الفصلُ الثالث 🦢 انتِكاسة

Start from the beginning
                                    

بعد عدة دقائق، خرجَ هو الآخر من المكتب، يجر قدميه جرًا. أولًا نحو والدته ليطمئن عليها ثمَّ إلى غرفته، لم يكن يمتلك أيّ قوة للاستحمام، لذا؛ مشى متثاقِل الخطى نحو سريره وهو يشعر برأسه ثقيل ومتخدر، دفنَ جسده وسط السرير مُعطيًا الوسادةَ وجهه قبل أن يعدِّل جلسته وينام على ظهره، ينظر للسقف. ليت هٰذا الكابوس ينجلي ويتبدد. رغبةٌ عارمة تجتاحه للنشيج والصراخ بأعلى صوت حتَّى يفنى صوته، لٰكنه مجهدٌ ولا مجال حتَّى لتحريك قشة.

هل الحياة هٰكذا تحيك حِكايتك على مهل في الخفاء وعلى غفلة منك ترى نفسك في زيٍّ ليس زيك. قد يكون مقاسه مُناسِبًا وتنفرج أساريرك، وقد يكون ضيقًا حتَّى يكاد يخنقك فتلبث تلهث منتظرًا زيك الجديد. هل يا ترى سيكون مناسبًا ويعوضك عن معاناتك؟ أم سيكون أكثر ضِيقًا من السابق فيكون الضربة القاضية؟

لم يفهم آرلو كيف نام، لقد بقي يحدق في فضاء غرفته وأطياف خيالات تسبح في الأرجاء، حتَّى قُبيل طلوع الشمس بقليل، عندها عرف النوم له سبيلًا منه، فتسلل جاثمًا عليه.

* * *

الثالث من مارس
| الثامنة صباحًا |

أصرَّت أشعة شمس مارس التي تتفتح على مهل، أن تُداعب زجاج نافذته وتُلاطِف بشرته متوسطة الشحوب، تُدغدغه بكل لُطفٍ تمنحه دفئًا مُحببًا كتعويضٍ بسيط عما اختلج في نفسه. تحرك ببطء للجانب الآخر المُطل على النافذة بعد أن كان نائمًا على ظهره. تفتحت زهرتا عينيه وبان عسلهما، لا زال الإرهاق مُلازمًا لجسده، لا يرغب بالوقوف لٰكنه مُجبر. وكمْ ينبذ فكرة أن يكون مُرغمًا على القِيام بأشياء لا يريدها! انبثق كل ما جرى منذ مكالمة والده له إلى إسراعه بالقدوم إلى محاولته لمواساة والدته وأخيرًا حديثه مع والده دفعةً واحدةً جاعلًا منه يطلق تنهيدة خفيفة. عليه أن ينتظر حلول الليل ليختلِ بنفسه وبمُعاناتِه، وما عدا ذٰلك عليه أن يكون بِجانب والِديه.

أزاح الغطاء عن جسده وبخطوات بطيئة تحرك نحو الحمام. قرر أن يستحم لعل التوتر الذي أصابه يتساقط مع الماء. ارتدى بنطال مُريح أسود اللون وقميص قطني دون أزرار أسود اللون. ترك شعره القصير مُبلل مما زاد على سواده سوادًا

خرج من غرفته وتوجه إلى غرفة كارل حيث والدته، وما أن أدار المقبض حتَّى دلف ليرى والدته كما رآها ليلة أمس، ممددة تحتضن وسادة وتنظر نحو الأرض بأعين فارغة من أيِّ نظرة. اقترب منها بضع خطوات قبل أن يتوجه نحو النافذة يزيح الستائر التي تحجب ضوء الشمس إلا قليلًا. خاطبها بنبرة حاول أن تخرج حيوية:

- صباح الخير، منذ متى وأنتِ مُستيقظة؟

لا جواب، بقيت كما هي ساكنة كأنَّها لم تسمع شيئًا، اقترب منها وجلس على حافة السرير، أمسكَ يدها بعد أن أزاح الوسادة جانبًا، ويده الأخرى مررها على خصلات شعرها قبل أن يُكملَ كلامه:

Themis | ثيميسWhere stories live. Discover now