النهاية

2.6K 173 23
                                    

مضت مدة طويلة وأنا أداوم على حياتي الزاخرة بالسعادة والصفاء في وادي السلام, وكنت بين الحين والآخر أتنعم بهدايا أهلي والمؤمنين من أصدقائي, تلك الهدايا- وهي دعاؤهم واستغفارهم لي- التي كانت تسعدني وأشعر كأنني غريقاً استطاع النجاة. فيما كانت الخيرات المتأتية عن الباقيات الصالحات التي قمت بها تصلني تباعاً فتدخل السرور إلى نفسي, كما كنت استأنس بمن يزور قبري وأسعد لحضوره. بل إن قراءة الفاتحة كانت أهم عندي من الدنيا وما فيها من حيث الراحة, لكنني كنت أعلم أن الأحياء لا يدركون هذه الحقيقة.

ما زالت الحياة المادية قائمة, وما زلنا نحن نعيش في بحبوحة الرحمة الإلهية, وفيما عدا باب الأئمة والأنبياء فإن سائر أبواب دار السلام كانت تستقبل قوافل السعداء في عالم البرزخ, لكن الأخبار الواردة عبر الطرق والسبل في برهوت تحكي عن تورط مجاميع كبيرة من الناس, ومن ناحية أخرى كانت أعداد أهل وادي العذاب في تزايد مستمر في كل آنٍ, وكل ذلك يحمل دلالة على امتلاء الدنيا بالظلم والجور, بحيث أضفت على باب الشهادة من ناحية وعلى وادي العذاب من ناحية أخرى طابعاً جديداً, فيما جعلت الكثيرين يعيشون العذاب في وادي برهوت.

وحلّ ذلك اليوم الذي استقبل فيه عالم البرزخ الآلاف من بني آدم ودّعوا عالم المادة بأجمعهم وعلى عجلٍ.حضرت مجموعة منهم عندنا وأخذوا يحدثوننا عن اللحظات الأخيرة فقال أحدهم: كنت في السوق منهمكاً بالبيع والشراء ولما أردت دفع ثمن السلعة التي اشتريتها سمعتُ صوتاً رهيباً عالياً سلب مني قدرتي فأسلمتُ روحي.
وحدّثنا آخر: كنتُ أتحدث إلى صديقي وإذا بذلك الصوت قد فصل روحي عن جسدي.ثم التفت إلى "حسن" ليحدثني عن تلك الصيحة فقال: إن الصوت الذي سمعه أهل آخر الزمان فارعبهم ثم ماتوا هو صوت اسرافيل الذي جاء بأمر من الله سبحانه, وبه هلك جميع أهل السماوات والأرض وها هي الدنيا تخلو من كل كائن حي فلا وجود إلا لله.
ذهلت لتصور ذلك المشهد, ولكن ازداد ذهولي عندما تحدث " حسن" عن نفخةً أخرى فقال: عندما تقوم القيامة الكبرى ينفخ اسرافيل نفخة الحياة فيحي الجميع.

هاهو مستقري يتغير نحو درجة أعلى بعد حصولي على شفاعة أخرى من المعصومين الأربعة عشرعليه السلام وبعض الشهداء.
وكان مستقر الشهداء يعلو مستقري بكثير وكانت أصواتهم تبعث السرور عند مجاوريهم, وكثيراً ما كنت أغبط الذين حشروا مع الشهداء ويجالسونهم لكن الاطمئنان كان يدخل قلبي لما أعيشه من رحمة إلهية. والأهم من ذلك أن زمرة من خلّص الشيعة كانوا يرتفعون إلى أعلى درجات وادي السلام ليلتقوا بآل الرسول صلَّ الله عليه وآله وسلم.

ها نحن أهل البرزخ نواصل حياتنا في وادي السلام بعيداً عن المنغصات والحسد والتخاصم والضغينة والحرص والرعب والرهبة ومراقبة الآخرين, بل حياة ملؤها السعادة والنشاط وننتظر القيامة الكبرى, كي نرد ما وعدنا ربّنا من الجنان بعد أن نجتاز صراط القيامة.

ولكن لا مناص من أن تمضي سنوات وسنوات من حياة العالم المادي ليتغير وضع السماوات والأرض وما فيها لتتهيأ مقدمات القيامة الكبرى وينفخ في الصور وتعودالأرواح إلى أبدانها.

انتهى.....
@layan_92

مسير الأرواح في عالم البرزخKde žijí příběhy. Začni objevovat