ابتسمت بصعوبة، دموع الفرح والارتباك تختلط في عينيّ، بينما أدرِك أن الفصل الجديد من حياتي على وشك أن يبدأ، بعالم مختلف عن كل ما عرفته سابقًا، ومع الأمل لأول مرة منذ سنوات.

رغم حريتي، لم يسعني منع الحزن الذي تسلل إلى قلبي حين رأيت بيدرو يُسحب خارج الغرفة وهو مكبل ومغطى بالضمادات. وقبل أن يختفي تمامًا عند العتبة، التفت إليّ، وأطلق نظرة لن أنساها ما حييت؛ نظرة حملت في آنٍ واحد الخذلان والحزن، والاحتقار والرعب، مع مسحة توبيخ وشفقه غامضة أربكت روحي.
خرجتُ مع روز من الغرفة، وكان أول ما استقبلني السماء الرمادية والزقاق الضيق الممتد أمامي. البيوت المهترئة تكدست بجوار بعضها، والأطفال المرضى يتسكعون على الأرصفة بوجوه شاحبة. واصلنا السير طويلًا حتى بلغنا سورًا شاهقًا يتوسطه باب ضخم. وما إن فُتح الباب وعبرناه، حتى وجدت نفسي في عالم آخر: سيارات فاخرة تتحرك بانسياب، بنايات عالية تلامس الغيوم، أطفال يمرحون في الحدائق بضحكات نقية… كل شيء بدا مختلفًا، وكأنني انتقلت إلى جهة أخرى من الحياة.
في تلك اللحظة أدخلوا بيدرو سيارة الشرطة، بينما جلستُ أنا إلى جانب روز في سيارتها الخاصة، تاركة خلفي عالمًا لم يكن يشبه شيئًا مما رأيت الآن.

بعد ساعات من الطريق، توقفت السيارة أمام منزل روز الضخم. كان القصر شامخًا بحديقته الواسعة وأبوابه المزخرفة، لكنه لم يمنعني من الشعور بالغرابة، كأنني ضيفة في عالم لا ينتمي لي. جلست هناك، يتناوب داخلي شعوران متناقضان: خوف يضغط على صدري، وأمان خافت يتسلل إليّ من وجود روز قرب جانبي.

استقبلتني والدة روز بوجه مفعم بالحنان، لمست كفي بلطف وأجلستني، وكأنها تعرفني منذ زمن. ذلك الحنان كان غريبًا عليّ… لم أعتده. ومع ذلك، لم ينجح في محو الأثر الذي تركه بيدرو في داخلي؛ حضنه الدافئ، ولو كان لثوانٍ عابرة، ما زال يلتف حولي. ونظرته الأخيرة، المليئة بما لا أستطيع وصفه، ما زالت تؤرقني وتلاحقني في كل لحظة صمت.

في صباح اليوم التالي، أيقظتني روز باكراً. ارتدينا ثيابًا رسمية، وغادرنا معًا متوجهين إلى المحكمة. هناك… كان بيدرو ينتظر مصيره.

دخلت قاعة المحكمة ففوجئت بحشد هائل من الناس والصحافيين الذين ينقلون الحدث مباشرة. قلبي كان يخفق بقوة وأنا أُقاد إلى جهة الادعاء، بينما كان بيدرو مكبل اليدين في منصة المتهمين. رفعت عيني نحوه، لكنه لم ينظر إلي، بقي محدقًا مباشرة في القاضي بوجه جامد، وكأن لا شيء من حوله يعنيه.

بدأ المحامي يتلو الاتهامات واحدة تلو الأخرى: جرائم قتل، تعذيب، خطف… كلمات كالسكاكين مزقت مسامعي، وشعرت بصدمة جعلتني أرتجف. أجل، بيدرو آذاني، قيّدني، أخافني… لكن تلك النظرة الأخيرة، وذلك الحضن العابر، كانا يصرخان في داخلي أن هناك ما هو أعمق.

فجأة لم أتمالك نفسي، قطعت كلام المحامي بصوت مرتجف:
ــ "سيدي القاضي… السيد بيدرو… لقد اعتنى بي. كل ما يعانيه جسده الآن ليس إلا بسبب إنقاذه لي من موتٍ واعتداء محتم… أنا…"

☠︎༒︎غرفة واحدة༒︎☠︎  Where stories live. Discover now