حب ... وخط أحمر

7.7K 162 3
                                    

تركت روز ذراعيها تسقطان الى جانبيها، ومع انها حررت يديها, الا انها تعلم الان ان جسدها لن يتحرر ابدا من عبوديته لخافيار.
رفضت ان تدعو هذا حبا،بقيت مستلقية مدة طويلة تحدق فى الظلام وهى تشعر بالخزى للسهولة التى استسلمت بها اليه.
- تبدين هادئة تماما روزالين؟
اخترق الصمت بينهما صوت خافيار الاجش
كان يستلقى على جنبه ,وجسده الذى اخفى الظلام معالمه يميل نحوها وقد ظهر الرضى فى عينيه, وهو يمرر اصبعه على شفتها السفلى:
-انت تثيرين دهشتى , فقد بدوت متشوقة للغاية , يبدو انك لم تحصلى على علاقة جسدية منذ وقت طويل.
هبطت روز من ذروة الاحاسيس التى تدير الرأس , الى الحقيقة القاسية، فأخفت مشاعرها الممزقة وراء حنكة هادئة:
-وماذا هناك لأقوله؟ انت عاشق عظيم، ولكن لا بد ان مئات من النساء اخبرنك بذلك، وعلى كل حال فقد حصلت على الكثير من التدريب ومن المؤسف ان ليس لديك نفس الحرارة فى المحافظة على الوعد
قالت هذا متهكمة , فقال خافيار ببرودة:
-انت تدخلين ارضا خطرة
فأنا لم انس اساءتك ولم اصفح عن هروبك بعد ان تعاهدنا على البقاء معا
محاولتها للتمسك بالحنكة تلاشت عندما ذكرها بما اثار آلامها:
-انا ايضا لم انس ولم اصفح،كما لم انس ابتزازك لى هذه المرة للقبول بهذا الزواج بعد ان وعدتنى انه لن يكون بيننا اي علاقة.
قالت له هذا بصوت كالفحيح , وقد غص حلقها بمرارة , بسبب كل ما عانته على يده من قهر واذلال:
-انت حقير كذاب وانا اكرهك
- انا لم اعدك قط بزواج من دون علاقة جسدية بيننا
انت سمعت فقط ما تريدين ان تسمعيه
اما بالنسبة الى الكراهية , فانا اعتبرها اشبه بالاعتراف الزائف بالحب.
اذا كانت كراهيتك لى تجعلك تذوبين بين ذراعى فمن هو الكذاب بيننا اذا ؟
التمع شئ فى عينيه جعلها ترتجف ودفعته على صدره بشدة , لكنه لم يفعل سوى ان اطلق ضحكة قاسية خشنة , ثم ضمها اليه كم جديد
- لا , لا .....
وامسكت بشعره الذى اشتبك بأصابعها وهى حاولت ان تدفعه عنها.
- هل هى الكراهية التى تجعلك ترتمين بين ذراعى لدى اول لمسة؟
قال هذا ساخرا فيما هو يمرر يده بنعومة على كتفها
ثم رفع رأسه واخترقت عيناه المتألقتان عينيها بمشاعر محرقة.
بالرغم من جهودها لرفضه , لم تستطع ان تمنع رجفة البهجة التى فضحتها.
وعاد يعانقها ليغرقا من جديد فى بحر من المشاعر المحمومة.
استيقظت عند الصباح مشتتة الذهن تماما .
كانت الغرفة لا تزال مظلمة وذراعه الثقيلة مرمية على جسمها.
عادت الذكرى اليها ومعها شعور بالخزى لادراكها سهولة وقوعها بين ذراعى خافيار.
تمطت ثم حاولت ان تخرج من تحت ذراعيه اللتين كان يقيدها بهما. تمتم خافيار بكلام غير مفهوم لكنه لم يستيقظ، تململ بعدم ارتياح ثم انقلب على ظهره, فتحررت منه ونزلت من السرير، واذا بها تجمد مكانها لسماعها قرعا على الباب وصوتا ينادى خافيار , ثم انفتح الباب مدخلا دفقة من الضوء معه
وسرعان ما ملأ الضوء الغرفة حين دخل فرانكو باسما وهو يحمل صينية القهوة.
عادت روز الى الاستلقاء فى السرير وسحبت الملاءة تغطى بها جسمها. فتح خافيار عينيه وجلس فى السرير:
-أى جهنم ؟
رفعت روز بصرها لترى ظهره العريض فشهقت:
آه يا الهى!
كانت الندبة تمتد من تحت ذراعه نزولا الى جنبه,وقدغطت اثارها نصف مساحة ظهره
سألته مضطربة :
-ماذا حدث لك؟
لا يتطلب الامر ان تكون طبيبة لتدرك انه تعرض لحرق سئ جدا يوما ما،بدا واضحا ان هناك محاولة لجراحة تجميلية , لكن الاثر السئ المتبقى لا تخطئه العين.
تفكيرها بالعذاب الذى سببه له هذا الحرق جعلها توشك على البكاء. انطلق صوت خافيار حادا كلذع السوط:
-اخرج فرانكو.
ولم ينتظر خروجه بل التفت اليها، بدت رائعة الجمال بغمامة من الشعر الاحمر الموشى بالذهب تحيط بوجهها على الوسادة , كما بدت عيناها الخضراوان دافئتين مليئتين بالعطف على وجهه الوسيم، لكنه لم يكن يريد شفقتها فهى متأخرة جدا:
-ما الذى تتوقعينه من حادث سيارة؟ ندبة صغيرة انيقة؟ انت طبيبة ومن المؤكد ان بامكانك ان تميزى تأثير حروق البنزين.
قال هذا ساخرا , فجلست فى السرير ومدت يدها بسرعة الى ظهره وراحت تتحسس الجلد المغضن بأصابعها الرقيقة:
-لم اعرف قط , انا آسفة.
قالت هذا بهدوء ، وفجأة اذا بأشياء صغيرة تصبح مفهومة ؛ رفضه السباحة معهم فى البحر فى بيت المزرعة
ثم تذكرت ان ضوء القمر كان يملأ الغرفة حين دخلت الى النوم الليلة الماضية , ولا بد ان خافيار اسدل الستائر ليمنع اى ضوء قبل ان يلتحق بها الى السرير.
ثم البيجاما!
اخترقت نظراته عينيها:
-بل تعرفين تماما
ونفض عنه يدها ونزل من السرير وهو ينظر اليها بعنف:
-لديك وجه ملاك وتكذبين كالشيطان
تملك روز الذعر والاضطراب لقوله هذا، ليست هذه المرة الاولى التى ينعتها فيها بالكذابة... ولكن لماذا؟ هذا ما لم تكن تعرفه، حدقت اليه بصمت وقد اتسعت عيناها بعطف وحيرة، هل نشر خبر الحادث فى الصحف فافترض انها عرفت به؟
- لا اريد شفقتك ولا احتاجها.
قال هذا بخشونة وهو ينظر الى ملامح عينيها :
-جسدك هو كل ما اريده
وكما لاحظت الليلة الماضية الامر ينطبق عليك ايضا فلا تزعجى نفسك بانكار ذلك.
لم تصدق ان خافيار زوجها المتغطرس يعانى من ضعف ما فى شخصيته، لقد تعمد ان يخفى جسده عنها
تذكرت حرصه على ألا تلمس يداها ظهره، ما الذى حدث؟
وهل بلغت القسوة باحداهن حدا جعلها ترفضه بسبب اثار حروقه هذه؟ أتراها زوجته الراحلة؟
لم تعرف روز , لكن قلبها كاد يتمزق لأجله شعرت برغبة بخنق تلك المرأة القاسية, عديمة الاحساس وفى هذه اللحظة بالذات ادركت انها تحبه ... وربما احبته دوما!
اشتدت يداها على الملاءة، ستحبه من دون امل الى اخر حياتها.. وربما الى الابد.
خنقتها المشاعر فابتلعت ريقها بصعوبة واسدلت اهدابها لتخفى مشاعرها عنه:
-لم اكن سأنكر ذلك
فالتوت شفتاه بسخرية:
-ربما لا ترغبين بأن تنظرى الىّ ولكن هذا غير مهم
تعرفين المثل القائل(كل القطط رمادية فى الليل)
تملكها الذعر لقوله هذا فقفزت من السرير ووقفت على بعد قدم منه:
- قولك هذا فظيع
أنا....
وعضت شفتها بقوة والفزع يتملكها لأنها اوشكت ان تعترف له بحبها... فاستدارت على عقبيها وهربت الى الحمام, بعد ان اغتسلت, شعرت بأنها اكثر سيطرة على مشاعرها، فتحت خزانتها واخرجت ثوبا قطنيا اخضر , ارتدته فى دقيقة , وسوت تنورتها على وركيها.
سارت الى صينية القهوة التى احضرها فرانكو وسكبت لنفسها كوبا , ثم سارت الى النافذة وابعدت الستائر
انه يوم مشمس آخر!
كانت افكارها مشغولة بكل شئ ما عدا النهار المشمس
رشفت القهوة ثم عبست اشمئزازا وهى تشعر ببرودتها
لكنها كانت بحاجة الى انعاش الكافيين لها لتعيد تنظيم دماغها المرتبك .
انهت القهوة ثم استدارت، عليها ان تخرج من هذا المكان لكنها توقفت فى منتصف الغرفة ورفعت رأسها بحدة عندما خرج خافيار من الحمام.
ابتلعت روز ريقها:
-يكفى انك غزوت غرفتى
ولكن بامكانك على الاقل ان تستعمل حمام غرفتك
قالت هذا بحدة واذا بها تلاحظ الملابس التى كان يحملها
ونظر اليها مقطبا:
انها غرفتنا معا
والقى بالملابس على السرير المشعث
- لحظة واحدة
لقد قلت من قبل انها غرفتى
بعد وقوفها تحت مياه الدوش , تمكنت من اجلاء تفكيرها
اعترفت لنفسها بأسى بأنه مهما بلغ حبها لخافيار فهو لن يجعل زواجهما افضل ، ذلك ان خافيار ما زال مراوغا
مع انه لا زال يتردد على صديقته تلك , لكن ذلك لم يمنعه من القدوم الى سريرها هى، هذا الى انه منذ عشر سنوات, تزوج خطيبته ,وهذا يثبت بأنه خدعها , وروز ليست غبية، انها تحبه لكنها لن ترضى بأن تكون ممسحة ارجل، فهى تتحلى بالكبرياء وتستحق افضل من ذلك.
كان يتناول بنطلونا ليلبسه عندما توقف قائلا لها بتهكم :
هذه الغرفة الذهبية هى الغرفة الرئيسية هنا يا روزالين
وسكت ليلقى بالمنشفة ليلبس البنطلون الكاكى اللون.
- ولكن عندما جئت الى هنا فى المرة الاولى , اخبرتنى انها غرفة الضيوف.
والتهبت عيناها غضبا , وهما تعكسان غليانها الداخلى .
- ليس الامر كذلك يا روزالين
لقد سرنى فقط ان تنامى هنا منذ يوم وصولك , لانه كان فى نيتى تماما ان اتزوجك.
شعرت لقوله هذا بالبرودة تسرى فى كيانها ، واشتبكت نظراتها المجفلة بنظراته:
- لقد اقسمت منذ عشر سنوات بأننى سأنتقم واننى يوما ما ,سأستعيدك. لكنك اختفبت عن النظر، منذ الدقيقة التى رايتك فيها تنزلين من سيارتك فى منزل تيريزا تقرر مصيرك وقد نجحت يا عزيزتى بشكل اسهل مما كنت ارجو.
ومنحها ابتسامة فاترة فقد قال كلمته تلك بسخرية
تركها اعترافه هذا خرساء لحظة طويلة. لقد تزوجها لأجل انتقام ملتو... لم تستطع روز ان تصدق ذلك، اذا كان هناك سبب للانتقام فهى من عليها ان تنتقم وليس هو! ارادت ان تضرب ابتسامته الساخرة هذه ، لكنها بدلا من ذلك جاهدت للسيطرة على نفسها فنجحت:
-ولكن لماذا؟هل سبق وآذيتك قط؟
- آه انت لم تؤذنى؟ كما اتذكر, كانت اخر كلماتك لى منذ عشر سنوات:
-انا لست بحاجة الى المفتاح ولا اليك ...الوداع
ثم قطعت كلامى بوضع السماعة
- وهل هذا هو الامر ؟ لأننى نبذتك؟
لقد قلب حياتها رأسا على عقب فقط لأنها خدشت كبرياءه, وذلك باقفالها الهاتف وقطع كلامه، لقد اعتاد على نساء يتلهفن الى كل كلمة منه, فلم يعجبه ان تهجره احداهن , يا له من متغطرس!
وقالت ساخطة:
-أم ربما توقعت ثمنا اكبر للثوب؟ انت حقير.
ربما يظن ان الوقت الذى امضته معه لا يكفى ثمنا للثوب
اجاب وقد التهبت عيناه وتوترت ملامحه التى اصبحت فناعا لغضبه المكبوت:
-ربما، لكنك هنا وانت زوجتى حسب الشرع والتقاليد
وعمليا كل عروس من آل فالدزبينو تمضى ليلة الزفاف فى هذا السرير.
كيف امكنها ان تحب هذا الرجل؟ ظنت انه ضعيف وانه اصبح يهتم بها وهو يحاول الكثير لكى يخفى عنها تشوه جسده, بينما هو لا يهتم بها مثقال ذرة، وتملكتها المرارة فبالرغم مما يبدر منه من اهانات واتهامات فهى لا تزال تراه وسيما جذابا، انه جذاب الى حد ان مليون ندبة لن تستطيع ان تمحو قوة رجولته.
نظرت اليه وهو يرتدى بنطلونا كاكى اللون وقميصا قطنيا ابيض , ثم حزاما جلديا
- هل انتهيت؟
وانتبهت فجأة الى انها تحدق به
- لا لم انته بعد، اما بالنسبة اليك والى تقاليدك الضيقة البالية من المؤكد انها لم تنفع زوجتك الاولى كثيرا , لأنك لم تنجب اولادا او بالأحرى ليس اولادا شرعيين، لسعته بكلامها هذا قدر امكانها وهى تتذكر خيانته فذكرى صديقته زادت المها وغضبها،بخطوتين واسعتين وصل الى جانبها ،حاولت ان تتراجع عدة خطوات وهى ترتجف ازاء عينيه الجليدتين اللتين تخترقان عينيها , لكنها رفضت ان تستسلم للخوف وهى ترى جسمه الضخم مشرفا عليها
- انت لم تعرفى زوجتى الراحلة، ولن تتحدثى عنها مرة اخرى، هل فهمت؟
بدا وجهه الاسمر الخشن من دون تعبير , لكن صوته كان يحمل نبرة فولاذية واضحة.
نعم , لقد بدأت تفهم ؛ زوجته مقدسة لديه وهو يحبها لكن ذلك لم يمنعه من ان يخونها حين حاول اغواء روز منذ عشر سنوات، وفجأة تفجرت من داخلها كل مشاعر الغضب والاستياء والالم التى كبتتها طوال تلك السنوات:
-آه نعم فهمت تماما، فأنت ايضا لم تتحدث عنها ولم تقل ان لديك خطيبة حين حاولت اغوائى منذ عشر سنوات،انت لم تتغير مقدار ذرة ، ما زلت ذلك المحتال الذى كنته دوما
قالت هذا بحدة واذا به يمسك بكتفيها بيدين من فولاذ وهو يسمرها بعينين ثاقبتين ارسلتا الخوف فى نفسها:
-هنا انت مخطئة روزالين، فلم يعد يخدعنى وجه جميل
ولم اكن قد تقدمت لخطبة اى امرأة حين قابلتك
هذا ادعاء منك اخترعته لتريحى ضميرك لأنك هربت منى.
-لا تستهن بذكائى , لقد رأيت الصورة على رف المدفأة , كما ان سبستيان....
- لا تذكرى اسمه فى حضورى....
فخرست ازاء صوته الثائر بينما انغرزت اصابعه فى لحم ذراعيها :
-انا لا اريدك ان تطعنى فى سمعة صديقى لكى تريحى ضميرك المثقل.
فهتفت وهى تقبض يديها على جانبيها:
-ضميرى المثقل؟
- لقد صبرت عليك فلم اطلب منك تفسيرا لتصرفاتك الماضية.
فالتهبت عيناها:
-لديك جرأة غريبة، ام لعل ذاكرتك من صنع يدك؟
اشتد ما حول فمه بشكل غريب:
-لا تخرجينى عن حدى يا روزالين، لقد كبحت طبعى , وكنت رجلا مهذبا معك ولكن ليس بعد الان.
- انت رجل مهذب؟ لا تجعلنى اضحك، انت لم تفعل سوى الاحتيال والضغط علىّ ودفعى هنا وهناك منذ تعارفنا
- كفى!
قال هذا وفى ملامحه احتقار عنيف جعل روز تحاول التراجع، واذلها انه ابتعد عنها تاركا كتفيها:
-لا جدوى من الجدل حول الماضى , روزالين ... انت الان زوجتى
وبنظرة متزنة الى وجهها الغاضب المتكبر قال وقد تمكن من ضبط غضبه واعادة السيطرة على نفسه:
-منذ الان عليك ان تتصرفى بلباقة مناسبة لمركزك هذا
لا شتائم ولا اتهامات, وانا مستعد لاسدال ستار على الماضى واعلان هدنة بيننا.
بدا كأنه يخاطب اجتماع مجلس ادارة.... ففتحت فمها لتصيح به بعنف.
لقد تقززت نفسها من اعتبار هذا الشيطان المتغطرس لها امرأة ساذجة بليدة, لكنها عادت فسكتت وقد عضت شفتها.
وقف على بعد قدم منها:
-انا لن احقق معك عن عشاقك السابقين دومينيك والاخرين ... وانا اريدك ان تعاملينى بالمثل، والتوت شفتاه المغريتان بشكل ساخر لم يصلح ليكون ابتسامة.
كانت تشعر بالذنب لكلامه هذا لكنها قاومت هذا الشعور فهى لم تقل شيئا تخجل منه ،لقد كان دومينيك رجلا لطيفا حساسا وصديقا حسنا،حاول اقامة علاقة معها لكن الامر لم ينجح ، لقد قال لها فيما بعد:
-انت امرأة رجل واحد ولسوء حظى انا لست ذلك الرجل
ولكن كيف تكهن خافيار بأمر دومينيك؟ انها لم تتحدث عن الرجل سوى مرة واحدة.
كانت فطنته مذهلة، نظرة واحدة الى ملامحه الاشبه بملامح الصقر , والى قوة مزاياه الفولاذية التى لم يستطع وجهه الوسيم ان يخفيها تماما , جعلتها تقر بأنه اكثر فطنة ودهاء من ان تضيع وقتها فى تحديه .
لماذا لا تستمتع بما هو مستعد لأن يمنحه لها من دون ان تطمع فى المزيد ؟ حقيقة انها تحبه وهو لا يحبها لم تكن بتلك الاهمية , فقد بلغت التاسعة والعشرين وهى كبيرة السن نوعا ما لتحلم بقصص الحب والورود وما شابه ....
- افهم من سكوتك انك موافقة.
قال هذا فجأة وهو يرفع حاجبيه ساخرا:
-واجهى الامر روزالين
نحن الاثنان ناضجان بما فيه الكفاية لندرك عبث مثل هذه الاعترافات ، لديكم مثل انجليزى يقول: "هناك دوما مياه تحت الجسر هل انت موافقة؟"
فقالت بهدوء:
-موافقة ولكن بشرط واحد
ونظرت الى عينيه من دون خوف:
-انا اطلب منك اخلاصا كليا
انه لا يحبها وقد يتعلم ذلك مع مرور الزمن، ولكن هذا لن يتحقق اذا قبلت بأن تشاركه فيها صديقته تلك، انها ليست حمقاء كليا،ادهشها طلبه هذا، تقدم نحوها خطوة وقال ببطء ولمعان الهزل فى عينيه:
-طبعا اعطيك كلمتى يا عزيزتى ولكن عليك ان تفهمى اننى لا اقبل منك بأقل من هذا
ومد يده اليها فتراجعت خطوة:
-انتظر ألم تنس شيئا؟ ام ينبغى ان اقول احدا؟
ورأته يقطب حاجبيه بحيرة فقالت تذكره ساخرة:
-صديقتك التى ذكرتها لى بكل تلك الفصاحة عندما طلبتنى للزواج
فقال عابسا:
-انا فى الاربعين تقريبا ، وقد بقيت وحيدا عدة سنوات
وسأكون احمق اذا ادعيت انه لم تكن لدى صديقة فى الماضى , ولكن ليس الان الليلة الماضية كانت المرة الاولى التى اقيم فيها علاقة جسدية مع امرأة منذ اكثر من ستة اشهر،وقبل ان تتكهن بقصده وضع يده حول رقبتها وعانقها عناقا طويلا عنيفا،حاولت عبثا ان تتحرر منه لكنه احاط خصرها بذراعه الاخرى وجذبها اليه , وعندما رفع رأسه كانت عيناه مليئتين بالغضب والالم.
فقالت له بجرأة:
-هذا لن يحقق المطلوب خافيار لا يمكننى ان اعيش مع كذاب
فسألها غير مصدق وقد توتر الجو بينهما:
-هل تشيرين الىّ؟
-لم يحدث قط ان تشكك احد فى كلمتى، كيف يمكنك ان ...
فرفعت يدها:
كفى! اثناء عشاء الليلة الاولى فى سيفيل جاءك اتصال تليفونى هل هذا يذكرك بشئ؟
قالت هذا ساخرة , فلاحظت احمرار الشعور بالذنب فى وجنتيه:
-من اخبرك بذلك ؟ ليس أبى
- جيمى اخذ يمزح بهذا الشأن عندما صعد ابوك الى غرفته لينام
- أحقا؟
قال هذا بصوت فاتر وهو يسير ليقف امامها:
-ولكن يبدو انه لم يعطك القصة كاملة
لم تكن روز ترغب بسماع المزيد، وحاولت جاهدة ان تخفى مشاعرها المضطربة بالنظر الى مكان ما فوق كتفه وهو يتابع:
-ليس من عادتى ان افسر تصرفاتى لأحد وخصوصا لامرأة
رفعت بصرها اليه وقالت ببلادة:
-انا لست اى امرأة انا زوجتك
نظر الى وجهها المتوتر مفكرا:
-نعم الحق معك
واسبل اهدابه مخفيا اى اثر للمشاعر فى عينيه:
-عودى بذاكرتك الى الوراء يا روزالين
كان هناك مخابرة تليفونية عند العشاء , لكن ابى كان ثائر الغضب قبل ذلك، كان غاضبا لأن تلك السيدة اتصلت عدة مرات اثناء الاشهر القليلة الأخيرة, وكذلك عندما كنت فى انجلترا
وأبى يقول ان الصديقة يجب ألا تتصل مطلقا ببيت صديقها , فمن العار ان يسمع صوتها هناك
- يا الهى هذا قول قديم مهين
هتفت روز بذلك باشمئزاز , فأجاب:
-ربما لكنه صحيح تلقيت تلك المكالمة يومها وقررت ان على ان انهى امرى معها على الفور ، فقد اصبحت انت لدى الان.
غطرسته البالغة حبست انفاسها:
-ماذا فعلت؟ دفعت لها اجرها وصرفتها؟
- شئ كهذا، يكفى ان اقول ان الامر انتهى والسيدة التى نتحدث عنها كانت راضية تماما . ولوت فمه ابتسامة خطرة, ومد يده يمر بها على ذقنها قبل ان يحنى رأسه ليعانقها عناقا رقيقا مثيرا للغاية.
يمكنها ان تصدقه او لا تصدقه اذا شاءت، لكن لا شك ان وجوده يطغى عليها ويتحكم بحواسها.
قال بصوت أجش:
-قررى امرك يا روزالين لأن الظهر قد اقترب وانا اموت من الجوع، وفى نفس اللحظة صدرت غمغمة تذمر من معدته , فضحك بشئ من الخجل:
-كنت متوتر الاعصاب امس فلم اكد آكل شيئا طوال النهار.
جعله اعترافه هذا يبدو بشرا اكثر من العادة... فبادلته الضحك:
-فلنأكل اذن
-أتحسنين الطهى؟
سألها ذلك وهو يسبقها الى الباب يفتحه لها
- وماذا لو قلت لا؟ هل هو اساس للطلاق؟
سألته هذا وهى تنسل من جانبه ملقية برأسها الى خلف بشكل مثير.
شاعرة بخلو البال لأول مرة منذ اسابيع، وفجأة احاطت بخصرها ذراع ضخمة فأوقفها عن متابعة السير فى الردهة:
-لا روزالين لن يكون هناك طلاق....
ظل ممسكا بها وعيناه تتأملانها:
-أبدا، انا اريدك ام اولادى
توقف قلبها عن الخفقان ... أتراه تكهن بأنها تحبه ؟
اخذت تتفحص ملامحه باحثة عن دليل مرئى يمنحها الجواب, وذلك بعينين واسعتين لا تطرفان لكنها لم تر شيئا
- فكرى فى ذلك
ومد يده يبعد خصلة شاردة من شعرها الى خلف اذنها وشفتاه تلتويان بابتسامة بطيئة:
-اما بالنسبة الى الطهو فسأقوم به انا لأن فرانكو يذهب دوما فى الساعة الحادية عشرة الى قداس الكنيسة يوم الاحد ثم يأخذ عطلة لبقية النهار
- آه الان فهمت! انت تتوقع منى ان اصبح مستعبدة عند الموقد.
قالت هذا مداعبة بينما اعترفت فى سرها بأن هذا هو الخيار الاسهل، مهما كان مقدار حبها له سيبقى بينهما دوما حاجز بعض المواضيع والاشخاص ممنوع التحدث عنهم.

الانتقام الأشد عاطفة ..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن