-4-

25.7K 471 15
                                    

-4-
خرجت من المرحاض, لكن انتصبت في صدمة حين رأت وائل امامها باسم الثغر تعلثمت في القول, لكن تفاجأت به يدفعها الي الحائط, رفع احدي حاجبيه :
-مفاجأة صح
من الدهشة فقدت النطق و حملقت به مندهشة, ماذا سمع ؟ هل اكتشفها ؟ هل عرف الحبيب السري ؟..ألجم لسانها عن الحديث, في حين انه تفحص جيبها و اخرج منه الهاتف, ترددت نظراته بينها و بين الهاتف. انقشع علي وجهه ملامح الاشمئزاز و البغض و قال حانقا :
-لية ! لية مصرة تكرهيني فيكي..
-عاوز اية يا وائل ؟
قالتها بعدما عقدت ذراعيها فقد صدرها و تعالي علي وجهها نظرات وقحة جريئة و كأنها لا تبالي, رغم خفقان قلبها المضطرب..ضيق حدقتيه و قال :
-وقاحتك وصلت انك تتصليه بيه من موبيلي
ابتسمت ابتسامة صفراء :
-وحشني..معلش يا وائل hard luck المرة دية
و تابعت :
-و علفكرة مش هتلاقي رقمه..و مش هتعرف تجيبه
ظل صامتا في ريبة, حتي توترت الاجواء اكثر, كانت صامدة امامه بلا حراك و هو يتأملها في سكون مخيف, اخفت ملامح الخوف في باطنها و اخرجت وجه قاضب ينظر له في غطرسة حمقاء, تدرك ان لو اطبقت الارض علي السماء, سيظل وائل الوحيد امانها و مهما حاول اذيتها سيتراجع..تلك الثقة اكتسبتها منذ طفولتهم, حين بدأ بالتحكم بمشاعره و عصبيته و عدم انفعاله الا بعد تفكير عميق.
هي تعلم بعمله بكذبها لهذا هو صامد, عكس قديما حين عرف انها تتعرف علي رجل و بدأت الاعجاب به, اخذها علي محمل الخيانة و كان عقابها شديد و مؤلم...لكن الان ملامحه  هادئة, هادئة حتي شككت في ظنونها, و شعرت بانه في اي لحظة سينفجر بها انفجار عنيف لن تسلم منه الا مكفوفة بالكنف..
اشارت بسبابتها تجاهه و قالت  محذرة :
-ابعد عني و سبني في حالي,,فاهم
و واصلت صياح :
-انا طهقت منك و عـ
لم تكتمل صفعها بقوة حتي لم تدرك وقتها ان كانت في حلم ام واقع مرير, ظلت للحظات مندهشة مما فعله لتو و تحدق به غير مصدقة بما حد, كانت يدها فقد خدها الذي تورد ألمًا, تعانفت ملامحه و قسمات وجهه لفترة و تقوس حاجبيه في نظرة شيطانية عنيف, جعلها تتعلثم في كلامها :
-كدة يا وائل ! بتضربني
نبرتها المرتجفة و نظرت عينيها المرتعبة و ارتعاش شفاتها, كل ذلك اجعله يحس و بأن من يتحدث حنين, حنين التي عاشرت طفلوته و مراهقته و شبابه و من تخيل انها ستعيش معه ايام شيبه و كهله, فقال ناهرا :
-دية حاجة قليلة تليق بمقامك...انتي محتاجة تفوقي من الي انتي فيه..و اعرفي يا حنين انك مش هتتطلقي الا لما اعرف مين ابوه و يكون جثة تحت رجلك..عشان شكلكك نسيتي نفسك اوي و نستيني معاكي..بس انا عارف هفكرك ازاي
تقدم خطواطته عنها بعدما اللقي نظرة اشممئزاز ساحقة عليها , سمعها تصرخ بصوت فيه نشيج البكاء :
-انا بكرهك..بكرهك..
لم يلتف ببرأسه لكن قال جامدا :
-مش اكتر مني..
                                           ***
عاد لمكتبه المشترك في العمل, وجهه مكهفرا و كأنه يؤكد لزملاءه الزواج عقاب الدنيا, الكل صافحه و حادثة و ضاحكه..كان يتحدث معهم بابتساة باهتة ممحاة, من لا يعرفه سيعرف بحزنه..هو لا يريد شيء سوا الحقيقة المخبأة, يريد طرف الخيط الموصل لغموض حنين..
بينما هو منشغل في التفكير و بين ايديه ورق لا يقرأها لكن يصطنع حتي يتفادي الاسئلة, وجد من يضرب بكفه علي مكتبه, ارتبك فنجان القهوة و كوب المياة كما فزع  وائل من  مجلسه و قفز فازعا, نظر لفاعل و قبل ان يبدأ بالسب صرخ في غبطة :
-عماد !
فتح عماد ذراعيه و استقبله برحب و هو يقول :
-حبيب قلبي
احتضنه وائل بقوة و تصافحا في سعادة و غبطة, كان عماد طويلا و سمينا يتدلي منه كرشا قوي يعتقد العض انه وزنه يقاس بالطن من بدانته, له حس فكاهي ظريف و ابتسامة لا تفارق وجهه, في نهاية الاربعين تلاحظ هذا من سقوط شعره و صلعه و الشارب الاسود فوق فاه, في الحقيقة هو ابن خالة وائل و يكبر وائل بمراتب فرغم حسه الفاكهي القوي الا انه جاد في العمل, و له سلطات و نفوذ كبيرة و شأن عظيم وسط الناس..
-اية يا وائل كل دة عشان خالتي حلفت انها متدخلش بيتكم..متخفش دة كلام كلها كام شهر و هتلاقيه ناطة عندكم..
اجابه متأثرا :
-ياريت بس و لو..انت عارف اللوا دة صعب ازاي و مش بيسامح بسهولة..
فقال عماد هازئا :
-خالتي قالت انها حامل..و فيها اية يعني مش فضيحة هي عشان يكبروا الموضوع كدة..الناس دية لسة عايشة في جو الابيض و الاسود
-يلا كلها يومين و يعدي الموضوع و ينسوا..حنين هي الي متأثرة اوي بفراق اهلها
تألف الصمت بينهما في حزن للفترة وجيزة, قام وائل و سحب الجرريدة فوق المكتب, ثم مدها لعماد قائلا :
-قريت الجرايد انهاردة
فقال عماد مستغربا :
-لا مالها
و قرأ اول خبر بصوت مسموع نسبيا "اسلام السعدني في لقاء صحفي في لبنان", نظر الي وائل مستغربا :
-اية !
فقال وائل غاضبا :
-الراجل دة بمجرد ما بشوفة اسمه بتنرفز..الراجل دة هيهدي الا لما يدخل الحبس علي ايدي
مال عماد بجزعه و قال :
-انت مجنون يا وائل! عارف يعني اية تلعب مع اسلام السعدني يعني انت بتودي نفسك لجحيم..اكتر من واحد زيك حاول يحقق في قضيته و يجيب قراره..دلوقتي هو بيتحاسب عند ربنا..اسلام السعدني مبيرحمش حد
-و قصدك اسيبه و اخليه يقتل في الناس..
ليربت عماد في حنو علي ظهر ووائل و يقول :
-وائل انت زي اخويا الصغير و انا مش هقبل ان يحصلك حاجة..الراجل دة محتاج حد فاهم و يقدر يلعبه صح..
و اشار بسبابته الي عقله و قال :
-الي يلعب مع اسلام محتاج دة
ليسرع وائل قائلا :
-و انا محتجاك يا عماد
-انا معنديش مانع..بس خلي بالك ان دة ممكن يأثر علي شغلك و عليك..انت بتشغل لوحدك و دية لوحدها مصيبة
-الغاية تبرر الوسيلة..اعمل اية انا معيش ادلة كافية عشان اطلع بيها الزملاء..و لا هو محل شك..هو واحد فاتح شركات بيبع مواد مسرطنة و يتاجر في السلاح..و ليه علاقة بالمافيا دة غير طبعا تجارة الحشيش الي مبهدل بيها السوق..
فقال عناد ممازحا :
-اه يا وائل مش لو كنا تاجرنا في الحشيش كان افضل من المرمطة دية..كناهنكسب فلوس زي الرز
ضحك وائل و تابعه ساخرا :
-عندك حق يا جينرال..
                                             ***
دلفت دورة المياة مسرعة و اغلقت الباب باحكام و دست به المفتاح, جلست علي ارضية بيت الخلاء و فتحت الحقيبة السوداء, اخرجت منها علبة سجائر و بعض الحقن و قنينة زجاج صغيرة, تناولت الملفوف الابيض بين يدها اشعلت القداحة, اخذت انفاس قوية و هي تشعر بارتعاش في صدرها..سعلت بقوة لكن تابعت بلا كلل..
                                                ***
-اية دة ؟ انت اتجننت..انت بتديني انا مخدارات
فرد هازئا :
-هتحاتجيهم صدقيني نفس واحد بس هينسيكي كل حاجة..
و تابع متمزجا :
-هيسفرك لنجوم..
ابتلعت لعابها و  صمتت و هي تأخذها منه في توتر, لم تكن تعرف انها ستأخذ بنصيحته يوما..
وضعت كفها فوق بطنها تتحسه في رفق و هي تردد بصوت مخمل :
-انت السبب في كل دة..انا بكرهك اوي انا اول ام تكره ابنها..انا عمر ما هسامحك انا هعيشك في ننفس الجحيم الي انا عيشاة و ساعتها هتدوق الي حصلي بسببك انت..
و تابعت بصوت متهدج :
-كل دة عشان خطرك انت يا وائل..
شعرت بالنعاس, فارجعت رأسها علي الحائط و غمغمت وسط نومها :
-انا..اسفة
و ذهب عقلها مع الريح و نامت بدموع لا تنام..
                                    ***
السكون يعم المنزل, ظنها نامت في ثبات عميق, فتجاهل و جلس علي الاريكة التي اصبحت جزءا من حياته, هي مأوي نومه ايضا..
غفل لساعات, و استيقظ بعد منتصف الليل, فقام يبحث عن طعام يكتم مواء معدته, لم يكن في الثلاجة اي طعام. بعض الخضرة و اللحوم النية, بحث عن الفاكهة فلم يجد, مازالت الصحون من الصباح في المرحاض, فتعجب من عدم وجود حنين لغسل الصحون و اعداد الطعام..وقتها فقط شعر بخفقان قلبه و قد لاح بباله انها هربت بعد صفعة الصباح, فاسرع الي غرفتها فلم يجدها, بحث في مكتبه و الغرف الفارغة في القصة, لم تكن متواجدة, و دورة المياة في الطابق السفلي فارغة من الاشخاص, ربما تكون في دورة المياة الطابق العلوي, صعد مرة اخري..
حاول فتح الباب, لكن كان مغلوقا باحكام فقرع الباب بقوة و صرخ بها :
-افتحي الباب..
لم يسمع منها رد فتابع :
-افتحي ياما هكسر الباب..
وقتها استفاقت من نوما علي ضربات العنيفة و وقفت علي قدميها منتصبة طولها الاعرج في خطاة, و قالت في صوت متهدج :
-دقيقة
لملمت اشياءها مسرعة و اخبأتها خلف المرحاض, تأكدت انه لن يراه في اي حال, فتحت الباب علي مهل في زوية 30 و مدت رأسها قائلة :
-نعم عاوز اية
دفع الباب و اقتحم المكان قائلا برعيق و صوت عال :
-انت بتعملي اية جوة كل دة
لتقول متوترة و تحاول اخفاء توترها :
-اية هكون بعمل اية يعني, مبعملش حاجة
استنشق رائحة تبغ محروق فعقد حاجبيه قائلا :
-اية دة..ية ريحة سجاير !
و توجم وجهه فجأة و قال في صدمة :
-هو الباشا كان منور هنا؟
*
*
*
يتبع

حنان قاسWhere stories live. Discover now