وفي مساءٍ ظنّتهُ اسمهان يوم آخر من ايام سعادتها المُتنامية، واثناء محاولتها لجعل صغيرها كريم ذي الثلاثة اعوام ينام رنّ هاتف المنزِل ليُخبرها المُتصِل بكُلّ برود بموت زوجها بحادثة سيّارة.

إنتحبت بوجع لتُشارِكها ابنتها البكاء راثيةً طيف ابٍ لم تستمتِع بدفء ذراعيه، ولم تستطِع ان تحزن عليه لصِغر سِنّها الاّ ان ذِكراهُ تُهيّج روح الألم فيها.

اغمضت اسمهان عيناها بشدّة وتلك الحقيقة المُرّة كالعلقم تمُرّ بذاكرتها بسُرعةٍ موجِعة، غالية قتلت جواد، جان ليس ابن رضوان، جُلنار لن تتطلّق من ايمن، سيظلّ جان على اسم رضوان، جان حاول قتل كِنان.
عند هذه النُقطة تعالى نحيبها برُعب وقد سمحت للذكريات بالسيطرة عليها.

.
.

- هل لي بهذه الرقصة؟!
إبتسم ادهم و هو يرى نور الحياة تمدّ يدها إليه طالبةً منه مراقصتها فنهض مُستجيباً لها ليلتفِت الى كاميليا الجالِسة وعلى ملامِحها الناعِمة حُزنٌ خفيّ حوّل إبتسامته لعبوس فهتف بتحذير
- ستكونين بخير أليس كذلك؟ إيّاكِ ان تتحرّكِ من مكانكِ الى ان أعود.

رفعت عيناها الجميلتان اليه وقد انعكس الضوء عليها ليلمح تلك الكُتل الصغيرة الخضراء التي تنتثِرُ على رماد عينيها الباهتتين لتبعث بهما لمحة نورٍ ومُشاغبة، إلاّ انّ الإنكِسار بهما يفتِكُ بقلبه.

إلتهمت عيناهُ مظهرها الفاتن فبالرغم من اختياره للثوب الكريميّ الواسِع ذو الأكمام الطويلة الذي من المُفترض ان يُظهِرها كفتاة قبيحة عاديّة لا تجذِبُ الانظار إلاّ انهُ فعل العكس، تلك الفتاة تُغري الرِجال اكثر من ايّ إمرأة فاتِنة؛ فلمحة النعومة والبراءة بملامِحها تجِذبُ اوسم ابناء آدم، وهذا ما يخشاه.

قاطعت وقاحته هاتِفة برجاءٍ مُفتعل
- اتوسّلُ إليكَ ان لا تترُكني، فسيأتي الذئبُ ليأكُلني.
قهقت نور الحياة وهي تسحبهُ عنوة لحلبة لرقص بينما عيناهُ تُطالِع إبتِسامتها المُشبّعة بالكذب وهي تُلوّحُ اليه ليزداد عبوسه وخفقات الخوف تُداهم قلبه، هل سيأتي يوماً تلوّحُ مودّعةً إياهُ بإبتِسامة؟!
اخرجهُ من نوبة افكاره السوداء همس نور الحياة قائلة
- هي لا تُحبّهُ.

قطب حاجبيه بدهشة لتُضيف
- كاميليا لا تُحبّ كريم لأنّ قلبها يخفق له، هي تُحبّ كونه مثاليّاً بنظرها، فهو لم يضرِبها من قبل ولم يتدخّل في كُلّ شؤون حياتها غير مُراعياً لأنّها فتاة وتحتاج للخُصوصيّة، هو لم يترُكها بأصعب اوقات حياتها هارِباً خوفاً على مشاعره.

إحتدّت عيناهُ وهو يهمِسُ بعدم تصديق
- أتُعاتِبيني وانتِ الوحيدة العالِمة بما عانيتهُ ببعُدي عنها؟ انتِ من كُنتِ تُخمِدين مشاعر شوقي لها؟ اتعلمين ما عانيتهُ ببُعدي عنها؟ لقد كُنتُ احتضِر .. و عندما اُفكّر بأنني قد اموت دون ان اُخبِرها بأنني مُغرمٌ بها اشعُرُ بروحي تُغادِرُني.

سُكّر غامِقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن