🦋🦋الفصل السادس والعشرون🦋🦋

Start from the beginning
                                    

وقد فعلت اليوم بعد ان تناست هذا الحلم المرفه
لطالما كان لديها احلامًا كثيرة وردية مرفهة الى
ان سقطة واحدة تلو الأخرى في كل سنة ومرحلة
صعبة وجادة تمر من عمرها....
حتى تمسكت بحلمًا واحد كان اكثرهم واقعية ونسبة
نجاحه مضمونة لكن في لحظة ثقة خذلها وهوى من بين يداها على أرض الواقع الصلبة القاسية منكسرًا..
فمن غباؤها نست بانه يظل حلمًا يلوح في الافاق !....
توقفت السيارة وترجلا منها معًا...مسكت بيد عاصم
وهي تطلع الى هذا المكان الخرافي...وكانه مقتبسًا
من حكاية خيالية تروى قبل النوم....
للوهلة الأول وهم بسيارة ظنت انهما سيذهبا الى فندق او الى شقة في قلب المدينة لم تتوقع أبدًا
ان تاتي الى هنا....
في كوخ خشبي عصري الشكل ورغم البساطه الظاهره به يبدو عليه الفخامة ....
كان موقع الكوخ في أرضٍ ساحرة حيثُ الريف الأوربيّ الرائع... والطبيعة الخلابة بحيرة بعيدة
نسيبًا متوسطة الحجم اعلاها شلال صغير
تخرج من بين ثناياه المياة باللون الزمرد البراق
ينساب جاريا صادرًا صوت خرير المياة المنعش كسبائك فضية عند الهبوط تتجمع في تلك البحيرة العذبة بلونها الزمردي المميز.....
يحيط هذا المكان الرائع الجبال ولاشجار العالية الخضراء والحشائش التي تغطي الأرض وكذلك الشلال الصغير وكانها قطعًا من الجنة....
"سبحان الله.....ولا حول ولا قوة إلا بالله...."
قالتها شهد بتلقائية وهي تتأمل المكان بعينين
مبهورتين.....سعيدتين......
إبتسم عاصم بظفر عندما راى سعادتها تطل من عيناها فقال وهو يحيط كتفها متأملا روعة المكان الواقفين فيه والخاص جدًا كما أمر مؤجره....
"اي رأيك عجبك المكان....."
قالت بعفوية قريبة من القلب
"مينفعش تسأل السؤال ده المكان يجنن...معقول
هنقضي هنا شهر.... "
غمز لها قائلا بنشوة.....
"لو تحبي نفضل هنا العمر كله.. انا معنديش اعتراض....."
ضحكت بحرج وهي تتأمل المكان بعينين
عاشقة لكل ماينتمي للطبيعة...
"مش لدرجادي بس بجد المكان حلو اوي...تفتكر
هزهق منه....حتى لو قعدت فيه العمر كله..."
"تعالي نشوف الكوخ من جوه...هيعجبك أوي..."
دلفا معًا يدٍ بيد الى داخل الكوخ الذي لا يقل روعة
عن موقعه المميز كان رائع وعصري مصمم ومنسق
بريشة فنان.... كل شيء موجود لا ينقصه شيء
إلا عاشقان يقضيان به وقتا خاص ومميز بعيدًا
عن البشر والزحام....
وكم هي بحاجة لهذا معه جدًا...
احتوى عاصم خصرها عندما وصلا لغرفة النوم
والتي بدور العلوي وتطل نافذتها على هذا المنظر
الساحري حيثُ البحيرة والشلال الزمردي
وطبيعة الخلابة.....
ابتسمت شهد وهي تنظر لعيناه بظفرٍ
جميلا....
"مش مصدقة انك عملت ده كل عشاني..."
صحح المعلومة وهو يقربها منه أكثر....
"عشانا.. عشان نبقا مع بعض...ومتعرفيش
تهربي مني ابدًا...."
سالته ببراءة..... "امتى هربت منك...."
اخبرها وهو يداعب انفها بانفه بعد ان التصقت
بجسده.....
"من يوم ماعرفتك وانتي بتهربي....بس خلاص
فات وقت الهروب....."
تسارع نبض قلبها وهي تنظر اليه بضعف متأثره بهذا القرب الحميمي وحديثه المتملك...فتابع بجرأة..
"الجاي كله بتاعي ياست الحُسن....وكله اللي عملتيه
هيطلع عليكي من دلوقتي...."
حملها على ذراعيه فجأه فشهقة بخجلا وهي
تخبره بتمنع ..
"عاصم احنا لسه راجعين من سفر.....انا لسه متفرجتش على الكوخ كويس...."
لم يعقب على حديثها بل وضعها على الفراش وانضم إليها ثم مالى عليها يسحب السماعة من اذنها برفق ثم نزع السترة عنها وبدا يعبث في ازرار بلوزتها فقالت شهد بوجنتين متوردتين...
"عـ.....عـاصـم...."
"هشش ساعديني بسوكات....."
امرها بانفاسٍ متحشرجة وعيناه على شفتيها الشهية بينما اصابعه تشير على ازرار قميصه المغلق..فمدت شهد يدها بخجلا تساعده في التخلص منه كم أمرها....
وعند تلك النقطة لم يقاوم اكثر فمالى عليها يأخذ شفتيها في قبلة عميقة مشتعلة بالمشاعر المتقدة
بينهما......
فلفتهما عاصفة الحميمية وسلما الحصون للهوى
مستمتعين بهذا الاجتياح العاطفي الناتج عنه لذة
ليس لها مثيل.....
................................................................
زمت شفتيها بحنق وهي تحاول ربط الصمولة الحديديّة بالمفك لكن دون جدوى...
آتى عليها البواب واضعًا صندوق العدة قائلا...
"العدة اهي ياستاذة كيان فيها كل المفاتيح اللي هتحتاجيها...تحبي اساعد سيادتك... "
رفضت كيان وعيناها مركزة على ما تفعله...
"لا.. لا خليك ياعم عوض كتر خيرك انا متعوده
على كده....."
زم الرجل شفتاه معقبًا باستهجان وهو يراها منحنية قليلاً في جلستها على المقعد تحاول إصلاح جزءا
معين في دراجتها الهوائية...
"انا من رايي تبيعي العجلة دي يا أستاذة...وتجبليك
موتسيكل اشيك....."
رمقته كيان بعدائية مجيبة....
"بلاش تفتح السيرة دي تاني عشان منخسرش بعض ياعم عوض..."
تراجع عوض عن حديثه موضحًا بتململ..
"انا مش قصدي حاجة والله انا بس شايفك شقيانه
وتعبانه بيها وكل شوية تصليح وهات العدة ياعوض وودي العدة ياعوض...وخد بالك من عزيزة ياعوض
يعني كده كتير والله يا أستاذة امال لو كانت موديل
السنة كنتي عملتي إيه...."
رفعت كيان حاجبها واشارت له باصبع التحذير...
"فرمل مكانك انت زودتها أوي....الا عزيزة...مالها
مش عجباك بصلها كويس شايف إيه..."
رد الرجلا ببلادة...... "عجلة...."
برقة بعيناها تشير على الدراجة مجددًا
مُصرة..... "لا.... بص كويس....."
أكد الرجل جافلًا وهو ينظر الى الدراجة
بقوة... "والله العظيم عجلة يا أستاذة....."
مطت كيان شفتيها بتبرمًا قائلة...
" غلط دي مرسيدس أحدث موديل تعرف ليه انا شيفاها مرسيدس ياعم عوض...."
نظر لها الرجل بارتياع كمن ينظر الى مختلة
عقليًا..... "ليه...."
اضافت كيان بابتسامة واسعة وهي تنظر الى
دراجتها الحبيبة بفخر....
"عشان انا ببص على الجوهر الداخلي... وعزيزة اللي مش عجباك دي تلف العالم في نص ساعة..."
عقب الرجل ببلادة وهو ينظر اليها...
"ماشاءالله يأستاذة.. دي على كده اسرع من الكوتكوت.. "
رددت كيان الكلمة باستفهام..
"كوتكوت ؟!....دا نزل امتى دا كمان....."
إتساعت حدقتا عوض متفاجئا وهو ينظر
خلفها....قائلا بحفاوة....
"اهاه الأستاذ سليم وصل...أهلا ياستاذنا...."
صف سليم سيارته الفارهة امامهما وترجل منها
بكامل اناقته المعتادة بحلة رسمية أنيقة مصفف شعره الغزير للخلف..يظلل عيناه بنظارة سوداء
فخمة...واخيرا يضع عطره الرائع القوي الذي زكم
انفها فور اقتربه منهما مردد التحية للبواب امرًا...
"ازيك ياعوض..... طلع الشنطة دي فوق وافتح
المكتب....."
"من عنيا يا أستاذنا... "اخذ منه عوض حقيبة العمل وهرول الى الداخل....
بينما نظر سليم لعيناها الفيروزية قائلا بتحية
صباحية فاترة.....
"صباح الخير...اي اللي موقفك كده.. مطلعتيش ليه...
عندنا اجتماع مهم النهاردة...."
"صباح النور الأول....."قالتها كيان بابتسامة
صافية ثم اشارة على الدرجة.....
"عزيزة تقيلة حبتين في المشي...فكنت بربط الصوميل....وبشحمها... "
رمق سليم ما تقوم به بعدم رضا....فقالت
هي بهدوء....
"اطلع انت وانا خمس دقايق وهاجي وراك.... "
امتقع وجه سليم معترضًا بقنوط....
"مينفعش ياكيان سبيها ونبقا نوديها عند اي حد
يصلحها..."
رفضت بتعنت كالعادة....
"لا طبعًا هي فاضل فيها حاجات بسيطه وهخلصها اطلع انت....."
عندما ابتعدت عنه جلست مكانها على المقعد الخشبي وامامها الدراجة تقف أرضا منقلبة على رأسها..
عند مراقبته لها بدأت له وكانها تعافر لربط الصمولة الحديدية بالمفك الصلب بيداها الصغيرة....
نظر سليم للسماء بنفاذ صبر ثم تنهد بضيق
وهو يتجه إليها.....قائلا بغلاظة...
"اي رأيك تبيعي عزيزة بتاعتك دي...واجبلك
عربية هدية مكانها...."
اشرف عليها بطوله الفارع واقفا جوارها مما جعلها ترفع عيناها الى مستوى عيناه الحانقة منها...لتقول
بعدها بالامبالاة....
"والله دي هدية محدش يرفضها...بس انا ليه ابيع
عزيزة..."
أوغر صدره بالغيظ فقال بهيجان مكتوم....
"عشان اخلص من الفرشة اللي انتي فرشاهالي كل
يومين تحت المكتب...ماهو ده مش منظر محامية
مثقفة ودماغها توزن بلد...لا وبتشتغل معايا في المكتب كمان...."
رفعت كيان راسها بكبرياء...
"اي اللي يقلل مني يامتر لما أصلح عجلتي بأيدي.."
رفعت يداها اليه بفخرٍ ليرى يداها المتسخة
بالشحم الأسود اثار التصليح لذا لوى شفتيه
ممعتضًا مشيح بعيناه عنها ففعلت المثل وهي
تغلق كفيها بضجر....
خلع سليم السترة عنه بحنق شديد ووضعها في نافذة السيارة المفتوحة ثم عكف كم ساعديه
قائلا...
"فاضل ايه في تصلحيها يافيلسوفه هانم.."
ردت باقتضاب... "الصمولة بس وزيت الجنزير...."
نظر للسماء بجزع....."الصبر....."ثم اقترب منها
واخذ المفك من بين يدها وقام هو باكمال تلك
المهمة بسهولة....
نظرت له كيان بطرف عيناها....
"انت مضايق اوي كدا ليه....اي اللي حصل لده كله.."
اخبرها بوجه محتقن بالغضب وهو يتابع التصليح دون توقف...
"ولا حاجة... ولا اي حاجة عندنا اجتماع بس مهم وفي اي لحظة ممكن يوصلوا الوكلا وانا وانتي سايبين المكتب وبنزيت جنزير عزيزة تحت المكتب.....هو في حاجة هتحصل اكتر من كدة..."
زفرت كيان منزعجة....
"على فكرة بقا انا قولتلك اطلع وانا جايه وراك..."
زأر كالاسد وهو ينظر لعيناها بسطوة خطرة.....
"واسيبك في الشارع بالمنظر ده تبقي فرجه للرايح والجاي...ااه منك ياكيان....اااه....."
قالت كيان بتململا...
"يووو بقا اللي حصل..كنت هزيت الجنزير واطلع علطول.."
رمقها سليم بطرف عيناه بسخط وهو يمسح جبينه بظهر يده مزيح قطرة العرق التي تجمعة فوقة.....
فلتة ضحكة من بين شفتي كيان كتمتها سريعًا بعد
ان نظر لها سليم بقوة مستفسرًا....
"بتضحكي على إيه...."
بللت شفتيها وهي تشير على
جبهته بتردد... "وشك عليه شحم...."
عض على شفتيه بغضب وهو ينظر اليها شزرًا....فازدردت كيان ريقها بخوف....
"عادي بيطلع بالمايه والصابون مالك...ما انا ايدي
زيك...وبعدين انت اللي عرضت المساعدة...مترجعش
تبص وتكلم...."
سالها سليم بتجهم....
"انتي ليه متمسكة بالعجل دي اوي كده...."
لمعة عيناها فجأة وهي تخبره بظفر...
"دي اول حاجة اشترتها من مرتبي....فعشان كده
غالية عليا بينا ذكريات حلوة....اصلي من النوع اللي بيقدس وبيحترم كل حاجه حلوه في حياته...حتى
لو كانت عجلة...."
أشاح سليم بوجهه عنها قائلا بفظاظة...
"سامحيني حاولت اتأثر بس مش عارف....لسه عند وعدي بعيها واجبلك مكانها عربية هدية مني ليكي..."
انكمشت ملامحها بضجر...
"طول مانت بتحسبها كده...عمرك ما هتحب
عزيزة...."
اجابها سليم بوجوم...
"كفاية انتي بتحبيها ومطلعه عيني معاكي
عشانها...."
"اي دا بقا...مش وقته خالص... "اتى صوت كيان مصعوقًا خارج حدود النص....
مما جعله ينظر اليها بعدم فهم....
"في إيه....."سالها سليم وهو ينظر الى السيارة الفارهة التي وقفت امام باب البنية وقد ترجل
منها الوكلاء المهمين الذين اتخذوا معاد منذ أيام قليلة للحضور واقامة اجتماع مهم معهم يحدد
مسار القضية الكبيرة التي يترافع عنها....
جز سليم على اسنانه وهو ينظر لها بغضب من مظهره الآن فكانت يداه ملطخة بالشحم وكذلك جبهته وجالسًا امام دراجة هوائية مقلوبة وبيده مفكا
حديدي....مظهرٍ لا يوحي أبدًا بانه (سليم الجندي.)
رجل القانون والمحامي المعروف في مجالة والذي
لديه وكلاء اثرياء من كافة المجالات المهمة ولا
يثقوا إلا به....
هذا الموقف الآن كارثي بكل المقاييس وكل هذا
من خلف راسها هي وتلك الدرجة العجيبة...سحبها سليم سريعًا وفي لحظة خاطفة خلف سيارته حتى
لا يراهما رجال الأعمال بهذا الشكل المخزي...فيكملا طريقهما الى المكتب للأعلى وهما يلحقا بهما دون ان يتعرضا لموقف سخيف يقلل من شأنهما...
قالت كيان بضيق وهي تخفي رأسها خلف
السيارة....
"اي اللي بتعمله ده....يقول علينا إيه...عيال..."
زمجر سليم من بين اسنانه دون النظر
إليها....
"احسن ما يقوله متسولين...اسكتي لحد ما
يطلعوا...."
قالت كيان باستخفاف....
"انا مش عارفه انت مكبر الموضوع ليه..مفهاش
حاجة تحرج على فكره.....اكيد لم عربيتهم بتعطل
في نص الطريق بيضطره يصلحوها.... "
اخبرها بتشنج مكتوم...
"بس دي مش عربية دي عجلة...."
رفعت حاجباها باستنكار.....
"ومالك بتقولها بقرف كده ليه ما تشبهش يعني
عربيتكم...."
أكد ببرود... "لا والله... ماتشبهش....."
قالت بتحذلق وانفها يعلو في السماء....
"دا عشان مش بتبص للجوهر الداخلي..."
"إتنيلي ووطي صوتك...."تافف سليم وهو يتأكد من دخولهما الى البنية المنشودة.....
بينما قالت كيان بترفع.....
"لا عندك مش دي الطريقه خالص اللي تسكتني
بيها...."
نظر لها سليم ثم أبتسم بعصبية
قائلا...
"ممكن تسكتي يانسة كيان...."
اومات براسها بغرور.... "اذا كان كده ماشي..."
فخرجا معًا من خلف السيارة متجهين الى الداخل
بمظهرٍ مزري....
"استاذ سليم....."
توقف سليم مكانه وهو يعلم صاحب الصوت جيدًا
انه السكرتير الخاص لأحد الوكلاء الذين سبقوهما
للأعلى....
يجب ان يستدير فلن يقلل من نفسه مرتين
يكفي هذا....
ادار وجهه الى الرجل مدعي الدهشة وهو
يبتسم بترحيب....
"اهلا ازي حضرتك يافريد بيه...."
لم يمد الرجل يده بعد ان راى يد سليم الملطخة
بالشحم ومظهره الغير مهندم اطلاقًا وهذه أول
مرة يراهُ هكذا...
"هو حضرتك مش في المكتب ليه دا البهوات
لسه طالعين لحضرتك..."
ابتسم سليم بحرج معتذرًا....
"اه اصلي لسه جاي والعربية كانت عطلانه فكنت
بشوفها...."
اوما الرجل براسه بتفهم وبدأت بوادر الارتياح
تظهر على محياه.....
"اه.....تمام طب يلا بينا....لان انت عارف وقت البهوات ضيق وعندهم اجتماع في الشركة كمان ساعة.."
اخبره سليم بنفس الإبتسامة الدبلوماسية...
"تمام اتفضل هجيب چاكت البدلة واطالع وراك... "
عندما ابتعد الرجل عنهما أخبرها سليم
بجدية.....
"اعملي حسابك الاجتماع ده انتي هتحضريه معايا وهتقدمي المُذكرة اللي بقالك اكتر من شهر بتكتبيها...وهتشرحي كل حاجة فوق بتفاصيل... "
خفق قلب كيان بتخوف...
"ما بلاش المرادي ياسليم....انا مش جاهزة...."
نظر لها بجدية وهم يستقلا المصعد معًا..
"دي فرصتك...أمال الشهادة اللي خدتيها لزمتها
إيه....وشغلك معايا أكتر من سنة بحالها فين ثمارة
يااستاذة..."
صمتت بتردد وهي تنظر الى الأرقام المضيئة امامها...فوجدته يمسك كفها بين يده قائلا
بنظرة ونبرة مشجعة....
"انا واثق فيكي ياكيان....وعارف انك قدها...."
.................
تنوعها خطير وكانه يقف امام عدة شخصيات نسائية الشيء الوحيد الذي يجمع بينهن اسمٍ مشترك (كـيـان...)
احيانا يراها شابة جميلة رقيقة مفعمة بالحب والحياة شقية مرحة....واحيانا يراها في بعض الأوقات شابة شرسة حادة مزاجها متعكر طوال الوقت تمقت على جميع من حولها دون سبب مقنع....واحيانا ايضًا يراها طفلة بائسة مسكينة تحتاج بعد التدليل والعطف حتى ترضى....
ومن بين كل التناقضات اليوم يراها أمرأه قوية تقف
على ارضًا صلب وامام كبار رجال الأعمال تتحدث
ببلاغة وثقة جذبت الانظار اليها....
كان يراقبها من خلف مكتبه يسمع كل شيءٍ تقوم
بشرحة من ملابسات القضية وكيفية تقديم مرافعة
ودلائل قوية تخضع لها النيابة والقضاء......
بد الجميع مرتاح بعد هذا الاجتماع والنتائج المثمرة
من خلفه.....
فقال أحد رجال الأعمال معبرًا عن امتنانه لمجهودهما الجبار في تلك القضية الكبيرة.....
"انا مش عارف اشكرك ازاي يامتر...بس بعد الاجتماع ده انا بقيت ضامن اني هكسب القضية....خصوصًا ان الاستاذة عملت مجهود جبار عشان توصل لحلول قانونية مدهشة..."
ثم استرسل وهو يصافح كيان
بحرارة....
"حقيقي انا ممتن لحضرِتك....."
بادلته كيان المصافحة بابتسامة عملية....
"انا معملتش غير شغلي ان شاء الله نتقابل في المحكمة ونسمع اخبار حلوة...."
اكد الرجل بحبور..... "باذن الله يأستاذة...."
اخبره سليم بتذكر.....
"بس بلاش تنسى الاوراق اللي اتفقنا عليها دي هتفيدنا اوي في المرفعة....."
اوما الرجل وهو يشير الى السكرتير الخاص بتلك
الشؤون....
"طبعا يامتر....فريد هيتواصل معاكم وكل اللي تطلبوه هو هينفذة....وان شاء الله نتقابل في المحكمة..وزي ما الاستاذة قالت نسمع الاخبار
الحلوة هناك..."
"باذن الله شرفتونا....."
اصطحبهما سليم للخارج تارك كيان خلفه تقفز بسعادة طفولية بعد ان قدمت مرافعة قوية
أمامهم...
عندما عاد سليم اليها نظر لها مبتسمًا معقبا
بحنان...
"برافو ياعصفورة....واضح ان التلميذة اتفوقت
على أستاذها...."
قالت كيان بابتسامة واسعة....
"طبعًا مقدرش هتفضل انت الاستاذ ورئيس
القسم كمان..."
اوما براسه مستأنف بحزم...
"عايزين نشتغل كويس اوي على القضية دي...."
قالت كيان بتفاني....
"انا معاك شوف انت عايز إيه...وانا اعمله...."
نظر لشفتيها الشهية قليلا معقبًا
بنبرة وقحة...
"ياريت هترضي ياعصفورة...."
تخضبة وجنتيها فقالت بحزم....
"بلاش تخرج عن النص احنا بنتكلم في الشغل...."
"طب هاتي الكرسي بتاعك ويلا عشان نبدأ نشتغل...."
اومات براسها وهي تجلب مقعدها لتضعه بجواره
فسحبها سليم فجأه لتقع جالسة على ساقيه ثم قيدها بذراعيه قائلا بوقاحة...
"فيها اي لو نختصر المسافات وتقعدي هنا...."
حاولت التملص منه بعنفًا وهي تصيح بتشنج...
"فيها سفالة وقلة آدب ابعد ايدك ياسليم لو سمحت...."
حل سليم ذراعيه عنها سريعًا عندما وجدها تعافر بين
يداه بتلك القوة الجادة...
"هو انتي ليه مش قادره تنسي....."
"انت اللي بتتعمد تفكرني بحركاتك دي...."كانت صريحة جدًا في اجابتها فقد نطقت بها بعصبية
وهي تنهض من على ساقيه....
صرح سليم بعصبية.....
"كيان انا زهقت......انا هكلم والدك نقدم معاد فراحنا...."
رفضت بعناد وهي تنظر اليه...
"لا طبعا.... احنا اتفقنا ان فرحي هيبقا مع أخويا....."
احتدم الأمر اكثر بينهما عندما قال بوجه
مكفهر.....
"إتفاق جاي على هواكي مش كده.... "
امتنعت عن الرد وهي تشيح بعيناها عنه....فأمرها بقوة جبارة......
"ارجعي على مكتبك..... سبيني لوحدي...."
نظرت اليه بدهشة وعندما امتنع عن النظر اليها وبدأت بوادر الغضب والجدية الشديدة تظهر بخطوط عريضة على وجهه انسحبت فورًا
بخطوات متسرعة بعصبية وكبرياء...
وهي عاجزة عن فهم تلك العلاقة ومدى تأثيرها على مشاعرها وافكارها....
.......................................................................
سحبت نفسًا مضطرب الى صدرها الذي يموج الان
بمشاعر عديدة مابين قمة السعادة و...الرهبة من الانزلاق من اعلاها...
وقفت امام باب شقتها (العش الزوجي..)المقدر الإقامة بها بعد الزواج.....
كانت بصحبة حمزة حينما وضع المفتاح في الباب
ودفعه للدخول....
ارتجف قلبها بين اضلعها وهي تأنب نفسها للمرة المائة على الذهاب الى هنا بمفردهما...كان من المفترض ان ترافقهما (كيان)لكنها اعتذرت
بسبب العمل المتراكم عليها....
"ادخلي ياقمراية وقفه كدا ليه...."
اوقف سيل الأفكار وصخب المشاعر صوته العابث
بعدما دلف الى الشقة قبلها منتظرها على عتبة
الباب من الداخل.....
نظرت اليه قليلًا بتردد....فغمز هو لها قائلًا بشقاوة..
"اوعي تكوني خايفه مني...انا مش بعض...انا باكل
علطول...."
مزحة سخيفة جعلتها تبرم شفتيها بتقزز.... فضحك
هو مشيرًا لها بان تدخل بقلة صبر.....
بلعت ريقها وهي تسمي الله متخطيه عتبة الباب بقدمها اليمنى..... قائلة بعد ذلك بهدوء....
"بلاش تقفل الباب.. سيبه مفتوح...."
اوما حمزة براسه بانصياع وعندما خطت خطوتين للداخل وجدت الباب يغلق من خلفها بصوتٍ عالٍ
مما جعلها تنتفض في وقفتها ناظرة اليه بغضب
رفع حاجباه ببراءة قائلا...
"الهوا قفله...."
زمت شفتيها وهي تدور بحدقتاها حول زوايا الشقة
التي كانت عبارة عن جدران بيضاء....
تقدم حمزة منها وسار جوارها قائلا...
"اي رايك في الشقة واسعة وحلو....وبطل على البحر..."
قالها وهو يتجه لأحد النوافذ وفتحها امام عيناها لتجد البحر أمامها مباشرةٍ في منظر ساحري افتنها
فتلونت شفتيها في ابتسامة حلوة كجمال بنيتاها
الان.....
اقتربت من النافذة وتأملت الشارع الرئيسي والسيارات السريعة التي تمر من عليه يليه البحر
مباشرةٍ وزرقة المياة الصافية والنسيم البارد
المعطر بالمياة المالحة.....
"المكان حلو أوي..كفاية انها بطل على البحر فعلاً.. "
اخبرها بغرورٍ ذكوري لعين....
"قوام كده وقعتي في غرام بحرنا... انا فاكر انك عندك حساسية من البحر أصلا...."
قالت بجدية ووجهها يشع براءةٍ....
"ولسه عندي حساسية.... بشرتي حساسة على
فكرة وبتتاثر من اقل حاجة...انت مش مصدقني.."
شملها بنظرة وقحة معقبًا بلؤم.....
"مش محتاج اصدقك او اكدبك....بكرة أتأكد
بنفسي...."
توهجة وجنتاها كشعلتين صغيريتين من اللهب فور
التعبير الصريح في عسليتاه الوقحة....
مما جعلها تشير بعشوائية مضطربة الى جدار ساقط
نصفه ارضًا تتناثر منه اجزاء صغيرة من الحجار...
"هي الحيطه دي وقعه ليه...."
اجابها بهدوء وهو يقترب من الجدار الواقع
نصفه.....
"ماهم دول شقتين مفتوحين على بعض...."
وكانه لطمها بقوة على وجهها فوقفت للحظات متسمرة مكانها مبهوتة تسمعه وهو يتابع بفتورٍ
"ان شاء الله العمال هيبداو يشتغلوا فيها من اول
بكرة... عشان كده جبتك النهارده تشوفيها عشان
لو في اي حاجة عايزة تغيريها..دي شقتك
برضو قبل ما تكون شقتي....و.... "
كانت تراقبه بصمتٍ واهتمام لكن عقلها كان بعيدًا
اذنيها كانت تسمع صوتٍ آخر صوت شهد عندما
كانا يتبادلا أطراف الحديث حول علاقته بــ(نجلاء)
اخبرتها شهد يومها ان الشرط الذي عجز حمزة
عن اتمام الزواج قبل ان تخونه مع المدعو سامح
زوجها الحالي... ان امها طلبت شقتين من عمارة
ابيه يضمهم حمزة الى بعض ويتم تسجيلهم بأسم
ابنتها....
فعلمت ايضًا ان ابيه لم يوافق حتى على استئجار شقة واحده من أحد العمارتين بل امتنع ووقف امامه بالمرصاد فخسر الفتاة واختارت هي بدورها من يدفع اكثر ويوفر لها احتياجاتها هي وامها.....
لماذا كل شيءٍ موجع ومتعب في هذه العلاقة وكانها
المرأة الوحيدة التي ترتبط برجلًا سبق له الارتباط
الرسمي بغيرها ؟!..
لماذا تتعرقل في سيرها كلما اقتربت منه خطوة تجد
نفسها تقع بقسوة على ارضًا صلبة ذو اسلاك شائكة !...
اشار لها حمزة بان تتبعه من خلال فتحت هذا الجدار
الواقع حتى ترى الجزء الاخر من الشقة.....
فأومات براسها بمنتهى الصلابة دون ان تكشف
عن الحرب الشعواء التي تقام داخلها الآن...بينما
الأسئلة تقفز في عقلها كالناقوس بالحاح مزمن...
(لماذا.....لماذا تحقق هذا الشرط الآن رغم انكم انفصلتما ولم يعد هناك شيءٍ يجمعكما؟....ماذا تريد
ان تثبت؟.....وماذا عني انا؟!....انا لا افهم شيءٍ ؟....)
تعرقلت في أحد الأحجار الصغير وهي تتخطى
هذا الجدار وكادت ان تسقط على وجهها لولا
ذراع حمزة التي امتدت امامها تمنع سقوطها
ومنه لامس صدرها الذي ارتطم في ذراعه.
تشبثت في سور الجدار بيدها وهي تنظر اليه
بصدمة فسحب هو ذراعه بحرج قائلا
بغلاظة...
"حاسبي...مش عارفه تقعي ولا إيه...."
لم تبتسم بل مزالت تحت تاثير الصدمتين الأولى مفاجأة الشقتين المفتوحين على بعضهما والثانية
تعرقلها وذراعه على......
اغضمت عيناها بحرج شديد بينما سرى في جسد
حمزة نشوة غريبة فور ملامسة هذا الجزء الانثوي
الطري جدًا.....
ارجعت قمر خصلة من شعرها خلف اذنيها
قائلة....
"مخدتش بالي....."
اخبرها حمزة بنظرة عابثة.....
"ولا يهمك انا موجود....اقعي انتي بس وملكيش دعوة بالباقي...."
اختلج قلبها فرمشت بعيناها عدة مرات وهي تتخطاه داخله الى الشقة الثانية والتي كانت ايضًا تحتاج الى الكثير من العمل حتى تجهز كشقة عريس.....
أشار لها حمزة على أحد الغرف قائلا....
"دي بقى هتبقا اوضة أطفال...اي رايك مساحتها كويسة..."
رق قلبها وعيناها وهي تدلف الى تلك الغرفة ذات
الحوائط البيضاء....قالت وهي تطلع على كل ركنا
بها.....
"تعرف ان دي هتكون أحلى اوضة في الشقة
كلها.... "
سالها حمزة بحاجب معقود وهو يقف
خلفها..."واشمعنا بقا....."
قالت بصوتٍ دافئ وهي تتأملها ببنيتان لامعة....
"إحساسي بيقول كده....انا بحب الاطفال أوي..وطول
عمري نفسي لما أتجوز اجيب اكتر من طفل عشان
ميبقاش وحيد زيي...."
نظرت لعيناه مصرحة....
"تعرف اني اتخيلت شكلهم وصوتهم وملامحهم..."
سالها حمزة وهو يستند على الجدار خلفه ناظرا
اليها باستمتاع.....
"دا عشان احنا اتخطبنا ولا الكلام ده من قبل ما تشوفيني أصلا......"
قالت بتورد ممزوج بالحياء... "الإتنين بصراحة...."
"هما أهلك كان عندهم مشكلة في الخلفة بعد ما جبوكي....."
سالها حمزة وهو يتأمل تفاصيلها المليحة من أول
شعرها الغجري المتأرجح خلف ظهرها بدلال حتى
ثوبها الصيفي الطويل بألوانُ الداكنة...
شردت قمر في تلك الذكرى الجميلة والمؤلمة
لكونها باتت مجرد ذكرى تحفظها على ظهر
قلبها المشتاق.....
فقالت بحنين وهي تنظر للبعيد مستعيدة
الذكريات....
"من قبل كمان ما اجي الدنيا....كانت ماما عندها مشكلة في الخلفة ومع ذلك بابا فضل معاها ومسبهاش ورضي بقضاء ربنا...فجيت الدنيا في لحظة يأس زي ما بابا كان بيقولي دايما.....جيتي
في لحظة يأس ياقمري نورتي حياتنا...عشان
كده سمناكي قمر.... "
ردد حمزة الكلمة وهو يمط زواية شفتيه
الجانبية.... "قمري ؟!...."
لسعة الدموع عينيها وهي تتبسم قائلة
بصوتٍ متحشرج.....
"بابا مكنش بيناديلي غير بيها...."
"واضح انكم كنتوا قريبين اوي من بعض.."سألها حمزة بصعوبة وكانه يمضغ حصى قاسٍ ..
فاي شيءٍ له علاقة بمشاعر الابوة يهتز معها قلبه
رغمًا عنه وكانه مزال صغيرٍ ينتظر عطفٍ او نظرة
اهتمام من أبيه ؟!...
انسابت دمعة حزينة على وجنتاها وهي
تخبره بحرارة....
"جدًا....كنا صحاب اوي كانت ماما احيانا بتغير
مني على بابا......مع ان علاقتهم مع بعض كانت
جميلة أوي...كنت تشوفهم كده نفسك تتفتح
على الجواز والحب....كان حبهم احلى من
اي رواية حب قراتها......كنت بشوف كل واحد
في عين التاني.....بنظرة حب عمري ما شوفتها
في عيون حد بعضهم....."
أبتسم حمزة بسخرية وهو يقارن هذا بطفولته
المأساوية وعلاقة والديه الكارثية المليئة
بالكره والبغض......والاهانة والضرب...
فقالت قمر بنبرة حزينة وعينين مليئتان
بالدموع....
"من كتر ماهم متعلقين ببعض ماتوا ورا بعض ماما
قعدت سنين عايشة على الذكريات وبعد كده سبتني
ومشت بعيد......"
إضافة قمر وهي تنظر اليه....
"عشان كده نفسي اوي اجيب اكتر من طفل عشان يبقوا مع بعض سند وضهر....زيك انت واخواتك
كده....."
لم يعقب حمزة فقالت قمر بحرج....
"مش بحسد طبعًا بس انا بحب اشوفكم مع بعض
بحس بدف العيلة واللمه اللي اتحرمت منها
سنين...."
ابتعد حمزة عن الجدار متقدمًا منها...
"بتكلمي كده على أساس إنك مش فرد مهم في العيلة دي...."
سالته بتيه...... "تفتكر ياحمزة..."
رق قلبه لها فمسك يدها قائلا بعطف...
"ولسه بتسألي انتي بنت عمتنا ياهبلة...وقريب
قوي هتبقي مراتي.....مراتي ياقمراية....."
تبادلا النظر قليلًا فمد حمزة يده يمسح الدموع من على وجنتاها وهو يأسر بُنيتاها بنظرات....
تخللت انفاسه الرجولية المنكهة بالقهوة المُرة رئتاها لقربه الشديد منها فاغمضت عيناها لثانية ضائعة في جمال اللحظة تاركة كل شيءٍ خلف ظهرها يصرخ بان تتوخى الحذر فتلك العلاقة سامة بكل المقاييس..
تأمل قسمات وجهها المليحة بيده وكانه يرسم تفاصيلها بابهامة.....وعندما وصل كفه لشفتيها وفي غمرة النشوة طبعت هي قبلة حانية بداخل كفه....
من خلالها اهتز قلبه معها من رقة التعبير عن حبها
له....حب عاجز ان يبادلها إياه...حبٍ بحث عنه داخل قلبه ولم يجده فهو ممحى مع أخرى اتت قبلها مدمرة
كل شيءٍ حلوٍ متبقي داخله وتركت خلفها ركام رجلًا يحيا على الهامش ؟!...
وكانه أصأب بماس كهربائيّ نزع يده عنها فجأة محاولًا ان يفيق من تلك الحالة الغريبة....
رجعت قمر خطوة للخلف بحرج وهي ترجع خصلة
زغبية من شعرها خلف اذنها....فاخذ حمزة نفسًا متهدج اثار حرارة المشاعر المتقدة بينهما الآن....
"يلا بينا ياقمر....لو قعدنا اكتر من كده سوا
متلومنيش على اللي هيحصلك...."
قالها بنبرة شقية مصرحًا عن ضعفة امام جمالها لكن في قرارة نفسه هو يهرب من الحب...وهي صورة متكاملة للحب النقي الذي اتى بعد فوات الأوان....
اخبرها والدها انها اتت الى الدنيا في أكثر لحظاتهما يئسٍ وأنارة الدنيا بوجودها.....وها هي الان تاتي
اليه بالحب بعد ان مات قلبه من شدة اليأس !...
فكيف لكِ ان تنعشي قلبًا مات من قسوة الحيآة ؟!..
............................................................
صعدا على السلالم معًا في رحلة قصيرة الى الدور
السابع فقد اخبرهما البواب بان المصعد في الصيانة
اثناء صعودهما معًا كانت تمسك قمر علبة ورقية
تحتوي على ثمار اشبه بالطمام بحجم حبة العنب من اللون البرتقالي تقبع داخل قشرة ورقية جافة يسهل
إزالتها....فاكهة استوائيّة تدعى (حرنكش..)...
تلذذت في طعمه الاذع القوي وهي تنظر الى
حمزة قائلة....
"برضو مش عايز تاخد واحده....."
مط حمزة شفتيه وهو ينظر الى الحبة البرتقالية
بين اصابعها بامتناع....."قولتلك مش عايز....."
مضغتها بتلذذ قائلة.... "على فكرة طعمها حلو....."
رفض حمزة مجددًا.... "مززه مش عايز...."
مطت قمر شفتيها بسخرية....
"بتكلم على المزازة وانت مدمن قهوة سادة..."
اخبرها بصلف.... "على الريحة مش سادة...."
قالت بجدال....
"رشت السكر اللي بتحطها دي ولا بتعمل اي
حاجة..."
رد بغلاظة وهو ينظر الى الحبات البرتقالية...
"بنسبالي انا بتعمل كتير....وخليكي في الحرنكش بتاعك...."
بعد ان تخطى معًا ثلاثة طوابق كاملين قالت قمر بتافف وهي تبدي ازعجها من الأمر....
"انا مش عارف اي حكاية الاسانسير اللي كل شوية
يعطل ده...على اساس ان احنا ساكنين في دور الاول
يعني...."
نظر لها حمزة بوقاحة قائلا...
"لو تعبتي انا ممكن اشيلك "
امتقع وجه قمر فقالت بحزم.... "احترم نفسك...."
رفع حاجبٍ بريء..... "انا غرضي شريف...."
رمقته بطرف عيناها قائلة....
"اوي بصراحة باين عليك...."
"اي ده....."قالها حمزة وهو يتوقف عند أحد الأدوار
مشدوهًا بعد ان رأى امرأة واقعه أرضا في منتصف
الطريق ويبدو انها في حالة اغماء.....
اقتربت منها قمر مهرولة بهلع وكذلك حمزة وبعد ان جثى على ركبته اتضح ان تلك المرأه هي....نجلاء
نهضت قمر من مكانها بصدمة وهي تنظر اليها ثم
الى علامات الضرب على وجهها والى حمزة الان
الذي مزال مكانه لم يبتعد مثلها بل كان يحاول افاقته بتعابير وجه غير مقروءة..
اهو شعور انسانيًا يخص به اي شخصًا في هذا الموقف ام انه شعورٍ خاص يحمله لكونها
الحبيبة السابقة له ؟!....
تخبطت بين السؤالين بقسوة وكانها اللطمة الثانية
لها على التوالي.....
نظر لها حمزة قائلا بخشونة....
"مش بتفوق.....بس في نبض....انا هطلعها شقتها
مش هينفع نسبها كده...."
وقبل ان ينتظر ردها حمل نجلاء على ذراعيه بخفة
وكانها لا تزن شيءٍ ثم أكمل طريقة وهو يأمرها
بخشونة...."تعالي ورايا....."
مكانها مصعوقة من هذا المشهد وقلبها يئن
وجعًا وكانه يعتصر بين يداه الآن وهي تراه حاملا
على ذراعيه أخرى يتخطى بها الدرج بينما يأمرها
بان تلحق به بمنتهى التجبر....
تركت العلبة الورقية تقع ارضًا وتناثرت الحبات البرتقالية في كل مكان حول حذاؤها وهي تراه
بعيناها الجاحظة يتابع طريقه للأعلى دون
الالتفات إليها ولو بنظرة عابرة !....
فلسعة الدموع عيناها بقسوة وهي تأخذ اللطمة الثالثة بروح مهشمة......
عندما فتح الباب نظرت والدة نجلاء الى ابنتها المحمولة على ذراع حمزة فاقدة الوعي صرخت
فورًا وهي تصيح بولولة....
"يالهوي يالهوووي بنتي....عملت اي في بنتي..."
صاح حمزة مزمجر بوجهًا محتقن...
"وسعي ياولية خلينا احطهالك في اي حته دراع
امي اتخلع....."
ابتعدت المرأة عن الطريق وهي تتابع بولولة...
"عملت اي في بنتي ياحمزة مالك ومالها..احنا مش فضناها سيره وكل واحد راح لحاله وبنتي اتجوزت وانت خطبة غيرها مالك ومالها....."
وضع حمزة نجلاء على اقرب اريكة قابلته فأستقام
واقفًا وهو يدلك ذراعيه فقد صعد بها ثلاثة ادوار
كاملة......
بينما صرخة والدة نجلاء بعد ان رأت وجه ابنتها مليء بكدمات ارجوانية اللون وكان من عنفها
بتلك القسوة يتدرب على وجهها كـكيس ملاكمة..
مما جعل والدتها تشهق عدة مرات وهي تضرب
على صدرها بقوة.....
"ياضنايا يابنتي....مين اللي عمل فيكي كده..."
فرفعت عيناها سريعًا الى حمزة وانقضت
عليه تمسكه من ياقة قميصة صائحة باتهام...
"انت مديت ايدك عليها....دا انا هوديك في ستين داهيه....انت اتهبلت ياواد.."
نزع حمزة يداها عنه بقرف وهو يزم شفتيه
بازدراء....
"انتوا هترموا بلاويكم عليا بقا ولا إيه...بنتك اهيه فوقيها واساليها اذا كنت انا اللي ضربتها ولا النطع اللي متجوزاه...."
"سامح ميعملهاش....." قالتها وهي تذهب الى غرفتها
في لحظة ثم عادت وبين يداها زجاجة عطر فتحتها ورشت القليل على يدها وقربته من انف ابنتها....
بينما يقف حمزة يتابع الأمر ببرود وتشفي واضعًا يداه في جيب بنطالة بملامح جافية....
انتفضت نجلاء وهي تفتح عيناها بصعوبة وأول
شيءٍ راته كانتا عينا حمزة المتوهجة بنيران
الضيق والمقت.....
بلعت ريقها وهي تنظر الى امها بعدم فهم... فقالت
امها بغضب....
"اكلمي يانجلاء ياحبيبتي متخفيش... هو اللي مد
ايده عليكي كده.. صح وجاي وعملي فيها شهم وشايلك على دراعه..."قالت اخر جملة وهي ترمقه
باحتقار....
انفجرت نجلاء في البكاء وهي تهز راسها
بنفي...
"حمزة معملش حاجة ياماما...انا وقعت من
طولي وانا طلعالك...."
قالت امها بصدمة وهي تنظر الى كدمة
وجهها...
"امال مين اللي عمل في وشك كده...."
ازداد بكاؤها حرقة مما جعل حمزة يمط شفتيه
بملل قائلا ببرود....
"اسيبكم انا بقا تحلو اموركم العائلية...طالما اتاكدتي
ان مش انا اللي ضربتها...."
قالت المرأة من خلفه بفمًا معوج... "كتر خيرك...."
رد باسلوب مماثل.....
"ماهو كتر خيري فعلا بس بعيد عنكم...."
أغلق الباب خلفه بقوة وغضب وهو يتمتم عدة
سبات بذيئة نافضًا قميصة بيده وكانه يتخلص
من اي آثر لها بعد ان حملها بين ذراعيه ثلاثة
طوابق كاملة....
فتوقف بصدمة وهو ينظر الى الفراغ أمامه...اين
هي....لماذا لم تصعد خلفه كما أمرها....
ضرب على مقدمة رأسه بكف يده متافف بجزع
فهذا الأمر لن يمر مرور الكرام بينهما ؟!...

يتبع

الحب  أولاWhere stories live. Discover now