ليلة فوق الغمام

9K 180 3
                                    

افطار ام غداء! مهما كان نوع الوجبة فقد كانت مرحة بهيجة، ودهشت روز وهى ترى المطبخ فسيحا عصريا للغاية , لا ينسجم مع بقية اجواء المنزل وكما فى اول ليلة لهما معا كان خافيار طاهيا ممتازا
-الجامبون والبيض كانا لذيذين للغاية
قالت هذا وهى تضع اخر لقمة فى فمها فيما كانت تنظر عبر المائدة الى خافيار، اما هو فكان يراقب تلذذها الواضح ببعض الرضى.
- اذن دعينى ادهشك مرة اخرى
اذهبى واحضرى لك ثوب سباحة وسنذهب بعيدا لعدة ايام
- بعيدا؟ الى أين؟
- لدى فيلا فى ماربيلا،انها تبعد حوالى ساعتين بالسيارة
وفى الساحل الجو الطف مما هو عليه هنا
- ولكن لماذا؟ نحن وصلنا الليلة الماضية فقط، وفرانكو اخرج ملابسى لتوه من الحقيبة وسيأخذ منى اعادتها الى الحقيبة وقتا طويلا . لمعت عيناه البنيتان بالتسلية:
-فى الحقيقة يا روزالين, يمكن شراء اى شئ من ماربيلا
فهى عاصمة اوروبا, الا اذا كنت تريديننى ان آتى معك الى غرفتك لأساعدك , لكن لدى شعور بأن هذا ربما يؤخر ذهابنا وقتا غير محدود، وارتفع حاجبه ساخرا. بدا رجلا محنكا ومهذبا للغاية , وتساءلت روز ان كان يعلم مقدار ما فى عرضه العفوى هذا من اغراء بالنسبة اليها:
- حان وقت القرار يا روزالين
صوته المداعب جعلها تقفز للعمل, ووقفت:
- امنحنى عشر دقائق.
كانت الفيلا مبنية على فسحة تقع فوق التلال المطلة على ماربيلا ولدهشة روز كانت الفيلا حديثة تمام , اما الطريق اليها فبدا متعرجا تحف به الاشجار, اما الفيلا نفسها فبدت وكأنها مبنية على جرف
- هذا رائع
قالت روز هذا وهى تخرج من السيارة وتنظر حولها , ولم يكن هناك حديقة حولها، اوقف خافيار السيارة اما كاراج فى نفس المبنى، وراحا يصعدان الدرجات الخشبية العريضة التى تؤدى الى شرفة بعرض عشرة امتار تحيط بالفيلا
- انها خطرة لكنها ساحرة
جاء خافيار ليقف بقربها حاملا امتعتهما القليلة بيد واحدة , فأجاب:
- الحياة نفسها خطرة
ونحن نأخذ منها ما نستطيعه عندما نستطيعه
وتبعته عبر الباب الى الردهة المبلطة والمنعشة البرودة
كان فى الردهة بابان فتح خافيار احدهما ليدلها على المطبخ , ثم توارى من الباب الثانى.
تبعته مرة اخرى وهى تفكر بجفاء بأن هذه اصبحت عادة لديها.اخذت تنظر الى كتفيه العريضتين وهو يجتاز الغرفة الفسيحة نحو باب فى الجانب الاقصى منها، وقفت ونظرت حولها وقد فتحت فمها مذهولة ، اذ خلف الجدار الزجاجى كان هناك شرفة تطل على منظر لا يصدق
فتحت الباب الزجاجى وتسائلت ، اى عمل هندسى مجيد جعل ذلك ممكنا! لم تكن تعلم.
رأت روز بركة سباحة مستطيلة , وعلى مسافة مترين منها حوض للماء الحار، سارت الى نهاية الشرفة واتكأت بذراعيها على السياج، اخذت تنظر... كان المشهد الرائع يأسر البصر بيوت ماربيلا البيضاء , حوض السفن الكبير , ثم البحر الازرق الصافى الممتد الى الافق البعيد....
-ربما ما كانت المدينة خيارا حسنا لقضاء شهر العسل.
قال خافيار هذا من خلفها فاستدارت اليه:
-لكننى لا استطيع مغادرة البلاد حاليا بسبب صحة ابى المتدهورة
- يمكننى تفهم ذلك
واشتبكت نظراتهما
وفجأة بدا السياج خلفها هشا للغاية , وسبحت ملامحه الكئيبة الساخرة امام عينيها.
بدا اشبه بصقر منتقم وبيته هو وكره , وبدت كأنها وقعت فى الفخ. ودار رأسها، تقدمت نحوه خطوة فالتفت ذراعاه حولها ، سألها مقطبا:
-ماذا حدث روزالين؟
هزت رأسها لتبدد تلك الصورة ثم ارغمت نفسها على الابتسام:
-لا شئ , انه الحر فقط كما اظن، سأنزل للسباحة
- فكرة جيدة، لدى عدة مكالمات سأقوم بها وانضم اليك فيما بعد.
كان فى المنزل غرفة نوم واحدة تفصلها عن غرفة الجلوس ردهة صغيرة , ولها جدار زجاجى يطل على المنظر نفسه
اسرعت روز تخلع عنها ثيابها وتلبس ثوب سباحة اسود , ثم جعلت من شعرها ضفيرة طويلة لتفتح بعد ذلك الباب الزجاجى وتعود الى الشرفة وكان خافيار قد خرج.
نزلت الى البركة فأنعشتها البرودة، مشكلتها كما فكرت بحزن هى انها دوما تشعر بحرارة بالغة اثناء وجود زوجها بقربها , وذلك بصرف النظر عن حرارة الجو ولم تعلم روز ما عليها ان تفعل بهذا الخصوص، اخذت تسبح وتسبح وهى تحاول ان تفهم افكارها المضطربة ، كانت تعرف طبيعتها جيدا، انها تلتزم تماما بأى عمل تقوم به
عندما كانت عارضة ازياء كانت الافضل، وعندما اصبحت طبيبة عملت بجدية والتزام ايضا،وفيما هى تستلقى على ظهرها فى الماء تذكرت نصيحة رئيسها فى العمل لها بأن تذهب الى وطنها وتستريح:
-كان ابواك رائعين دوما . كانا يستجيبان الى اى نداء استغاثة لحالة طارئة فى اى مكان فى العالم, لكنكم كنتم يوما اسرة. انت امرأة ذكية رائعة الجمال وطبيبة جيدة وتهتمين دوما بأولئك الذين هم اقل حظا فى العالم , لكنك وحيدة دوما. لقد حان الوقت لأن تهتمى برغباتك الخاصة وتؤسسى لك اسرة.
اغمضت روز عينيها وقد نشرت ذراعيها على الماء محركة اصابعها بين الحين والاخر لتبقى طافية.
انها متزوجة من الرجل الذى تحب وربما هى الان حامل , فها ثمة اهمية اذا كان خافيار قد تزوجها لهدف غبى هو الانتقام, لأنها المرأة الوحيدة التى هجرته؟ ان غرور الكبرياء فى الرجل هش للغاية , لكن خافيار هو الافضل
وفى الواقع ان زواجها به هو الفرصة الوحيدة التى توفرت لها لانشاء اسرة لقد قال لها ان الطلاق ليس واردا فلماذا تخاف وترهق مشاعرها؟ شكواها هى عاطفية وليست عملية، الواقع هو انها متزوجة من رجل بالغ الثراء ومرتاحة فى بركة سباحة فى فيلا مترفة...
ثم اخذت تغرق.... امسكت بخصراها يدان عريضتان وجذبتاها الى تحت الماء
اخذت تجاهد بذراعيها وساقيها حتى طفت على سطح الماء
- لماذا فعلت ذلك؟
غمغمت بذلك باضطراب وهى تتشبث بكتفيه العريضتين بفزع لكى تمنع نفسها من الغرق مرة اخرى
- كنت اراقبك طوال العشر دقائق الماضية
صعد من البركة والماء ينساب عن جسده الاسمر ساحبا خلفه روز بيده، لم تجد روز وقتا للتفكير ، وعاد يأخذها بين ذراعيه بشغف ويداه تتحركان بقوة فوق جسدها. بعد قليل فتحت روز عينيها ببطء لتحدق فى السماء الزرقاء الصاحية، كان خافيار مستلقيا بجانبها على بطنه
بدا اثر الحريق على ظهره لامعا تحت اشعة الشمس
فمدت يدها اليه واخذت تمررها على اللحم الخشن :
-هل انت بخير؟
نظر الى حيث اراحت يدها
ثم نظر الى وجهها وضحك من دون بهجة:
-ألا يزعجك منظر الندبة؟
- لا فقد رأيت اسوأ منها بكثير، ولكن ماذا تفعل؟
حملها بين ذراعيه دون ان يجيب ودخل بها البيت
رفعت بصرها اليه فرأت على ملامحه مشاعر جعلته مختلفا عن ذلك الرجل المتغطرس الذى كان، ثم ادركت انهما في غرفتهما.
وضعها على السرير برفق وجلس الى جانبها، راح يملس شعرها بيديه ثم احضر منشفة ونشفه من الماء
شعرت روز بالسعادة لهذا الدلال والاهتمام اللذين لم تعهدهما فيه، وما هى الا لحظات حتى غابا فى بعضهما من جديد ليغرقا فى بحر من المشاعر المحمومة.

الانتقام الأشد عاطفة ..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن