{قناعٌ من خِداع}

43 10 13
                                    

القاعدة الثالثة

"في هذه الحياة كنُ أنتَ المُفترِس، لا الفريسة"

تشاجرت الأصوات فيما بينها داخل عقله، تصادمت ونسجت معزوفةً لألحان غيتارةٍ مشوشة ومزعجة، وكأنَّ عازفها يتعمَّد بعثرتها على الأوتار الرفيعة، فتحَ جفناه بتثاقلٍ والصداع يلعبُ على أعصاب دماغه، كلُّ شيئٍ أمامه مظلم، أحقًّا فتحَهما؟!، تسلَّلت رعشةٌ خفيفة في أنحاء جسده تُعلمه بوهنِه، ليُعلنَ الألم عن رايتِه ويتمكَّن منه، صكَّ أسنانه لعلَّه يعبِّر عمَّا يخالجه ثمَّ حوَّل عسليَّتاه عن يمينه وعن شِماله، وبعد لحظات بدأت الرُّؤية تتوضَّح له، ليتوقَّف صوت الغيتار ويأخذ مكانه جدالٌ بين صوتين طفوليَّين، تسلَّل عُنوةً نحو طِبلتا أُذُنيه.

-أخرج من هنا "تريك"، صديقي مريض.

-توقَّف عن عزفكَ الغبِّي، إنَّه يشوِّش عليَّ صوت التِّلفاز، هو برنامجي المفضَّل "بيدرو".

-عزفي ليس غبيًّا أيُّها الرضيع المشاغب، إنَّها مقطوعة__، نسيت إسمها.

-أخرجَ حروفه بتقطُّعٍ يحاول جعلها متناسقة بعد أن زفر بانزعاج :«إخرسا كِليكُما»

لم يلتفت لهُ أيٌّ منهما، بل ضلاَّ على حالهما يتجادلان حول دناءة "بيدرو" في العزف، وعدم احترام "تريك" لأخيه الأكبر، حاولَ النهوض ليتمكَّن من الجلوس بأرياحيَّة، وسأل متذمِّرًا :« أنتَ يا دودة الدراسة، أهذه حضانةٌ أم منزل؟!»

لا جدوى من ذلك، فكلاهما منغمسانِ في إثبات صحَّة رأي الآخر مع استعمال أيديهما وهما يدفعان بعضهما بين تارة وأخرى، حمل "كيلفن" بيده اليمنى كأسًا من الألمنيوم كان أمامه، ورماه ناحية "بيدرو" فأصاب رأسه، أطلق الآخر تأوُّهًا من ألم الضربة، بينما ضحكَ عليهِ أخوه الأصغر جالسًا على الأرض.

-الآن ستسمعني.

-أنتَ عنيفٌ جدًّا "كيلفن"، كيف لكَ أن ترمي عليَّ بكأسٍ معدني؟

-سيكون درسًا جيِّدا لكي لا تتجاهلي مرَّةً ثانية.

-تنهدَّ في ألمٍ ووضع راحة يده على مكان الإصابة :«لم أنتبه لاستيقاظك، أتشعر بتحسُّن؟!»

-لا شأنَ لكَ بي، لن أنسى بأنَّك خسِرت أمس في لعبة تذكُّر الرقام العشوائية، سأرحمك وأجعلك تدفع لي لاحقًا.

-عبَس في وجهه وزفر بحنق: «فظيع!!»

كان أخوه قد غادر قبلَ هذا ليتابع برنامجه المفضَّل، فدخلت عليهما والدة "بيدرو" وفي يدها صندوقٌ صغير للأدوات الطبية الأوليَّة، اقتربت منه وجلست أمامه بعد أن سألت عن ألم كتفه، رغم أنَّها كانت توجعه بينما تغيِّر له الضِّماد وبشدَّة  إلاَّ أنَّه لم يكن ليُخبرها بذلك مهما كان الأمر، حتَّى أنَّ "بيدرو" كان ينظر لوالدته بفخرٍ لمهارتها ظنًّا منه أنَّها لا تتسبَّب في ألم صديقه، ألفتت نظراته انتباه "كيلفن" فرفعَ الأخير عيناه نحو وجهها ثمَّ خفضهما بسرعة  ومشاعر الغيرة تلفُّ قلبه بأشواكها.

king bossWhere stories live. Discover now