-18-

14.2K 325 14
                                    

-18-
شهقت صارخة :
-بابا.
ركضت تجاه والدها و قفزت في احضانه باكية باشتياق و حنين, شابكت ذراعيها حول عنق والدها و دفست رأسها في صدره, تلك هي طريقتها في العناق المففضلة تستحوذ علي جسد الذي امامها و تدفن وجهها علي نبضات صدره لتتأكد من تبادله لنفس نبضات قلبها المشتاقة.
-كل دية غيبة..وحشتني يا بابا..
رفع بأصابعه ذقنها الصغير, و لثم جبهتها في حب و الدموع تهطل من عينيه في تأثر :
-اسف يا بنتي..
مسحت بأنمالها الصغيرة دموعه لكن عجزت عن المقاومة فبادلته البكاء في جشع, ليقول وائل ممازحا :
-انتِ لسة موعداني انك متعيطيش تاني
رمقه حسين في غضب و شر قائلة بلهجة قاسية :
-كمان كنت بتعيطها
حرج وائل و اخفض رأسه في خجل, اقترب من والدته و تناول كفها ليقبله لكن وجدها تسحبه بلا رحمة دون التطلع اليه, حاول النظر لسعاد ذات براءة الملامح كطفلتها لكن وجد نفس الجحود و الجمود علي قسمات وجهها, ترك مجلسهما و دلف الي المطبخ متحججا بتحضير الشاي, لم يعره احدهم اهتماما, فنكس وجهه و تركهم حزينا..
-انا مش مصدقة انكم جيتم..انا فرحانة اووي
قالتها حنين بنبرة سعيدة, صوتها كان ضعيفا من تأثير السعادة علي انفاسها, نضجت عينيها بمجرد ان احتضنت والدتها, و والدتها الاخر زينب, تلك السيدة الرقيقة التي ترعرعت طوال حياتها في احضانها تخبأ سرها معها و تحادثها في امور السيدات بلا حياء عن والدتها, دمعت اعين زينب حين رأت حنين في حالتها الرثة الضعيفة لكن اخدذ تطمئنهم بتحسنها..
ربت والدها علي ظهرها الضعيف قائلا :
-طب يلا يا حبيبتي حضري شنطتك عشان هتروحي معانا
اتسعت حدقتيها مستغربة و تلفتت الي حسين قائلة باستعجاب :
-هو احنا هنرجع نعيش معاكم
فقالت سعاد هازئة :
-هنرجع ! انتِ بس يا حبيبتي
ليقول والدها مؤكدا :
-اوضتك لسة موجودة زي ما هي و كل حاجة متغيرتش
عقدت قرون حاجبيها في استفسار و نهضت من مكانها و هي تقول بعفوية :
-وائل ليه علم بالكلام دة..!
و نظرت حولها متسائلة :
-وائل فين..
لتقول زينب محتدة :
-انتِ لازم تطلقي يا حنين
لتقول بفزع :
-اية الجنان الي انتم بتقوله دة
و هتفت بأسمه :
-وائل..
و اسرعت خارجة من حجرة الجلوس, ذهبت الي المطبخ علي تمهل لتجده يحضر الشاي و ملامحه متوجمة, اسرعت اليه ممسكة بذراعه و قالت بارتباك :
-اللحقني يا وائل..بابا عاوز يطلقنا
ليقول بنبرة هادئة :
-عارف..دة حل كويس لينا
صاحت بصوت عال :
-مستحيل اوافق يا وائل مستحيل
-بدون رغي كتير يا حبيبتي..ارجعي مع اهلك البيت..
اشارت بيدها الي نفسها و قالت بذعر :
-عاوز تسبني يا وائل
و تابعت متسائلة في فضول :
-انت قولتلهم اية ! هما اكيد مرجعوش فجأة كدة من دون سبب
-قولت الي قولته
-لا انا مصرة اعرف
زفر في قوة و قال بنبرة ساكنة و عينيه تربصت بالنظر بعيدا عن موقفها :
-قولت اني انا الي اعتديت عليك
-يا مجنون
صاحتها بفزع و قد شحب وجهها و احتجت عينيها في صدمة, ليضع يده فوق ثغرها و يكتم صوتها العال, انسحبت منه قائلة في غضب :
-انت ازاي تقول لبابا كدة..انت عارف ممكن يحصل لينا اية او يحصل لعلاقتنا اية
-يحصل الي يحصل المهم ان كل اهلك حوليكي دلوقتي
-انت ازاي مستبيع القضية كدة..بابا عاوزني اروح معاة
اقبض علي ذراعها في شدة, لتتأوة و اخذ يقول غاضبا :
-كفاية بقي عناد و اعملي الي بقولك عليه..ارجعي معاهم
-والله عال و كمان بتضرب بنتي قدامنا
قالها حسين غاضبا و تقدم اليهما, لتفلت ذراعها من قبضة يد وائل التي لانت, التفتت الي والدها و تقدمت تجاهه قائلة بترجي و عيون دامعة :
-بابا صدقني عمره ما ضربني او اذاني, وائل معملش حاجة..و ليكن في علمكم انا مش هروح معاكم مادام وائل مش معايا..دة جوزي و خلاص معدش ليك حكم عليا
صاح حسين غاضبا :
-بنت تأدبي..و ملكيش دعوة بكلام الكبار
لتتذمر و تضرب قدمها في الارض و هي تهتف :
-لا خلاص انا كبرت و ليا دعوة..و مش هسيب وائل يعني مش هسيبه
-حنين كفاية اسمعي كلام باباكي..
