- كيف تتجرأ على لمسي هكذا، بل الإقتراب مني في مكانٍ خالٍ كهذا!

ابتسم لصورتها الكارثية؛ خصلاتها البنية الهاربة من طرحتها، ودموعها المنهمرة على وجنتيها
الحمراوين، وشفتيها المزمومتين بغضبٍ ارتسم على ملامحها الطفولية، وعادت نبرتها تحسر
تأمله لها:

- هل أنهيت تأملك هذا أم لا يزال شيءٌ أعرضه.

ولسانها طويل!

استند على ذراعه ليقوم من الأرض، وتراجعت هي للخلف كأي أنثى، خافت.

اقترب منها بخطواتٍ ثابتة متمهلة وعيناه الزرقاوان تضيقان بنظراتٍ متفحصة، تجاهل دموعها التي لم تتوقف وزاد من قربه ليحتل عطره أنفها وأرغمها على استنشاقه ليتغلغل بداخلها، وارتعشت رغمًا عنها.

أحسَّ برجفتها فلمعت عيناه بانتصارٍ وهمس قرب أذنها:

- هذه اللكمة لن أنساها ما حييت.

ثم رفع كفه يتحسس أنفه الذي ينزف وثبَّت نظراته مباشرةً بنظراتها التي تبدو ثابتة وقوية رغم اهتزاز الدموع بهما:

- سأظل أتذكر هذا الألم طوال حياتي، ألمٌ لذيذٌ جدًا.

ونال حمرة الوجنتين واشتعال المقلتين، يكاد يجزم أن نيرانها لفحت بحر عينيه فتبخر في
لحظاتٍ شبه معدومة، ومع لمعة عيناها نال غمزة!

مهلاً غمزة!

نظر إليها في استغرابٍ ليبتعد عنها قليلاً وهتف مستغربًا:

- هل غمزتني للتو!

ارتبكت وعدَّلت طرحتها لتحمرَّ وجنتيها، حقًا ما بالها هذه الصغيرة!؟ تضرب وتصيح، تبكي
وتخجل والآن تغمز بعد الغضب ثم ترتبك!
مسحت دموعها بظهر كفها سريعًا وحملت حقيبة ظهرها وكادت تنصرف صامتةً فأوقفها
ضاحكًا:

-مهلاً ! حقًا أريد أن أعلم هل غمزتني حقًا أم كانت مجرد تخيلات.

أغمضت عينيها تستدعي الصبر واستدارت اتجاهه ترفع سبابتها في وجهه، وأخيرًا اشتعلت لينال هو ويرتوي من غضبها الذي بات ممتعًا وأنساه ما جاء من أجله:

- اسمع يا هذا، أنا لا أملك وقتًا لتفاهتكَ هذه، وإن كنت ترى نفسكَ ظريفًا وأن شكلكَ الجميل قد يجعلني كغيري منبهرة فأنت مخطئ، مخطئٌ كثيرًا.

اتسعت ابتسامته ووضع يديه بجيبه هامسًا بمكر:

- هل تغازلينني الآن أم ماذا؟

هي منهارة وهو يمزح! بل يزيد غضبها وهي لن تستحمل، زادت من قربها له دون أن تعير ابتسامته المستمتعة انتباها.

- من كل كلامي لم تنتبه سوى لهذه الكلمة! يا إلهي أنت فظيعٌ حقًا!

هزَّ كتفيه مدعيًا البراءة:

- أنا لا أهتم سوى بالمهم، وأنتِ تغازلينني وأنا معجبٌ بهذا.

زفرت في ضيقٍ و هي تبتعد عنه بخطواتٍ سريعة:

- أنت حقًا شخصٌ بارد وأحمق، محاضرتي أهم من كل هذا الغباء وأنصحك أن تذهب لفعل شيءٍ مفيد.

- أي محاضرة؟

هتف بها قبل أن تختفي لتجيبه ببرود:

-لا شأن لك

لاجلك تغيرت (وسام مصطفى) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن