الفصل الثالث:الحاضر

162 20 22
                                    


الفصل الثالث:

كان أول ما لاحظته عندما دخلت المتجر، هو عبق عطر الباتشولي الذي كان يملا المكان، جعدت أنفي، وأنا أحبس انفاسي، حتى وصلت إلى مكتب الخدمات.

كانت هناك فتاة تجلس خلف المنضدة، وهي تمضع علكة بفمها، كانت في مثل عمري تقريبا، سألتها عن مكان عربات التسوق  ثم أخذت واحدة، واتجهت إلى خلفية المتجر، مررت بعيني على الأرفف من حولي، كانت ممتلئة بزجاجات السيدة ديروود للزيوت الروحانية، و أكياس شاي الجوتا كولا العضوي، وبذور عين السمندل.

تساءلت في سري عما جلبني إلى هذا المكان؟ ولكني كنت أظنه متجر بقالة عادي، لم أعتقد ابدا انه سيكون مخزنا يمد غريبو الأطوار في العصر الحديث بكل ما يخطر في بالهم يوما؛ في الحقيقة كان كل ما فكرت به وأنا آتي إلى هنا هو انني و كاليب لم نأت إلى هذا المتجر من قبل مما يجعل منه منطقه آمنة بالنسبة لي في وضعي الحالي.

القيت بعضا من بسكوت الاعشاب البحرية والبطاطس المخبوزة في العلبة ثم اتجهت إلى قسم المثلجات... كان الممر باردا اكثر من باقي الممرات بالمتجر فارتجفت.

"هل تشعرين بالبرد؟" سمعت السؤال من خلفي فاستدرت بسرعة مما جعل كتفي يرتطم بعلب الوافل التي كانت مصفوفة على الجانب.
راقبتها بفزع وهي تتساقط على الأرضية...تتدحرج وتتبعثر كأفكاري تماما. شاهدت كاليب يلتقط العلب واحدة بعد اخرى ويوازنها بيده الفارغة ثم يعيدهم مجددا الى مكانهم على الرف.

ابتسم لي ولا اعلم لما خالجني شعور بأنه مستمتع بردة فعلي، قال بعدها: "أنا آسف على هذا لم اقصد اخافتك" قالها بأدب شديد وبتلك اللكنة المشئومة مجددا. سمعت الكلمات تخرج من فمي قبل ان استطيع منعها: "ما الذي تفعله هنا".

ضحك وقال: "أنا لا اتعقبك صدقيني... في الواقع لقد أردت ان اشكرك على الأسطوانة التي اقترحتها علي في المتجر ذلك اليوم لقد اعجبتني...كثيرا في الحقيقة."

شاهدته يضع يديه في جيبه وهو يتأرجح قليلا على كعبي حذاءه. ثم قال بعد فترة وهو يخرج يده ليتلاعب بخاتم ابهامه: "نبيذا" ، لقد اعتاد ان يفعل ذلك عندما يكون متوترا. نظرت اليه بلا تعبير تماما؛ في الحقيقة لقد كنت كمن أصيبت رأسه إصابة جعلته يفقد الإحساس بما يدور حوله! نعم هذا بالضبط ما اشعر به.

قال بصبر وهدوء كما لو كان يتحدث مع طفل صغير: "أنت سألتني عما افعله هنا!... لقد جئت لشراء هذا النوع خصيصا فهو لا يوجد الا في هذا المتجر، أكمل موضحا: خطيبتي لا تشربه الا عضويا" قال الكلمة الأخيرة بابتسامة خفيفة وهزة من رأسه. خطيبته! ضيقت عيني قليلا كيف يمكن له ان يتذكرها هي وينساني انا؟ .

"اوه...هكذا"
قلت وأنا أفتح احدى الثلاجات لآخذ منها أول شيء وقع تحت يدي ثم أكملت بصوت حاولت ان اجعله عفويا قدر الامكان إلى أنه خرج مخنوقا كما لو أن أحدهم يضع يديه حول عنقي "إذن أنت تتذكر خطيبتك؟".
رد علي قائلا: "لا بعد الحادثة لم اتذكرها"

شعرت في الحال بانني أحسن، ثم ذهب فكري اليها مباشرة، إلى تلك اللحظة التي رأيتها فيها لأول مرة؛ كان ذلك منذ ثلاثه اعوام حين كنت اؤدي أحد طقوس (تجسس ما بعد الانفصال)، كان ذلك جنونيا اعرف! ولكني اظن انه يحق لكل واحد فينا بعضا من (التعقب)في وقت ما في حياته.

كنت ارتدي قبعة جدتي الحمراء؛ فطوقها الواسع كان كافيا تماما ليغطي وجهي، كما أنها كانت درامية كفاية مما ناسب شخصيتي تماما. وبالطبع لم انس بأن أحضر معي بعض المخلل للدعم النفسي.

كان اسم هذه الحية الرقطاء هو (ليا سميث)...لقد كانت غنية بقدر ما كنت فقيرة، وكانت سعيدة بقدر ما كنت بائسة، حمراء الشعر في الوقت الذي كنت انا فيه داكنته.
لذا بالطبع ارتبطا ببعضهما على الفور... أو ربما كان هو من ارتبط بها على الفور! لست متأكدة.

لقد كانت تعمل في مكتب يبعد عشر دقائق عن شقتي وبحلول الوقت الذي كنت اركن فيه سيارتي بعد انتهاء عملي، يكون لا يزال لدي حينها ساعة اضافية قبل انتهاء نوبة عملها؛ كنت اقضيها في محاولة اقناع نفسي بأن ما أفعله كان طبيعيا.

كانت تخرج من المبنى في الساعة السادسة وخمس دقائق تماما كل يوم، تسير كامرأة تظن الكون كله رهن إشارة من يدها، كنت اراقبها وهي تقطع الطريق وصوت كعبها العالي يلاحقها؛ بينما أعصر أنا عجله القيادة بقوة تحت اصابعي.

لقد كرهت تموجات شعرها الاحمر الطويل الذي كان يتأرجح بطول ظهرها، لقد بغضت طريقة تلويحها بيدها وهي تودع زملاءها بالعمل، لقد كرهت حقيقة انني احببت حذاءها كثيرا. بحثت في عينيه عن إجابة ما! ولكن ...

حاولت أن أخرج نفسي من دوامة الماضي تلك فسألته: "اذا هل ما زلتم معا على الرغم من أنك لم تعد تتذكرها" .
توقعت منه أن يدافع عنها ولكن بدلا من ذلك رايته يبتسم بحرج وهو يقول: "لقد احزنها ذلك بالطبع...بل أغضبها كثيرا في الواقع ولكنها قررت ان تظل معي وتساعدني في تخطي هذا الامر كله...لا أستطيع إلا أن أشكرها على هذا"

قلت في نفسي كما لو ان هناك فتاة عاقلة ستتركك لتمضي -إلا انا بالطبع- ولكنني لم اقل ابدا بأنني عاقلة.
سألني: "هل تودين تناول كوب من القهوة؟ يمكنني حينها أن اكمل لك سرد قصتي البائسة بأكملها".
يتبع

الانتهازية حيث تعيش القصص. اكتشف الآن