قالها وائل جامدا بلا مشاعر و كأنه مجبور علي قولها, لتلتفت له بكامل جسدها و تقول بحدة قاسية :
-اسكت يا وائل..
طال الصمت بين الجميع, لتلحنه حنين ببكاءها المرير المزيف في الحقيقة, قوة المرأة في ضعفها, تلك الحيلة التي تستعملها دوما في حياتها, رق ملامح الجميع, و ارتجفت قلوبهم من تمسك حنين بحبها, فقال حسين صارما :
-تعالي يا وائل نكلم علي انفراد..
دلف وائل برفقة والدها الي غرفة صغيرة, اغلق الباب باحكام و اخفضت اصواتهما حتي لا تسمعها السيدات, لكن حنين كانت اذكي, فقد وضعت اذنيها فوق الباب لتسمعهما في وضوح, كان حديثهم عتاب و لوم و ندم, لم يبرر وائل ما حدث و اكده بندمه و اعتذاره المتكرر عن عدم وعيه في تلك اللحظة, كان والدها يقسو في بعض الكلام و يحنو عليه في الاخر..قبل وائل يديه و قال في صدق انه احن من والده عليه..تنهدت بقوة و ارتاح بالها حين تقبل والدها الاعتذار في حزم, لتفتح الباب علي مصرايعه و تبتسم في خبث تورد بخجل ماكر, و عادت لاحضان والدها مرة اخري..
                            ***
اصر الاهل علي الرجوع لبيت العائلة و يعودنا كالماضي, تأثر الجميع بحرق البيت و حينما تذكرت اغرقت عينيها بدموع حزينة, فأحتضنها وائل مؤكدا انهما سيبنيان قصر اخر اكبرو اجمل و سيضم عائلتهما, و اعلن حسين مساعدته المادية, عاشا في بيت زينب المتواضع, سعدت بتلك الانفاس القديمة, تذكرت كل شيء بمجرد رجوعها, هنا اختبأت من وائل اثناء لعبهما لعسكر و حرامي, و علي تلك الاريكة كانت اول قبلة بينهما, و هناك تصالحا في ود و حب بعدما طال خصامهما, هنا يتناولان الطعام و هنا يشاهداني الطعام تنهدت بعذوبية و لاح علي وجهها شبح ابتسامة سعيد لتذكرها بالماضي, تحسنت حالتها سريعا و عاد لجسدها رشاقته و امتلاءه بالانوثة الناضجة, تفتح قلبها كزهرة الياسمين بمجرد خطاها الي حياتها القديمة..ما كان يؤلمها غياب وائل الكثير متحججا بعمله و مشغولاته..و رغم كل هذا توشمت الضحكة الناصعة فوق ثغرها.
دق جرس الباب, لتفتح الباب و قد حذرت ان يكون الطارق وائل, فلم تكن له مواعيد محددة اخر تلك الايام, لكن شهقت في صدمة و تراجعت الي الوراء و هي تردد :
-صفوت
مد يده قائلا ببسمة بشوشة و لهجة مرحة :
-حنين ازيك وحشتيني
ارتعش كيانها و ركضت الي غرفتها تاركة اياة لاستقبال زينب العذب, كيف تصل به الوقاحة بأن يزورها, ماذا يريد هذا الخبيث, نبرته المرحة و ضحكته القوية تخيفها و ترعبها, تذكرها بكل ذكريات السيئة, قصرها كان سجنا, وائل كان محرما, هي كانت خائنة, ودت لو تصرخ و تطرده خارجا بطريقة مهينة, لكن بأي حق انه ملاك برئ امام اعين الجميع..
طرقت زينب الباب, فأسرعت بمسح دموع عينيها و الابتسام.
-ادخل
دخلت زينب في بطء و خطواتها بادت ثقيلة من كبر السن, و قالت بعتاب :
-ينفع كدة تحرجي الراجل و تسبيه و تمشي
-اسفة بس كان ورايا حاجة مهمة
-عموما هو ماشي تعالي وصليه لبابا..كان نفسه يقابل وائل بس لما ملاقهوش قال في وقت تاني..ذوق اوي صفوت دة
اماءت رأسها في طاعة و خرجت اليه, كان يبتسم لها في صمت و عينيه تبرق ببراءة, صافحته في جدية و قالت :
-نورت..
شعرت بشيء ما داخل كفها, فسحب يده و هو يقوم و مازالت الابتسامة الصفراء علي وجهه :
-بنورك يا جميل..
خرج محتفظا باحترامه و رونقه الخاص في الابتسام و المشي علي بطء متكبر, فتحت كفها لتري ما بداخله فتفاجئت بورقة صغيرة فتحتها في ارتعاش لتفزع من المكتوب "نتقابل الساعة 2 بليل في الجراج"
قطعت الورقة الي اكثر من وريقة و حاولت كتمان عصبيتها, يا تري ماذا يريد منها هذا اللعين ؟
                               ***
جلس علي الاريكة البنفسجية و خلع قميصه و اللقاة علي الارض في اهمال و بسط ذراعيه في الهواء محاولا تحريك عضلات ظهره, لتأتي حنين الغاضبة و تلملم القميص من الارض و تقول في ضيق :
-بطل ترمي لبسك علي الارض
و جلس جواره, فقال في ارهاق :
-ضهري مكسر
وضعت يدها الناعمة علي ظهره و اخذت تدلكه في شدة رقيقة, كان مستمتعا بلمسات يدها الناعمة و بدفء كفها علي جسده, كبل احدي يديها و اقربها الي شفاهه مقبلا اياها في حنو, و جذب ذراعها اليه, لتجلس فوق حجره, اللتقط قلة سريعة من ثغرها لتقول مسرعة في خوف :
-بطل ماما في المطبخ
-مأنتي مراتي خلاص
و حاصر خصرها و شدده في اجاذبه اليه, حاولت التملص لكن كان محكم قبضته, و مال علي عنقها ليقبله قائلا :
-وحشتيني اووي
عبست بملامحها قائلة :
-اممم مبقتش تقول الكلام الحلو دة كتير
ليقول معتذرا :
-مأنتِ عارفة اني مبقتش بقعد في البيت كتير
حاول تقبيلها فعادت برأسها الي الوراء و وضعت اصابعها فوق ثغره متسائلة :
-اظن انه من حقي اعرف انت بتشتغل فين؟
-من حقك..بس هقولك بعدين..اكيد مش هعمل حاجة غلط
لتقول في ضيق :
-عارفة بس الفضول بيأكلني اعرف بتغيب فين
و تابعت متسائلة :
-صحيح يا وائل..متعرفش اخبار عن عماد
ليزفر بقوة و يقول حانقا :
-يووة هو دة وقته..
صمتت في أسي, فوجدته يسير بيده علي جدائل شعرها و يقبلها شفاتيها في قوة, ابتعدت مسرعة حين احست بحركة زينب و قامت من الجلوس علي فخديه, لاحظتهما زينب من بعيد و هما يتشاكسان, تنهدت بارتياح و هي تري بسمة ابنها و سعادة حنين بين احضانه, تهامس في اذنها بكلمات ازهرت وجنتاها بابتسامة خجولة, فسارت الي الغرفة علي حياء ليلاحقها وائل متحمسا, ما ان دخل ليغلق الباب مسرعا, شابكت ذراعيها حول عنقه ليتبادلا القبل, كانت تتهامس به "احبك", عانقها بقوة و اغلق بابه بالمفتاح و اخفض الضوء, فبقي النور الذهبي الشاعري و عمت الغرفة اجواء الرومانسية..
                         ***
بينما غط في اضغاث احلامه و تثاءب بقوة لتنتظم انفاسه، شعر بذلك الظفر الحاد الذي مر علي وجهه، فابتسم بعذوبية اثناء نومه، تكررت تلك الحركة اللطيفة فوق صدره، و بشيء ما ناعم يتحرك فوق وجهه، تقلب الي الوضع الاخر ليستقبل عناق حنين، اهتزت جفونه في وسن مبتسما، لكن تلاشت الابتسامة بصرخة قوية حين رأي الفاعل الغدار "هرة" سوداء...
صاح بانفعال عصبي :
- حنين..
لكن تلفت حوله و ما من حنين, نظر الي الساعة في ضجر فوجدها الثانية و النصف بعد منتصف الليل, ليكرر نداءه في ضيق و لا احد يجيب
*
*
*
يتبع
ناقص 4 حلقات و نخلص ❤
زهقتوا ؟😂😂

حنان قاسWhere stories live. Discover now