وهمست تيشا بحرارة:
" لو كان بأمكاني أنا أيضا أن أستبدلك بشخص آخر لما رضيت بأي أب سواك".
وتابع ريتشارد يبثها أفكاره ومشاعره:
" في الأيام القليلة الماضية أتيحت لي عدة فرص للتحدث مع رورك وحيث أبدى قلقا شديدا لكوني أعجل عليك بالأقدام على خطوة مهمة لم تستعدي لها بعد".

أنحبست أنفاس تيشا تلقائيا وتساءلت , هل هذه هي اللحظة المنشودة؟ هل سيوافق أبوها الآن على أن يمدد خطبتهما لبضعة أشهر كما أقترح رورك سابقا؟
وعاد أبوها يقول:
" يوم الأحد الماضي , تركت المجال لعصبيتي بأن تتغلب على صوابية حكمي وأتزاني أذ لم يسيطر على وقتها الا أهتمامي الشديد بمصلحتك , وعندما فتر غضبي بدأت أراجع أفكاري وأشك في أنني قد تصرفت بحكمة أذ كان ينبغي أن أتروى قليلا , لكن بعد أن تحدثت الى رورك وأدركت مدى أهتمامه بتفضيل سعادتك على أي شيء آخر صارت لدي قناعة بأن صلاحيته كزوج لك هي أكثر بكثير مما كنت أتوقع , أو بالأحرى مما كان يحق لي أن أتوقعه في ظروف كهذه".

وهنا شعرت بقلبها يهوي الى ركبتيها , الخطة قد فشلت والعرس سيقام في موعده المقرر ! أرتفعت الى حلقها ألف صيحة أحتجاج أنما لم تقدر أي منها أن تهرب من بين شفتيها المطبقتين بشدة
وخيل اليها أن رأسها فرغ من الأفكار الا من فكرة واحدة , يجب أن تخبر رورك أن خطته قد فشلت ,ليس أمامهما الا بضع ساعات قصيرة ليطلعا خلالها بخطة أخرى.
وأعادها أبوها الى أرض الواقع سائلا أياها بلطف:
"هل أنت غاضبة مني كثيرا لأنني أجريت كل الترتيبات الخاصة بالعرس من دون أن أستشيرك؟".
فأجابته بصدق:
" لا".
ما الذي يدعوها الى الأهتمام بأحتفال لن يقام أبدا, ما دامت ستمنع حدوثه حتى لو أضطرت الى الهرب؟

لم ينتبه ريتشارد للهواجس التي تراكمت في ذهنها وأستطرد يقول:
" عندما تزوجت أمك أقمنا للمناسبة عرسا ضخما حاشدا , كانت أبنة وحيدة مثلك وقد أصر أبواها على الأحتفال بزواجنا بشكل موسع فدعيا اليه جميع أفراد العائلة من جدات الجدات والأخوال والأعمام وأبناء الأعمام وأستمر الأحتفال طوال النهار وطوال الليل على الأرجح لكننا أنسلينا هاربين قبل أن ينتهي".

توقف عن الكلام وغشيت عينيه نظرة بعيدة المدى مع ذكرى ذلك اليوم الثمينة
, وبعد لحظات أكمل الحديث بصوت منخفض ورقيق الى حد لا يصدق:
" هربنا بالسيارة طبعا , وعندما قطعنا مسافة طويلة أذكر ما قالته لينور بأنها تتمنى لو أن الأحتفال لم يحدث أبدا... ذهلت لكلامها بادىء الأمر أذ حسبتها تندم على زواجها مني لكنها سرعان ما شرحت لي أنها تعتبر حبنا نعمة غالية من نعم الله ,وعاطفة خاصة جميلة لا يليق بها أن تعرض على الناس بهذا الشكل الصاخب المبهرج , ثم أخبرتني والدموع تملأ عينيها أنها تتمنى لو أقتصر الأحتفال فقط على وقوفنا نحن الأثنين لوحدنا أمام رجل الدين وبدون كل هؤلاء الناس المجتمين حولنا , لنتبادل بهدوء وخشوع عهدينا المقدسين لبعضنا البعض , كنا نمر في بلدة صغيرة وهي تخبرني هذا وصادف أن رأيت لحظتها معبدا مشعشعا بالأنوار فتوقفنا أمامه وهكذا أقسمنا مرة ثانية على تبادل الوفاء والمحبة لمدى العمر أمام رجل دين مهيب الوجه هادىء النبرات , وحيث كان الليل الساكن يردد صدى تلك الكلمات الخاشعة الوقورة ... لن أنسى ما حييت وجه أمك المتهلل آنذاك كما لن أنسى أبدا عصر تلك الليلة العابقة بالفرح الحقيقي العميق ... لقد أحببنا بعضنا حبا عظيما لا تستطيع الكلمات أن تعبر عنه يا تيشا".

روايات احلام/ عبير: عروس السرابWhere stories live. Discover now