ثانيا: ما هو مفهوم القوامة ؟ والرجال قوامون على النساء؟

624 1 0
                                    

قال الله تعالى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ) النساء 34
هذه الآية من أهم الآيات التي تحدد علاقة الرجل بالمرأة وتوضحها، لذلك كان من المهم أن نتفهم المعنى المراد من هذه الآية كما أراده الله تعالى ، لا كما يفهمه العامة من الناس ، فالرجال يستشهدون بهذه الآية ويرددونها في كل ظرف مناسب وغير مناسب للتدليل على أن الرجل هو كل شيء في البيت فما من حركة أو سكون إلا بأمره تكون !!!.


أ-القوامة قيد ولكن هل هي عبودية ؟

وللتوضيح نقول : رغم أن القوامة قد تكون قيدا ، إلا أنها ليست رقا ! فهي لا تعني قهر المرأة وإلغاء شخصيتها ، وإهمال رغباتها وحاجاتها ، يقول صاحب الظلال عن مفهوم القوامة ( ولكن ينبغي أن نقول : إن هذه القوامة ليست من شأنها إلغاء شخصية المرأة في البيت ولا في المجتمع الإنساني ، ولا إلغاء وضعها المدني ، إنما هي وظيفة داخل كيان الأسرة لإدارة هذه المؤسسة الخطيرة وصيانتها وحمايتها . ووجود القيِّم في مؤسسة ما، لا يلغي وجود ولا شخصية ولا حقوق الشركاء فيها ، والعاملين في وظائفها . فقد حدد الإسلام في مواضع أخرى صفة قوامة الرجل وما يصاحبها من عطف ورعاية ، وصيانة وحماية، وتكاليف في نفسه وماله ، وآداب في سلوكه مع زوجته وعياله ) الظلال جـ2 ص652 والنطاق الذي تشمله قوامة الرجل ، لا يمس حرمة كيان المرأة ولا كرامتها ، وهذا هو السر العظيم في أن القرآن لم يقل ( الرجال سادة على النساء ) وإنما اختار هذا اللفظ الدقيق ( قوامون) ليفيد معنى عاليا بنَّاء،
يفيد أنهم يصلحون ويعدِّلون، لا أنهم يستبدون ويتسلطون ، فنطاق القوامة إذن محصور في مصلحة البيت، والاستقامة على أمر الله ، وحقوق الزوج ، أما ما وراء ذلك فليس للرجل حق التدخل فيه أبدا ، فالمرأة مثلا حرة تتصرف في مالها وحدها تبيع وتشتري ، والمرأة في الإسلام تجير من تشاء ، وغيره مما هو معروف.وهذا الكلام ينقلنا إلى السؤال التالي :


ب-ما هو مجال القوامة للرجل؟

نطاق القوامة ليس شاملا لكل أمر وإنما هو محصور مقصور ، فالقوامة لا تكون إلا داخل الأسرة ، فلو كانت مثلا امرأة رئيسة لزوجها في العمل كانت هي القيمة عليه في مكان العمل ، وخلال ساعات الدوام ، فلا يستطيع إجبارها على تنفيذ أو إقرار أمر لا تريد ه ولا يتماشى مع مصلحة العمل بدعوى القوامة ، بل عليه الامتثال لأوامرها حسب القوانين التي تقتضيها مصلحة العمل .
والقوامة أيضا مقيدة بأمور منها وأهمها الشرع الحنيف ، وها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يستطيع منع زوجته من الخروج من البيت ( كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد فقيل لها : لم تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار ؟ قالت: وما يمنعه أن ينهاني ؟ قال ابن عمر : يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) رواه البخاري
وقد استمرت على خروجها وهو كاره له حتى طعن عمر وإنها لفي المسجد تشهد الصلاة .
ومن هذا القبيل نذكر ما يفعله كثير من الرجال من منع زوجاتهم من زيارة أرحامهم، فإن كثيرا من الفقهاء نصوا على أنه ليس للزوج أن يمنع زوجته من زيارة والديها بل يسمح لها بزيارتهما ، قال الإمام الزيلعي ( لا يمنعها من الخروج إلى الوالدين ، ولا يمنعهم من الدخول عليها في كل جمعة ) الدر المختار جـ3 ص603 .
وقال أشهب وابن نافع في الأيمان بالطلاق ( إن حلف به أو بعتق أن لا يدعها تخرج أبدا يقضى عليه في أبيها وأمها ) الخرشي جـ4ص188.
واستدلوا أن منعها من زيارة والديها تحريض لها على عقوق زوجها والنفور منه ، وهذا يتنافى مع العشرة بالمعروف التي أمر الله بها بقوله : ( وعاشروهن بالمعروف) النساء 19.
فالقوامة للرجل لا تزيد عن أن له بحكم أعبائه الأساسية الكلمة الأخيرة -بعد المشورة- ما لم يخالف بها شرعا أو ينكر بها معروفا أو يجحد بها حقا أو يجنح إلى سفه أو إسراف أو........الخ.


ج-حقوق لا تتنافى مع القوامة 

   ومن حق الزوجة إذا انحرف أن تراجعه وألا تأخذ برأيه ، وأن تحتكم في اعتراضها عليه بالحق إلى أهلها وأهله أو إلى سلطة المجتمع الذي له وعليه أن يقيم حدود الله .

ولما اختلف النبي صلى الله عليه وسلم مع عاثشة دعا أباها ليفصل بينهما ولم يستبد برأيه ، ثم لما تراضيا قال أبو بكر رضي الله عنه : ( أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( قد فعلنا قد فعلنا ) رواه أبو داود
والقوامة لا تمنع الزوجة من أن تنتقد زوجها وتأخذ على يده ليعدل سلوكه ويتجه صوب الأحسن والأكمل ، فالرجل بشر يخطىء ويصيب ، ولما كان للمرأة الحق في أن تأمر الناس جميعا بالمعروف وتنهاهم عن المنكر أفلا يكون من واجبها أن تأمر زوجها بالمعروف ؟ خاصة وأنه أقرب الناس إليها فهي ترى عيوبه وتعرف مواطن الضعف عنده وأماكن الخلل في تصرفاته ، فيكون من واجبها المسؤولة عنها أن تنهاه إن أخطأ في قوامته عليها أو في حق من حقوقها أو في أي أمر ، وعليه الاستجابة ولها الأجر .
إن الناس اختلفوا في فهم القوامة ، وعلى قدر ما أدركه الناس بعقولهم من مفهوم القوامة كان سلوكهم ، الأمر الذي أدى إلى اختلاف أحوال النساء : فهن إما مظلومات أو ظالمات مستبدات ، أو متمتعات بحقوقهن الكاملة .

فالقوامةلم تظلم المرأة ، إنما الفهم الخاطىء هو الذي ظلمها وأساء إليها فإن فهم الناساليوم حقيقة القوامة كما نزلت وكما أرادها الله عز وجل اظهرت لهم عدة نتائج:    


1-
القوامة إن قيدت المرأة فقد قيد الرجل معها ، فلا يجوز للزوج قوامة الأسرة حسب مزاجه وهواه ، بل عليه أن يسوس الأسرة بالمعروف وبتقوى الله ، فالزوج القوام محكوم بأوامر الشريعة ونواهيها ، فعليه تجنب الظلم ، والابتعاد عن التعسف في استعمال الحق ولا يتحقق هذا إلا بتقوى الله والعلم الصحيح بما تعنيه القوامة وبالتروي واجتناب الغضب والانفعال خوفا من عمل خاطىء متسرع ، وبالمدارسة الجيدة الشاملة المتوازنة لأي أمر قبل استخدام الزوج سلطته واتخاذه قرارا بشأنه ، فالزوج القوام مقيد بقوانين الشريعة الإسلامية ويجب على الزوجة الامتناع عن طاعة الزوج في الأمور المخالفة للشرع لأنه ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) .
2-
القوامة إن ظلمت أحدا فالمظلوم هو الرجل ! ذلك أن الرجل يدين نفسه عندما يردد هذه الآية : ( الرجال قوامون على النساء ) كل حين لأنها تلزمه بتحمل مسؤولية القوامة ، والقيام بأعبائها .
3-
وأخيرا القوامة فضلا على أنها عبء معنوي ومادي يتحمله الرجل في الدنيا فهو يسأل عنه يوم القيامة : ( إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ أم ضيع ؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته ) رواه النسائي
وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا) التحريم 6وبعد توضيح هذين المفهومين في الشريعة الإسلامية وترابطهما مع ( من يتخذ القرار؟) ننتقل لنتناول هذا الموضوع من وجهة نظر علم الاجتماع .
من المهم جدًا أن يتفق الزوجان على تحديد الوظائف والأدوار وتوزيع المسؤوليات بينهما بشكل واضح ومكتوب، حيث يستطيع كل منهما مراجعة ما تم الاتفاق عليه بينهما في حال وجد أي خلاف زوجي. ولكي يتمكن الزوجان من رسم حدود هذه العلاقة لا بد أن يتسلحان بالمشاركة والمصارحة والمشاورة.



اتخاذ القرار في الحياة الزوجيةWhere stories live. Discover now