🦋🦋الفصل الثامن والثلاثون🦋🦋

680 13 0
                                    


شعرت بتشنجات قوية تداهم امعائها فامتعض وجهها
المًا...ويدها تتحسس بطنها وهي تئن بوجع شاعره بثقل حاد في رأسها....
فتحت عينيها ترمش بجفنيها عدة مرات... حتى اتضحت الرؤية امام عينيها مستلقيه على فراش صغير في غرفة فارغة مظلمة يتسرب منها بصيص النور من خلال عقب الباب بالخارج....
حاولت داليدا التحرك لكنها وجدت نفسها مقيدة بالحبال يداها وساقيها مربوطين باحكام...
زمجرت بغضب متشنجة وهي تحاول حل العقدة
باسنانها.... لكنها فشلت...حاولت باستماته لكن في
كل مرة تفشل فشل ذريع.....
خارج جدار الغرفة المغلقة عليها كان يقف عادل يشعل سجارةٍ محشوة برائحة نفاذة كريهة....صاح بحقارة على المتصلة...
"لو نطقتي بكلمة ياهدى... هتروحي في ستين داهيه
وهتلاقي فضحتك بجلاجل في الصعيد كله...وشوفي
بقا عمامك ممكن يعملوا فيكي إيه...لما يعرفوا انك
ماشيه على حل شعرك مع اي واحد يقولك هتجوزك..."
انتحبت هدى باكية بحرقة وهي تتوسل
إليه بارتجاف....
(بالله عليك ياعادل قولي عملت فيها إيه... احنا
اتفقنا انك هتقابلها في الكافية تتكلم معاها للمرة
الأخيرة قبل ما تسافر... متفقناش على الخطف..
انت ضحكت عليا وعليها.... حرام عليك لو جرالها
حاجة هي ولا اللي في بطنها هيبقا ذنبها في
رقبتي....)
ضحك عادل ضحكة صغيرة محتقرة للحديث
ثم عقب بأسلوب بذيء.....
"اللي يسمعك كده ياهدى يقول انك بتخافي ربنا.."
صاحت هدى بغضب مرتعشة بخوف...
(ايوا بخاف....مش معنى اني غلط غلطة عمري واتساهلت مع واحد كلب زيك يبقا دا معناه اني اشترك في الجريمة دي...انا مكنتش أعرف ان
دي نيتك من ناحيتها....)
قالت بتهدج وهي تبكي بهسيترية...
(والله لو كنت أعرف مكنتش خطيت عتبة بيتها
حتى..... يارب أعمل اي بس يارب...)
اسكتها عادل بصرير غاضب بالوعيد...
"أسمعي ياقطة قبل ما أقفل معاكي واسيبك
تولولي...هقولك كلمتين هما الخلاصة لو سلطان
عرف اي حاجة من اللي بينا والله ما هرحمك وهفضحك في الحته كلها وعند اهل ابوكي
كمان... فأعقلي كده وحطي لسانك جوا بؤك..
ولا من شاف ولا من دري.....سلام ياهدهد.. "
أغلق الإتصال والهاتف نهائيًا... ثم أطفأ السجارة
في المرمدة ونظر صوب باب الغرفة المغلق..فالتوى
ثغره في ابتسامة جانبية ماكرة وهو يتجه إليها بخطوات متلهفة لرؤيتها.... فاخيرًا أصبحت تحت
قبضة يده ولن يقدر اي مخلوق على إستردادها
منه....
دلف عادل الى الغرفة واشعل الأنوار رآها جالسة
على الفراش مقيدة بالحبال كما تركها مستيقظة
تنظر اليه بقرف يحوي الصدمة بعد ان تجرأ على خطفها وسجنها هنا معه.....
"أنا هنا ليه....انت عايز مني إيه بظبط...."
صرخت بها داليدا بصوتٍ جهوري مرتعب...
فاتبسم عادل بسعادة و عدم اتزان...وهو
يجيبها بمنتهى الهدوء....
"انتي هنا في مكانك....مكانك الحقيقي جمبي..
ولا نسيتي اتفقنا زمان..نهرب ونتجوز من ورا
أهلك.."
من بين اسنانها قالت بثبات.....
"دا كان زمان....بس انا دلوقتي ست متجوزه
وحامل وبحب جوزي...وانت بقيت بنسبالي
ولا حاجة...."
رمقته داليدا بازدراء.....نتج عنه صراخ قوي منه
امام وجهها الشاحب....
"ااااانا كــل حاااااجة......انا اللي حبيتك مش
هو....هو عملك إيه..... عملك غسيل مخ....."
صرخت هي ايضًا في وجهه دون خوف
منفجرة بقوة....
"وانت مالك...سبني في حالي بقا...انا ما صدقت
حياتي بقت أحسن معاه....لي عايز تخرب عليا..."
"وبمنتهى الغباء دخلت هدى في اللعبة...لعبة على نقطة ضعفها ووعدتها بالجواز...خلتها تثق فيك وتمشي وراك مغمضة وفي الآخر بقيت تبتزها برقم عمها والصور اللي معاك أنت اي ياخي....اي القرف ده....إزاي كنت مغشوشة فيك زمان بالشكل ده...."
صاح عادل بحدة وضغينة...
"انا دخلت هدى بينا عشان ارعبك كل دقيقة
واعرفك اني هفضل موجود في حياتك وقدام عينك...أشوف غيرتك عليا...وندمك انك سبتيني.."
أعترف بالحقيقة فكانت هدى مجرد أداة للتسلية
ليرعب داليدا بفكرة وجوده الدائم من حولها...حتى يثير غضبها وغيرتها وعندما بدأت تفشل الخطة
ولم تهتم لأمره فكر باستخدام هدى كمصيدة
يصل بها الى داليدا.....والان هي بين قبضة يده
ولن يفلتها ابدًا !!....
ابتسمت داليدا بسخرية محتقرة اياه وهي
تعقب بتهكم...
"ندمي وغيرتي ؟!!...انت عايش في الوهم انا مش غيرانه عليك انا قرفانه منك....والندم اللي بتكلم
عنه دا لاني في يوم حبيت واحد زيك...مقرف
ومعندكش نخوة ولا دين....."
"داااااليداااااا....."صرخ عادل وهو يقبض على
فكها معتصرة بقوة المتها ورغم ذلك قالت أمام
عيناه بجسارة.....
"هتعمل إيه هتضربني هتقتلني...أعمل كده وخلصني....سلطان مش هيسيبك... والمرادي
مش هيرحمك....سامع مش هيرحمك...."
ابتسم عادل وهو يقول بمكر....
"مش هيلحق يادوللي.....انا وانتي هنسافر بكرة
هنسافر عن طريق البحر....."
تجمدت اطرافها وتخدر فكها المًا بين قبضة
يده وهي تنظر اليه بغير استيعاب....
فاوما عادل براسه وهو يترك فكها ويربت على
خدها برفق....
"ايوا هنسافر...انا وانتي اي رأيك في المفاجاة
دي...انتي الوحيدة اللي اختارتها تسافر معايا
وتفضل جمبي العمر كله...."
انتابها حالة من اللا وعي لبرهة حتى قالت
بصوتٍ ميت....
"بس انا مش هسافر معاك....ومفيش حاجة في
الدنيا هتجبرني أسافر معاك..."
ازدادت ابتسامته بشاعة معلق وهو ينظر الى
بطنها البارزة قليلا... "فيه.... اللي في بطنك...."
وضعت يدها تلقائيًا بخوف على بطنها تحمي
طفلتها....فقال عادل بشرٍ أسود.....
"لو عايزة اللي في بطنك يعيش وحملك يكمل
يبقا هتنفذي كلامي....."
صاحت بانفعال متشنجة.....
"انت عاااايز إيه مني بظبط.... انت مجنون..."
لمس وجنتها هامسًا بلوعة...
"مجنون بحبك يادوللي...... مجنون بيكي...."
ابعدت وجهها عنه والدموع تتجمع في مقلتيها
مرتعبة من القادم....
فأنتصب عادل في وقفته يضع يده في جيب
بنطالة وهو يقول بخبث....
"أسمعي لو هتنفذي كلامي بالحرف الواحد... أوعدك
اننا أول ما نوصل بلدنا الجديدة.... هكتب اللي في بطنك بأسمي.... شوفتي بقا انا بحبك قد إيه..."
رمقته بقرف وهي تقول بتمرد....
"اللي في بطني هيكتب باسم أبوه... وانا هخرج
من هنا....حد يلحقني ياعاااالم...حد يلحقني... "
صرخت مستغيثة بصوتٍ عالٍ...فالتوى فم
عادل وهو يقول ببرود.....
"صوتي براحتك إحنا في حتة مقطوعه مفهاش صريخ ابن يومين..... تحبي أصرخ معاكي.."
نظرت له بملامح جافلة غاضبة ورائحته المقرفة باتت تقلب معدتها أكثر من اللازم فلم تتحمل دقيقة
أخرى انحنت على الجانب الاخر تتقيأ أرضًا....
زم عادل شفتيه بأشمئزاز وهو يلقي عليها نظرة أخيرة قبل ان يخرج من الغرفة مغلق الباب خلفه تاركها تعاني الويلات وحدها....
جلس عادل على الاريكة ثم أشعل سجارته وهو يرجع ظهره للخلف باسترخاء..فسمع صوت رنين
اتصال يصدر من حقيبة داليدا القابعة بجواره
مسكها وأخرج الهاتف منها فرأى أسم سلطان وصورته تنير الشاشة....
جاشت مراجله بالغضب والغيرة.. واشتعلت عيناه بالحقد... أغلق الإتصال وألقى الهاتف على الاريكة
بعصبية....
سبه عادل بكلمات نابية وهو ينفث من سجارته
ذات الرائحة النفاذة الكريهة....
ثم لمعة عيناه فجاة بخبثٍ وهو يقدم على خطوة شيطانية ربما ستكلفة الكثير فيما بعد !!.....
أرسل له رسالة على هاتف داليدا..محتواها
كالتالي....
(احنا مبقناش ننفع مع بعض ياسلطان...انا رجعت
لعادل....عادل الوحيد اللي حبيته ومكنتش مجبورة
أكمل معاه زيك....انا هسافر معاه...هسافر وهبعد
دا الأحسن لينا كلنا.....)
ضحك عادل بانتشاء ضحكة جهورية وهو يغلق هاتفها نهائيًا....
فارتجف جسد داليدا بالداخل بهلع مزدرية
فور سماعها صوت ضحكاته البشعة....فاغمضت عينيها بقوة وانسابت دموعها بحسرة وندم....
ليتها اخبرت سلطان منذ البداية ما كانت اعطت لهذا
الحقير فرصة للنيل منهما بهذا الشكل....
ماذا سيحدث في الصباح كيف ستسافر قسرًا؟!..
...............................................................
كان يقف بين العمال في قلب المصنع الذي سيتم افتتاحة قريبًا....
والعمال مستمرة من حوله على قدم وساق...الكل
يعمل بنشاط وهمة وهو يوزع المهام عليهم ويباشر الوضع مشرف عليهم...
تنحى جانبًا....زافرًا نفسًا خشن حاد وهو يرفع الهاتف من جديد على اذنه مجري اتصالا بأخته التي ردت على الفور.....
(ايوا ياسلطان ياحبيبي....عامل إيه.....)
رد سلطان بتافف قلق...
"الحمدلله يأميرة انتوا فين...برن على داليدا مش
بترد لسه مخلصتوش...."
اتى صوت اميرة متعجبًا....
(مخلصناش إيه...انا في البيت ياسلطان داليدا
مش معايا أصلا....)
انعقد حاجباه سائلا.....
"راحت تشتري الهدوم مع جنة يعني...."
قالت أميرة بتوضيح.....
(جنة بتذاكر في اوضتها...احنا مخرجناش النهاردة
داليدا اتصلت بينا واجلت المعاد....)
انقبض صدر سلطان بالقلق وهو يقول....
"اجلته إزاي انا لسه مكلم امك وقالت انها
خرجت هي وهدى....وانا افتكرت انك معاهم... "
قالت أميرة بنبرة معاتبة....
(يمكن راحت هي وهدى...اخص عليها إزاي ما تاخدنيش معاها ومن امتى هي وهدى صحاب ؟!..)
تافف سلطان وهو يشعر بعدم الارتياح للأمر
برمته.....
"يعني هي مع هدى دلوقتي...طب هاتي رقم هدى
دول لحد دلوقتي مروحوش البيت والوقت اتأخر.."
قالت أميرة بتريث.....
(اطمن ياسلطان الغايب حجته معاه....خد الرقم
أهوه.....01....)
وقبل ان يجري اتصال برقم هدى...اتت رسالة من داليدا فتحها بلهفة وعيناه تجري على الكلمات
باهتمام وسرعة.....
سرعة كانت كالصاعقة ضربت سائر حواسه وشلت اطرافه فتجمد مكانه كتمثالا عملاق بلا روح خالٍ
من الحياة....
قد امتدت الأرض به ودارت من حوله بسرعة...
فجلس على أقرب مقعد يراه...
وأعاد القراءة بنظرة جامدة باهتة المعاني.....وصدرٍ يضيق.. يضيق به حتى الموت وكأن الهواء انسحب من بين رئتاه من شدة الغضب الذي افترس جسده
بخبثٍ كالمرض المميت....
ان وقوع الخبر عليه كمن تلقى مدفعية نارية
سقط على أثرها ميتٍ كانت دفعة مدمرة..
دفعه تشبه القصف الذي يداهم فجأة ديار
الأحرار قاتلًا مدمرًا أهلها دون وجهة حق...
ظلم وافترى...
كُتِبَ في رسالة انها مستنكرة حياتهما الزوجية
وانها أجبرت عليها منذ البداية والان تريد ان
تنهي الأمر على حين غرة...معترفة بوقاحة بانها عادت الى حبيبها السابق وستسافر معه....
ورغم الألم وهول الصدمة التي ضربته في
صميم القلب.....
بدأ يستعيد اتزانه والمتبقي من عقله وهو يشكك
في هوية المرسل...فداليدا مستحيل ان تفعل
هذا به من أرسلها له....لم يفهم مشاعرهما أو
حبهما أو الظروف التي مرا بها....ظروف وخلافات جعلتهما في نهاية المطاف يستدلا على درب الحب معًا !....
من أرسلها أراد ان يصيبه في مقتل بغباء منقطع
النظير.....
وهو لن يكون ضحية لتلك العبة الرخيصة...سيصل
الى صاحب الرسالة الحقيقي وسيمزقة اربًا لكن قبلها
يجب ان يعرف اين هي....
آخر شخصٍ كانت معه....آخر شخصٍ رأته قبل ان تختفي......
تمتم الإسم وعيناه تتحول لجمرتان من
اللهب المتقد..."هدى؟!...."
رفع الهاتف على اذنه مجري اتصالا برقم داليدا وكما
توقع أغلق الهاتف بعد إرسال الرسالة التي كانت
الهدف منها اقتلاع الروح عن الجسد...
بعد فترة كان يجلس في سيارته النصف نقل في
مقعد القيادة تحديدًا كان يدخن السجائر واحده
تلو الآخر يحرق صدره ويتلف اعصابه بها...
كان ينتظر نزول هدى من العقار....ينتظر على صفيح ساخن خبر يبرد نار قلبه عن حبيبته...زوجته التي اختفت فجأة تاركه له رسالة فارغة من سجيتها....
كتبها شخص أراد ايلامه بقدر عشقه لها....لماذا يثق
بها الى هذا الحد؟!....قد تخطى معها الكثير وعشقها حتى النخاع فلم يتوقع ان تكون الثقة بقدر العشق
الذي يكنه لها !!....
إرجع راسه للخلف مهمومًا ساند على ظهر المقعد وعقله يدور في دهاليز شديدة الضيق موحشة
بظلام الشياطين..
سمع هدى تستقل السيارة بجواره قائلة بصوتٍ
انتبه لرنة القلق به....
وكأنها تعرف لماذا هو هنا....وعلام سيسأل؟!...
"خير....ياابن خالي..."
اعتدل سلطان في جلسته ناظرًا اليها بتأهب
قبل ان يقول بتريث....
"خير.....انتي مكنتيش مع داليدا النهاردة
بتشتروا هدوم..."
ارتبكت هدى بشكلا ملحوظ جعل الشك يزداد
إتساع نحوها......
"داليدا....داليدا....لا أنا مشوفتهاش النهاردة...."
لفظت الكلمات بسرعة مخفضة جفنيها تخفي
الحقيقة المسطرة في عينيها المرتبكة....
هتف سلطان بصوتٍ حاد....
"ازاي مشوفتهاش....انتي خرجتي الصبح معاها
امي شافتكم من فوق السطوح....وانتوا
ماشيين سوا.... "
توسعت عيناها قليلا وهي تجد انكارها اوقعها
في بركة من الوحل....فادعت التذكر قائلة...
"اه.....اه اصل احنا الصبح.....خرجنا قعدنا شوية
سوا وبعدين خدنا بعضنا وكل واحد راح في
حته...."
حافظ سلطان على رباطة الجأش متريثًا متحدثًا
بقدر الهدوء والصبر المتبقي لديه.....
"هدى.....في حاجة غلط....انتي مخبية عني إيه
داليدا لحد دلوقتي مروحتش البيت وتلفونها مقفول...وانتي آخر واحده كنتي معاها....أكيد
عارفه هي فين....."
أسبلت هدى جفنيها قائلة بمناورة...
"معرفش هعرف منين يعني ياسلطان...انا زي
زيك...قابلتها شوية الصبح وبعدين خدت بعضي
ورجعت البيت وهي روحت...."
سالها سلطان ببعض الأمل...
"يعني ممكن تكون في البيت دلوقتي...."
"معرفش.....يمكن... "وخزها ضميرها بشدة وهي تعطي الأمل له باحتمال معدوم !...
اهتزّت جفونها بتخوف وهي تراه يرفع الهاتف على
اذنه بملامح صخرية جلية بالقساوة..لفظ بصوتٍ
هادئ....
"ايوا ياحاجة اي الأخبار...."
هوى قلب هدى ارضًا من شدة الذعر بعد ان رفع سلطان عيناه القوية عليها يداهم كذبها بشراسة ساخرًا منها ومن تمثيلها الرديء......
تابع سلطان بصوتٍ رخيم....
"داليدا.....لا انا وداليدا هنبات النهاردة عند عمي اه
عزمنا على العشا...هنقضي السهرة معاهم وهنرجع
الصبح....في رعاية الله....سلام...."
رفعت هدى حاجبها متعجبة....فقال سلطان لها
بهدوء ما قبل العاصفة.....
"تصوري مرجعتش البيت لحد دلوقتي...ومش عند
اهلها كمان...انا لسه مكلم أبوها وسألني عنها...تفتكري
راحت فين...."
اشاحت بوجهها للنافذة هاربة من هذا التحقيق
المكثف فهي لن تصمد كثيرًا ؟!!....
"معرفش انت ليه بتوجه ليا انا السؤال ده..انا معرفش هي راحت فين....."
قال سلطان بشك....
"بس انا حاسس انك عارفه كل حاجة...وخايفة
تقولي...."
انفعلت هدى بتوتر ملحوظ وهي تقول...
"هخاف من إيه.....قولتلك اني قابلتها الصبح
وبعدين على الضهر كده كل واحد روح بيته...."
سالها بهدوء....
"وكنتوا فين بقا في الكام ساعة دول..."
بلعت ريقها قائلة بخفوت....
"رحنا كافية....قعدنا فيه شوية وبعدين...روحنا.."
لفهما صمتٍ مشحون بتوتر فلم يرد سلطان عليها اكتفى بنظر اليها بملامح واجمة جافية ونظرة
عيناه تجردها من كذبتها الواهيه.....
قالت هدى بعد فترة بمواربة...
"انا كان نفسي اساعدك بس انا بجد معرفش عنها
حاجة....يمكن ترجع الغايب حجته معاه.....انا هطلع بقا لحسان عمتك هتقلق كده..."
انهت هدى حديثها مستعدة للخروج من السيارة
وهي تتنفس الصعداء....لكنها وجدت الباب موصد عليهما...نظرت اليه برهبة.....
"اي ده أفتح الباب ياسلطان...في إيه...."
فقد سلطان ذرة الصبر المتبقية لديه زمجر
بهجوم وهو يمسك يدها بقوة...
"في اني لازم أعرف مراتي فين....ودتوها فين بظبط..."
حاولت هدى نزع يدها وهي تقول بضيق....
"انت بتجمعني بمين...قولتلك معرفش عنها
حاجة...سيب ايدي..."
اثارت حفيظته أكثر من اللازم فأحتد عليها
بصوتٍ جهوري....
"انتي عارفة كل حاجة ياهدى....عنيكي فضحاكي وكلامك في حاجة غلط شوية تقولي مشفتهاش
وشوية تقولي اه قبلتها وروحنا علطول...وشويه
تقولي قعدنا لحد الضهر.....اي الحكاية بظبط
فاهميني...وبلاش تلعبيني وتعالي معايا دغري
من غير لوع....."
ارتجفت بهلع بين يده وبدأت تبكي ضائعة بين الحقيقة والكذب تتأرجح بينهما بعذاب...
حتى صرخ سلطان في وجهها وهو يسالها
للمرة الأخيرة.... "انطقي......داليدا فين....."
سالت دموعها وهي تعترف برثاء..
"داليدا مع عادل هيسافروا بكرة الصبح..."
تركها سلطان فجأة وبدا يحدق بها بغباء وقد
توقف العالم من حوله لفترة زمنية عويصة بها
ظلت تتردد جملة هدى في اذانه كضربة صاعقة رعدية احرقته كليًا حتى بات رماد على أثرها......
سألها بعد لحظة صمت كانت الاشد والاصعب
عليه.....
"عادل ؟!...وانتي تعرفيه منين وازاي وصل لداليدا.."
انفجرت هدى في البكاء ولم ترد عليه فصرخ
سلطان بنفاذ صبر زجرها كالاسد الجريح....
"من غير عياط.....انطقي.......انطقي عشان
افهم....."
ارتدت بظهرها للخلف بخوف ثم هزت راسها إليه
بضعف وبدأت بحرج تعترف بكل شيء دفعة
واحدة...
"حاضر.... حاضر... هحكيلك....هحكيلك كل حاجة
بس ورحمة بابا انا مكنتش أعرف انه هيعمل كده فيها...ولا فيا...انا أضحك عليا....واستغلني من
الأول عشان يكدها ويضايقها بوجوده....ولما
ملقاش منها رجا...قال يبتزني عشان يقدر
يضغط عليها عن طريقي وتوافق تقابله..."
نظر لها سلطان مبهوتًا صامتًا...فتابعت
هدى بنواح مرير.....
"قبلناه في مكان عام.....وانا كنت معاها زي ما
اتفقنا....و عمل فيلم خلاني أخرج من الكافيه
عشان يسحبها لبرا ويخدرها ويخطفها...عشان
يسافروا زي ما قالي النهاردة في التلفون..."
تحدث سلطان بنفاذ صبر وصدره يشتعل
كمرجل ناري حارق.....
"واحده واحده....انا عايز افهم من الاول...إزاي
قبلتي عادل واي هو اللي بيهددك بيه خلى داليدا
تقابله من غير ما ترجعلي ولا تعرفني باللي
بيحصل معاكم...."
قالت هدى وهي تحني راسها بخزي....
"هحكيلك...هحكيلك من الأول خالص...من
أول ما كلمته...وداليدا شافتنا في الجنينة.."
....................................................................
وكما تصنع القصائد شعراء مؤرخين على مر العصور تدرس كلماتهم وتحلل معانيها....تصنع المرأة كذلك الحب في قلب رجلا عاصٍ....يظل عقله الصلب
يدور في فلكها مستنكر الهوى وقلبه ولهان بها...
هيمان القلب عاشقًا لها....سلبته العصفورة على
حين غرة فاضحى ملكا لها وحدها.....
ثمة متعة في رؤيتك بجواري في كل مكان تقع
عيناي عليه...وكأنكِ تحلقي من حولي هنا وهناك
بخفة وجمالا تخطي بحذائك الأنيق أرض مكتبي
بينما أشعر انا انكِ تسيري على حافة قلبي فاخشى
عليكي فجأة من السقوط فاقترب وأعانق خصرك
من الخلف اقبلك ثم تتدللين مبتعدة عني متحججه بالعمل...
اليوم لم أقدر على الاقترب منكِ.. انتِ تشنِ الخصام بيننا وتبتعدي عني بعيناكِ الفيروزية مقتصرة الحديث بيننا باقتضاب وبوجهٍ عابس.....
نكتشف في البعد مقدار الحب...مقدار الهوس بمن
كان اختيارنا لباقية العمر....الخصام مرهق للقلوب
لكنه علاج مقوي للعلاقات او ربما العكس...
فـبه نكتشف هوايتنا وحقيقة المشاعر المتبادلة
بيننا....
كم خصام مر علينا وكنتِ متكبرة عنيدة أمامي تريدين ان تثبتِ لي انكِ الأقوى والاكثر تحملا
في البعد....الن تلين رأسك اليابس وتعترفي
انكِ لم ولن تقوي يومًا على الفراق...والعناد ماهو
إلا وسيلة تختبئ مشاعرك خلفها حتى لا تظهري
ضعفك أمامي.....
أريدك ضعيفة تعترفي انكِ تنتمي الي قولا
وفعلا..
أريدك ان تتخلصي من هواجسك.. من عقدة الدسوقي التي تسيطر عليكي تاركة آثر مشوهٍ
في روحك المسه بوضوح.....
تخنقك عقد الماضي أعلم حبيبتي...فهي تعذبني جراء التفكير بها....فكوني الأقوى معي وليس بدوني !..
ترك القلم من يده فجاة فاصدر رنة مزعجة جعلتها
ترفع عينيها عن الملفات اليه...
رأته يمسح على وجهه بضيق ويبدو عليه الحنق
والاستياء.....
خفق قلبها بلوعة اليه فهما متخاصمين لأيام ترفض
التحدث معه بعد آخر نقاش حاد حدث بينهما..كالعادة
اختلفا في وجهات النظر وعدم موافقته على رغبتها
جعلها تشن عليه الخصام رافعه الاسياج بينهما...
تنحنحة وهي جالسة مكانها على الاريكة الجلدية
على بعد مسافة منه تعمل عليها منذ ان تخصاما
بعد ان كانت في بعض الأحيان تعمل وهي جالسة
بجواره.... او على ساقه.....
تخضبة وجنتاها فجأة متوردة بينما هو رفع عيناه القاتمة الجذابة ككل شيء به ينظر إليها...فبلعت ريقها ازاء نظراته وقالت بثبات....
"تحب أعملك قهوة...."
رد سليم بجفاء وهو يشيح بوجهه عنها...
"شكرًا...لو عوزت هطلب من البوفية...مش
عايز أتعب سيادتك... "
جزت على أسنانها بضيق وهي ترمقه بحنق عائدة
للأوراق بيدها بنظرة محتنقة...
وضع سليم يده على سطح الطاولة فلمس اصبعه
الغبار فتافف بضيق وهو يسحب منديلا ورقي ويمسح على سطح الطاولة مكانه سائلا اياها
بضجر.....
"مين اللي نضف المكتب ده الصبح..."
ردت كيان بايجاز...... "أنا..."
قال بوجه عابس مقتضب....
"أول وآخر مرة تعمليه...."
سالته بحاجب مرفوع....."ليه بقا.....مالوا ؟!!.."
قال بتبرم يشع النظرات القانطة عليها.....
"كأنه متنضفش....مفيش ضمير عندك خالص في
اي حاجة تخصني..."
جفلت ملامحها من هذا الحديث وضاقت
عيناها بغيظٍ بالغ....
"والله...انت شايف كده...عمتا انا اي حاجة
بعملها بضمير سواء ليك أو لغيرك...."
زم سليم فمه قائلًا باستفزاز....
"لغيري ماشي....لكن بتيجي عندي انا وبيتعدم
من جواكي...."
نهضت كيان عن الاريكة معانقة الملفات بكلتا
يداها وهي تقول بانزعاج...
"انت بتحاول تستفزني...بقالك فترة بتعمل كده
...انا هروح على مكتبي أحسن..."
اولته ظهرها وسارت للأمام والدموع تترقرق
في عيناها....فقال سليم من خلفها بوجوم...
"مع سلامة.....كمان نص ساعة ابقي ابعتي
المذكرات اللي في إيدك عشان ابص عليها...."
دلفت الى مكتبها الخاص والتي لا تدخله إلا نادرًا
كان مكتب انيق فخم الطراز...اختارت كل قطعة به بتأني وبعناية فائقة بمساعدة متخصصين الديكور
كما فعلت في مكتب سليم.....
جلست خلف المكتب واضعه الملفات أمامها....
ثم مسحت دموعها وهي تسند وجهها على يداها شاردة الذهن في ماحدث بينهما منذ ايام....
انهت المكالمة مع اختها وخرجت من الشرفة
الى غرفة النوم تمسح دموعها بعد ان علمت
سبب هروب اختها من بلد لأخرى....
فالبداية كانت سعيدة من أجل المسابقة والنتائج التي وصلت إليها فقد حجزت مقعدها في النهائيات
على حد قولها.....لكن وحدتها وهروبها من البيت
دون ونيس في رحلتها قتل الفرحة داخلهن....
جلست كيان على الفراش تتنهد بتعب شاعرة بوخزة
مؤلمة في صدرها تحثها على السفر الى اختها والوقوف بجانبها في تلك المحنة.....
فحتى ان كانت الرحلة بحثٍ عن الحلم وتحقيق
الذات يبقى بين ثنايا القلب قروح ملتهبة بالوجع
..اختها هربت خوفًا على نفسها وزوجها من خطط والدهم...
هربت لأخر بلاد المسلمين كما يقال....وحدها...
ولج سليم لداخل الغرفة فوجدها على وضعها
شاردة بعينين تمتلئان بالدموع....
أقترب منها سليم من الحافة الأخرى وسحبها الى احضانه سائلا بقلق....
(مالك ياحبيبتي...بتعيطي ليه..اي اللي حصل...أختك
كويسة.....طمنيني ياكيان اي اللي حصل...)
قد علم سليم بالامر وسبب سفر شهد المفاجئ..فكان
جالسًا عندما حدثها حمزة في الهاتف وهي لم تقوي على إخفاء التفاصيل عنه....باتت تثرثر كثيرًا في الاونه الأخيرة ويعرف الكثير عن حياتها الماضية والحالية....
وكلما حاولت ان تخفي عنه شيءٍ يستدرجها بمكر
حتى تكن امامه ككتاب مفتوح....
أهو من يدفعها للتحدث بالحيل....ام هي التي تنتظر السؤال حتى تندفع كنافورة المياة دون توقف !..
ليست جيدة في المناورة واخفاء الحقائق مثل اخوانها....ورثا من والدهم الحذر مع الأقارب
قبل الاغراب....وورثت هي من امها الاندفاع
والضعف في الحب التي تخفيه بصعوبة عنه !...
قالت كيان ببكاء....
(شهد صوتها مش عاجبني...حاسه انها مضغوطة
بسبب المسابقة دي....)
ربت سليم على كتفها بحنو قائلا.....
(طبيعي ياحبيبتي المسابقات اللي من النوع ده...بتبقى صعبة مش سهله خالص...غير انها
بتبقى شوو عشان تبسط الناس اللي بتتفرج
وتحمسهم للحلقات الجاية....)
قالت كيان بوجوم....
(عارفه....بس انا صعبان عليا تبقا لوحدها كده من
غير ما نبقا معاها....)
ابعدها سليم عابس الوجه بتساؤل...
(وانتي هتعمللها اي يعني ياكيان...هتطبخي
مكانها؟!...)
هزت راسها وهي تمسح دموعها...
(لا مش كده...بس وجودي معاها هيكون حاجة معنوية ليها....)
ازداد العبوس وانعقد حاجباه معقبًا....
(كان الاوله ان اخوكي اللي يفكر في موضوع
السفر ده مش انتي....)
احتجت كيان مدافعه عن اخيها....
(مين قالك انه مش بيسعى ان يخلص أوراق
سفرة بس للأسف عنده مشاكل في الورق
مش هتخلص قبل تلات شهور....وشهد في
أقل من شهر هترجع....زي ما قالتلي...)
رد سليم بملامح رصينة....
(خلاص اصبري لحد ما ترجع....)
جحظت عيناها بدهشة محتدة بغضب...
(انت ليه اناني كده ياسليم... بقولك اختي بتمر
بمحنة وواضح من صوتها انها تعبانه...)
جاشت مراجله بالغيظ....
(والمفروض اني اعمل اي ياكيان...)
قالت كيان بأمر.....(نسافر طبعا...)
حل عقدة حاجباه وارتفعا للأعلى بغضب...ثم
زجرها بتهكم....
(نسافر؟!!... هو انا تحت أمرك... شايفاني عاطل يعني
معنديش مسئوليات هسيب شغلي وابويا ومصالح الناس اللي متعلقه في رقبتي انا وانتي ونجري نسافر.... عشان نبقا مع أختك...)
هتفت كيان بحدة...
(اختي في ظرف طارئ.... انت مش فاهم...)
قاطعها سليم وهو يقول بصلابة...
(لا انا فاهم أختك انسانه طموحة سفرت عشان
تغامر بحلمها....من حقها تبقا لوحدها... مش لازم
كلكم تكونوا فوق راسها يعني...)
إنسانة طموحة؟!!...وهل من يعمل في وطنه ليس
بطموح من وجهة نظره ؟!...
شعرت انه يقلل منها....معظم في أختها أمامها
دون ان يدرك انه لفظ بمخاوفها تلك الفترة...
لم تغار من شهد ولن يحدث هذا ابدًا....لكن
الكلمتين كانا بمثابة قذيفة انفجرت في
احشاؤها فجأة....
تغاضت كيان عن الأمر....متبرمة من اسلوبة الفظ
معها....
(أسلوبك مش حلو... انت ليه بتكلم كده فيها إيه
لو سفرنا وكنا معاها.... نطمن عليها...)
اصر سليم يقول بغلاظة....
(اطمني عليها في التلفون.... كلميها على النت..
بقا في كذا وسيلة تطمنك عليها....)
عقدة كيان ذراعيها امام صدرها بعناد...
(والله لو انت مش عايز تسافر عشان شغلك.. انا
بقا هسافر لاختي.....)
مالى عليها يسالها بنظرة خطرة.....
(يعني إيه... هتكسري كلامي؟!!..هتسافري من
ورايا...)
ارتدت للخلف بخوف منه قائلة
بتريث....
(فين من وراك ده... مانا بقولك اهوه انـ..)
قاطعها سليم بنبرة شديدة الخطورة....
(مفيش سفر ياكيان أسمعي الكلام... أختك مش صغيرة هي أكبر منك وادراى بمصلحتها عنك....)
احتدت امامه بعناد وتحدي....
(يعني إيه...هتمنعني عنها... انتي ليه اناني كده..
اي حاجة تخص اخواتي بترفضها....)
علت ملامحه الصدمة غير مصدق هذا الاتهام
الاهوج....
(اللي يسمعك يقول اني ربطك بسلاسل... انتي علطول معاهم.... امتى منعتك عنهم.. انتي اللي
مش واخده بالك انك بقيتي ست متجوزة
وعندك مسئوليات أهم....)
اندفع لسانها بالكلام كرصاص...
(مفيش حاجة أهم من اخواتي ياسليم....)
عضت على لسانها فجأة....فتبادل سليم النظرات
الحادة معها حتى قال بسخرية سوداء....
(معنى كلامك اني مش مهم عندك...اضفت
لحياتك بالغلط مش كده؟!....)
رمشت بعيناها وهي تقول بحرج....
(دا مش قصدي.... انت بتمعن الكلام كده إزاي..)
رفع سليم يده يمنعها عن إضافة حرف أخرى
وهو ينهي النقاش بحزم....
(الموضوع خلص ياكيان ومش هنتكلم فيه
تاني..مفيش سفر لا معايا ولا لوحدك...انتهينا...)
وقتها تشاركا الفراش البارد بمشاعر تحترق بالغضب
والغيظ وكلا منهم يولي ظهره للآخر تاركين مساحة
فارغة موحشة بالخصام.....
مسحت دموعها وهي تعود من تلك الذكرى على صوت باب المكتب رفعت عيناها لترى الساعي
يدلف إليها بتهذيب معه صنيه تحوي على كوب
به عصير من المانجو....
فلانت شفتيها الحزينة بابتسامة صغيرة خاطفة
فهي تعلم انه من أرسلها... لكنها ارادت ان تتأكد
من هذا الساعي العجوز الذي يعمل لديهم منذ
ان أفتتح سليم مكتبه الجديد... لأجل بدا صفحة
جديدة معها ومع الحياة...
وظف بعض من المحامين الجدد في مكتب مشترك
وأصبح لديه سكرتير في مكتبه المجاور.. ام هي
فأصبح لها مكتب خاص أنيق لكنها تعمل في مكتبه
دوما.... لا تعلم اهي مجرد إضافة لهذا الصرح المذهل
الذي يزهو يومًا بعد يوم ام انها عنصر مهم بينهما؟!..
عادت مجددًا الى الهلوسة وقلة الراحة... عقلها قارب
على الانفجار... انها تقحم نفسها في اشياء تافهة ومقارنات حساسه.....
"مين بعت العصير دا ياعم حميد.... انا مطلبتش
منك حاجة...."
سالته كيان برقة...فأجاب الرجل وهو يضع
الكوب جوارها....
"الأستاذ سليم طلبه مع قهوته...وقالي ادخله لحضرتك...."
ابتسمت بارتياح تشكره....
"شكرا ياعم حميد تعبتك معايا...."
"تعبك راحة ياست هانم..."خرج الساعٍ مغلق الباب خلفه تاركها وحدها وعلى شفتيها ابتسامة منتشية
كلما أخذ خطوة نحو رضاها تشعر بمنتهى السادية
براحة لأنها لم تتنازل عند الخصام ولن تفعل !!..
مسكت هاتفها وارسلت إليه رسالة شقية...
"شكرًا على عصير المانجا جه في وقته...
عفوت عنك..."
اتت رسالته بعد فترة قصيرة.....
(بس انا مطلبتش العفو ياسمو الملكة....العصير انتي
اللي طلبتيه قبل ما تخرجي من المكتب...)
كتبت بحاجب معقود....
"ازاي يعني انا مطلبتش عصير...."
اتت رسالة جادة....
(طلبتي وانتي معايا لما طلبت القهوة من حميد
في التلفون...)
شكت لوهلة في نفسها فبدات تفكر ثم كتبت
بحنق بعد ان فهمت لعبة التخفي الذي يمارسها
عليها....
(انت عايز تجنني...اذا كان انا من شوية كنت عايزة أعملك قهوة....إزاي بقا طلبت قدامي قهوة..لا وانا كمان طلبت عصير....انت بتألف عشان متعترفش
انك بعت العصير من نفسك...)
اتت رسالته بسخرية يشد لجامها بقوة....فهي كالفرسة الجامحة لا تتوقف عن استفزازه.....
(وانا قولتلك اللي حصل واضح ان الذاكرة بتاعتك
بعافية....ياسمو الملكة....كملي شغلك وابعتي المذكرات في أقرب وقت بلاش لكاعه...)
لاحت الصدمة على وجهها وهي ترسل
بدهشة..... "انا بتلكع !!!...."
لم يعرها اهتمام مما جعلها تضرب على المكتب
بغيظ مغمغمة بامتعاض....
"انا بتلكع ياسليم....بيكدب وبيألف عليا...متكبر يعترف انه مهتم وان هو اللي طلب العصير
بنفسه وبعته ليا....."
بعد ساعتين تقريبًا...دلفت الى مكتبه من جديد
وبعد الاستئذان خطت على بساط مكتبه وبين
يداها الملفات عيناها ارضًا تعد الخطوات
تقريبًا !!...
من يراها يظن انها موظفة رزينة مهذبة في التعامل
مع مديرها...واجهة مخادعة لعصفورة شرسة وعنيدة... وصاحبة أكبر عقل صلب يود تكسيره....
أسبل سليم جفنيه عنها مركز مع الموكل الذي
يجلس امامه على الجانب الاخر من المكتب
يتحدث بجدية معه عن قضية جديد سيوكل لتوليها....
وقفت كيان امامه قائلة باحترام...
"الملفات اللي طلبتها يا أستاذ سليم...."
امرها سليم بمنتهى العملية وهو يشير
على الاريكة....
"استني هنا شوية ياستاذة كيان...."
اومات كيان براسها وهي تجز على اسنانها جالسة
بهدوء...بينما هو يبتلعها بنظراته القوية...
ابتسم الموكل الذي يراقب تعاملهما المتحفظ
السلس في العمل فقال باعجاب....
"حقيقي اللي يشوف حضرتكم ميصدقش خالص انكم متجوزين....ومن فترة قصيرة كمان.. "
نظر الموكل لسليم وتابع بعفوي...
"عجبني أوي تعاملك في الشغل...وانك بتفصل
عن حياتك الشخصية فيه..."
ابتسمت كيان واطرقت براسها...متذكرة قبل ان
يشن الخصام بينهما كانت تجلس على ساقه
بين ذراعيه يقبلها تارة ويعبث بيده الوقحة تارة أخرى...وكان حينها يدرسا أحد القضايا الهامة !...
رأى سليم ابتسامتها الخفية وعلم الذكرى التي تحملها بين ثناياها فهو بات يحفظها أكثر من
نفسها....
عاد للرجل يتحدث بجدية وحزم وعيناه تذهب
اليها خلسة.....
"انا أهم حاجة عندي القوانين والانضباط...أكتر
حاجة ممكن تستفزني ان حد يمشي عكس
المألوف.....إلا اختراق القوانين... دا مبدأ... "
رفعت كيان عيناها الفيروزية اليه مشدوهة...فالتقط
سليم عينيها بنظرة تزيد الشوق اليه أضعاف...وتزيد
ندم البعد اطنان.....
نهض الموكل من مكانه مغلق زر السترة
وهو يقول ببشاشة....
"دا مبدأ يحترم....تشرفت بمعرفتك ياستاذ سليم
وان شاء الله القضية بتاعتنا تخلص على خير..."
نهص سليم كذلك يصافحة بحرارة عملية....
"باذن الله أطمن....أول بأول هبلغك بالجديد عن طريق سكرتير المكتب....لحد ما نتقابل تاني
ان شاء الله...."
اوما الرجل براسه مبتسمًا له ثم الى كيان وخرج
من المكتب مغلق الباب خلفه...
نهضت كيان من مكانها....ففوجئت بسليم امامها مباشرة وجهًا لوجه... قريب جدًا منها انفاسه الرجولية الساخنة تتسلل الى رئتاها دون
مقدمات مسبقة....
جفلت ملامحها مبتلعة ريقها وهي تشير بارتباك
على الملفات التي وضعتها على الطاولة...
"دي المذكرات اللي طلبتـ....."
التقط المتبقي من حديثها بفمه ساحب خصرها
اليه بقوة حتى وقعت على صدره العريض القوي
وفي احضانه....
قبلها بنهم قبلة طويلة عميقة جعلت جسدها ينصهر
بين ذراعيه واعصابها تنهار من جرأة يده عليها...
تركها بعد لحظات ليست هينة من شدة لذتها
وعمقها عليها....
نظر لعيناها وهو يلهث مرجع خصلاتها المشعثة
بفعل اصابعه للخلف وهو يقول من بين لهاثه...
"فين المذكرات القانونية اللي طلبتها منك...."
رمشت بعيناها عدة مرات بخجلا وهي تلهث بين ذراعيه فاغرة شفتيها بغباء لذيذ...وعدم اتزان
بعد...
شهية جدًا كفاكهة طازجة تنادي الجائع لم يقاوم
أكثر من ذلك.. فرقتها وجمالها البري يثيرا رغباته فمالى عليها يلتقط ثغرها الأحمر باسنانه كقطعة التفاح يقضمها....في قبلة أخرى عميقة ثائرة بالعواطف..
أجمل مافي القوانين أن تخترق...وأجمل مافي
الحب الجنون.....
أطلق سراح شفتيها وهو يلهث ساندًا على جبهتها
ويداه تحتوي خصرها بهيمنة....
كانت تنهار بين يداه كليًا...موضحة دون كلام انها مغرمة... مغرمة حد الجنون.....وتشتاق حد
الهوس...
تنهدت كيان بلوعة لتراه يعيد الكرة
هامسًا بسؤال...
"فين المذكرات اللي طلبتها ياكـيـان...."
هل لهذا السؤال مكانًا هنا.... كيف ونحن في أحضان
بعضنا تسالني عن المذكرات القانونية....وتنسى قانوني أنا !...
اشارت بيدها على الطاولة دون حديث فلم تقدر
على التكلم أضحت فريسة للخجل الان بعد
أفعاله العابثة....
أبتعد سليم للخلف خطوتين واضعًا يده في
جيبه وباعتداد بنفس قال....
"روحي على مكتبك دلوقتي...وخليني اراجع
عليهم للمرة الأخيرة...."
اومات براسها دون كلمة وسارت مبتعدة عنه بخطوات أشبه بالركض....
......................................................................
في ساحة المعركة مشتدة بالنيران وصوت السكاكين
لا يعلو على ايقاعه أحد....
الروائح تمتزج ببعضها سيمفونية من الاوتار المشتبكة ينساق خلفها الفن والابتكار وفكرة
طاهٍ..
فنون الطهي لا تعتمد على طاهٍ بارع فقط..فنون الطهي كالقتال اعتمادها الأساسي على قائد ذكي مسيطر يعرف كيف يحرك النكهات ويوحد الاصناف
على سفرة واحدة دون خلل....
على الطاهي ان يصنع اطباق عصرية واضع ثقافة
وطنه بها...يضع معها الهوية والحلم ويكشف عن
موهبته للحكام ويقنعهم بها عند كل مرحلة
يخطوها في المسابقة.....
طاهٍ يجتهد بجد شغوف بالعمل يبذل قصارى
جهده حتى يصل الى غاية النجاح...
انتهى الوقت المحدد والضيق بنسبة لطهاة...الجميع
انهى اطباقه ومنهما من لم يحالفه الوقت بتزين
الطبق كما يجب....
فتقديم الاطباق بشكلا متناسق مزين بعصرية
كالوحة الفنية تمامـا نقطة تحسب للطاهي المحترف وان إهمل بها يهبط مستواه وحتى ان كان المذاق جيد....فكما يقال العين تأكل قبل الفم....
اخرجت شهد انفاسها بصعوبة وهي تتجه للصنبور
غسلت يداها بعد ان أخذ المساعدين الاطباق الى الحكام.....
تشعر ان انفاسها كانت مكتومة لمدة ثلاث
ساعات كاملة...
ثلاث ساعات كاملة طُلب منها تحضير ثلاثة اطباق متناسقة طبق مقبلات طبق رئيسي وطبق حلوى بتقنيات معينة احترافية لا يقوم بها اي شيف
عادي فقط من عشق فنون الطهي وتعمق
بجذورها لسنوات عديدة...
سحبت منديلا ورقي وبدأت تجفف يداها ومن
بعيد رأت الحكام يتناولا الطعام ويبدو على وجوههم علامات الرضا التام لكن هناك بعد الملاحظات البسيطة...
الملاحظات ؟!!...
انها في الأسبوع الثاني قد فازت الأسبوع الأول باعجوبة فقد بدأت الملاحظات الدقيقة على أقل نقاط في اطباقها مرددين النصيحة بان تتوخى الحذر فهي ممتازة في برز النكهات ورفع مستوى مذاق الاطباق لكنها أحيانًا تخطأ في نقطة او إثنين
حينها تكن النصيحة واجب نحوها....
تتمنى ان تفوز اليوم دون اي ملاحظات انها تعبت
كثيرًا واعطت كل جهدها في الثلاث اطباق حتى يخرجوا بمستوى عالٍ يليق بها...وباسم بلدها أمام الحكام الأجانب.....
انه النصف النهائي من المسابقة ان حجزت مقعد
بين الخمس مشتركين الباقيين سيبقى لها جولة
واحده فقط... ستكون الاصعب أكيد لكن من بعدها سيعلن اسم الفائز في الموسم الثاني.....
كل ما تبقى لها هنا أقل من عشرة أيام وتعود
للوطن اما بالفوز او بخيبة الأمل كما تتوقع...
أصبحت شهرتها على مواقع التواصل الإجتماعي
أسرع من النار في الهشيم...كل من يهتم بفنون
الطهي يتحدث عنها...الكثير يدعمها فخورين
بانها وصلت الى تلك المسابقة وفازت في الجولة
الأولى بامتياز رغم الملاحظات البسيطة بها...
البعض يتحدث عن الاطباق التي اعدتها في الجولة الأولى...وطريقتها الرائعة في تزين الاطباق....وعن جمالها وحسنها الراقي أمام عدسات التصوير ملفته
الانتباه لها دون مجهود يُذكر....
هناك أحد من معجبيها الجدد...رسام موهوب أرسل لها لوحة فنية هدية بصورةٍ لها بزي الطهي الأبيض..
لم ينسى حينها تفاصيل وجهها الإبي وابتسامتها وعيناها حتى انهُ لم ينسى (الانسيال) الذهبي
المكتوب عليه بالخط الفارسي
(سيدة الحسن والجمال..)
معظم المنشورات التي تقابلها عبر مواقع الانترنت تعلق على هذه الجملة...وعلى لون عينيها الامع الشبيه بحجر الكهرمان.... على حسنها الاخذ ورقتها الملكية....وهمتها وشغفها في الطهي.....
لم تشتهر اطباقها فقط جمالها لفت الأنظار وهذه
نقطة تحسب لها أمام عدسات التصوير التي ترصد
كل خطوة تقام في المسابقة عن القائمين عليها...
بعد فترة ليست بقصير أعلن فوزها منضمة الى
الفائزون.... مؤهلة معهم الى الجولة النهائية
الأسبوع المقبل....
وسيعلن حينها اسم الفائز بالموسم الثاني.....مزال
في المشوار باقية.....
ولكل مجتهد نصيب.....
...................................................................
أوقف يزن سيارته بقلب مجمع سكني فخم أسفل بناية شاهقة ضخمة تعيش بها والدته مع اختها.....
ترجل من سيارته مغلق الباب من خلفه نزع النظارة
الشمسية عن عيناه وهو يدلف الى العقار.....
فتح باب الشقة بالمفتاح ونادى عليها وهو يتقدم
من غرفتها... "ماما..... ماما..... رافي......"
دلف الى غرفة والدته بعد الاستئذان فوجدها جالسة
في الشرفة تنفث في أحد السجائر الرفيعة التي
أصبحت لا تتركها من يدها في الاونه الأخيرة...
من يوم ان تم الطلاق بينها وبين والده وهي لم
تعد كما هي... دائما عصبية شاردة... احيانًا تنهار
وتبكي وهي تردد باستمرار....
(إزاي يطلقني.... إزاي أهون عليه... بعد كل اللي
عملته أخرج كده من غير ولا حاجة....)
هو مدرك تمامًا خسارة (إلهام) الأمر متعلق بالمال
والثروة الهائلة ليس إلا... وهذا احيانا يثير اشمئزازه
منها ففي فترة سابقة كان هذا كل ما يشغل تفكيره
مثلها لكن الآن الوضع اختلف...
ان منظورة للحياة تغير مائة وثمانون درجة
فالعيش في شارع الصاوي بدل حالة...أصبح
مدرك تمامًا للقيمة الحقيقة التي بين يداه....
بعد أن عمل مع شباب من عمره وسمع منهم
قصصٍ وأسباب دفعت بهما الى الكفاح والشقاء
في وقتٍ مبكر....
وقتٍ كان يلهو هو به هنا وهناك متمتع باموال
والده الطائلة واسم العائلة العريق......
شبابٍ كالورد انعم الله عليهم بصحة والرضا...
أبطالا بنسبة له فمنهم من يعيل أسرته ويعمل
ليلا ونهارًا لتوفير احتياجاتهم...ومن يعيل
والدته المريضة بعد ان تخلى عنه والده
منذ ولادته....
وهناك من يحلم ويسعى لتوفير تكاليف الزواج
كي يصل الى من تمناها قلبه بالحلال... داعي الله
في كل صلاة ان تكون من نصيبة بعد سنوات من الإنتظار المضنٍ والشقاء المستمر...
راى هذا بعيناه وسمع باذانه....فقد شارك معهم
بالكثير....بعد ان أمر عاصم بحزم ان ينضم اليهم
يأكل ويشرب معهم...وعند فروض الصلاة يصلوا جماعة...في الجامع القريب منهم....
أصبح واحدًا منهم...قد تناسى الشباب
انه صاحب مكان كـعاصم....تعاملا معه
باريحيه وفي حدود الإحترام....
لم يعرف يومًا إلا أصدقاء مرفهين مدللين أصعب شيءٍ بنسبة لهما حيرة كل عام في أيهما أفضل لقضاء أجازة الصيف خارج البلاد ام داخلها ؟!..
تغيير سيارات كل عام....والتفاخر بالعائلة
والممتلكات...
عاش طوال حياته مع أصدقاء من ورق اذا تعرض
أحد لاية انتكاسة كبرى مفاجئة يدير الجميع وجوههم تاركين السفن تحترق بمن عليها...
طالما الباقية بأمان !!.....
"يزن.....انت هنا من امتى ؟!...."
فاق من شروده على صوت أمه التي اطفات سجارتها ترمقه وهي جالسة على المقعد بشرفة الواقف على بابها...فتقدم منها يزن مقبل رأسها بحنو وهو يسالها...
"من شوية عاملة إيه النهاردة...."
زمت الهام شفتيها متعجبة من أسلوب ابنها المتغير
أصبح أكثر هدوء واتزان.....قليلا ما يبتسم او يمزح
كسابق....
تبدل حالة أصبح تعيسًا....مهموم....لم يكن يزن
مسعد الصاوي الذي تعرفه....
"انا تمام.....بس انت بقا مش عجبني...لسه
برضو مسبتش شغلك مع عاصم...."
جلس في المقعد المقابل لها قائلا
باستغراب....
"واسيبه ليه انا مرتاح في المكان...والناس
هناك كويسة جدًا...."
أحمر وجه الهام بغضب وهي تهتف
بغرور يشوبة الغل.....
"مرتاح إيه...انت مش صايغ...انت دكتور....انت
نسيت ولا إيه...وبعدين ناس مين دول اللي تنزل لمستواهم انت مقامك أعلى من كده... انت يزن
مسعد الصاوي...المفروض متكونش دي شغلتك
ولا تشتغل مع ناس زي دول....دا هما اللي المفروض
يشتغلوا عندك ويسعوا لرضاك... "
برمت شفتيها وهي تخرج سجارةٍ من العلبة
وتشعلها بعصبية...مسترسلة بضيق....
"مش عارفه بجد اي اللي حصلك مانت كنت
أحسن من كده...."
رفع يزن حاجبه وهو ينظر اليها بحنق....ثم
عقب بصبرٍ.....
"وانا كده مالي يعني ياماما...مانا في أحسن حال أهوه...وبعدين ان لسه طالب في كلية طب....لسه مبقتش دكتور رسمي....ثانيا يالومي....الناس دول
مش عبيد دول بنادمين زينا....الناس اللي في شارع الصاوي دول عندي أحسن مليون مرة من اي واحد عرفته... "
قالت الهام بتبرم....
"اللي عرفتهم ولاد عائلات ولاد ناس...."
هتف يزن دون تردد.....
"اللي عرفتهم بتوع مصالح...ومنظرة كدابة..."
نفثت الهام دخان سجارتها بغيظٍ.....
"منظرة كدابة !!...شوفت قعدتك في شارع
الصاوي وصلتك لفين....انت مش يزن ابني اللي أعرفه...انت ليه مش بتسمع كلامي انت حتى
رافض تيجي تعيش معايا..."
قال يزن بصبرٍ هادئ.....
"ما قولتلك ياماما اني مأجر شقة في شارع الصاوي....وقريبة كمان من الجامعة... "
برمت إلهام شفتيها بتقزز.....
"شقة في شارع الصاوي....انا متخيلة شكلها
من غير ما توصفه...."
نداها بقلة صبر..... "ياماما...."
اندفع غضبها فجاة صائحة بتشنج.....
"بلا ماما بلا زفت....انت مش واخد بالك ان عاصم
ده بيستغلك مخليك تشتغل زيك زي أقل عامل عنده
مع انك ليك في المكان ده زيه تمام....ازاي سايبه يستغلك ويهينك...."
جز يزن على أسنانه وهو يقول بنبرة رغم
حدتها هادئه....
"مفيش اهانه ولا حاجة...عاصم عايز يعلمني ويشربني الصانعة....عشان بعد كده أقدر ادير
محل من محلات الصاغة بنفسي...."
سالته باقتضاب.... "هو قالك كده ؟!..."
اوما يزن براسه مؤكدًا....فالتوى فم الهام
متشدقة بضغينة.....
"بيضحك عليك....عاصم ده مش سهل دا تعلب
مكار.....أوعى تامنلوا يايزن دا عايز يلهف حقك
ويطلعك من المولد بلا حمص...."
أطفأت الهام سجارتها واشعلت واحدة أخرى بيد
ترتجف من شدة الانفعال والحقد....واسترسلت
امام عينا ابنها......
"وبعدين انت مكنش هدفك خالص تشتغل في الصاغة انت حابب الطب ودخلت القسم اللي
انت عايزة....إيه هضيع تعبك عشان الصاغة
والشغل في شارع الصاوي...."
أشاح يزن عيناه عنها وهو يقول بملامح
واجمة...
"مفيش مشكلة لو اشتغلت الإتنين الموضوع مش صعب هو مالي برضو وكار ابويا واجدادي...وبعدين
اطمني عاصم مش هياكل حقي...كان عمل كده بعد
اللي عرفه...بس هو اداني فرصة...ويمكن يسامحني مع الوقت...."
هتفت الهام بصفاقة والغل يشع من عيناها
الزرقاء......
"انت مغلطش يايزن...هي اللي تستحق الحرق...انا
مش عارفه هو ليه مطلقهاش لحد دلوقتي....تفتكر
عايز يرجع لها ؟!..."
وخزة ضميره عند ذكرها فقال لأمه
بحرج...

الحب  أولاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن