الفصلُ الحادِي عَشر 🦢 زيارة الذكريات

12 1 0
                                    

أيا امرأة تمسك القلب بين يديها
سألتك بالله لا تتركيني
لا تتركيني
فماذا أكون أنا إذا لم تكوني
أحبك جداً
وجداً وجداً
وأرفض من نــار حبك أن أستقيلا
وهل يستطيع المتيم بالعشق أن يستقلا...
وما همني
إن خرجت من الحب حيا
وما همني
إن خرجت قتيلا

_ نزار قباني _

                                       •••

هُناك مَشاعر تزورنا لأول مرة في حَياتنا، لا ندري كيف نتعامل مَعها، هل نَستقبلها بِحفاوة؟ أم نُمطرها بِوابل من اللعنات لطردها؟ هٰذا شعورٌ حتمي جَميعنا سنمر بِه، مهما بلغ مِنا الكِبر، ومهما صَقلتنا المِحن، سنجربُ مشاعر جديدة في كُلِّ مَراحل حياتنا.

هُناك مَشاعر تجتاحنا لِمرة واحدة وَحسب، بعدها تفقد عنواننا وتبقى مُشردة في مَنفى المشاعر، هُناك أُخرى لا تكتفي بِزيارة واحدة، بل تُكرِر الزِّيارات حتَّى تصبح زياراتها ثَقيلة الظل، مُرهقة، وبَاعثة للنفور، إلى أن تُقرر الاستيطان فينا، تُعجبها ردات فِعلنا سواء كانت ردة فِعل حَماسية، أو كئيبة، أو حتَّى مُدمرة!

تمامًا كما يحصل حاليًا مَعه، لم يسبق في حياته أن شعرَ بِالغيرة عَلى أنثى، بل الأجدر قول أنّه لم يشعر بِالغيرة نهائيًا مِن أيِّ شخص، شخصيته تُعجبه وجدًا، فهي مُخلصته مِن المتاعب والهموم، يجدُ السَّعادة في أبسط الأمور، ويلقي المزحات حتَّى وهُو فِي غياهِب الظُّلمات.

بِالفعل دخلَ فِي علاقات مِن قبل لٰكنها كانت عابِرة، تُعجب بهِ إحداهن ويُعجب بإعجابها به، أو بِجمالها. لم يكن مُتعدد العلاقات كالحيوانات، فهُو لا يستطيع البقاء في نفس البلد طويلًا وجراء ذٰلك، علاقتهُ كانت تقتصر عَلى المُغازلات التي تُذيب النساء المُتعطشات للحُبِّ والغزل، ومُرافقتهن لهُ في بعض رحلاته التي يكون غرضها الاستمتاع، أمّا الرحلات الخطيرة التي تكون حياتهُ فيها عَلى المحك فَلا.

لَم يشعر بِالغيرة عَلى إحداهن قَط، فماذا فعلت هٰذه المُحامية بهِ وبِقلبه لتجعلهُ يخفق بِعنفوان لم يشعر بهِ حتَّى عند مُمارسته للقفز الحر؟!

ظلّ يجوب في أنحاء غُرفته وكلمات والده تتردد فِي كهف الغيرة الذي يَستحوذ عَلى كيانه، شعرَ بِسخافة الأمر كُلما فكّر بِه، يغارُ عَلى امرأة بِالكاد يعرفها، مَا يشعر بِه ليس سوى انجذاب لشخصيتها الهادئة المُعاكسة لخاصته، هي الوحيدة التي يَراها ويَتكلم مَعها، رُبما هٰذا هُو السبب، يروح ويجيء ويجيء ويروح وَالأفكار السوداوية تبتلعهُ شيئًا فشيئًا.

قَام بِدفن رأسه تَحت الماء، لُيعيد جثته الميتة للحياة، كسمكة تم إخراجها عنوةً مِن الماء، يتخبط ويضطرب ويثور. نَزع قميصهُ ليتنفس بِأريحية، حيثُ حتّى بُرودة الأجواءِ لم تفلح بِإخماد لظى صَدره بأكملها، قامَ بِنزع بنطاله قبل أن يَرتدي مَلابس نظيفة.

Themis | ثيميسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن