أريدك.. فهل تصفحي؟

12.8K 346 33
                                    

تقدمت روز وعيناها مليئتان بالدموع , واهالت قبضة من التراب على النعش،كان الدون بابلو ملجأها الوحيد اثناء الاسابيع الخمسة الاخيرة،لكنه مات الان وهو يدفنونه.
بعد عودتهما من شهر عسلهما المزعوم انتقلا الى الجناح الرئيسى فى منزل المزرعة وعاد خافيار يعاملها بنفس الطريقة التى كان يعاملها بها قبل ان يتزوجا , ممثلا دور الزوج الحريص على ارضائها طوال النهار اذا امكنه ذلك
ولكن فى الليل فقط فى السرير الفسيح كان تحكمه الهائل فى نفسه يتلاشى ويستسلم الى الرغبات المشبوبة التى يثيرانها فى بعضهما البعض.
الا ان ما بينهما لم يكن حبا ... واثناء الاسابيع الثلاثة الاخيرة عندما احتلا غرفتين منفصلين لم يعد يحدث بينهما شئ على الاطلاق، كانت تمضى معظم اوقاتها مع الدون بابلو تعتنى به وبالمقابل راح هو يعلمها الاسبانية
بعد اسبوعين من عودتهما الى المزرعة , ذهب خافيار لعدة ايام الى سيفيل تاركا اياها مع ابيه، ساءت حالة الدون بابلو اثناء غيابه , فطلب الدكتور سرفانتس منها ان تحقنه بالمورفين , وتستلم مسؤولية السيطرة على الام المريض العجوز. وعندما عاد من سيفيل اتخذ ذلك عذرا لكى يحتل غرفة منفصلة, قائلا انه لا يريد ان يقلق مقدار النوم القليل الذى تحصل عليه اثناء عنايتها بأبيه.
اما روز فقد اعتقدت انه عاد الى صديقته لكنها لم تسأله عن ذلك قط. بدلا من ذلك اعتادت على رفقة الدون بابلو واحبته، فقد كان يبهجها بقصصه عن طفولة خافيار , وفى الليلة التى سبقت موته جعلها تعده بألا تترك ابنه ابدا
وكأنه احس بأن الامور بينهما ليست على ما يرام
ارتسمت على فمها ابتسامة حزينة وهى تمسح دموعها بيد مرتجفة، ستفتقد الرجل العجوز.
لكنها شعرت بالرضى لعلمها انه مات بسلام بعد ان اطلعته على سرها، ابتعدت عن القبر ثم جاءت لتقف بجانب خافيار، ولكن لم يكن هناك ذراع حامية من زوجها حول خصرها، لقد وقف جامدا مسيطرا على مشاعره
بدت عيناه ببرودة القطب الشمالى عندما رمقها بنظرة سريعة ثم عاد يتأمل انزال النعش المغطى بالتراب الى تحت الارض، بعد ذلك استقل المشيعون سياراتهم عائدين من الكنيسة الى المنزل.
بعد حوالى ساعة من موعد الدفن راحت روز تدور بين الضيوف، وادهشها ان ترى كثرة اصدقاء الدون بابلو , وما له من تقدير واعتبار, بحيث حضر الجنازة معظم اعضاء الحكومة، نظرت حول الحشد فرأت كل شئ بغاية النظام، اثارت انتباهها حركة الى يسارها فالتفتت واذا بها ترى زوجها خافيار واقفا وهو يبدو كئيبا فى بذلة سوداء بسيطة،ثم احنى رأسه نحو ايزابيل التى كانت ترتدى ثوبا اسود قصيرا للغاية , يكشف عن ساقيها وعن القسم الاعلى من صدرها، وكانت تبكى وهى تتعلق بذراع خافيار.
ارتسمت ابتسامة مرة على شفتى روز،كانت تعتقد ان خافيار عاد الى صديقته , ولكنها قد تكون مخطئة فربما ايزابيل هى صديقته الجديدة.
وفجأة رفع خافيار رأسه فرأى تحديقها بهما , فرفعت حاجبيها وشملته بنظراتها باحتقار لم تهتم باخفائه.
رأت فمه يتوتر بغضب بالغ،حسنا ما الذى يتوقعه وهو يغازل صديقته اثناء جنازة ابيه؟ استدارت على عقبيها وسارت الى خلف المنزل،كانت بحاجة الى التفكير والهدوء
فخرجت الى الشرفة المطلة على الحديقة المستطيلة التى تؤدى الى البحيرة، جلست على المقعد الخشبى الذى كان المفضل عند الدون بابلو, ثم اخذت تتأمل المياه الزرقاء
تنهدت واخذت تسوى تنورتها القطنية السوداء الى اسفل ركبتيها،مالت برأسها الى الخلف واغمضت عينيها , ثم اخذت تدير رأسها حول كتفيها ببطء علها تخفف من التوتر الذى تشعر به فى اعلى عمودها الفقرى، لقد مرت عليها اسابيع مجهدة عصيبة وتأوهت، كان هذا الوصف تبخيسا لما عانته حقا...
- هل تسمحين بأن اجلس معك؟
فتحت روز عينيها:
-سبستيان؟
انها لا تريد ان تتحدث الى هذا الرجل لكن التهذيب ارغمها على القبول:
-كما تشاء
ابتسم بشئ من الحذر ثم جلس بجانبها وفجأة انتبه شئ فى داخلها بحدة، انها مرهقة وباتت تشعر بالغثيان لاضطرارها الى اصطناع التهذيب على الدوام, والقيام بالدور المطلوب منها،فقفزت واقفة ثم التفتت اليه بغضب:
-نعم طبعا لدى مانع، عليك اللعنة!
كيف تجرؤ على ان تخبر خافيار بكل تلك الاكاذيب عنى؟
من اعطاك الحق بأن تتحكم فى حياة الاخرين؟
فأجفل:
-اذن فقد اخبرك ؟
- وماذا تتوقع ؟ انه زوجى
قالت هذا وهى تكبح غضبها ،فقد كانت تريد ان تعلم بالضبط ما الذى فعله سبستيان او لم يفعله منذ عشر سنوات:
-قلت له فى الواقع اننى اقمت علاقة معك
كيف جرؤت على ذلك؟
-اعرف اعرف وانا آسف. لكنك كنت غريبة عنى ،وانا وخافيار كنا صديقين منذ الطفولة , بالاضافة الى انه رئيسى فى العمل،لم افكر قط فى انكما قد تتقابلان مرة اخرى.
كان بامكانه على الاقل ان يظهر بعض الندم, كما فكرت روز وهى تعود فتسأله :
-ولكن لماذا؟
فقال بجفاء:
-ألا يمكنك ان تتكهنى ؟ انت امرأة مذهلة الجمال
منذ اللحظة التى رأيتك فيها فى الشقة ادركت انك مختلفة عن كل النساء اللواتى عرفهن خافيار فمثلت تهديدا خطيرا
وانا كنت شغوفا بأختى كاتيا وكانت هى ترغب فى خافيار منذ سنوات
-لكنك قلت انهما كانا خطيبين، واخبرتنى انها كانت عذراء وان ذلك كان تقليدا متبعا، وان خافيار يحترم براءتها
وسرعان ما ادركت مبلغ غباء قولها هذا.
فضحك بخشونة:
-يا ليتهما كانا كذلك! فقد كانت كاتيا على علاقة مع خافيار قبل ذلك بسنوات, لكنه لم يعتبرها قط مسألة جدية
لم يكن الاول ولا الاخير، وذلك الاسبوع فى برشلونة كانت ترجو ان تستعيده, وكان هو غير مرتبط حينذاك , وقد وعدتها بمساعدتها , ولكن عندما دخلت انت الغرفة واريتنى ذلك المفتاح, ادركت ان علىّ ان اتخلص منك, وهكذا اخبرتك كاذبا ان لديه مجموعة من المفاتيح يعطيها لصديقاته ليتخلص منهن, مغتنما فرصة انك كنت من الارتباك بحيث لا يمكنك ان تجربيه. ونجحت فى ذلك.
هزت رأسها باشمئزاز:
-وماذا عن الحادث الذى حصل لخافيار؟
-حدث له الحادث وهو فى طريقه الى فندقك , وكنت انا فى السيارة معه محاولا ان اقنعه بألا يزعج نفسه بك، اخبرته بأنك تركت المفتاح قائلة ببساطة:
(شكرا ووداعا) لكنه لم يصدقنى
ثم لم يعد الامر مهما لأن سائقا سكيرا اصطدم به من المضحك ان سيارة خافيار لم تكد تتأثر , لكنه اصيب بحروق وهو يخرج الرجل الاخر من سيارته
فهمست روز:
-يا الهى! وعندما استيقظ اخبرته انت بأننى عرفت بحادث الاصطدام لكننى لم ارغب فى ان اراه.
- نعم لأن اخر شئ قاله لى خافيار قبل ان يفقد وعيه هو ان اتصل بك فى الفندق
- وهل فعلت ذلك؟
-نعم واخبرونى بأنك تركت الفندق نهائيا
صدرت حركة خفيفة عن الاجمة جعلت سبستيان يلتفت :
-ما هذا؟
فقالت روز بفروغ صبر:
-لا شئ
-ماذا فعلت بعد ذلك؟
- اخبرت خافيار بأنك لم تهتمى بالأمر، بينما كنت انت قد صدقت قصتى ورحلت . بقى خافيار اسابيع فى المستشفى , وبقيت كاتيا بجانبه تمثل دور الحبيبة المخلصة، وبعد ثلاثة اشهر فقط اتصلت بى واردت ان تتكلمى معه فتملكنى الذعر، كان قد شفى تماما واخذ يتحدث عن الاتصال بك ومواجهتك, فأخبرته بأنه يضيّع وقته سدى , وانك لا تستحقين جهده ذاك، ولكى اقنعه نهائيا اخبرته على كره منى بأنك اقمت علاقة معى فى شقتى ذلك الصباح بعد خروجه.
نظرت روز اليه بذعر, فعمق خداعه هذا افزعها.
امسك سبستيان بذراعها :
-عليك ان تفهمى انه كان على ان افعل هذا لأحمى أختى , فقد كان خافيار اخر فرصة لكاتيا، لأن اقاويل الناس بدأت تتناولها
- اذن عندما اتصلت بك واخبرتنى ان خافيار سيتزوج فى الاسبوع التالى , كان ذلك كذبا ايضا
- نعم ولكن بعد ان اخبرته اننى اقمت علاقة معك , بدا وكأنه لم يعد يهتم بشئ، وبعد ذلك بشهرين تزوج كاتيا على كل حال.
اغمضت عينيها لحظة ... وكل تلك الاكاذيب ... وكل تلك المعاناة... لماذا كل هذا؟ وعادت تنظر الى وجه سبستيان المضطرب, ثم سألته بمرارة:
-لماذا تخبرنى الان بعد مرور عشر سنوات وبعد فوات الاوان؟ لا اصدق ان ضميرك يزعجك , فمن الواضح انه ليس لديك ضمير.
- اريد ان اعلم جواب هذا بنفسى.
استدارت روز مجفلة ورفعت بصرها الى وجه خافيار العاصف , وهتفت:
-خافيار, ماذا تفعل هنا؟
نظر اليها بغضب:
-عودى الى البيت واهتمى بضيوفنا , وانا سأهتم بهذا.
اوشكت ان ترفض , واخذت تنقل بصرها بين الرجلين
بدا التمرد فى وجه سبستيان,كما بدا الاجرام فى وجه خافيار.
