النصف الآخر

7.4K 167 2
                                    

وقفت مايلين وسط الغرفة الواسعة وهى تتساءل عما تفعله هنا ،كانت الارض من الخشب المصقول اما النافذة فقد امتدت على طول الجدار وقد بدا من خلفها مشهد ليلى مذهل لبرشلونة نظرت حولها فرأت ان الغرفة لا تحتوى الا على قطع قليلة من الاثاث اريكتان ناصعتا البياض ومنضدة سوداء بالاضافة الى مدفأة رخامية انيقة وضعت على الرف الذى يعلوها صورة داخل اطار فضى اقتربت منها ونظرت الى الصورة بدا خافيار فيها مشبكا بذراع رجل اخر وقد وقفت بينهما فتاة جميلة سوداء الشعر
كانوا جميعا يضحكون اما الفتاة فكانت تضع خاتما كبيرا فى اصبعها.
قالت وقد وجدت موضوعا للحديث:
-هل هما من اصدقائك؟
فأجاب خافيار باسما:
-نعم صديقان طيبان
-بيتك جميل
وزادتها ابتسامته توترا:
-أتظنين ذلك؟
نظر فى انحاء الغرفة من دون حماسة ثم عادت نظراته لتستقر على قوامها المتوتر
رأى نظراتها الحذرة فقال:
-لا تخافى فأنا لا انوى ايذاءك
ثم امسكها بذراعها وادارها اليه :
-انا دعوتك الى العشاء وهذا كل شئ
-هل يمكنك ان تطبخ ؟
سألته بارتياب مستعيدة مظهر الحنكة الزائف الذى تعلمته من خلال عملها فى عرض الازياء وهى تحاول فى الوقت نفسه ان تتجاهل قربه البالغ منها وتسارع دقات قلبها
-طبعا فأنا رجل متعدد المواهب
هز كتفيه وبسط يديه ما جعل تأثيره عليها يتضاعف
-أنا أصدقك.
ونظرت الى قامته الطويلة وثارت مخيلتها وهى تتصور مواهبه الاخرى
سألها وابتسامة راضية تلوى فمه الواسع :
-ما رأيك فى عجة اسبانية حقيقية مع السلطة؟
-جميل جدا شكرا
فانفجر ضاحكا:
-أنت لا تقدرين بثمن يا مايلين
ونظرت عيناه الباسمتان فى عينيها ثم امسك بذراعها وقادها الى المطبخ:
-هيا بنا يمكنك ان تعدى السلطة.
اثناء ربع الساعة التالية اخذا يعملان معا سعيدين
وحبست مايلين انفاسها فيما هما يتحركان معا فى تلك المساحة الضيقة الا انها لم تظهر ردة فعلها
ولكن فيما بعد فاجأها شعور بالخزى وهى تجلس امامه حول المائدة الصغيرة وطبق الطعام امامها... لم يسبق لها قط ان كانت وحدها مع رجل فى شقته وصدمتها هذه الفكرة تماما انها مع رجل غريب فى بلاد غريبة
لم تتصرف بهذا الطيش قط من قبل.
راحت عيناه السوداوان تتفحصان بكسل ثوب الحرير الناعم الذى يغطى جسمها فشبكت ذراعيها على صدرها بخجل وقد شعرت بالصدمة لان نظرة واحدة منه جعلتها تتأثر بهذا الشكل
مد خافيار يده عبر المائدة وامسك بيدها:
-لا يا مايلين لا تخجلى
بينما القى خافيار برأسه الى الخلف وانفجر مقهقها:
-يا للبراءة! انا لا اصدق هذا لكنك انت على صواب بالنسبة لهذا الثوب مايلين انه لا يباسبك على الطلاق والآن انهى طعامك قبل ان يبرد اكلت لقمتين ثم دفعت بقية الطعام بشوكتها بعيدا لم تجرؤ على النظر اليه لأنها خشيت ان تحبس انفاسها اذا فعلت ذلك سألها باهتمام: ماذا حدث يا مايلين ؟ ألم تعجبك العجة؟ رفعت رأسها بسرعة وحاولت ان تبتسم:
-بل هى لذيذة ولكن يبدو اننى فقدت شهيتى
-انت عارضة ازياء واعرف انك تودين الحفاظ على قوامك لكنك ايضا فتاة رائعة الجمال ومن الاجرام افساد الجمال الكاامل بالرغبة الحمقاء فى تنحيف الجسم والآن كلى! قال هذا بحزم فعادت لمتابعة الطعام
اراح افكارها عندما انطلق فى الحديث عن حبه للسيارات, وعرفت انه يعمل فى حلبة السباق وسرعان ما راحا يثرثران كصديقين قديمين ونسيت ان اليوم هو عيد ميلادها
نسيت كل شئ ما عدا جاذبية هذا الرجل الساحقة ولكنها شعرت ان ما بينهما هو اكثر من مجرد جاذبية
تحدثا عن كل شئ ولا شئ , واخبرها انه لم يجلس قط من قبل لمدة ساعتين على كرسى المطبخ الصلبة كما جلس الان مقترحا عليها ان ينتقلا الى غرفة الجلوس.
استرخت مايلين بجانبه على الاريكة المخملية فى غرفة الجلوس, واخذا يشربان القهوة التى صنعها بيده
القت نظرة جانبية طويلة على جانب وجهه الوسيم, وفجأة ظهر عليها الارتباك وتصاعد الاحمرار الى وجنتيها.
لقد انتهى العشاء وكذلك القهوة تقريبا, وقد حان الوقت لتخرج , اما خافيار فقد تصرف كرجل مهذب طيلة الوقت تماما بينما كانت هى تعانى من اضطراب مشاعرها نحوه لم تعرف ما الذى جرى لها .
لقد تعرفت الى عشرات الرجال الوسيمين اثناء حياتها العملية, ولكن لم يتمكن اى منهم من التأثير فيها كما اثر فيها خافيار.
كان يجلس باسترخاء بجانبها على الاريكة وساقاه الطويلتان ممدودتان امامه بعدم اكتراث فبدا مرتاحا بالغ الجاذبية. ورفعت بصرها بسرعة لكن ذلك لم يكن افضل كثيرا فقد استقرت نظراتها على صدره, وكانت ازرار قميصه العليا مفتوحة فقفزت واقفة , ثم قالت بصوت اجش وهى تحاول ان تسوى من حاشية ثوبها:
-الافضل ان اخرج الان فقد تأخر الوقت وعلى ان اعمل غدا .
وغامرت بالقاء نظرة عليه فذهلت لرؤية النار الذهبية المتقدة فى عينيه. مد خافيار يده وامسك بيدها وقبل ان تدرك ما يحدث كان قد جذبها نحوه
-ألن تمنحينى عناقا قبل الوداع؟
-ارجوك انت ستتلف الثوب
قالت اول فكرة خطرت ببالها:
-على ان اعيد الثوب سليما
ادركت انها تتحدث بحماقة لكنه قال وذراعه تلتف حول خصرها بحزم بينما تمسك يده الاخرى بكتفها ما جعلها تشعر انها اشبه بقطيطة عاجزة.
-اعتبريه هدية لك
واقترب منها اكثر فاكتسحت جسدها احاسيس غريبة جعلتها تشعر بما يشبه الخدر
-لا استطيع ان اقبل
ولم تعرف مايلين هل قصدت بحديثها الثوب ام العناق فقال لها وعيناه اللامعتان تتفحصان وجهها ببطء:
-اعتبريه هدية عيد ميلادك يا حلوتى مايلين منحته ابتسامة متألقة ومالت قليلا مبتعدة عنه :
-وكيف عرفت ان اليوم هو عيد ميلادى؟
سألته ذلك وهى تحاول ان تخفى ارتباكها ضحك لقولها:
-لم أكن اعرف لكننا متناغمان مع بعضنا البعض الى حد يبدو ان بيننا حاسة سادسة.
ثم احتضنها بذراعيه بشدة :
-عيد ميلاد سعيد يا جميلتى ، ولكن لماذا لم تخبرينى؟
العجة ليست احتفالا لائقا لهذه المناسبة ، لو كنت اعلم لاصطحبتك الى مطعم لتناول العشاء .. ولكن ماذا بالنسبة الى والديك واصدقائك؟ألا يرغبون فى مشاركتك عيدك؟
امتلأت عينا مايلين بالدموع ، انه حقا رجل طيب يهتم بالآخرين:
-مات والداى منذ سنة ونصف تقريبا
-آه يا للمسكينة
وهذه المرة عانقها عناقا عذبا طويلا .... حمل لها العطف والمواساة.
لم تعرف مايلين ماذا جرى لها .
لحظة شعرت بالأمان والسلوان بين ذراعيه, وفى اللحظة التالية وجدت نفسها فى دوامة من الاحاسيس لم تفهمها تماما.
شعرت وكأن احدا لم يعانقها قط من قبل
فقد استجابت غريزيا وكأنها انتظرت هذه اللحظة طوال حياتها وارتجفت لقوة مشاعرها
وبرقة انزلقت يده الى كتفها ومال برأسه الى الخلف يحدق اليها:
-انت رائعة مايلين ليتك تبقين معى ،فنحن متناسبان تماما
ارتجفت وهى تنظر الى وجهه القوى الملامح بما يشبه الافتتنان وقد اشتبكت يداها الصغيرتان بشعره
-لا يمكننى البقاء فلدى عمل اقوم به
-اصبح الوقت متأخرا , ما رأيك لو تبقين هنا, وسوف اوصلك الى فندقك صباحا ساعة تشائين؟ اظنك تشعرين بالتعب
لم يكن التعب فقط ما جعلها تقبل اقتراحه, وانما رغبتها فى البقاء بقرب هذا الرجل الجذاب.
ومضت لحظة تملكها فيها ما يشبه التعقل فقالت بصوت مرتجف:
-لا , من الافضل ان اذهب.
وكأنما شعر خافيار بمخاوفها فقال يطمئنها:
-اعدك بأن اتصرف كرجل شهم
-سأنام فى غرفة الضيوف
نظرت اليه وقد تبدد كل شعور بالحذر لديها
فقد كانت رغبتها فى البقاء معه تفوق كل تصور
-حسنا سأبقى اذا كنت تحترم وعدك حقا
-يا الهى! لا يمكننى ان اسئ اليك مايلين ،انا لم اتأثر بامرأة فى حياتى كما تأثرت بك .. اريدك فى حياتى الى الابد
- حقا؟
تنهد خافيار وازاح خصلات شعرها عن حاجبها وعيناه تتفحصان وجهها الجميل:
-غدا بعد ان تنهى عملك ،سنخرج معا للاحتفال بعيد ميلادك .. لماذا لم تخبرينى بذلك مايلين؟
-لم اظن انك ستهتم للأمر.
ضمها الى صدره بقوة:
-من الان فصاعدا سأهتم بكل ما يتعلق بك
لم يكن لديها فكرة عن كيفية التصرف فى مثل هذا الوضع
هل التقت حقا بحب حياتها؟
وصعدت الى حلقها ضحكة هيستيرية.
-هذا ليس مضحكا يا مايلين ، انا اتكلم بجدية
لست امزح فى هذا الامر
فقالت بفتور:
-اسفة .. فأنا لست معتادة على مثل هذه الامور
تأوه ثم رفع يده واخذ يسرح شعرها الى الخلف بحنان:
-اشعر اننا خلقنا لبعضنا مايلين ،لقد تأخر الوقت الان
ومن الافضل ان تنامى وسنتحدث بالأمر غدا, اتفقنا؟
ورفع ذقنها لينظر فى عينيها الخضراوين الكبيرتين:
-احبك مايلين .. لا ادرى كيف حصل لى ذلك ، اشعر انك لى .. لى وحدى والى الابد.
وانفرجت شفتاه بابتسامة وعيناه الداكنتان تتراقصان ببهجة جعلت قلبها فى صدرها يمتلئ بالحب
لكنها خشيت الاستسلام لمشاعرها فابتعدت عنه قليلا:
-حسنا سأفكر بالأمر فيما بعد اما الان فأنا بحاجة الى الذهاب الى الحمام قبل الخلود الى النوم
عندما عادت الى الغرفة , بعد ان غسلت كل الزينة عن وجهها وحاولت ان تمشط شعرها وقفت عند الباب بالضبط.
كان خافيار مستلقيا على ظهره فوق الاريكة مغمض العينين وصدره يعلو ويهبط بانتظام.
وتملكها شعور قاهر بالحب.
ولم تعد تستطيع التنفس.
ومن دون ان يفتح عينيه قال بنعومة:
-تعالى اجلسى بقربى مايلين
يمكننى ان اشعر بك واقفة هناك
فقالت وهى تسير نحوه ببطء:
وكيف عرفت اننى واقفة هناك؟
- انت نصفى الآخر.
فتح عينيه ونظر فى عينيها , وادار رأسها الدفء الذهبى فى عينيه
اخذت عيناه تجولان فوق جسدها, ثم عادتا الى وجهها الخالى من الزينة:
-انت رائعة الجمال ومن دون تبرج عارضة الازياء انت اكثر جمالا... تعالى.
ومد يده اليها فوضعت يدها فى يده بثقة واذا به يجذبها الى ما بين ذراعيه ليغرقها فى عناق طويل , حمل اليها احاسيس لم تعرف بوجودها من قبل.
وادركت مايلين ان هذا الرجل هو من كانت تنتظره طوال حياتها.
رنين هاتف بعيد ايقظ مايلين من نوم عميق.
فتحت عينيها فوجدت انها ليست فى غرفتها فى الفندق
تشتت ذهنها للحظة ثم عادت وتذكرت انها فى غرفة خافيار، حملت الهاتف النقال ونزلت من السرير ثم توجهت الى الغرفة الاخرى تحمل اليه الهاتف
فتحت الباب بحذر راجية ان ترى فى عينيه هذا الصباح لمحة الحب التى رأتها فيهما ليلة امس
دخلت الى الغرفة وانفاسها تحتبس فى حلقها من التوتر
ما ان شعر خافيار بوجودها حتى تململ فى السرير:
-مايلين
ذكر اسمها برقة وبصوت اجش عميق من تأثير النعاس
وبسرعة فتح عينيه جيدا ثم انارت وجهه ابتسامة عريضة عندما رآها تنظر اليه:
-اذن ذلك لم يكن حلما
تبددت مخاوفها كما يتبدد الثلج فوق النار:
-لا , ولا رنين الهاتف ايضا
اجابته بابتسامة وهى تناوله الهاتف
اخذه من يدها بعد ان استوى فى جلسته على السرير.
وقفت مايلين تتفحصه من خلال عينين ناعستين
وارادت ان تقرص نفسها لتتأكد ان ما يحصل معها حقيقة لا وهم, خافيار احبها , وهو يريدها ان تبقى معه
لقد طلب منها ان تتوقف عن عرض الازياء فوافقته على ذلك بسرور لأنها كانت ستفعل ذلك على كل حال , ولكن قبل ان تتمكن من الشرح عاد يحتضنها بشوق لم يعد للكلام معه اى معنى .
هذا لا يهم! لا شئ يهم هذا الصباح سوى مشاعرهما نحو بعضهما البعض.
رأت وجهه يظلم وهو يقطب جبينه بشراسة , ثم يبدو فجأة اكثر خشونة واكبر سنا, واذا باحساس غامض بالخوف يسرى فى كيانها
وضع سماعة الهاتف بعنف ثم هم بالنزول من السرير.
- ماذا جرى؟
سألته وقد شعرت بالقلق لرؤيته متجهما
فالتفت اليها وكأنه ادرك للتو انها موجودة
قال بابتسامة جافة وهو يقف بالقرب منها:
-آسف يا حبيبتى ،ولكن على ان اذهب الى ميدان السباق
ولا ادرى كم سأتأخر.
وتأمل طويلا وجهها الفتى الغارق فى النعاس ثم ازاح شعرها عن حاجبيها الى الخلف وأضاف:
-يا لفتاتى وعيد مولدها! الساعة ما زالت السادسة والنصف, عودى الى النوم وسأترك لك مفتاح الشقة على مائدة المطبخ وبطاقة مع العنوان
واحنى رأسه وعانقها عناقا سريعا, فاحتك شعر لحيته النابت حديثا ببشرتها الناعمة:
-اذا انهيت عملى سأتوقف عند صالة عرض الازياء
آخر عرض لك.
قال جملته الاخيرة بشئ من الرضا :
-او اتصل بك الى الفندق واذهب لاحضارك
واضاف وهو يتجه الى الحمام :
-ولكن اذا لم اتصل بك قبل الخامسة احزمى امتعتك من الفندق وتعالى الى هنا، اتفقنا؟
ثم دخل الحمام.
عادت مايلين الى السرير ثم تنهدت حالمة
وبعد دقائق كانت قد استغرقت فى النوم مرة اخرى لم تر قط خافيار عندما دخل الى غرفتها ليبتسم لها حنان لكنها تحركت قليلا فى نومها عندما شعرت بقبلة ضعيفة ناعمة تحتك بجبينها بنعومة وتصورت فى احلامها انها سمعت صوته يقول :
-احبك!
تأملت صورتها فى مرآة الحمام فى شقة خافيار وضحكت
بدت مختلفة فقد كست ملامحها البهجة والسعادة
انها عاشقة ارادت ان تصرخ باسم خافيار من فوق السطح انه امير احلامها نفسه ،لكنها بدلا من ذلك اخذت تهمهم بسعادة ثم توجهت الى المطبخ ، سوف تتناول القهوة قبل ان تستدعى سيارة اجرة لتأخذها الى الفندق.
ملأت فنجانا من القهوة ثم احاطته بيديها تشممت رائحة القهوة العابقة وتنهدت بسعادة بالغة لم تنتبه قط من قبل الى مشاعرها هذه كل شئ فى عالمها اتخذ صورة اوضح واكثر حدة.
نظرت الى المفتاح الصغير الملقى على مائدة المطبخ مع البطاقة التى تحمل عنوانه.
كان المفتاح يتوهج كالذهب فى اشعة شمس الصباح انه مفتاح بقية حياتها... تراءى امامها مستقبل ذهبى رائع مع خافيار حبيبها
فمع انها لم تعرفه الا منذ يومين ولكن لم تتملكها اى شكوك انه توأم روحها. اخذت البطاقة ودستها فى حقيبة يدها ثم اطبقت يدها على المفتاح.
وبعد لحظات سمعت صوت الباب ينفتح فقفزت عن الكرسى ، لقد عاد خافيار.
اسرعت الى غرفة الجلوس وقد تألقت عيناها بالتوقع وانصبت نظراتها على الرجل الذى دخل من الباب
فتحت فمها لتتكلم واذا بها تسكت مشدوهة فقد كان هذا الرجل غريبا تماما... بدا متوسط الطول, متين البنية وجذابا بشعره الاسود الجعد.
كان يرتدى بنطلون جينز ويحمل بيده حقيبة من القماش اسقطها عند قدميه.
انتصب الرجل فى وقفته واخذ ينظر اليها من رأسها حتى اخمص قدميها .
ثم قال شيئا بالاسبانية بدا لها اشبه بشتيمة.
سألته مجددا مدركة خطر وضعها:
-ماذا تفعل هنا؟
-لغتى الانجليزية ليست جيدة جدا لكننى سبستيان
-لكن هذا غير ممكن! هذا بيت خافيار
-آه , خافيار
هز رأسه وسار ليجلس على اريكة حيث اراح رأسه الى الخلف واغمض عينيه :
-خافيار يشاركنى شقتى خلال اسبوع السباق وهذا ليس بيته مهما كان ما قاله لك.
وفتح عينيه لنظر لها ساخرا:
-أين هو؟ أهو فى سريره ويجعلك تعدين القهوة؟
-لا, لقد ذهب الى العمل
وتمنت لو انها ابقت فمها مغلقا , اذ ان اخباره بأنها وحدها فى الشقة , ليس فكرة حسنة
-العمل!
ثم ضحك:
-يا له من عذر! اسمعى يا سيدتى الصغيرة , انا متعب جدا فأنا قادم من رحلة استغرقت ساعات ، أريد قهوة ونوما.
ونظر اليها بوقاحة ثم اضاف بغير تهذيب:
-انا وخافيار نشترك فى كل شئ ،كل شئ أفهمت؟
لكننى متعب جدا الان كما انه يبدو عليك الارهاق مثلى
وهو لن يعود , فلماذا لا ترحلين ؟
شحب وجهها لما يتضمنه كلامه من تلميحات:
-قولك هذا مثير للاشمئزاز وانا لا اصدق كلمة واحدة مما تقول خافيار يحبنى وهو ... هو يريدنى ان ابقى معه.
نظر اليها بازدراء ثم وكأنه ادرك انها جادة , انتصب فى جلسته:
وهل قال لك ذلك؟
-نعم انه سيقابلنى عندما ينتهى عمله فى ميدان السباق لقد وعدها خافيار بذلك ورفضت ان تصدق انه كذب عليها لم تشأ ان تصدق ذلك .... لكن صوتا هامسا ساخرا همس فى رأسها :
( ما الذى تعرفينه حقا عن خافيار غير كلامه المعسول ووعوده؟ )
وفجأة عرفت الرجل :
انت الرجل الذى فى الصورة على رف المدفأة؟ نعم وخافيار فالدزبينو لا يعمل ليس العمل الذى نعرفه انا وانت.
ورفع حاجبيه ساخرا:
-امواله تساند فريق السباق وهذه هواية معظم الرجال الاغنياء وهو يملك بنكا تجاريا ولديه بيوت فى سيفيل , ومدريد وبوينس ايريس كما انه يماك اراض واسعة. شعرت وكأن شيئا وخزها فى معدتها تحسست المفتاح فى يدها ثم أرته اياه وكأنه طلسم:
-لكنه اعطانى مفتاح الشفة تأمل سبستيان المفتاح طويلا مقطبا جبينه , ثم قال ساخرا وهو ينظر الى وجهها الشاحب:
-لقد اعطاك مفتاحا اذن ولكن هل جربته فى القفل يا صغيرة؟
انكمشت مايلين فى مكانها متمنية لو تموت فى تلك اللحظة لقد تحققت اسوأ كوابيسها نظرت الى المفتاح فى يدها بغباء وادركت انه لم يخطر ببالها قط ان تجربه فى القفل قبل ان تغادر المنزل
-خافيار يحتفظ بمجموعة من المفاتيح وهى خطة يفضلها كلما اراد الخلاص من امرأة , وهكذا يتركها بهدوء انا اعرفه جيدا فهو صديقى الحميم وخطيب اختى. اذا كنت لا تصدقينى فاذهبى وجربيه فى القفل.
-خطيب اختك!
تساءلت برعب , وقد ادركت ان الصورة التى رأتها على رف المدفأة والتى سألت عنها خافيار الليلة الماضية هى له ولخطيبته. وشعرت بالغثيان ترنحت قليلا وصرخ ذهنها ان هذا لا يمكن ان يكون صحيحا
وفجأة امسك الرجل بذراعها:
-هل انت بخير؟..... تبدين شاحبة
ونظر الى ثوبها الخفيف ثم عاد ينظر الى وجهها الشاحب الخالى من الزينة:
-تعالى واجلسى .. هل شعرت بالصدمة؟
تركته مايلين يقودها الى الاريكة بخنوع
-اسمحى لى بأن اعتذر عن رجل من بلادى
آسف فأنا لم ادرك انك اصغر سنا من النساء اللاتى اعتاد ان يخدعهن بوعوده.
كان سبستيان رقيقا , احاط كتفيها بذراعه وحاول ان يجلسها برفق:
-أنت رأيت الصورة على رف المدفأة ،اخذت هذه الصورة منذ ثلاثة اشهر... هل انا بحاجة الى قول المزيد؟
-لكن اختك... حسنا , هل تعلم ان خافيار غير مخلص لها؟
قاطع سؤالها المتلعثم بضحكة عالية:
-اسرة خافيار هى من اقدم الاسر فى سيفيل واجداده هم مزيج من العرب والاسبان وهو ما زال تقليديا فى تفكيره... يريد ان تكون عروسه عذراء ليلة الزفاف.
الى ان يحين ذلك فهو يمضى اوقاته باللهو مع النساء.
وهذا لا يعنى انه غير مخلص , فالأمر لا يعنى شيئا بالنسبة اليه , وكاتيا خطيبته متفهمة لذلك, رغم اننى احيانا اشعر بالخزى من تصرفاته, كما يحصل الان.
اراك لست من نوع النساء العابثات وهكذا مرة اخرى انا آسف.
لم تستطع مايلين قول المزيد بسبب ما شعرت به من خدر نتيجة الفزع والصدمة.
وهكذا طلب سبستيان لها سيارة أوصلتها الى فندقها.
**********
بدا سيرجيو مسرورا من عرضها ظهر ذلك اليوم
- رائعة يا مايلين
هذا بالضبط ما كنت اتمناه.
اغرورقت عيناها الخضراوان بالدموع فغالبتها بغضب:
-انا مسرورة لأن هناك من يرضى عنى
قالت هذا بصوت مرتجف, فأحاط كتفيها بذراعه وبدا العطف على وجهه وهو ينظر الى وجهها الشاحب:
-آه يا الهى! انت وقعت فى غرام فالدزبينو.
كان على ان احذرك, فالاشاعات تقول انه مخطوب الى فتاة صغيرة تناسبه بالرغم مما يقال عنه بأنه زير نساء , ولكن الحق يقال هو كريم جدا مع النساء اللاتى يدخلن حياته.انظرى الى الناحية الجيدة , اتصل بى احد مستخدميه هذا الصباح ورتب الامر لدفع ثمن الثوب.
وهكذا يمكنك الان ان تفخرى بأنك صاحبة الثوب الاسطورى الذى ابتكره سيرجيو.
فيما هى تصغى الى سيرجيو تلاشى كل امل لديها ان يكون الامر مجرد غلطة وان خافيار سيصل الى العرض ليراها او ربما يتصل بها الى الفندق , لقد تلاشت كل احلامها
واذا كان الثوب لم يعجبها من قبل , فقد كرهته الان.
عادت الى غرفتها فى الفندق وعلى الفور اتصلت بالمطار
ولحسن حظها تمكنت من الحصول على مقعد فى طائرة خاصة بالاجازات ستغادر فى الرابعة والنصف من بعد الظهر.
وبسرعة القت بثيابها فى الحقيبة والدموع تغسل وجهها ثم مزقت الثوب ورمته فى القمامة.
ولم تجرؤ على التفكير:
أهى تذرف الدموع لتحطم قلبها ام غضبا من غبائها لأنها صدقت ان المرء قد يقع فى الحب من النظرة الاولى؟
لقد تصرفت كطفلة حمقاء ساذجة اذ صدقت اكاذيب خافيار.
واقسمت, وهى تستدعى سيارة اجرة على الا يحدث لها هذا مرة اخرى
وصعت السماعة ثم اخذت حقيبة يدها.
وعندما اخذت تطمئن الى وجود جواز سفرها نظرت طويلا الى البطاقة التى طبع عليها ... اسم سبستيان غاردا وعنوانه ورقم هاتفه
وبدا لها ذلك اكبر برهان على ان خافيار كذب عليها ... حتى انه لم يعطها رقم هاتفه الخاص.
رن جرس الهاتف فرفعت السماعة
وجاءها صوت خافيار الغاضب:
-مايلين ما هى لعبتك؟ لماذا تركت المفتاح؟
-أنا لست بحاجة الى المفتاح ولا اليك.
الوداع
واقفلت السماعة مرة اخرى عندما كانت تتناول حقيبة ملابسها وتغادر الغرفة.
***************

الانتقام الأشد عاطفة ..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن