جزء ثاني - اسطورة قيس

7.4K 495 73
                                    

دخلت للمنزل الذي بدا كمنزل دافئ بأثاثه البسيط والجميل، وألوان الجدران الدافئة، بأرضيته الخشبية المغطاة بسجادات ناعمة تداعب اصابعي العارية التي تلامسها، بالستائر الحمراء اللون والثقيلة التي تحجب ضوء الشمس تماماً، وشعرت وكأنها تحجب الصوت ايضاً، هدوء تام في المنزل، ولكن هدوء جميل وغير مخيف كذلك الذي استولى على غرفتي في المصح.

نظرت حولي ولوهلة شعرت بالامل، ربما حقاً عفوا عني؟ ربما هذه فرصة لأعيش مجدداً.

لامست بأصابعي قميصي الصوفي الفضفاض، وابتسمتُ، رغم ان من قاموا بتعذيبي هم من قدموا لي المنزل وهذا القميص وهذه السجادات، الا انني لم استطع منع نفسي من الشعور بالراحة والسعادة، اي شيء افضل من ذلك السجن، من تلك الصعقات الكهربائية.

فتحت الثلاجة لأجد كل ما قد اشتهيه امامي، لاحظت التفاحات الحمراء المدورة، وأخذت واحدة وكأنني بهذه الفعلة، ابقي على وعدي لآدم وعلى ذكراه في مخيلتي.

رن الجرس، نعم مع هذا المنزل، أتت المتطلبات، علي الاجابة على عدة اسئلة توضع في ظرف ويتم تسليم الظرف يومياً. وهذا الجرس يعني وصول الظرف.

فتحت الباب لأتفاجأ بقيس واقف امامي وبيده الظرف، وتفاجأت مرة اخرى بشكله، لا تستطيع عيناي الاعتياد على هيئته هذه ببدلته العسكرية، بوقفته العسكرية الخالية من الروح التي كان يمتلكها قيس في كل ابتسامة، في كل نظرة، وحتى في اطراف اصابع يديه وقدميه عندما يقف، تلك الهالة التي كانت حوله قد اختفت، وقف بهيئته الجافة هذه وبلحيته وبعينيه العسليتين اللتين لم تستطيعا اخفاء بريق شديد البساطة عندما رأتاني.

لاحظت هذا البريق، وابتسمت له، ولكنه أومأ برأسه برسمية وقدم لي الظرف.
"اليس هذا عمل ساعي البريد؟"
دخل قيس ليباغتني بفعلته هذه، وأغلقت الباب، لم يستطع قلبي التظاهر بالهدوء وحاولت ان اتحكم بيدي اللتين ترتعشين، كيف للحب ان يفعل بي هذا؟ وان يتمسك بي بهذا الشكل رغم كل هذه الظروف ولكن استطاع ان يفارق قيس؟

نظرت الى يدي قيس آملة بأن أرى نفس ذلك الارتباك ونفس هذه الرعشة ولم أرى سوى يدي عسكري جامد وبارد.

"المنزل جميل" آلمتني هذه النبرة المجاملة.

"علي البقاء هنا وانتي تجاوبين على تلك الاسئلة، هذا ما طُلب مني" جلس قيس على الاريكة وتبعته لاجلس بجانبه، فتحت الظرف واخرج قيس قلماً من جيبه وقدمه لي.

"هل تريد شرب شيء؟" سألت وكدت اشعر بالاحراج من ارتباك المراهقات البادي في صوتي، شعرت بكرامتي التي جُرحت، اردت ان ابادله البرود، ان ابادله الرسمية والمجاملة. شعرتُ بأنني ضعيفة امامه ووجدتُ بأن نبضات قلبي المشتاقة تحولت الى نبضات غاضبة، وصرخة الوله المدفونة في فؤادي تحولت الى صرخة غضب.

عندما شهدتُ مقتل أبيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن