هديه من الدنيا

4.2K 199 6
                                    


بعد قطعنا لطريق طويل جداً وصلنا إلى وادٍ خطير ورهيب للغاية . فأصابتني رعدة خوفاً من أن يطل الذنب مرة أخرى من مكمنه ويداهمني . توقفت وأخذت أفكر بالمصاعب الكثيرة التي كنت ألاقيها في طريقي ، عاد ( حسن ) وقال : لِمَ توقفت ؟ هيا تحرك .
قلت : إني أخاف . قال : لا مفر لك ، لابد من السير .
تحركت نحو الأسفل مضطرباً ، وما أن سرت خطوات من شفير الوادي نحو الأسفل حتى أطلّ من الجانب الآخر للوادي مخلوق نوراني له جناح وفي طرفة عين جاء عند ( حسن ) وبعد أن استفسر عن أحوالي سلّمه رسالة ثم ودّعنا وعاد مسرعاً ، وبعد أن قرأ ( حسن ) الرسالة وضعها في صحيفة أعمالي والتفت إليّ وقال : أبشرك ، فسألته مندهشاً : ما الأمر ؟ قال : بعث أهل بيتك وأصدقاؤك بهدية إليك وجاء بها هذا الملك إليك وسيقلل من همك وغمك بمقدار .
قلت : وكيف ؟ قال ( حسن ) وهو يشير إلى ذلك الوادي الرهيب : سوف لن نعبر من هذا الوادي نتيجة لهذه الهدية التي هي عبارة عن تلاوة للقرآن الكريم وإقامة مجلس تذكر فيه مصيبة الحسين بن علي ( عليهما السلام ) والدموع التي أهيلت من أجله .
سررتُ لهذا الخبر ودعوت لهم جميعاً بالمغفرة . ثم عدنا أدراجنا من ذلك الطريق الذي قطعناه وسلكنا طريقاً أكثر يسراً .

بعد قليل وصلنا معبراً ضيقاً على جانبيه أودية رهيبة ، وكأن ( حسن ) كان ينتظر سؤالاً مني فالتفت إليّ قائلاً : هذه الأودية الموحشة هي أودية الارتداد ويستغرق الوصول إلى قعرها سنوات متمادية من سنيّ الدنيا ، وفي قعرها أفران من النار هي صورة لنار جهنم ، وأولئك القابعون فيها سيبقون فيها لإلى يوم القيامة .
سيطرت عليّ الرهبة بحيث بركت في مكاني دون وعي مني . فرفعني ( حسن ) من مكاني وقال : ركّز نظرك عليّ ولا تنظر إلى قعر الوادي أبداً . وهكذا تجرأت على السير في هذا الطريق الموحش .
في غضون ذلك عمّت الوادي صرخة رهيبة فالتفت إلى الخلف فشاهدت رجلاً يسقط إلى قعر الوادي ، وفي وسط صرخاته وعويله الذي هزّ فؤادي ، سمعت صوت ذنوبه .
كان ( حسن ) يشاهد المنظر مثلي فقال : إنه تعيس ، فقد قطع الطريق إلى هنا بسلام ، لكنه سيمكث في قعر الوادي حتى قيام الساعة . فسألته متعجباً : ولماذا ؟
قال : إنه ارتد بعد سنتين من إيمانه . ثم أخذت أدقق كثيراً في طريقي وكنت أضع قدمي في موطئ قدم ( حسن ) خشية السقوط .
ورغم زلات قدمي أحياناً لكننا قطعنا ذلك الطريق الشاق الصعب بسلام ، ووضعنا أقدامنا في طريق ضيّق كثير المنعطفات تحيط به تلال عالية ومنخفضة ، وكان العبور منه محفوفاً بالقلق والاضطراب

كان ( حسن ) يواصل طريقه وأنا أتبعه بكل لهفة ولكن بقلب مضطرب . وصلنا مفترق طريقين فتوجه ( حسن ) نحو اليمين ، غير أن يداً سوداء ضخمة كمّت فمي وعينيّ ونتيجة للرائحة الكريهة التي كانت تنبعث منها عرفت أن ذلك هو الذنب .

حاولت إزاحة تلك اليد السوداء المغطاة بالشعر وحينما أفلحت واجهني شبح ذلك الذنب القبيح .
أصابني الذعر فحاولت الفرار واللحاق بـ ( حسن ) غير أن الذنب سحب يديّ بقوة وقال: نسيت عهدك ؟
فأجبته مذعوراً : أي عهدٍ هذا ؟
قال : لقد كنت في الدنيا تصحبني ، وعاهدتني أن نكون معاً في هذا العالم أيضاً .
قلت: إنني لا أعرفك أبداً، قال: إنك تعرفني جيداً لكنك لم تر صورتي، الآن وقد تفتحت رؤيتك أخذت تشاهدني . قلت : حسناً ، ماذا تريد مني الآن ؟ قال : إنني ألاحقكم منذ بداية الرحلة وحتى الآن ، وقد حاولت اللحاق بك في وادي الارتداد فلم أفلح .

مسير الأرواح في عالم البرزخحيث تعيش القصص. اكتشف الآن