الفصلُ الأول 🦢 ليلةٌ ضبابِية

Start from the beginning
                                    

في صباحِ اليوم التالي، أشرقت الشمسُ خجلة متوارية خلف الغيومِ الحزينةِ في السماء، اكتظت الكنيسةُ بِالمُعزيين من الأقاربِ والزُملاء والأصدقاءِ والموظفين. قام الكاهنُ بِقراءة بعض الآيات وتم غناء بعض الترانيم التي أبكت جميع المتوافدين، لِحدِّ هٰذه اللحظة لا أحد يُصدِق ما جرى.

بعد الانتهاء من مراسمِ الدفن الكئيبة، توجه إلى منزِلهم فوجٌ من السيارات الصامتة، حيث كان في المنزل مسبقًا العديدُ من موظفي وشُركاءِ الشركة، وبعض الأقاربِ الذين تمكنوا من القدوم لحضور الجنازة، حيث قام البقية بإرسال رسائل تعزية وورود معتذرين لعدم حضورهم في الوقتِ الراهن؛ لِكثافة جداول أعمالهم، وبُعدِهم عن المدينة. يستطيع غابريل تفهمهم، هو أيضًا مُحامٍ ماهِر و رجل أعمال معروف وبالتأكيد يعلمُ صعوبة تأجيل أو تأخير المواعيد التي لا نهاية لها. في الحقيقة، هو و زوجته لم يُعِيروهُمْ أي اهتمام، مدركين أنَّهُ عليهما مواجهة الواقع وحدِهِما والتعايش مع الحقيقة المُرة.

دلفتَ ماريندة إلى غرفة نوم كارل، بعد أن كانت تجلِس بِرفقة بعض السيدات اللاتي كُن يُحاوِلن مُواساتها رغم عِلمهن بأنَّه لا توجد مواساة لِفقدان الأم طفلها، مستمعة إلى كلماتٍ لا طائل منها، كل ما كانت تريده هو معانقة ابنها، لذا؛ قررت الذهاب إلى غرفته.

كانتَ الغرفة مرتبة و منظمة كحالها دائمًا، كان كارل مُوسوسًا جدًا بِخصوص النظافةِ والترتيب، لا يُحبُّ الإهمال والفوضى، بل إنَّه كان يَحْكُمُ على الأشخاصِ من مدى نظافتِهم وترتيبهم.

نظرتَ إلى الغرفة تتأمل كل زاويةٍ فيها، كانت غرفة واسعة وعصرية، يطغى عليها اللون الأخضر مع لمساتٍ بيضاء وبنية، أرضية خشبية فاتحة اللون تكسِر لون الجدران العُشبية، سرير بارد بملاءة بيضاء و غِطاءٍ أخضر، و وسادتان كبيرتان باللون الأبيض وأُخرتان صغيرتان باللون الأخضرِ، على جانبي السرير منضدتان خشبيتان، أريكة رفيعة أمام السرير مباشرة بيضاء اللون بِقواعد خشبية كقاعدة السرير تمامًا، لوحات للطبيعة تتوسدُ الجدران متناغمة مع النباتات الخضراء في الغرفة وورود الأوركيد البيضاء، غرفة جانبية للملابس، وما أن وصلت بِنظرها إلى ناحية النافذة المُطلة على الحديقة الخلفية بِستائرها البيضاء حتَّى رأت أريكة منفردة هناكَ. ظهرتَ على وجهها ابتسامة باهِتة؛ لِتذكرها قصة هٰذه الأريكة بُرتقالية اللون وكيف كانوا سعداء في تلك الأيام. تذكُرُ حينما قرر كارل تغيير آثاث غرفته بأكملها بعد أن دخل إليَّها كلبُ واحدة من أصدقاء والدته، أزعجه الأمر كثيرًا وطلب تنظيف الغرفة بالكامل. ومع ذٰلك، لم يستطع النوم فيها وقرر النوم في غرفة أخيه الأصغر، ثم في الصباح الباكر، طلب من والدته مُساعدته بِحُكمِها مُصممة ديكور وتملك شركة آثاث راقية.

بخطواتٍ ثقيلة تقدمت من السرير وجلستَ عليه، سحبت وسادة واحتضنتها، نوبةٌ أخرى من البكاء اجتاحتها، بكت بُكاء العالم بِأكمله، كل وجعٍ وهمٍّ في هٰذه الحياة كان في قلبها فبكته، حتى نامت محاطة برائحة ابنها الذي يُحيطه التراب الآن.

《مساءٌ حزين مختلطٌ بشوقٍ للغائبين》

في المساء، وبعد مغادرة الجميع إلا أقرباء غابريل الذين رفضوا الذهاب وأصروا على البقاء. أخو غابريل الأكبر نيكولاس وزوجته ذات الأصول اليونانية سامانثا، ابنته ألارا وزوجها مايك، وابنه رالف الذي كان في سن كارل وكانت تجمعُهم صداقة جميلة.

كان يذهبُ غابريل بين الفينة والأخرى للاطمئنان على حال زوجته، مُحاولًا إقناعها بتناول بعض الطعام أو حتَّى شرب الماء لٰكنها ترفض وتبقى صامتة، تنظُرُ إلى الفراغِ بِعيونٍ أهلكها البكاء وسرق منها ألقها، علَّها ترى طيف ابنها وتسأله عن حاله. سمعا صوت جلبة في الأسفل فقام غابريل مباشرةً ليرى ما حدث، أما ماريندة فبقيت مكانها، لا طاقة لها للوقوف ولا للكلام.

عندما نزل غابريل عن السلالم توقف لِبرهة، وهو يرى رالف و مايك يعانقان رجُلًا ما بِحرارة، كلا ليس رجلًا ما، إنَّهُ ابنه الأصغر الغائب عن الديار، لقد عادَ بعد سماعه الخبر، باديًا على وجهه الإرهاق و الأرق كحالهم جميعًا، فلم تغمض عينُ أحدٍ منهم ليلة أمس. انتبه لِوقوفِ شخصٍ في آخر الرواق، رفع بصره ليرى والده واقفًا، يرمقه بنظرةٍ مُغلفة بالشوقِ والألمِ وعيناه اغرورقت بالدموع، همس بِصوتٍ مسموع:

_ آرلو، بنيّ، لقد عُدت!

-ˋˏ ༻❁༺ ˎˊ-

مرحبًا
بدايةً، أتمنَّى أن تنال الرواية إعجابكم.

الأحداث حاليًا ستكون حول وفاة كارل.

في الواقع، أريدُ إعطاء كل شخصية حقها الكامل، فلذٰلك رُبما يجدُ البعض أنّ الأحداث ليست سريعة، أريد أن أشرح شعور كل فرد، ليتسنى لنا الغوص في كل الشخصيات. ظهورُ الشخصية الرئيسية النسائية قد يتطلب بعض الوقت.
على الأحداثِ السير بمنهاجٍ مُنظم.

أتمنّى أن تعانقوا الرواية بكل تفاصيلها، وأتمنّى أن تفعل هي المِثل لكم.

كُلُّ الحُبِّ لكم🤍💫

Themis | ثيميسWhere stories live. Discover now