلام تائهة Where stories live. Discover now