كانا كوعلين يدافعان كل عن نفسه او خنزيرين يتناحران , كما اخذت تفكر ساخرة وهما اللذان كادا فى ما بينهما ان يدمرا حياتها، وتملكها الاشمئزاز مما سمعت، وبصلابة لم تكن تعلم انها تملكها قررت ان تدعهما ليدمر كل منهما الاخر. لم عليها ان تهتم بذلك؟
وبهزة من كتفيها , تركتهما وعادت الى البيت، كانت مضطرة للتحلى بالقوة للاختلاط بالضيوف وتقبل التعازى من اصدقاء الدون بابلو الكثيرين. واوقفها الدكتور سرفانتس:
-روزالين عزيزتى, انا خارج الان. لكننى لا استطيع الخروج قبل ان اعبر عن شكرى لك مرة اخرى، كان الدون بابلو رجلا محظوظا للغاية لعنايتك به، وكان يعلم هذا
ومع ان هذا اليوم حزين, فسوف يسعد به رحمه الله لأنك جعلته فخورا.
ابتسمت روز للرجل العجوز الذى بدت حالته سيئة بسبب حزنه على صديقه القديم , لكن عواطفه كانت صادقة.
وتمنت له ليلة سعيدة. وفى الساعة التالية كان معظم الضيوف قد غادروا، ورأت روز رأس خافيار فوق الرؤوس.
بدا طويلا متحفظا, لكنه تجنب نظراتها، كان قناع من الشرود الكئيب يكسو ملامحه.
وربما ظن اكثر الموجودين انه حزن على والده، لكن روز لم تكن تعتقد ذلك،كان غضبها قد هدأ نوعا ما. وكلما ازداد تفكيرها فى اعترافات سبستيان ازداد الامل فى قلبها
اذا تناقشا هى وخافيار بصدق وصراحة ربما يمكنهما انقاذ زواجهما، ثم رأت زوجها وهو يتمنى لايزابيل ليلة سعيدة, فأخذت تعنف نفسها لحماقتها.
لا شئ تغير .... رأته يودع المرأة بلطف جم ثم يقف وينظر حوله. شعرت بألم هادئ فى قلبها واشتبكت عيناه بعينيها , ثم تقدم اليها وامسك بمرفقها:
-روزالين، حان الوقت لتوديع ضيوفنا.
نفضت يده عن ذراعها وقالت متهكمة:
-أتعنى الان بعد ان خرجت صديقتك ايزابيل؟
ضاقت عيناه على وجهها الغاضب:
-انها ليست صديقتى ولن تكون كذلك ابدا، وقد اخبرتك بذلك من قبل. والان هل لك ان تتأبطى ذراعى وتتصرفى كزوجة احتراما لذكرى والدى؟
لم تستطع روز ان ترفض فوقفت وسط القاعة الفسيحة شاعرة الى اقصى حد بجسمه الممتلئ بالحيوية والرجولة الى جانبها, ولمسته الخفيفة على ذراعها.
ما ان ودعا اخر الضيوف حتى تركت ذراعه واستدارت تواجهه بالسؤال الذى لم يبارح ذهنها منذ ساعتين:
-ماذا حدث لسبستيان؟
حدق اليها بجمود:
-لقد رحل ولم يعد مصدر اهمية لك.
- فهمت , وهل هذا كل ما ستقوله؟
بدا مسيطرا على نفسه ببرودة , لكنها ما لبثت ان رأت يديه تنقبضان الى جانبيه، بدت سلاميات اصابع احدى يديه بيضاء من شدة التوتر فيما بدت قبضة يده الاخرى حمراء مسلوخة .
فهتفت:
-هل ضربته؟
- لا لقد كشطت جلد يدى فى الجدار.
واضاف من دون ان ينظر اليها :
-والان اذا سمحت , كان يوما شاقا وما زال هناك اشياء علىّ القيام بها.
وكاد يصطدم بها لسرعته فى الابتعاد عنها، واخذت تنظر الى قفا رأسه ذى الشعر الاسود وكتفيه العريضتين فيما هو يدخل مكتبه ويصفق الباب خلفه , تاركا اياها وحدها
انه يعلم الحقيقة الان ، يعلم ان سبستيان قد كذب عليهما معا , ومع ذلك ما زال مبتعدا عنها ... انه لا يهتم بها ... ولم يهتم بها قط ....
فكرت بمرارة فى ان عليها ان تواجه الحقيقة , وهى ان خافيار لا يريدها ، فقد بردت مشاعره نحوها، لم يلمسها منذ ثلاثة اسابيع . كان يغيب طوال النهار ليأتى فى الليل فيجلس مع ابيه قليلا , ثم يخرج عندما تدخل روز الى غرفة المريض، عاودتها ذكرى العطف الذى كان يبديه لايزابيل، ما الفرق ان كان يمضى اوقاته مع صديقته القديمة ام مع ايزابيل؟
لقد تعهد لها بأن يبقى مخلصا لكنه اخلف وعده
اخذت تغالب دموعها وهى تنظر فى انحاء الردهة التى اصبحت خالية، وفكرت بحزن فى ان عهدا من حياتها قد انتهى .... لقد رحل الدون بابلو , وقد ترحل روزالين فالدزبينو ايضا، وتمنت لو تعود الى شخصيتها الاولى الدكتورة ماى وتنسى ان الاشهر الخيرة قد حدثت قط
لكن الحياة ليست بهذه السهولة . وتذكرت وعدها للدون بابلو وهو على سرير الموت, هل اخلاف خافيار بوعده لها يبرر اخلافها بوعدها لأبيه؟
دخلت الى المطبخ والغم فى اعماقها، كان ماكس على وشك المغادرة بعد انتهاء عمله، حاول ان يبتسم لها وهى تحييه تحية المساء , لكن وجهه كان مغلفا بالحزن.
جلست على كرسى صلب الظهر واتكأت بذراعيها على المائدة محنية الرأس، كانت متعبة للغاية ومستنزفة عاطفيا , ما جعلها تشك فى قدرتها على الصعود الى سريرها. كما ان ليس لديها القوة على تحدى زوجها
ولم تكن لديها فكرة كم امضت فى جلستها هذه
واخيرا تنهدت طويلا ومسحت دموعها ثم عادت الى الردهة , و...
هالتها الصرخة التى سمعتها!
كانت اشبه بصرخة حيوان يتألم تبعها صوت يشبه تحطم الزجاج، كان هذا الصوت اتيا من المكتب...
ومن دون تفكير اندفعت الى المكتب وفتحت بابه، كان خافيار متهاويا على الاريكة الجلدية السوداء ورأسه بين يديه وكتفاه تهتزان
كانت سترته وربطة عنقه مرميتين على الارض الى جانب بقايا كأس محطمة:
- خافيار!
لقد تصدع اخيرا تحكمه بنفسه، اندفعت روز لتجلس بجانبه على الاريكة ووضعت ذراعها حول كتفيه مؤاسية
القى برأسه الى الخلف وادار اليها عينين دامعتين :
-انت ما زلت هنا و روزالين ؟ اما لعذابى هذا من نهاية؟
وتأوه وهو يتخلل شعره بأصابعه.
- اهدأ .... أعلم ما تشعر به .... لا بأس فى ان تحزن
ابوك كان رجلا رائعا.
تمتمت بذلك تخفف عنه , وقد امتلأ قلبها عطفا على هذا الرجل المتغطرس فى ضعفه غير العادى هذا , والذى هده موت ابيه، مد يده يزيح خصلة من شعرها عن جبينها:
-عطفك يضعفنى, يفقدنى شعورى برجولتى.
قال هذا بصوت خشن وهو يرفع ذقنها باصبعه وينظر الى وجهها:
-ولا استطيع ان اكذب عليك ... ليس موت ابى ما يعذبنى
بل انت ...
كيف يمكنك ان تنظرى الى بعد الطريقة التى تصرفت بها معك، لا بد انك تكرهيننى.
- انا طبيبة وعملى هو الاهتمام بالناس...
