وادي برهوت

5.2K 211 21
                                    



ثم أمرني أن أسلّمه كتابي الذي بيدي اليمنى . فناولته إياه وقلت : لك جزيل شكري وتقديري لأنك أنقذتني من غربتي وسترافقني وتواسيني في رحلتي هذه .
قال : سوف لن أدعك وحيدا ً ما استطعت , إلا..
تغير لو وجهي فسألته مرعوبا ً : وماذا؟
قال : إلا أن يتغلب عليَّ ذلك القادم فتبقى أنت وهو !
سألته : ومن هو ذاك ؟
قال : أنَّ كل ما أعرفه هو أنك سلمتني صحيفة أعمالك اليمنى أما صحيفة أعمالك التي في الشمال فهي ما زالت معلقة في عنقك ولا تدع شيئا ً إلا أحصته . وهنا لك شخص آخر اسمه (( الذنب )) سيستلمها منك , فإذا ما تغلب عليَّ ستكون رفيقه حينذاك , و إلا فإنني سأرافقك على مدى هذا الطريق المحفوف بالمخاطر .
قلت : سأعطيه الصحيفة مباشرة حتى يذهب , قال ((حسن)): إنه نتيجة أعمالك القبيحة وخطاياك ويحب البقاء عندك.
كنا مسترسلين في الحديث وإذا بي أشعر برائحة كريهة للغاية تزعجني . قد ملأت تلك الرائحة الأجواء وقطعت علينا حديثنا ,وبرز في قبري شبحٌ قبيح وكريه .
ومن شدة هلعي التجأت بـ((حسن)) وتعلق به بقوة , وهنا أمسك – الذنب – بعنقي بيديه القذرتين الوسختين و أخذ يزمجر مقهقها ً: إنني سعيدٌ يا صاحبي ... وواصل قهقهته بصوت عالٍ , فاستحوذ عليَّ الرعب والخوف وعقُد لساني عن الكلام واشتدت ضربات قلبي حتى فقدت الوعي. ولما أفقت وجدت رأسي في أحضان ((حسن)) ولكنني بمجرد رؤيتي لوجه حسن الملطخ بالدماء هيمن على فؤادي الحزن حيث تصورت أن ذلك الشبح القذر – الذنب – قد انتصر عليه وقهره , ولكن ((حسن)) كان يعلم بما يدور في قلبي , نظر إليَّ وقال بهدوء : لا تحزن , فبعد صراعٍ وجدل شديد أعطيته كتابه وأبعدته عنك حتى حين .
ثم نهضت متكئا ً على كتف ((حسن)) والدموع تترقق في أحداقي , وقلت : إنني أود تبقى إلى جاني إلى الأبد , لقد أزعجني ذلك الشبح الكريه , والغربة بالنسبة لي أفضل بكثير من المكوث إلى جانبه , فإذا ما جاورني الذنب سأعيش الاضطراب.
قال ((حسن)) : له الحق في أن يجاورك فهذا ما أردته أنت.
قلت له متعجبا ً: إنني لم أدعه أبداً.
قال: على أية حال , أعمالك الطالحة وذنوبك هي التي جعلته يكون هكذا ولا بد أن تراه مرة أخرى إلى جانبك .
فاعتراني الخجل لما قاله((حسن)) واضطربت بشدة , ثم سألته مرتعدا ً : متى وأين؟.
قال : ربما في الطريق الذي سنسلكه.
قلت : أي طريق , أي مسير؟
قال : في ضوء ما بشرك به نكير ومنكر فان مستقرك في بقعة تقع في وادي السلام . و عليك الاستعداد للرحيل إلى هناك.
قلت : وأين يقع وادي السلام ؟
قال : هو مكان يتمنى كل مؤمن أن يبلغه , ولابد لك من العبور من وادي برهوت كي تتطهر في الطريق من كل درنٍ وخبث , وذلك من خلال المشتقات والصعاب التي ستتجرعها وحيث تذوب خطاياك , فتبلغ مقصدك بسلام.
قلت : وما هو برهوت

قال : انه مكان يستقر فيه الكافرون والظالمون وفيه يذوقون عذاب البرزخ

خرجنا من القبر وكان ((حسن)) يتقدمني وأنا لأتبعه على بعد مسافة قليلة , ولم يدع لي الخوف والرهبة لحظة أعيش فيها بأمان , وكلما تقدمنا يزداد المكان انفتاحا ً وتصبح المناظر أكثر دهشة.
ثم طلبت من((حسن)) أن لا يبتعد عني وأن يكون معي جانبا ً لجنب وقدما ً لقدم وأن ينقل خطواته بهدوء؟
فتوقف ((حسن)) وقال : لقد أودعوك عندي كي أؤنسك وأعينك حتى تصل وادي السلام بسلام , لهذا فاني أسير أمامك قليلا ًلتعرف الطريق جيدا ً. وتوقف هنيئة ثم واصل كلامه قائلاً :
بطبيعة الحال اذا ما استطاع الذنب من خديعتك أو أجبرك على مرافقته فاننا سنصل متأخرين لا محالة.
منذ ذلك الحين ازداد اضطرابي وأخذ يتصاعد عندي احتمال ظهور الذنب من جديد .
لقد قطعنا الطريق رغم ما اعترضنا خلاله من مشاكل حتى وصلنا جبلا ًاستطعنا بصعوبة بالغة الصعود إلى قمته , وعلى مرأىً منا يبد وادي مترامي الأطراف وأجواؤه قد مُلئت دخانا ً ونيرانا ً.
نظر إليَّ ((حسن)) وقال : هذا هو لوادي برهوت وأنت ترى الآن مشهداً منه فقط .
فامسكت بـ((حسن)) وقلت : إنني أخاف هذا الوادي. لنسلك طريقا ً أكثر أماناً منه .
توقف ((حسن)) وقال :
هذا هو طريق عبورك , ولكن سوف لن أتركك ما استطعت وسأقاوم بإعانتك عند مواضع الخطر قلَّلت كلمات ((حسن)) من اضطرابي وخوفي نوعا ًما , ولكن لا زلت أشعر بالقلق في داخلي .
خيَّم الصمت علينا للحظات : توجهت بعدها لـ((حسن))وقلت له : ألا يوجد طريق أكثر أمانا ًمن هذا الطريق ؟
أدار بوجهه نحوي وقال : من الأفضل أن تعلم أن الناس جميعا ًسواء المؤمن أو الكافر لا بدَّ لهم من العبور يوم القيامة على جسرٍ يسمى((الصراط)) يُشرف على النار , فمن استطاع العبور بسلام دخل الجنة و إلا فإن أدنى زلّةٍ ستؤدي إلى قعر جهنم , وفي عالم البرزخ صورة من الجنة والنار فقط ولا يمكن مقارنته بيوم القيامة العظيم , ووادي برهوت يشابه الصراط في يوم القيامة ولابد من العبورعليه حتى بلوغ وادي السلام بسلام بكل جدارة , ولكن الويل للمثقَلين ومَنْ أحاط بهم العذاب أو التيه على أقل تقدير.
فكرت قليلا ًوقلت : لا حيلة أمامي ... علينا المسير على بركة الله. توجهنا نحو تلك الصحراء الشاسعة , وكلما أمعنا في المسير تأخذ حرارة الجو بالتزايد ولما وصلنا سطح الأرض ضاق نفسي فطلبت من ((حسن)) التوقف للاستراحة لكنه رفض وواصل الطريق وقال لي : أمامنا طريق طويل وخطير فلا تضيع الوقت , فكلما أسرعنا في مسيرنا استطعنا الخلاص أسرع .
قلت : أنا لا أستطيع فقد أنهكتني شدة الحرارة , وفي تلك الحال حيث العرق يتصبب من رأسي ووجهي ,سقطت على الأرض فسقاني ((حسن)) جرعة من الماء الذي كان معه , وفي الوقت الذي كان لم يزل يئن من جروحه رفعني ووضعني على ظهره وواصل الطريق .
هنا أصابني الخجل والسرور في آنٍ واحدٍ لأنه لم يتركني لوحدي رغم ما به من جروح وأخذ يواسيني كصديق حميم .

ونحن نسير في طريقنا لفت انتباهي صوت رهيب , فنظرت نحو الجانب الأيسر من الصحراء , فذعرت لما شاهدت مما دفعني إلى أن القي بنفسي من أعلى كتف ((حسن)) ودون اختيار مني احتميت به .
كان هناك ............

يتبع .....
@layan_92

مسير الأرواح في عالم البرزخحيث تعيش القصص. اكتشف الآن