7/ والداي يخفون شيئا..

148 17 0
                                    

" حمدا لله .. درجة حرارة جسدها انخفضت كثيراً" فتحت عيني ببطء محاولة معرفة مصدر الصوت..
حاولت النهوض أو رفع رأسي على الأقل و لكن جسدي ثقيل و يرفض أي أمر سوى الاستسلام للراحة و الاسترخاء..
" حمداً لله على سلامتك يا نورا "
مهلاً.. هذا صوت أمي..
تلفت حولي في ضعف لأستوعب " أين أنا؟" و أنا اتلفت لأبي و أمي اللذان كانا بجواري..
استوعبت في تلك اللحظة أني على فراشي في غرفتي..
قال أبي و هو يضحك من ردة فعلي " لا تقلقي ما زلتي في المنزل.. لم نأخذك إلى بيت الرعب" علا صوت ضحكته و هو يقول " أقصد المستشفى"..
معه حق في هذا التشبيه فأنا أموت و لا أدخل المستشفى أبداً..
ابتسمت لحظة ثم ظهر القلق على ملامحي..
لقد استيقظت فجأة لأجد نفسي على فراشي..
و لكن ماذا حدث؟؟
آخر ما أتذكره أني عندما خرجت من غرفتي اكتشفت أن الكهرباء مقطوعة عن المنزل بأكمله..
ظهرت علامات القلق و الحيرة على وجهي..
أجابني والدي و كأنه قرأ أفكاري" عندما عدنا وجدناك فاقدة الوعي أمام حجرتك و حرارتك مرتفعة" ضحك ضحكة قصيرة ثم أكمل" أنتي و البيت بينكما رابطة قوية.. كلاكما فقد كهرباءه في آن واحد" .
لا تروق لي الأجواء الهادئة و المتوترة التي يوفرها الأهل بسخاء في حالة مرض أحد أفراد العائلة..
فأنا كوالدي لأخفف من حدة الموقف أبدأ بالسخرية..
ابتسمت بشحوب و ضعف و أنا أقول" إذن فقد أكملتم المناوبة من عند جدتي إلى عندي أنا"
ضحك أبي أما أمي فانفجرت صارخة" هذا لأن حياتك بأكملها عبارة عن فوضى.. و صحتك هو آخر ما تفكرين فيه و الآن أنظري كيف أصبحت حالتك" .
هذا لا يبشر بالخير..
سَتشُن أمي حرباً عليّ و على أبي الآن..
ضحك أبي و قال" ابنتك أفاقت للتو و أنتي تستقبلينها بعتاب!!" .
ظهر الضيق و الغضب الشديد على وجه أمي..
أتمنى أن يمر اليوم بسلام..
لم تعلق أمي على عبارته و مشت بخطوات واسعة سريعة باتجاه الباب..
" لحظة أمي... إلى أين؟" قلتها و أنا أحاول الاعتدال..
تجاهلت أمي عبارتي ثم خرجت و أغلقت الباب خلفها بقوة..
زفر أبي في يأس و هو ينظر إلى الباب ثم ابتسم لي في حنان و قال " لا تقلقي إنها ذاهبة للمطبخ" .
كما أمي طيبة حنونة إلا أنها سريعة الغضب كثيرة القلق و هذا ما رأيته على وجهها منذ قليل..
نهضت من فراشي و أنا بالكاد أستطيع الوقوف..
حاول أبي إرجاعي للفراش.. و لكن كالعادة محاولاته باءت بالفشل..
سألني في استسلام " إلى أين؟" أجبته في هدوء و بكل بساطة " إلى المطبخ" .
*            *              *
لم تشعر أمي بوجودي..
لقد كانت شاردة تماماً حتى أن المياه بدأت تغلي في الوعاء الذي على النار و قد طغت جراء ذلك و لم تنتبه أمي إلا عندما انطفأت النار..
اقتربت منها بضع خطوات في هدوء و أنا أناديها بصوت خافت خشية إفزاعها" أمي !"..
أغلقت أمي مفتاح الغاز ثم أسرعت تمسح دمعتين سالتا على خديها قبل أن تلتفت إلي و وجهها أصبح يحاكي وجهي شحوباً..
قالت بقلق" نورا.. يجب أن ترتاحي.. ما زال جسدك مرهق يا حبيبتي".
نظرت إليها و إحساس غريب بالذنب يملأ كياني و قلت بهدوء و بنفس نبرة صوتي الخافتة " أنا بخير.. و لكنك أنتي من تبدين مرهقة.. ما الأمر؟".
جاء صوت أبي من خلفي و هو يقول ساخراً" إنها مرهقة من شدة قلقها الزائد عليكي" نظرت له مستغربة و قلت باستنكار" أنا ؟!"
فقال ضاحكاً"أجل"..
أكمل بنفس لهجته الساخرة و هو ينظر لأمي" إن لم تخففي من قلقك و توترك هذا يا عزيزتي.. فأخشى أن أضطر لحملك يوماً ما إلى المستشفى"
للحظة شعرت بأن ملامح وجه أمي تريد الضحك و لكن ما حصل كان العكس..
انفجرت أمي باكية و هي تصرخ قائلة" ألا أستطيع أن أقلق و أخاف على ابنتي مثلك؟.. الفرق بيني و بينك أنك تستطيع الضحك و السخرية أما أنا فلا.. ألا تستطيع تركي و شأني ببساطة؟" غادرت أمي المطبخ بخطوات واسعة سريعة غاضبة و الدموع كأنهار على خديها..
لو لم أكن أعرف أبي جيداً لقلت أن أمي قالت كلامها هذا لترد على سخريته..
و لكن هي محقة كلما زاد توتر والدي و قلقه زادت سخريته و مزاحه..
و بالطبع بعد هذا المشهد الدرامي لن أستطيع التحدث مع أمي..
على الأقل اليوم..
و لكن ما زال يحيرني هو ذلك الأمر الذي يخفيه كليهما..
ما زاد يقيني من وجود أمر ما..
و يتعلق بي..
هو وجه والدي الذي انقلب للحزن مع ابتسامة يائسة و هو ينظر إلي..
*         *          *
حل المساء و ها أنذا بمفردي مرة أخرى..
أجل.. لقد خرج والداي مجددا هذه الليلة..
فبعد صعود أمي اليوم لغرفتها غاضبة باكية صعد أبي وراءها متجاهلاً حيرتي و تساؤلاتي التي لم أجد الوقت لأنطق بها..
بعد صعود أبي بعشرة دقائق..
نزل كلاهما و كانا قد ارتديا ملابس الخروج..
توجهت لهم في حيرة و تعجب من أمرهم..
أمي خرجت بسرعة دون أن تنطق بكلمة..
لاحظت عيناها الحمراوتان..
يبدو أنها لا تزال تبكي..
" لن نتأخر.. سنذهب لأمر عاجل و إذا ما حدث أي شيء اتصلي بنا" قالها أبي ثم مشى خطوتين باتجاه الباب قبل أن يتوقف و يلتفت إلي" لا تنسي أخذ أدويتك إنها بجانب فراشك و يوجد طعام في الثلاجة" .
ابتسمت في هدوء و قلت" حسناً.. إلى اللقاء".
تأمل أبي وجهي للحظات باستغراب..
لا أدري لماذا؟
" إلى اللقاء" قالها أبي و خرج مسرعا خلف أمي..
تنهدت حينها بضيق لقد قال أبي أنهما لن يتأخرا أي أني لن أراهما قبل الصباح..
أجهل تماما ما هو ذاك الأمر العاجل الذي خرجت أمي لأجله و هي في هذه الحالة و لكن للصراحة هذا الأمر لا يجعلني أشعر بالارتياح..
***              ***              ***

أصوات من الخزانةTempat cerita menjadi hidup. Temukan sekarang