حاولت ان تقول هذا بمرح لكن صوتها اهتز وكأن المشاعر خنقتها:
- ولا يمكننى ان اكرهك ابدا
وكان هذا اقصى ما جرؤت على كشفه من مشاعرها
نظرت اليه وهو يعود ليتنفس مرة اخرى. نظرت الى عينيه الداكنتين وهما تحومان على وجهها وعلى شعرها وعلى جسمها الرشيق ثم تعودان الى وجهها.
نظر اليها طويلا , والتوتر ينمو فى الجو بينهما , ويده تشتد على ذقنها بدون وعى منه.
ثم سألها بصوت أجش :
-ولكن , هل يمكنك ان تتعلمى كيف تحبيننى يوما ما؟
ما لاحظته فى عينيه من خوف ووحدة جعلها تبدو كالمصعوقة، انها نفس المشاعر التى تملكتها, لذا لم تتمكن من الكلام،واذا به يقفز واقفا ثم يستدير ليحدق فيها:
-لا , انت طبعا لا تستطيعين. فقد فقدت الحق فى طلب ذلك بعد ان صدقت اكاذيب سبستيان, وعندما ابتززتك للزواج منى ، يا الهى! يحيرنى انك ما زلت هنا
كنت مقتنعا بأنك سترحلين حالما تنتهى الجنازة ويخرج اخر ضيف، حبست نفسى هنا لكى لا اراك وانت ترحلين
لم استطع ان احصل حتى على هذا فقذفت بكأس ارضا
نهضت روز واقفة ببطء ووضعت يدها على ذراعه:
-أتريدنى ان ارحل؟
سألته ذلك لأنها تريد ان تكوّن فكرة واضحة فيما راحت اصابعها تلامس بدون وعى منها ساعده العارى ونظرت الى عنقه وهو يتشنج حين ابتلع ريقه:
-لا , لا تبا لذلك... فأنا احبك
لقد احببتك دوما.
اخيرا سمعت روز الكلمات التى طالما اشتاقت الى سماعها فتوهج الالم فى قلبها بينما تابع خافيار:
-مرت عشر سنوات طويلة موحشة تخللها زواج زائف من امرأة لم اكن احبها وما كان لى ان اتزوجها، والان بعد ان وجدتك كان الوقت قد فات ... انا احبك الى درجة اننى لا اريدك ان تبقى بالرغم منك.
فتوترت روز:
-ومن ستضع مكانى ؟ ايزابيل ام صديقتك الاخرى؟
كان عليها ان تسأل فقد تمزقت تماما اثناء الاسابيع الماضية وهى تتصوره بين ذراعى امرأة اخرى.
اسرت عيناه عينيها بعنف:
-ابدا, ما من امرأة على هذه الارض يمكنها ان تأخذ مكانك يا روزالين, يجب ان تعلمى هذا ، يجب ان تشعرى به وانا معك، ضائع فيك , اشبعك حبا.
- ولكن ماذا بالنسبة للأسابيع القليلة الماضية التى ....
فقاطعها:
-لقد عانيت من عذاب الحريق لأجلك , والشوق اليك من دون ان اجرؤ على لمسك، كان ابى متعلقا بك، لقد اخبرنى بذلك فى الليلة التى سبقت رحيلى الى سيفيل،كان سعيدا للغاية لأجلى لأننى وجدت اخيرا المرأة الكاملة .
لقد تمكن من معرفتك على حقيقتك فى ذلك الوقت القصير, وادرك شخصيتك الخيّرة الطيبة وحنانك وصدقك وكان يعتبرك قديسة تقريبا.
لقد استطاع رجل على فراش الموت ان يرى فيك ما رفضت انا ان اراه. بعد عرسنا شعرت بأننى احط من الانحطاط نفسه واننى لا استحق ان اكون التراب الذى تحت قدميك لأننى ادركت انه كان على حق.
لم اكن بحاجة الى سماع اعترافات سبستيان بأكاذيبه.
فقد سبق وادركت ان الاشياء التى اتهمتك انا بها لا يمكن ان تكون صحيحة بأية حال. وشعرت بحب مدمر لك وانتابنى شعور فظيع بالذنب، هربت الى سيفيل لعدة ايام لأننى لم استطع ان اواجه ما فعلته بك.
فهمست:
-خافيار
-لا دعينى انهى كلامى
عندما عدت واخذت اراقب تصرفاتك مع ابى , حديثك معه تخفيفك عنه اهتمامك به , ملأنى شعور بالاشمئزاز من نفسى بحيث لم اجرؤ على ان المسك او اخبرك كم احبك
لم اكن استحقك لكننى كنت فى غاية الرعب من ان تهربى مرة اخرى. مع انه لم ينظر فى عينيها لكنه قال انه يحبها
وهى لن تدعه يستمر فى تمثيل دور الرجل النبيل:
-انت لن ترانى هاربة الا الى غرفة النوم.
القى برأسه الى الخلف ولمعت عيناه الكئيبتان بضوء ذهبى واشتبكتا بعينيها:
-روزالين, اننى اضع قلبى هنا , فلا تمزحى، لا يمكننى احتمال ذلك.
والتوت شفتاه بشبح ابتسامة, فوضعت ذراعها حول عنقه واتكأت على جسمه الدافئ الصلب ثم القت برأسها الى الخلف وقد لمعت عيناها بنظرة قديمة من عهد حواء:
-انا لا امزح فأنا احبك
طوقتها ذراعاه كعصابتين من فولاذ:
-لا اصدق هذا , لكننى لن ادعك تغيرين رأيك، انا اتلهف اليك , روزالين... انا بحاجة الى لمساتك المعزية هذه الليلة
اريد ان افقد نفسى بين ذراعيك، ولن اهتم اذا كان كل هذا مجرد حلم.
قال هذا بصوت ممزق وعانقها عناقا عنيفا حمّله كل مشاعره المحمومة، ثم حملها بين ذراعيه وذهب بها الى غرفة النوم. واحاطت عنقه بذراعيها بحب بالغ وصدقها هذه المرة عندما قالت انها تحبه، بعد كل الحزن والم الفراق طوال النهار,جاء اتحادهما اثباتا للحب واستمرار الحياة.
- ماذا حدث لسبستيان؟
سألته روز بعد وقت طويل وهى مسترخية بين ذراعيه وقد رفعت يده الجريحة الى فمها تمسحها بقبلاتها
فأجاب ساخرا:
-اظنك تعلمين
رايتك تخرجين من البيت ورأيت سبستيان يلحق بك
فتبعته وسمعت كل ما قاله لك. كنت على الشرفة منذ البداية واردت ان اقتله.
-لقد كذب علينا نحن الاثنين، كلما فكرت فى السنوات التى ضاعت منا سدى.....
وشدد ذراعيه حولها ودعك ذقنه بقمة رأسها:
-لكننى منعت نفسى من توجيه اكثر من لكمة واحدة اليه
ونحن لن نراه ابدا مرة اخرى.
فتمتمت:
-انه صديقك، وكان يرعى مصلحة اخته.
فقال بلهجة حاسمة:
-كان صديقى، لكن ثمة اشياء فى الحياة لا يمكن غفرانها
وادارها خافيار اليه وامسك بذقنها وعلى فمه ابتسامة جافة:
-ومع ذلك فأنا لم اطلب منك الصفح بعد لسلوكى الحقير معك.
ثم قطب لفكرة خطرت له:
-وفى الواقع كان الامر كله ذنبى انا، كان يجب ان ابحث عنك
- لكنك اصبت بحادث فظيع كما انك حسب قول سبستيان كنت ما زلت تريد الذهاب للبحث عنى. وهذا يكفينى وخطيئتك مغفورة، وعلى كل حال كان ذلك ذنبى كما هو ذنبك.انا ايضا ما كان لى ان اصدق كذبه.
- كنت فقط فى التاسعة عشرة أما انا فأكبرك بسنوات
كان يفترض بى ان افكر بشكل افضل
قال هذا وابتسامة ندم تحل مكان التقطيب:
-امر واحد فقط ما زال يحيرنى.
-ما الذى جعلك تتصلين بسبستيان بعد ثلاثة اشهر من تركك لى؟
وكانت تخاف من هذا السؤال لكنها لم تستطع تجنبه
وبان الالم فى عينيها:
-لقد اكتشفت اننى تعذبت كثيرا من فراقك بعد ان عدت الى انجلترا. وضعفت صحتى وكدت اصاب بالانهيار، ففكرت بأن اتصل بك. وعندما مرت الاسابيع بدأ الاكتئاب يتملكنى، واخيرا اتصلت بالرقم الذى اعطيته لى وتكلمت مع سبستيان، اخبرته فقط اننى اود ان اتحدث اليك
على كل حال عاد فاتصل بى قائلا انك لم تشأ ان تتحدث معى وانك ستتزوج بعد اسبوع.
وسكتت ونظرت الى خافيار وقد جمد وجهه:
-استمرى
وتلعثمت... ما زال من الصعب عليها الحديث عن ذلك:
-اثر الحزن على صحتى ونفسيتى معا فأصبت بانهيار عصبى .... ربما بسبب الضغط النفسى....
فصرخ:
-يا الهى، لو كنت اعلم بذلك لقتلت ذلك النذل، لقد تلاعب بنا نحن الاثنين فسبب لنا الالم والمعاناة
رفعت يديها تحيط بهما وجهه:
-لا بأس
كان ذلك منذ وقت طويل وقد انتهى الان
- لا لم ينته
نزف قلبها للعذاب الذى بدا فى وجهه:
-انت لا تعلمين اننى تزوجت منذ ثمانى سنوات ونادرا ما استطعت ان اقترب من زوجتى لهذا السبب لم تحبل كاتيا قط ولم اتمكن قط من القيام بذلك من اجل الانجاب فقط
وها انا اكتشف ان المرأة التى يمكننى ان التصق بها ليل نهار قد تم ابعادها عنى بسبب خيانة من صديقى
الجدل الوحيد الذى كان يدور بينى وبين ابى هو حول فشلى فى انجاب وريث....
- حسنا, اذا كان ابوك ينظر الينا من اعلى الان فلا شك ان ابتسامة عريضة ترتسم على وجهه الحبيب المغضن
ربما كان على ان اخبرك اولا, لكننى اخبرت اباك فى الليلة التى سبقت وفاته , بأننى حامل . وقد جعله ذلك سعيدا جدا
- أنت حامل بطفلى؟
كان صوته عميقا خشنا ونظراته المذهولة تكتسح جسدها واخذ يمر بيده على وجهها وعيناه تلمعان حبا:
-هل انت واثقة ؟ متى....
فقالت ضاحكة:
-انا طبيبة، ويبدو ان تقاليد آل فالدزبينو عن سرير الخصوبة ما زال فعالا.
- منذ الليلة الاولى؟
وابتسم راضيا. ها قد استعادت روز زوجها الوسيم المتغطرس، مدت يديها تتخلل شعره, مسرورة لأنها ابعدت عن ذهنه فكرة فشله فى الانجاب
وجذبت رأسه نحو صدرها:
هل تريدنا ان نمثل دور الطبيب والممرضة؟
فقال هازلا:
-واقوم انا بدور الممرضة؟
- هناك ممرضون من الرجال خافيار
هل ارى تعصبك لأبناء جنسك ينتعش مرة اخرى؟
- ليس هذا فقط
وضحك بصوت اجش وهو يتبع قوله بعناق طويل ملئ بالحنان.
ومشاعر الندم والصفح تنضح منهما معا.
وتتراقص حولهما وعود مشبوبة بمستقبل هانئ سعيد.

***********
تمت🌹

🎉 لقد انتهيت من قراءة الانتقام الأشد عاطفة .. 🎉
الانتقام الأشد عاطفة ..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن