وقذفته بنظرة ملتهبة قبل أن تشيح بوجهها عنه وتنقر بحذائها أيقاعا حربيا على الرصيف ... وسألها:
" كيف كنت تنوين قضاء الوقت في أنتظار السيارة؟".
فأعلنت تيشا وهي ترفض الأستسلام للهجة الأقناعية في صوته :
" لا أنوي حتما أن أقضيه معك! سأشغل نفسي ببعض الرسم , والآن هل لك أن تفلت ذراعي؟".

" صحيح, أنت رسامة مثل عمتك , أليس كذلك؟".
" أنا بالكاد مثل بلانش , هي فنانة أصيلة وأنا أرسم كهواية".
" كنت أحسب نفسي في حضرة عبقرية بارعة! أن مزاجك مزاج فنانة ".
" لا يمكنك أتهام عمتي بالمزاجية الفنية , أنك لن تلتقي أنسانة هادئة الطباع مثلها, ولذا لا تلصق بي هذا الطابع".

" لا بد أن بلانش كانت أستقلالية النزعة مثلك والا لما أستطاعت أن تنجح بمفردها , كذلك هي مثلك , أمرأة دافئة وحساسة , وهذا الجانب من الوحيدة التي تجعلنا نتأكد من حبنا لشيء ما".

فراحت تيشا تتأمل القوة الكامنة في خط حنكه , وعظمتي وجنتيه المنحوتتين وأنفه, الغمازة الخفيفة في ذقنه البارز , وتوقفت لحظة عند خط فمه ثم رفعت بصرها الى عينيه ... فقال:
" ما زلت عاجزة عن السماح لنفسك بالموافقة على آرائي , أليس كذلك؟ ".

قال بلطف لكنه لم ينتظر جوابها ومضى يشرح تاريخ المنطقة بقوله:
" كان الهنود الحمر يسمون هذا المكان بوادي الأبخرة , وهذه الأرض كانت قيّمة لدى جميع القبائل وحيث كانوا يقصدونها في سلام ليغسلوا مرضاهم وجرحاهم بمياه الينابيع ... لقد ذكرت سابقا أننا على أرض محايدة وأنا مستعد لأعلان هدنة مؤقتة أذا وافقت".

كان طلبا لتسوية لم تكن كذلك في الواقع , لكن تيشا ابتسمت بمرح وغمغمت قائلة:
" يا له من خيار! أذا لم أوافق على أن تقوم بمهمة الدليل فستفعل ذلك في أي حال".
" أنه يشبه خيار هوبسون الى حد ما , أما هذا الحصان أو لا حصان على الأطلاق , أليس كذلك؟".

ضحك رورك راضيا , ولأول مرة منذ ألتقيا أجابته بأبتسامة صادقة طروب أمتدت الى عينيها وقالت وهي تتنهد:
" أذن , ناولني غليون السلام , ( تقليد للهنود الحمر).
" بما أنني لا أملك واحدا , فهل نستعيض عنه بالمصافحة؟".

وضغطت يده الكبيرة والقوية على يدها فأحست دفقا من الدفء يسري في دمها ورافقها هذا الأحساس حتى بعد أن أفلت يدها , ثم أنتشرت على وجهه أبتسامة بطيئة آسرة كاد وهجها يعميها حين أستدارت اليه مستجيبة لضغط يده على ظهرها .... وأعلن رورك بصوت منخفض موسيقي أحسته يتماوج حولها:
" سنتمشى أولا على طريق المنتزه لننتقل الى جو التاريخ القديم ببداية أفضل".

كان قد قصر خطواته الواسعة الرياضية ليجاري خطاها وهما يعبران الطريق المعبدة في أتجاه الجبل المشجر والمرتفع في قلب المدينة.
" يجب أن تروي لي كل شيء عن هوت سبرينغز".
أمرته تيشا بتهكم لعوب , فشرع يقول بطاعة ساخرة:
" لما عرف جميع الهنود بأمر الينابيع صارت قصصهم حول قدراتها العلاجية تنتقل من قبيلة الى قبيلة , ويعتقد أن هذه الحكايا هي التي حدث بالمكتشف الأسباني يونس دي ليون الى أن يأتي باحثا عن ينبوع الشباب , لكنه لسوء الحظ لم يتوغل في أسفاره في داخل البلاد ليجده , ولذا فالرجل الأوروربي الأول الذي شاهد وادي الأبخرة كان الأسباني أيرناندو ديسوتو الباحث عن الذهب , وقد دله اليه بعض الهنود الودودين".

روايات احلام/ عبير: عروس السرابМесто, где живут истории. Откройте их для себя