‎!سيد العالم

7.2K 151 1
                                    

بخطوتين واسعتين كان يقف الى جانبها وعينات تلتهبان غضبا ثم هتف بها ثائرا:
-ما هو العمل الذى تقومين به؟
-انا ...
ولم تستطع ان تكمل
- اخرسى.
راح يتحدث مع صاحب المقهى, ثم اخرج من جيبه رزمة من الاوراق المالية ناوله اياها ، بدا ذلك لروز كرما سيئا للغاية ،تنازل بأن نظر اليها مرة اخرى:
-هل انت بخير؟
سألها هذا بخشونة , وعيناه تتفحصان جسمها الرشيق بامعان, فهزت كتفيها:
-بأحسن حال ما عدا اننى ضللت طريقى وكدت اذوب من الحر
- انت محظوظة لأن هذا كل ما حدث لك
قال هذا ساخرا ببطء ثم قبض على ذراعها واوقفها:
-هيا بنا نذهب
نظرت الى صاحب المقهى بابتسامة ارادت ان تبدو شاكرة , لكنها كانت ترتجف فى داخلها, فقد وقف خافيار كصقر يهم بالانقضاض، بدا وجهه صلبا جامد التعبير, لكن عينيه الضيقتين كانت تخترقان عينيها حتى الاعماق
كان قد اوقف سيارته فى وسط الشارع فتسببت بتوقف السير , وفى وسط الصياح الغاضب وجلبة ابواق السيارات دفعها الى مقعدها فى السيارة بقوة, وصفق الباب خلفها ثم جلس خلف المقود لتنطلق بهما السيارة بسرعة.
القت نظرة جانبية على جانب وجهه باحثة عما تقوله
وهبطت عيناها الى فتحة قميصه عند العنق فأدهشها ان ترى اثر الجرح القديم فى فكه يصل الى عظمة الترقوة
لم ترها قط من قبل ثم ادركت انها بالرغم من حرارة الجو لم تر قميصه مفتوحا عند العنق طوال العطلة الاسبوعية.
- كيف حصلت لك هذه الندبة؟
خرجت هذه الكلمات من فمها قبل ان تستطيع منعها
فقال بصوت بدا عاليا منفجرا فى السيارة المقفلة:
-بحق الله عليك, انت تعشقين المخاطرة، انت تعلمين جيدا سببها، واذا كانت حياتك تهمك اخرسى اذن حتى نصل الى البيت
تعلم؟ ليس لديها ادنى فكرة، وهى قد سألته فقط لتخفف من هذا الجو المتوتر فى السيارة:
-آسفة لأننى تكلمت
ساد بينهما صمت متوتر فيما السيارة تجتاز بهما الشوارع الضيقة، وشعرت روز بأن اعصابها المتوترة على وشك الانفجار وقفت السيارة امام الباب, فسحبها من السيارة وعاد يجرها مرة اخرى صاعدا الدرجات الى حيث البرودة فى الداخل.
وقفت روز فى وسط الردهة وقد سئمت من معاملته لها وكأنها تلميذة متمردة:
-اسمع , لا يمكنك ان تلومنى لأننى اضطررت الى الاتصال بك لأن ليس لدى نقود اسبانية
اشتدت اصابعه على ذراعها العارية وقد اصبحت عيناه باردتين شاردتين على وجهها المتمرد:
-الى مكتبى
امرها بذلك من بين اسنانه المطبقة , وبعد ذلك بلحظة وجدت روز نفسها فى غرفة تغطى جدرانها الكتب , بينما اقفل خافيار الباب بحزم خلفها.
- نعم لقد ضللت طريقى وهذه ليست مشكلة كبرى
قالت ذلك وهى تحاول ان تخفف من توتر الوضع , لكن ضغط يده ازداد على ذراعها
ثم ادارها نحوه لتواجهه وقال باحتقار:
-ضللت طريقك فى منطقة الضوء الاحمر , ام انك كالماء وجدت طريقك بسهولة الى حيث تنتمين؟
بدا صوته منخفضا خطرا , وكانت هى لا تزال مضطربة لذكره منطقة الضوء الاحمر عندما اضاف:
-ماذا حدث؟ ألم يعجبك الرجل الذى اقترب منك؟
- وكيف عرفت ان رجلا اقترب منى؟
- كان من سرور صاحب المقهى ان يخبرنى بذلك وطلب منى ان ادفع اجر الوقت الذى امضيته انت فى اغواء الرجل فى المقهى عنده
اجابها بذلك بسخرية لاذعة وشحب وجهها:
- انت دفعت
اخذت تحدق فى ملامحه الخشنة لترى ان كان فيها اثر للمزاح:
-لا , لا بد انك مخطئ لقد اخترت ذلك المقهى لأننى رأيت سيدة تجلس بمفردها وهكذا ....
وسكتت مذعورة من غبائها :
-أتعنى ....
وشهقت ...
- كانت تلك السيدة تنتظر عملا بالضبط
وهى تدفع جزءا من اجرها لصاحب المقهى لسماحه لها باستعمال مقهاه, وهذا ينطبق عليك ايضا
- اه يا الهى!
ولم تستطع ان تمنع نفسها من الضحك بصوت خافت :
-أتعنى انه كان يظننى اصطاد الرجال؟
ثم انفجرت ضاحكة، خافيار فالدزبينو العظيم كان عليه ان يدفع نقودا كأجر فى مكان ترتاده بنات الهوى؟ لا عجب لغضبه المبالغ هذا .
وزمجر هو قائلا:
-لقد اضحكك الامر أليس كذلك ؟ اتساءل ان كنت سترينه مضحكا بهذا الشكل لو ان ذلك الرجل لم يقبل منك كلمة لا جوابا
وبحركة بارعة ترك يدها وجذب خصرها ليضمها اليه :
-ماذا كنت ستفعلين ؟
وعندما فتحت فمها لتحتج شدها نحو صدره بقوة ما منعها من التفوه بكلمة.
اخبرها تعقلها ونضجها بأن تقاوم , فقد كان هذا مجرد هجوم لطفل كبير خشى ان يمس احدهم لعبته الجديدة ,الا ان جسدها تجاوب معه بنفس المشاعر التى كان عليها حين كانت فى سن التاسعة عشرة .
وارتفعت ذراعاها تحيطان بعنقه وتحركت نحوه وهى ترتجف حنينا.
لكنها استجمعت شجاعتها لتقول :
-دعنى
- هل هذا احسن ما يمكنك القيام به؟
وابتسم ساخرا وهو يدفع رأسها الى الخلف
- حاولى مرة اخرى يا روزالين
- لا استطيع
تمتمت بذلك وهى تحنى رأسها وقد سقطت ذراعاها من حول عنقه مرتخية على جانبيها .
الحقيقة التى كانت تخز عقلها الباطن طوال الايام الثلاثة الماضية قد اسمعت صوتها اخيرا.
أتراها تحبه؟ انها لا تعلم
لكنه الرجل الوحيد الذى بامكانه ان يثير مشاعرها بلمسة واحدة منه، سواء مرت عشر سنوات ام مئة , لن يغير ذلك من تأثيره عليها وعلى حواسها كافة، سيبقى الامر كذلك الى حين مماتها, وافزعها ادراكها لذلك...
ابتعد خافيار عنها قليلا:
-انت لا تستطيعين
ورمقها بنظرة احتقار:
-انت حقا عبدة لأحاسيسك، حسنا! ... ارى ان على حين تصبحين زوجتى ان اضع عليك حارسا يراقبك طيلة الوقت
تفجر غضبها خلال لحظة ضعفها هذه :
-يمكننى رعاية نفسى خافيار، لقد قمت بذلك مدة طويلة
انه يظنها امرأة مستهترة تنساق وراء رغباتها، لكن من اين حصل على هذه الفكرة عنها , فهذا ما لم تعرفه ،ولن تهتم بتوضيح الامر له، فلتدعه يظنها عاجزة امام اى رجل
فذلك سيبقى افضل بكثير من ان يعلم ان لمسته وحدها هى التى تشعل النار فيها:
-اذن , انا اقترح عليك ان تبقى مع صديقتك وتدعنى وشأنى
تأملها بعينين قاسيتين , فحولت نظراتها بعيدا ثم قال ساخرا:
-لا اظننى بحاجة اليها بعد الان , فتجاوبك معى يخبرنى بأنك ستكونين كافية تماما لى .... لفترة على الاقل
اضاف الجملة الاخيرة بهدوء
فرفعت رأسها بحدة لهذه الغطرسة السافرة منه, فقد كان مع صديقته الليلة الماضية , وهذا جعل عينيها الخضراوين تلتهبان غضبا.
ولكن مهما كان جوابها الذى اوشكت ان تقوله , فقد اوقفه قرع على باب المكتب وصوت جيمى يسأله:
-هل يمكننى التكلم معك يا خالى ؟
سار خافيار الى الباب يفتحه وهو يقول بحدة :
-وانا اريد ان اتكلم معك
قال هذا فيما دخل جيمى المكتب
نظر جيمى الى خاله ثم روز فاتسعت عيناه وهو يدرك ان هناك شيئا بينهما .
ذلك ان شعرها كان مشعثا وخداها متوردان
- حسنا , حسنا اذن فقد وجدت روز!
قال جيمى هذا لخاله بابتسامة عريضة :
-ام انكما خططتما لقضاء الصباح وحدكما كما فعلنا انا وآن؟
واخذ يضحك
مد خافيار يده الى روز وامسك بذراعها بحزم:
اذهبى الى غرفتك واحزمى امتعتك ودعى جيمى لى
ولا حظت وهو يدفعها الى خارج المكتب ان صوته الناعم كان يكظم غضبا جياشا ينذر بالشؤم.
وما كاد الباب ينغلق حتى سمعت صوته الغاضب يلسع جيمى، شعرت بالأسف لأجل الفتى , ولكن ليس بقد ما شعرت به تجاه نفسها ، فادراكها بأنها وقعت فى حب ذلك الطاغية حطم روحها , واصاب ثقتها بنفسها كأمرأة
هى , روز التى امضت سنوات تطالب بحقوق المرأة , تملكها القنوط كطبيبة , من النساء الخانعات اللاتى يقبلن بالعيش مع رجال يحكمونهن , تجد نفسها مستعبدة لأحاسيسها ؟ لم يكن ذلك امرا تجرؤ على التفكير به.
روز المغلوبة على امرها تلك كانت اخر من دخل غرفة الطعام لتناول الغداء.
هب خافيار واقفا على الفور وسحب لها كرسيا
وحاول الدون بابلو الوقوف لأن تهذيبه لم يكن يسمح له بغير ذلك , فقالت وهى تجلس:
-لا حاجة بك لذلك ارجوك , فأنا وصلت متأخرة
- فى زمنى كان التهذيب مع السيدات ضروريا بالنسبة الى الرجل النبيل.
قال دون بابلو هذا ثم عاد يغوص فى كرسيه ملقيا نظرة جافة على جيمى الذى ظل جالسا:
-لكن يبدو ان الشبان نسوا ذلك
- ليس هذا كل ما نسوه.
قال خافيار هذا وهو يجلس بقرب روز وهو يلقى على جيمي نظرة مظلمة، من الواضح ان الخطيبين الشابين ما زالا على اللائحة السوداء عنده بعد هربهما منها هذا الصباح، فقال جيمى بوقاحة:
-لا ادرى ما الذى تلومنى عليه يا خالى خافيار
يبدو لى اننا ادينا لك خدمة , اذ امكنك بذلك ان تمثل دور الفارس المغوار لامرأة جميلة
ولسوء الحظ , اصر الدون بابلو على معرفة ما جرى
وتملك روز الذعر عندما اخذ جيمى يسرد بطريقة هزلية حماقة روز ذلك الصباح بكل تفاصيلها المثيرة البشعة
وارتسمت ابتسامة عريضة على وجه دون بابلو المغضن , ثم قال شيئا بالاسبانية جعل خافيار وجيمى ينظران اليها ثم انفجر الاثنان ضاحكين.
شعرت روز بالاحمرار يغزو وجهها، لم يعجبها ان تكون موضعا لهزء الرجال, خصوصا وهى لا تفهم ما يقولون.
كان الغداء فظيعا ،فقد بدأ خافيار بلعب دور الرجل المتيم الذى سيتقدم لخطبتها بمهارة وحرارة اخرستها
فكانت عيناه الداكنتان الباردتان تصبحان فجأة دافئتين ناعستين فى كل مرة ينظر فيها اليها, بينما تناوبت مشاعر روز بين احمرار الخجل والغضب
- انه منزل رائع الجمال
قالت روز هذا لآن وهما جالستان خلف المبنى المستطيل المؤلف من طابق واحد , على مقعد مستدير يحيط بشجرة الجكرندة الاستوائية الضخمة القائمة وسط شرفة فسيحة.
امتدت تحتهما شرفة اخرى حتى تصل الى بحيرة صغيرة رائعة ترتطم بالشاطئ برفق.
كانت الرحلة الى المزرعة خالية من اى مشاكل.
فقد استقلت روز حافلة فسيحة خاصة مع الدون بابلو وماكس وزوجته وآن.
اما خافيار وجيمى فقد استقلا سيارة الفيرارى.
وتمتمت آن:
-نعم , انه مريح لكنه هادئ قليلا بالنسبة الى ويفترض جيمى ان ليس هناك متجر او اى مكان للتسلية الا على بعد اميال
- يا لك من مسكينة!
قالت روز هذا ساخرة وقد بدأت تشعر بالاسترخاء لأول مرة خلال هذه الايام الثلاثة.
كان جيمى وخافيار فى الفناء الامامى يلعبان كرة القدم مع بعض العمال , اما الدون بابلو فقد ذهب للنوم فى وقت مبكر هذه الليلة لأن الرحلة اتعبته, وسيتناول عشاءه فى غرفته.
لهذا فان العشاء سيقدم فى وقت اندلسى هو العاشرة.
مالت ان الى الامام قليلا وعلى وجهها الجميل حذر وشئ من الجد:
-يا لى من مسكينة .... لكننى لا اظن ان هناك ما على ان اقلق لأجله يا روز. اما انت فانك فى خطر من اذى وشيك يصيبك ... انا اعرف اننى طلبت منك ان تكونى لطيفة مع خافيار, ولكن حسنا... لقد رأيت كيف كان ينظر اليك كما ان جيمى اخبرنى انه رآكما فى المكتب فيما كان الباب مقفلا , والله يعلم ما الذى كنتما تفعلانه ،انا اعلم انك اكبر منى سنا , وخبرتك بالناس تفوق خبرتى، لكنك لم تعبثى بالرجال من قبل وكيف يمكنك بعد سنوات امضيتها فى الخارج , سواء فى الصحراء ام فى امكنة اخرى , ان تكونى ضعيفة ازاء رجل مثل خافيار
- لا بأس فأنا اعرف ماذا افعل
قالت روز هذا برقة وقد تأثرت للغاية باهتمام آن بها , وشكرت الله لأن الظلام يحيط بهما , ولا يمكن لآن ان ترى عينيها المغرورقتين بالدموع.
وضعت ذراعها حول ابنة خالها تشدها اليها
آن تحبها , ولو كانت الادوار معكوسة لفعلت لأجلها الامر نفسه :
-تعلمين اننى كبيرة ولست ساذجة كما قد تظنين.
فقالت آن ضاحكة:
-الحمد لله على ذلك! كدنا انا وجيمى نتشاجر من اجل هذا
فهو يقول ان بامكانك ان تعتنى بنفسك ، لكننى قلت له ان اى رجل لديه صديقة يجب ان لا يعبث مع امرأة اخرى.
اعنى ان خافيار هو ارمل , فلماذا لا يحضر صديقته الى منزله؟
ضحكت روز فجـأة بصوت خافت , شاعرة بأنها كبيرة فى السن نوعا ما
واحتضنت الفتاة مرة اخرى قبل ان تنظر الى ساعتها ثم تنهض واقفة :
- هيا بنا حان وقت العشاء
بدا خافيار اثناء العشاء مضيفا ممتازا، وفى غياب الدون بابلو بدا جو العشاء اقل تحفظا , ولم يكن ثمة ما هو افضل من ذلك بالنسبة الى جيمى وآن المغرمين ببعضهما البعض.
لم تتناول روز سوى القليل من الطعام معللة ضعف شهيتها بسبب حرارة الجو لكن الحقيقة انه يتعلق بارهاب خافيار لها ، فقد كان التوتر يتملكها.
بدا خافيار شديد البراعة فة ما يحاول التظاهر به
فقد كان تنظراته اليها حميمة دافئة طوال الوقت , وقد زاد ذلك من توترها وصعب عليها الاحتفاظ بجو من المودة والمتعة طيلة فترة العشاء .
وعندما وصل العشاء الى مرحلة تناول القهوة , كان الارهاق قد تملكها وامتلأ قلبها الما تعذر عليها تفسيره.
كان جيمى اول من نهض عن المائدة وآن بجانبه :
-المعذرة نريد ان نخرج لنتمشى
فقالت روز ضاحكة وقد تملكها ما يشبه الدوار :
-آه , لا , لا يمكنكما ذلك , أنسيتما اننى المرافقة الحارسة؟
ثم وقفت وهى تقول :
-انا قادمة معكما
- غير ممكن
قال خافيار هذا وهو يضحك بصوت خافت , ثم يقف واضعا يده على ذراعها :
-دعى عصافير الحب وشأنها يا روزالين، واسمحى لى بمرافقتك الى غرفة نومك
فألقت عليه نظرة جانبية:
-الرجل الذى احضرنى معه الى اسبانيا بصفة مرافقة حارسة يقول ذلك ؟ يبدو انك غيرت مفهومك
- لا اننى فقط انحنى لما لا مناص منه كما ستفعلين انت ذلك ايضا
قال ذلك وهو يديرها لتواجهه ، قربه الشديد منها ولمسة يده على ذراعها جعلا قلبها يخفق بعنف رفع ذقنها باصبعه وقد ضاقت عيناه على وجهها الجميل , ولاحظت تحذيرا خفيفا فى اعماق عينيه .
وفجأة تملكها الوهن وبالكاد تمكنت من الابتسام وهى ترى جيمى يرافق آن الى الخارج , وهو يقول ضاحكا:
-انا واثق يا خالى انك ستعتنى بروز، انها تبدو منهكة قليلا
لم تعترض عندما احاط خافيار كتفيها بذراعه:
-الى السرير روزالين
بدت لمحة من الحذر على وجهها المعبر قبل ان تفلح فى تغطيتها.
استيقظت روز فى الصباح التالى وهى تشعر بالصداع.
جاهدت للنزول من السرير ودخول الحمام، تركت المياه الباردة تنساب على جسمها الى ان شعرت بالانتعاش
جففت شعرها بمجفف الشعر المعلق على الجدار ثم غادرت الحمام.
فى غرفتها ارتدت بنطلونا ابيض وبلوزة زرقاء قصيرة الكمين , بهرها الضوء لحظة وما لبثت عيناها ان اعتادته فسحبت نفسا عميقا لتملأ رئتيها من الهواء النقى.
تقع غرفتها فى الناحية الخلفية من المنزل ، تمتد امامها الحدائق التى تصل الى البحيرة ، اخذت تنظر الى سرب من الطيور خرج من الماء لتوه, ثم نظم نفسه على شكل دائرة , منطلقا بعد ذلك الى التلال البعيدة، تنهدت روز وتمنت لو ان بامكانها الانضمام الى تلك الطيور المحلقة فى الفضاء.عادت الى الداخل وجلست على حافة السرير.
حاولت ان تمشط شعرها المتسابك . عليها حقا ان تقصه , كما اخذت تفكر للمرة المئة , قبل ان تسمع قرعا على بابها
لا بد انها آن وقد جاءت لتخبرها بمبلغ خداعها لنفسها :
-ادخلى ولا تقولى شيئا اعرفه...
والتفتت ببطء اذا بها تفتح فمها ذاهلة، لم يكن القادم آن ... بل خافيار
سار نحوها حاملا صينية من الفضة فوقها ابريق من القهوة واخر من الحليب واناء للسكر وكوبان , لكن هيئته لم تبد كهيئة احد المستخدمين بل على العكس فقد بدا وكأنه سيد العالم . شعره الاسود بدا متألقا تحت اشعة الشمس الذهبية اما تقاسيم زجهه البرونزية فقد برزت بقوة.
استقرت عيناها على كتفيه العريضتين وصدره الفسيح الذى يبرز تحت قميصه الاسود المقفل, وراح نبضها يخفق بجنون فى كل انحاء جسمها، حولت نظراتها بعيدا وبللت شفتيها اللتين جفتا فجأة بلسانها :
-ماذا تريد؟
-لم يكن هذا سؤالا لائقا
وضع الصينية على منضدة السرير الجانبية ثم وقف ينظر اليها، بدت ملامحه بصلابة الحجر وظهرت على شفتيه ابتسامة عنيفة كان يبدو رائع الرجولة , واشعرتها رجولته هذه بتيار كهربائى سمرها دون حراك.
ولم تستطع روز ان تمنع نفسا سريعا ورجفة لا ارادية فى يدها, ما جعل الفرشاة تسقط من يدها
وعندما انحنت لتلتقطها سبقها خافيار اليها:
-آه اظنك تعلمين
قال ذلك وقد اتسعت ابتسامته، مال الى الامام ومر بيده على ذقنها، احرقتها لمسته كالنار
نظرت الى عينيه بثبات:
-هل لك ان تعطينى الفرشاة من فضلك؟
- بهذه البرودة؟
رفع حاجبيه ثم انتصب واقفا وهو يتأمل وجهها المتكبر:
-ربما هذا يكفى الان اسكبى القهوة وانا سأمشط شعرك
ارادت ان تعترض لكنه جلس بجانبها وراح يمشط شعرها المتشابك:
- شعرك رائع انه بلون الخمرة وفيه خصلات ذهبية اللون.
-بتأثير الشمس الحادة يصبح جافا وتضيع الوانه.
وادركت انها تثرثر، كان خافيار يضع يده على كتفها كأنه يثبتها بينما راح يمشط بيده الاخرى، تمنت لو ان بامكانها ان تميل الى الخلف لتستلقى على صدره الواسع القوى ومضت لحظة كادت تفعل فيها ذلك
- هذا يكفى
قالت هذا بصوت خافت وهى ترفع رأسها الى الامام ثم اجفلت عندما جذبت هذه الحركة شعرها.
ضحك وادار وجهها اليه :
-كلمة يكفى لا وجود لها فى قاموس علاقتنا يا روزالين
ثم انحنى وعانقها، غمرتها امواج من الاحاسيس حطمت تحكمها فى نفسها فأخذت تتململ، رفع خافيار رأسه مبتسما وشعلة من الرضى تلمع فى عينيه ثم عاد يعانقها
بدا ان مشاعرها قد هزمت عقلها منذ وقت طويل فمدت ذراعيها تطوق بهما عنقه
وغرقت فى حلاوة عناقه للحظات طويلة.
وفجأة تراجع الى الخلف ثم وقف :
-لا..
-لا ... وماذا يعنى ب"لا"؟
جلست على السرير تنظر اليه
- اجلسى وسأسكب القهوة
جاهدت للجلوس وقد التهب وجهها، كان عليها ان توقفه عند حده منذ اول لمسة منه، شعرت بالاذلال لادراكها ان ليس لديها دفاعات ضد هذا الرجل , بينما هو محنك للغاية وذو خبرة واسعة فى العلاقات مع النساء، وجعلها تصميم عنيد تقف على قدميها , وهى تبدو شاحبة بشكل غير عادى:
-لا تزعج نفسك لا بد انها بردت الآن
قالت هذا وهى تتوجه الى الباب برشاقة , محاولة ان تجاريه فى كلامه المهذب:
-سأعد لك كوبا طازجا
- فكرة جيدة
قال هذا بنعومة ثم سبقها الى الباب يفتحه لها وهو ينحنى باحترام، تجاوزته خارجة , متجنبة النظر الى عينيه الداكنتين الساخرتين , وفجأة واذا به يمسك بخصرها يوقفها عن السير
- دعنى ....
فقاطعها:
انتظرى يا روزالين , شعرك ...
ومد يده يزيح خصلة شعر عن وجهها :
-هذا يفضح الامر نوعا ما ...
اقترح ان تسويه بشكل ما قبل ان تقابلى بقية من فى البيت
لكن تحذيره جاء بعد فوات الاوان , ووقعت الكارثة ......

الانتقام الأشد عاطفة ..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن