الفصل السادس بعد الثلاثين، الجزء الثاني:

79 27 15
                                    

ولو بعد حين، الفصل السادس بعد الثلاثين، الجزء الثاني:
طرقت حور باب غرفة النوم وهي تهتف:
ماما. ممكن أدخل.
هتفت ليلى من الداخل:
اتفضلي يا حور.
أنتي محتاجة استئذان يعني؟
فتحت الباب تطل منه بعينيها على والدتها التي تجلس على الفراش وترص أمامها صور زفافها على عمرو وتتأملها بحزنٍ فأسرعت نحوها تهتف بابتسامة:
الجميل قاعد لوحده ليه؟
أنتي ما بقيتيش بتقعدي معايا على فكرة كتير من يوم زيارتك لبابا.
بقيتي منعزلة ليه يا ماما؟
تنهدت ليلى بحزنٍ وهي تجيبها:
معرفش يا حور.
حاسة إني مشتتة قوي.
مش عارفة قرار رجوعي لعمرو كان صح ولا غلط.
مش عارفة أنا كدة برمي نفسي في الحزن تاني ولا لا.
هل كان المفروض أسمع له وأصدقه ولا هو عايز مني حاجة تانية؟
أجابتها حور بدفاع:
يا ماما بابا ما كانش هيرجع لك أكيد.
وحضرتك شوفتي إن سبب زيارته كان بعيد كل البعد عن أي حاجة شخصية بينك وبينه إزاي.
أجابتها ليلى بحزن:
عارفة.
بس أنا ما بقيتش واثقة فيه خلاص.
ما بقاش قلبي مطاوعني حتى أحبه بعد كل اللي عمله معايا.
دايماً بفضل أسأل نفسي سؤال واحد ونفسي ألاقي له إجابة يمكن أرتاح.
أنا أذنبت معاه في إيه علشان  يبقى دا جزائي؟
وحتى لما فكرت أتجوز ما نفعش.
هتفت حور بهدوءٍ وبعض الإشفاق يطغى على صوتها:
أيوة يا ماما ما هو صدف إن رفعت ابن أخوه هيخطبني فكان لازم يقول لك.
هتفت ليلى بلا مبالاة مصطنعة:
عموماً ما بقاش يفرق كنا مع بعض أو لا.
إحنة يعني من إمتا كان بيننا حياة؟
توجست حور من نبرة والدتها فهتفت بتساؤلٍ وهي تغرس  نظراتها في عينيها تحاول قراءة تعبيرات وجهها:
وأنتي يا ماما قررتي هتعملي إيه؟
تنهدت تنهيدة قصيرة قبل أن تجيبها بشبه حسم:
ليلى الجندي دايماً عارفة ودارسة خطواتها كويس.
وعارفة كويس قوي إيه اللي المفروض يتعمل في الأمور اللي زي دي.
أنا عارفة إن عمرو بيحاول يحميني من رفعت الدهان دا وكتر خيره.
بس بمجرد ما يتقبض عليه خلاص.
كل اللي بيني وبين عمرو انتهى يا حور.
وأنتي وقتها ليكي حرية الاختيار.
عايزة تقعدي معايا أهلاً وسهلاً أنتي حرة.
عايزة تقعدي مع باباكي بردو ليكي مطلق الحرية.
مش هنقدر نغير حاجة.
أنتي بنته زي ما أنتي بنتي.
وأنا شايفة إنك بتحبي باباكي قوي ويمكن علاقتك بيه كويسة عني رغم  كل اللي حصل.
ابتسمت لها حور وهي تحتضنها هاتفة بصدق:
هو الحقيقة يا ماما الموضوع كان كدة في الأول فعلاً.
بس أنا لما قربت منك وصاحبتك حبيتك قوي.
وطبعاً أنا بحب بابا قوي قوي.
ومش عارفة ليه قلبي شايف إنه بريء رغم إني ما كنتش واثقة من كدة لما القضية حصلت.
وإيه اللي اتغير؟
سألتها باستغرابٍ فتلعثمت حروفها وهي تجيب:
ما هو مش معقول يا ماما يبقى في ناس غريبة ما تعرفناش واثقة في بابا وحنة لا.
أنا اللي عاشرته وعرفته رغم إنه ما كانش بيقعد في البيت كتير.
هتفت ليلى بحزن:
عموماً لو عايزة تونسيه في وحدته بعد ما يطلع لو حصل مافيش مانع.
أنا أي حد يتمناني.
وأديني بعرفك أهو علشان ما تتفاجئيش.
هتفت حور لنفسها بضيق:
دي لسة مصممة على الجواز. وبابا يرجع لطنت يمنى بقى وأنا أتركن على الرف.
صمتت قليلاً ثم أردفت بلهجةٍ حالمة:
طب وعلى إيه الركنة دي؟
أنا أتجوز أحسن.
بس مين دا يا حور؟
همت لتجيب لولا أن قاطعتها والدتها بقولها:
إيه يا حور؟
رحتي مني فين بقالي ساعة بكلمك.
همهمت بشرودٍ تحاول استيعاب ما تردف به والدتها ثم أضافت بكذب:
معاكي يا ماما. كنتي بتقولي إيه معلش؟
تفحصتها ليلى سريعاً بعينيها وهي تهتف بتساؤل:
إيه اللي واخد عقلك يتهنا به؟
ابتسمت لها حور تهتف:
لا ولا حاجة.
سرحانة في أيامي مع كريم وبفكر هيبقى شكلها إيه.
قاطعها رنين هاتفها فنظرت لاسم المتصل لترى أنه يوسف فردت سريعاً بقلق:
ألو. حبيبي عامل إيه؟
ابتسم لها على الطرف الآخر وهو يهتف:
ما تخطفي رجلك كدة وتيجي لنا المستشفى.
بابا عندنا أهو وعايز يشوفك.
كادت تقفز من الفرحة لكنها تماسكت في آخر لحظة وهي تهتف بنبرةٍ شبه طبيعية:
يعني هيستنوا لحد ما آجي؟
سمعت ضحكته الرجولية الرائقة وهو يهتف:
هعطل لك سيادة العقيد على بال ما تيجي.
وعموماً ما تقلقيش.
الدنيا أمي مولعاها حريقة وما ظنيش هتطفي دلوقتي.
ما تتأخريش علشان ما يفوتكيش بقيت الفيلم.
بس أنتي حرة بقى. لو فاتك حاجة مش هحكي لك عليها.
ابتسمت له وهي تنهض من مقعدها هاتفة بسعادة:
طيب. مش هتأخر. هاجي على طول. يلا سلام بقى علشان ألحق.
رد بمرحه المعتاد:
بيقول لك بابا ما تجيش إيدك فاضية. هاتي أكل كتير وأنتي جاية.
بابا بردو اللي بيقول؟
طيب. هشوف. بايباي.
أغلقت سريعاً وقد بدى على صوتها التوتر من نظرات ليلى المتسائلة والمتشككة في آنٍ واحدٍ فلم تلبث أن هتفت بشكٍ بعد إنهائها للمكالمة مباشرةً:
أنتي رايحة فين كدة يا حور؟
ارتبكت وهي تجيبها بثباتٍ زائف:
رايحة زيارة لبابا يا ماما.
ومين هناك معاكم؟
هتفت بها بتساؤلٍ ولازالت ترمقها بنفس نظراتها المتشككة فهتفت بسرعة:
مافيش حد.
أومال مين اللي كان بيكلمك دلوقتي؟
هتفت بها تحاصرها بالأسئلة فتوترت أكثر وهي تجيبها:
مافيش ح%d.
صرخت بها وهي تهزها بعنفٍ من كتفيها مما سبب لها رعباً فطرياً:
أومال كنتي بتكلمي عفريت يا حور؟
أنتي مخبية عني إيه؟
ثم أضافت بوعيدٍ ولم تعد ترَ أمامها من الغضب:
والله والله يا حور لو ما عرفتيني أنتي مخبية عني إيه أنتي وباباكي ما هيحصل لك كويس. وما هتخرجي من البيت لحد ما باباكي يطلع من السجن إذا طلع في سنته.
حاولت تحرير نفسها من قبضتيها القويتين وهي تهتف باختناق:
في إيه يا ماما؟
قاطعتها بعصبيةٍ أشد ولازالت تقبض على ثيابها بتصميم:
أنا مش عايزة أسمع منك ولا كلمة غير الحقيقة يا حور.
انطقي حالاً وإلا هخليكي تنطقي بطريقتي.
أدمعت عيناها قهراً فهي لم تعتد على هذا الإسلوب في التعامل وهي تهتف ببعض الحقيقة:
أنا رايحة المستشفى.
وبابا بيعمل إيه في المستشفى؟
لم تشفق على دموعها التي تهطل على وجهها الآن ولم تلن نبرتها ولم تنتبه لنظراتها الراجية أن تتركها وشعور الذنب يسيطر عليها.
لقد وعدت عمرو ألا تفشي سره حتى يخبر ليلى هو بمعرفته لكن لا مفر، فليلى الجندي تصر على معرفة الحقيقة لكنها هتفت بمراوغة:
بابا بيزور يوسف في المستشفى.
يوسف مين؟
هتفت بها بنبرتها الصارمة ثم أردت بعصبية:
أنا مش هشد الكلام من بوقك فانجزي وقولي كل  اللي عندك وخلصي نفسك.
هتفت ببعض الثقة:
المحامي اللي ماسك القضية.
وهو من إمتا مسموح لباباكي يخرج من السجن ويزور العيانين؟
هتفت بها بتشككٍ ثم أضافت بنبرةٍ مهددة:
أقسم بعزة جلال الله يا حور لو ما رسيتيني على كل حاجة ما لساني هيخاطب لسانك تاني أبداً. وخلي باباكي ينفعك بقى.
لم ترَ مفراً من معرفتها بكل شيءٍ فهتفت بصوتٍ باكٍ:
يوسف يبقى أخويا يا ماما.
شهقت بصدمةٍ وهي تترك ثيابها بهدوءٍ ولم تعد تشعر بالزمان ولا بالمكان ثم رددت خلفها بذهول:
أخوكِ؟
أخو مين؟
ومن مين؟
مين اللي كانت آخدة عمرو مني كل السنين اللي فاتت دي؟
هتفت بها بصراخٍ ثم هرولت نحو خزينة ملابس عمرو كالمجنونة تبحث عن شيءٍ لا تعلمه حور فأسرعت نحوها وهي تهتف ببكاءٍ وقد انهارت حصونها:
ماما اسمعيني من فضلك.
صرخت بها وهي تدفعها عنها بعنف:
أسمع إيه؟
أنتي عارفة كل حاجة وما قلت ليش ليه؟
خبيتي عليا ليه زي باباكي؟
أنا إيه في حياتكم؟
أنا فين في حسابتكم؟
ليه ما حدش فيكم راضي يشاركني في حياته؟
لما أنا عبئ عليكم كدة سايبينني معاكم ليه؟
التقطت مظروفاً أخيراً من الخزينة بعدما بعثرت محتوياتها بفوضى على أرضية الغرفة وفتحته وهي تطالعه صاحبة الصور بنظراتٍ مشتتة وهي تلقيهم في وجهها واحدة تلو الأخرى هاتفة:
هي دي يا هانم اللي خلفت من باباكي أخوكِ اللي بتقولي عليه؟
هي دي اللي كان باباكي بيخونني معاها؟
نبرتها الباكية المشوبة بالصراخ جعلت ابنتها تشفق عليها لكنها قفزت من مكانها إثر صراخها المهتاج:
انطقي.
لم تملك إلا أن هزت رأسها إيجاباً ثم انفرجت شفتاها تهتف لها شارحة الموقف لكنها سحبت هاتفها ومفاتيح سيارتها وارتدت أول ما طالته يداها على عجلٍ ولم تنسَ سحب هاتف حور معها فأوقفتها حور بتساؤلها الخائف:
ماما أنتي بتعملي إيه؟
حملت الهاتف الأرضي على ذراعها وهي تهتف بجنون:
رايحة أعرف البيه إني عرفت كل حاجة.
خرجت دون أن تمهلها فرصة جدالها وهي تسمعها:
ماما. استني بس هفهمك كل حاجة.
لكن. خيم الصمت على الغرفة عندما أغلقتها ليلى على ابنتها بالمفتاح كي لا تخبر أحداً بقدومها فسيطرت الصدمة على ملامحها فتسمرت مكانها تتساءل في نفسها بذهول:
ماما؟
أنتي قفلتي عليا؟
استوعبت ما حدث -أخيراً- بعد فترةٍ -ليست بالطويلة- فهرولت نحو الباب تطرقه بعنفٍ وهي تهتف صارخةً برجاء:
ماما. افتحي الباب. أنتي قافلة عليا ليه؟
أنا عملت إيه؟
لكن. هيهات. ما من مجيب. فلقد رحلت ليلى إلى المشفى وانتهى الأمر.
....................

ظل يتأملها بعشقٍ فنبهته بقولها:
معاذ. إحنة وصلنا قدام المستشفى. سلام بقى.
أمسكها من رسغها برفقٍ هاتفاً:
استني هنزل معاكي نخلص كل حاجة هنا وبعدين آخدك على موقع المستشفى اللي أنا اخترته علشان تقولي لي رأيك فيه.
اعتدلت في جلستها وهي تهتف بجدية:
عموماً اختيار موقع المستشفى دا لازم يكون على أسس، فإذا لقيت الموقع دا مش مناسب هتضطر تغيره.
ابتسم لها وهو يجيبها باطمئنان:
أنا لسة ما اتفقتش على حاجة ما تقلقيش.
إحنة لسة بنشوف.
تبع عبارته بهوطه من السيارة ثم استدار حولها يفتح لها الباب المقابل ويساعدها على النزول.
تأبطت ذراعه وهي تدخل المستشفى ترفع رأسها بفخرٍ أنها وصلت لهذه المكانة في مشفى كبير كمشفى عمرو الألفي رغم التحفظات المأخوذة على صاحبها، وأنها أيضاً تسير برفقة أكبر الأطباء في مجال المخ والأعصاب في المستقبل وعائلته من أعيان الأسكندرية.
قطعت إحدى موظفات المستقبل تفكيرها بندائها الملهوف وهي تسرع نحوهما:
دكتورة شمس. استني حضرتك دقيقة واحدة.
توقفت شمس على مضدٍ بينما كان معاذ يتفحص تلك التي تسرع نحوهما حتى توقفت أمام شمس تحاولت التقاط أنفاسها اللهيثة فهتفت شمس بنفاد صبر:
خير. اخلصي مش فاضية.
أخو حضرتك هنا.
هتفت بها من بين أنفاسها اللهيثة سريعاً حتى لا تلاقي توبيخاً من شمس فسيطر الذهول على ملامح الأخيرة وهي تهتف بتساؤل:
آدم هنا بيعمل إيه؟
دخل للنزيل 403 وكان معاه واحد لابس طقية.
مين دا كمان؟
هتفت بها باستغرابٍ أكثر فسيطر الفضول على معاذ فجذبها من ذراعها برفقٍ هاتفاً:
تعالي يا شمس نشوف بنفسنا. هنفضل نسأل ليه وهما على بعد كام دور.
بس هو مين النزيل اللي في أوضة 403؟
هتف بها متسائلاً وهو يسلط عينيه على كل إنشٍ في جسد الفتاة التي تقف أمامهما فشعرت أنه يعريها بنظراته فهتفت بضيق:
واحد اسمه يوسف عبد الله. لسة عايزة مني حاجة تانية يا دكتورة؟
أماءت شمس برأسها نفياً فانصرفت من أمامهما وهي تهتف بأدب مشوبٍ بالضيق الشديد:
بعد إذن حضراتكم.
بينما اتجهت شمس مع معاذ نحو المصعد وهي تهتف بتساؤل:
طب مش كان يعرفني علشان أهتم بالنزيل بتاعه؟
يعني أنا كنت هرفض له طلب يعني؟
دا حتى ما عرفنيش إنه هييجي هنا.
أما في الأعلى فقد هتفت يمنى بتوبيخٍ:
أنت متخلف يا يوسف؟
حد يقول للبت ابقي هاتي أكل كتير وأنتي جاية؟
محسسني إني ما بأكلكش.
رد يوسف مدافعاً:
لا إله إلا الله. هو أنا اللي قلت ولا أبويا؟
دا على أساس إننا مجوعينه يا أستاذ؟
كان هذا صوت آدم المرح الذي يأتيهم من اتجاهٍ غير الذي كان يجلس فيه فنظر الجميع حوله م يبحثون عنهم ليجدوه يلتقط واحدة من التفاح من طبق عمرو فهتف يوسف بمرح:
لا واضح إن هما اللي مجوعين جنابك.
لا أصل الفاكهة دي فلوسها حلال.
هتف بها بضحكته المحببة وكان نظره مسلط على عمرو الذي كان يهمس بجوار أذن سندس ويوسف الذي يقف خلف والدته يمسكها من كتفها مانعاً إياها من التحرك.
فهمتي يا أستاذة هتعملي إيه؟
كان هذا هتاف عمرو بصوتٍ مسموعٍ فهتفت يمنى بأمر:
سندس. تعالي هنا لو سمحتي.
في إيه يا ماما مش هياكلني يعني.
هتفت بها سندس مدافعة ثم أضافت بمرحها الشديد:
عموماً لو عندك فضول يعني تعرفي الدكتور كان بيقول لي إيه فهو كان  بيقطع في فروتك.
أستغفر الله العظيم. أنا وش ذلك؟
هتف بها بمرحٍ مماثلٍ فهتفت يمنى بنبرتها الجدية:
سندس. وبعدين؟
طب والله ما بكذب.
هتفت بها بصدقها المعروف عندما تقسم بالله فهتفت يمنى بتوتر:
ما حدش ليه الحق يتكلم في حاجة تخصني غيري أنا.
ابتسم عمرو موجهاً حديثه لها:
خلاص. أنتي اللي اخترتي. أنا كنت بزقها عليكي علشان تقنعك بالشقة.
على الأقل لو مش عايزة مني حاجة اعتبريه وضع مؤقت لحد ما عبد الله يبعد عنكم.
وبعدها ليكي الحرية تعملي اللي أنتي عايزاه.
أشاحت بوجهها عنه دون ردٍ فهتفت سندس تؤيده:
عين العقل يا ماما بصراحة. وبعدين إحنة كلنا ضيوف عند الواد يوسف.
لا إزاي؟ هو اللي ضيف عندك.
هتف بها بمجاملةٍ فهتفت بدعابة:
يا دوك أنت يا مجامل. أودي حلاوتك؟
قاطعتها يمنى بصوتٍ عالٍ محذر:
وبعدين يا سندس. اتلمي شوية.
بينما رد آدم بابتسامةٍ واسعة:
أنتي ما تعرفيش يا مدام يمنى إحنة كنا بنتكلم في إيه وأنتي برة. كنا بنتناول موضوع غاية في الخطورة يخص الاثنين دول، وأظن إنه قيد التفكير.
ردت بمرح:
بس بس ماما هتظن فيا السوء دلوقتي. وأنتوا مانتوش قاعدين معايا وهتملص لي وداني لحد ما تقررني. وأنت عارف بقى الأمهات.
آه يا ساتر.
هتف بها آدم مؤيداً ثم أضاف بشجن:
مع إن ندوش كانت طيبة والله. كنا مغلبينها أنا وشمس. لحد ما مشت وسابت آدم.
تمتم الجميع بالرحمة لها ثم أضاف عمرو:
تعالى أتبناك.
ابتسم وهو يمنع دمعةً خائنة من السقوط وهو يجيبه:
مش كدة بردو. يلا أنا على استعداد.
ثم أضاف بعفوية:
بس ما تجيبش شمس معانا.
تدخل يوسف في الحوار بغيرة:
ماذا يا أبي؟
أنت فتحت على الرابع ولا إيه؟
ردت سندس ببساطة:
المال والبنون زينة الحياة الدنيا يا جو.
طرقات على الباب قطعت هذا الحوار البسيط تبعه دلوف شمس ومن بعدها معاذ وشمس تهتف بترحاب:
السلام عليكم. منور يا آدم. مش كنت تعرفني إن في حد هنا يخصك كنا نهتم بيه كما يجب؟
ابتسم لها آدم وهو يجيبها:
خير. أنا ما بحبش الوسطات.
بينما هتف معاذ موجهاً حديثه لسندس:
هي دي الوحيدة اللي أعرفها هنا. إزيك يا آنسة سندس؟
وقفت خلف عمرو اتقاء نظراته وهي تهتف باقتضاب:
الحمد لله.
ثم كسى الحزن ملامحها عندما تذكرت ما حل بها وبعملها مع خالد في شركته.
انتبه الجميع على هتاف آدم الحاسم:
ياريت يا شمس تجيبي لي مفاتيح المستشفى والعيادة علشان الدكتور جاب اللي هيديرهم.
كان عامل حسابه ليوم زي دا.
سيطرت الصدمة على ملامح شمس ومعاذ والسؤال يطرح نفسه بقوةٍ على وجهيهما:
مين دا اللي يوافق يدير هنا أو في العيادة والدكتور سمعته باقت في الوحل؟
لكن لم يجرؤ أياً منهما على طرحه على آدم  بسبب علامات الجدية المرتسمة على وجهه فهتفت شمس بقوة:
تمام ما عنديش مانع. أنا كدة كدة  كنت جاية أخلص كل حاجة هنا بس مش هجيب المفاتيح غير لما آخد شهادة الخبرة.
أجابها آدم بضيق:
مافيش مانع إن كانت دي  آخر حاجة هتربطك بالمستشفى.
بس هاتي المفاتيح وخديها من الدكتور.
ردت ببرود:
بمجرد ما أستلم شهادة الخبرة هجيب المفاتيح.
غير كدة لا.
الدكتور موجود وهيمضي عليها خلصيني.
وطبعاً أنتي عارفة أنتي والدكتور لو كلمة طلعت برة بقى إيه اللي هيحصل. هعمل لكم ملف عندنا. وأنتي عارفاني. يعني علشان ما حدش يفكر فيكم ياخد سبق صحفي على حسابي.
هتف بها بنبرته القوية ثم تبعها بأخرى مهددة فهتفت بتساؤلٍ:
وهو الدكتور هنا بيعمل إيه؟
كانت الإجابة هذه المرة بصوت عمرو وقد عادت له جديته القديمة:
وهو في صاحب مستشفى بيتقال له أنت جاي ليه يا دكتورة؟
لم تستطع إجابته رغم الحديث المتدفق في  رأسها لكنها نفضته عنها كي لا يغضب منها آدم   ويمنع زواجها من معاذ.
اتجهت نحو الخارج ومعها معاذ ليصطدما بتلك النارية التي تأتي مهرولة كالمجنونة ولا ترى أمامها.
لم تفكر في الاعتذار لهما إطلاقاً بل تجاهلت توبيخهما الشديد لهما مما جعل آدم ينظر نحو الخارج ليرى ما الذي يحدث حتى انتبهوا جميعاً على شهقته العالية التي جرحت حنجرته، فهرول عمرو من خلفه يهتف بتساؤل:
في إيه؟
ابتسم آدم بقلقٍ وهو يجيبه وعيناه مسلطتان على تلك التي تقترب وغضب الدنيا يملأها وصوت أنفاسها اللهيثة يسبقها:
في طلاق بس. حاجة بسيطة.
توقفت أخيراً أمامهما وهي تهتف ببرودٍ مصطنع:
حمد لله على سلامة ابنك يا دكتور.
....................

رواية ولو بعد حين. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن