الفصل العاشر:

89 21 21
                                    

الفصل العاشر:

بحلول التاسعة والنصف من ليلة الجمعة، كانت المكتبة فارغة كمدينة اشباح. وخلف طاوله الدفع، كانت تقف امرأة ذات وجه عبوس، تحدق بغضب تجاه بعض طلاب السنه الأولى، وهم يتعاملون مع الكتب بهمجية، أثناء إعادتها إلى أماكنها على الرفوف، استعداداً للمغادرة.

مررت بصورة للوري هولبرمان على الحائط، كان مكتوباً أسفلها معلومات التواصل مع المسئولين؛ في حال ما إن رآها أحدهم.

دققت النظر في الصورة مجدداً، لقد كان جمالها من نوعية جمال "ديزي هوك" بشعر أشقر مموج، وملامح لعوبة، والكثير الكثير من مساحيق التجميل.

لقد كانت مفقودة لأكثر من ستة عشر يوماً الآن، وكانت "نانسي جريس" بطلتي المفضلة هي من قامت بتغطية احداث فقدانها. كنت مبكرة قليلاُ عن الموعد، فتنهدت وأنا أتجه إلى قسم "كتب الخيال" لألقي عليه نظرة علّني أجد فيه شيئاً جديدا.

وجدني كاليب هناك بعد عده دقائق؛ فتقدم الي بكل عنجهيتهِ  الصلفةِ تلكْ؛ حتى وددت لو أضع قدمي أمامه؛ فيتعثر بها...  تخيلت منظره وهو ممرغ على الأرض؛ فابتسمت قليلا!

أخرجني من أفكاري السوداوية تلك؛ صوته وهو يقول:
-" أهلاً أوليفيا!"

أومأت باقتضاب، وأنا أقول: "كاليب"

لقد كان يرتدي معطفاً أسود، ومن تحته كنزة كريمية، يبدو من شكلها أنها باهظة الثمن؛ شعرت بإشارات متضاربة في عقلي لوهلة، فحاولت أن آخذ نفساً عميقًا لأهدئ من حالي، ثم استدرت لأواجههْ.

كان كفاه موضوعين بجيبي بنطاله "الشامواه" بعفوية؛ لقد كان متأنقا لأقصى درجة. بصراحةٍ توقعت منه أن يأتي مرتدياً أحد قمصان كرة السلة السخيفة تلك فوق بنطال من الجينز.

سألته بضيق: "لما أنت متأنقٌ إلى هذه الدرجة؟" ، وأنا أضيف رواية على كومة الكتب الاخذة في التزايد، على الطاولة بجواري.

التقط كاليب أحد الكتب من على الطاولة، ودقق النظر بها وهو يسألني بدلاً من ذلك: 
- "كيف تجدين الوقت الكافي لقراءة كل تلك الكتب؟"

لم أكن لأخبره طبعاُ أن حياتي الاجتماعية تقترب من العدم، وأنني أقضي معظم إجازاتي إن لم تكن كلها، منغمسة في القراءة.

حدجته بنظرة غاضبة، وأنا اتمنى لو أسقط هذا الموضوع بالذات من الحديث تماما، لابد وأن هذا الأحمق  لم يقرأ يوماً كتاباً من الجلدة إلى الجلدة؛ كنت أنوي أن أقول له هكذا تماما؛ عندما تجاوزني هو إلى الرف الذي بجانبي؛ ليعود حاملاً روايةُ ضخمةً في يده، وهو يقول:

- "جربي هذه، إنها كتابي المفضل."

نظرت إليه ببلاهة؛ قبل أن أمد يدي لآخذها من بين اصابعه، وأنا أسأله بدهشة:

- "أنت تمزح معي صحيح؟"

ارتسمت على فمه ابتسامة كبيرة، وهو يقول:

- "وهل ظننت أن كوني لاعباُ، يعني أنني لم أقرأ كتاباُ قط."

زفرت بهدوء وأنا أقول في سري "نعم هذا بالضبط ما ظننت"، سألته متجاهلة تعليقة الساخر تماما:

- "إذا ً! لما طلبت مني المجيئ الى هنا؟"

فأجاب: "ظننت أنك ستكونين مرتاحةُ أكثر؛ إذا ما قابلتني هنا." ، لقد كان ذلك صحيحا تماما.

ثم جلس على حافه الطاولة، وأكمل: 
- "وهل ظننت ولو للحظة أنني سأتجاهل ما تراهنا عليه؟"

كنت ألاحظ لكنة في حديثه لأول مرة، كانت بريطانية على ما اعتقد، لم اكن متأكدة تماماُ ... ولكن أياً ما كانت، فقد كان تأثيرها علي كما "التنويم المغناطيسي". قلت بسرعة، منكرةٌ ما حدث:

- "لقد طلبت منك ان تضيع الهدف، ولكنني لم أعدك بأنني سأخرج معك إن فعلت!"

ضيق عينيه، وأمال برأسه جانباً، ثم قال بنبرة متهكمة: :هل هذا صحيح؟ إذا لمً أتذكر أنا شيئا مختلفا عن هذا قليلاً!"

عندما لاحظت طريقته الساخرة في الحديث، أنكرت عليه، وأنا أقول في سري، أنا الوحيدة المسموح لها بالتهكم  هنا على فكرة.

عندما وجدني صامتة، قال:
- "أوليفيا! ستخرجين معي...لأنه وعلى كثر كراهيتك لأن تعترفي بهذا ... فقد كنت على خطأ بشأني."

فتحت فمي ثم اغلقته ثم فتحته مجددا، لم يحدث ولو لمرة واحدة أن أجد لساني عاجزاً عن الرد؛ حاولت أن أتكلم مجددا:

- "أ...أ... أ...ه"،  قاطعني هو مجدداً: " لا أوليفيا....لا اعتذارات  هذه المرة،  ستذهبين يعني ستذهبين!"

  قلت وأنا آخذ نفساً عميقاً: "حسنا، الوعد وعد!"
كامي ستحبني لهذا...لا بل ستخدمني لشهور قادمة، وسأتأكد من هذا.

قال وهو يقف فجأة، مما جعلني أعود للخلف خطوة، لقد كان طويلا للغاية:
- "الأربعاء، في الثامنة تماما."

بدأ بالسير بعيداُ عني؛ ثم توقف مجددا، وهو يقول: "أوليفيا"

فصرخت قائلة وقد نفد صبري: "ماذا أيضاً؟"
-"لا تنسي ان تتأنقي جيدا، فهذا سيكون أول موعد رسمي بيننا."

سمعت ضحكته يتردد صداها عبر جدران المكتبة، وهو يغادر. فقلت في سري بحنق : " فوق جثتي الهامدة".  هززت برأسي وأنا أتساءل؛ لما لا أستطيع أن أجد به خطأ واحدا؟ لا يمكن لأحد أن يكون جيدا في كل شيء صحيح؟. التقطت الكتب من على الطاولة، وذهبت لأحاسب عليها.
يتبع...

الانتهازيةWhere stories live. Discover now